نص الشريط
الدرس 53
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 10/3/1435 هـ
مرات العرض: 2614
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (422)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا فيما سبق أن «قدس سره» أشكل بأن الفرض الرابع من فروض الأمر الاضطراري وهو أن يكون الفرد الاضطراري وافيا ببعض الملاك مع بقاء بعض لزومي يمكن استيفاؤه أشكل على هذا الفرض بأنه وإن كان فرضا محتملا ثبوتا ولكن صياغته الجعلية الاعتبارية لا تكون إلا بنحو التخيير بين الأقل والأكثر بأن يقول المولى للعبد: أنت مأمور بالجامع بين الأقل وهو أن تنتظر إلى أن يزول الاضطرار فتأتي بالفرد الاختياري أو الأكثر وهو أن تأتي بالفرد الاضطراري أول الوقت ثم تأتي بالفرد الاختياري آخر الوقت والتخيير بين الأقل والأكثر غير معقول فالنتيجة أن الفرض الرابع من فروض الأمر الاضطراري غير معقول جعلا فتتعين الفروض السابقة ومقتضاه هو الإجزاء.

وقد أشكل السيد الشهيد «قدس سره» عليه بأن هناك فروض للأمر الاضطراري في مرحلة الجعل لا يرد عليها هذا الإشكال ونحن في مقام الدفاع عن رأي سيدنا «قدس سره» نقول: بأن الفرض الرابع وهو كون الفرد الاضطراري وافيا ببعض الملاك مع كون البعض الباقي لزومياً ويمكن استيفاؤه لا توجد له صياغة اعتبارية في عالم الجعل لان الصياغات المحتملة كلها غير تامة، وكل احتمال ثبوتي ليست له صياغة اعتبارية صحيحة فهو ملغا عقلائيا اما أن الصياغات غير تامة فالصياغات المحتملة أربع:

الصياغة الأولى: ما ذكره سيدنا «قدس سره» من أن مرجع ذلك إلى الأمر بالجامع بين الأقل والأكثر والتخيير بين الأقل والأكثر غير معقول سبق الحديث فيه حتى السيد الصدر سلم أنه لو كان المقام من باب التخيير بين الأقل والأكثر لكان غير معقول إنما هو اقترح صياغات أخرى.

الصياغة الثانية: ما ذكره السيد الشهيد من تعدد الأمر حيث إن هناك أمرين أمرا بالجامع بين الفرد الاختياري والفرد الاضطراري وأمرا بخصوص الأمر الاختياري فهل هذه الصياغة تامة أم لا؟

هنا إشكالات ثلاثة على هذه الصياغة:

الإشكال الأول: ما يقتنص من كلام سيدنا «قدس سره» في بحث اجتماع الأمر والنهي وغيره من أنه لا يعقل ورود أمرين على طبيعة احدهما أمر بالطبيعة والآخر أمر بالحصة؛ والسر في ذلك مثلا إذا أمر المولى بالصلاة وأمر بالصلاة جماعة أو أمر بالصلاة في المسجد فهناك أمران أمر بالطبيعي وأمر بالحصة فهل الأمر بالطبيعي مطلق يشمل من أتى بالحصة بقصد أمرها أم ليس مطلقا؟ فإن قلتم بأن الأمر بالصلاة مطلق يشمل حتى من يأتي بالصلاة جماعة بقصد أمرها فلازم ذلك محركية ما هو متحرك فإن من يأتي بالصلاة جماعة بقصد أمرها لا معنى لتحريكه بالصلاة نفسها فيلزم من شمول الأمر بالطبيعي لمن يأتي بالحصة بقصد أمرها تحريك من هو متحرك وهذا من قبيل تحصيل الحاصل، وان قلتم بأنه لا يشمل إذن فلم يجتمع أمران في عرض واحد بل كان الأمر بالجامع طوليا أي إن لم يأت بالحصة بقصد أمرها فهو مأمور بالطبيعي فلا يتصور أمران في عرض واحد أمر بالطبيعي وأمر بالحصة لان الأمر بالطبيعي إما مطلق بفرض الإتيان بالحصة بقصد أمرها أو غير مطلق لازم إطلاقه تحصيل الحاصل ويلزم أن يكون متقيدا فلم وهذا خلف.

هذا ما أفاده «قدس سره».

ولكن يلاحظ على هذا الإيراد أن صحة الأمر منوطة بوجدان المقتضي وفقدان المانع والمقتضي لأي أمر مطابقته لعالم الملاك فمتى ما كان الأمر مطابقا لعالم الملاك فالمقتضي لصحته موجود والمفروض هنا أن تعدد الأمر أي وجود أمر بالطبيعي وأمر بالحصة مطابق لعالم الملاك إذ المفترض أن هناك مطلوبين أي أن طبيعي في نفسه مطلوب والحصة مطلوبة فهناك غرض في الطبيعي وغرض في التقييد والتحصص فمع وجود مطلوبين وغرضين فالمقتضي لتعدد الأمر أمر بالطبيعي وأمر بالحصة حاصل، وأما المانع فهو مسألة اللغوية أي أن شمول الأمر لفرض الإتيان بالحصة بقصد أمرها لغو ولكن لا لغوية في البين، فإن هذا الإشكال في جميع الموارد مطروح وجواه سيال ومعروف حيث أشكل على وجوب مقدمة الواجب شرعا بأن هذا الوجوب لغو لأنها واجبة عقلا وأشكل على الأمر بالأمر بأنه لغو بأن المحركية الأولى حاصلة وأجيب عنه في سائر الموارد بأنه يكفي في رفع اللغوية المحركية الفرضية أو المحركية التأكيدية، إما أنه محرك لمن لم يحركه الأمر الآخر فهذا كاف في عدم لغويته أنه محرك لمن يحركه الأمر الآخر، أو أنه يكفي في لغوية تأكيد تلك المحركية حيث إنه يبادر نحو الحصة عن مجموع أمرين فالنتيجة أن المقتض لتعدد الأمر موجود والمانع مفقود.

هذا هو الإشكال الأول.

الإشكال الثاني: لازم تعدد الأمر تعدد العقوبة وهو مما يقطع بعدمه فانه إذا قيل: إن هذا المكلف مأمور بأمرين: أمر بالجامع بين الفرد الاضطراري والاختياري وأمر بالفرد الاختياري فلو لم يصل أصلاً لا في حال اضطراره ولا في حال اضطراره لزم تعدد العقوبة لمخالفته لأمرين أمرا بالجامع وأمرا بالفرد، بينما من كان مختارا من أول الوقت إلى آخره لو لم يصل أصلاً لم يكن مستحقا إلا لعقوبة واحدة وهذا منبه على عدم قبوله ارتكازا أن من كان مختارا منذ أول الوقت فترك الصلاة بالمرة لم يعاقب إلا عقوبة واحدا ومن كان مضطرا في أوله مختارا في آخره لو ترك الصلاة لاستحق عقوبتين فلازم مدعى تعدد الأمر تعدد العقوبة.

والجواب عن هذا الإشكال: أننا ذكرنا في عدة مرات أن المناط في التعدد تعدد فوت الملاك والغرض فإذا فات غرضان لزوميان على المولى فإن ذلك موجب لتعدد العقوبة، وأما مخالفة أمر أو أمرين فهذا لا أثر له، والمفروض في المقام أن من يدع تعدد الأمر لا يدع تعدد الأغراض، وإنما يقول: هناك غرض واحد ذو مرتبتين: مرتبة في الجامع، مرتبة في الحصة، فلو ترك بالمرة لكان قد فوت على المولى غرضا واحداً، فلم يكن بذلك مستحقاً إلا عقوبة واحدة وإلا فما يقول الفقهاء فيمن كان واجدا للماء في أول الوقت لكنه لم يبادر للصلاة لظنه استمرار الطهارة المائية ففقد الماء آخر الوقت؟ أليس مأموراً بأمرين أمر بالصلاة عن وضوء حيث كان واجداً وقادراً، وأمر الآن بالصلاة عن تيمم، فهل لو ترك هذا المكلف الصلاة رأساً يستحق عقوبتين أم عقوبة واحدة؟ لا ريب أن المرتكز أنه لا يستحق إلا عقوبة واحدة.

هذا الشخص كان واجدا للماء خوطب إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا صار فاقدا للماء خوطب فلم تجدوا ماء فتيمموا فهذا أمر واحدا صلوا وتيمموا وليس أمران. فالأمر بالصلاة عن وضوء نفسي والأمر بالصلاة عن تيمم نفسي.

فالنتيجة أن هذا الإيراد وهو إشكال تعدد العقوبة غير وارد.

الإشكال الثالث: بأن يقال: صحيح أن ما ذكره سيدنا «قدس سره» صاغه كإشكال عقلي وهو ليس واردا كإشكال عقلي كما ذكره السيد الصدر ولكن يمن صيغته كإشكال عقلائي وهو ما ذكره السيد الأستاذ «دام ظله» في غير مورد من أنه ليس من العقلاء إصدار أمرين أمر بالجامع وأمر بالحصة لا أنه ليس عقليا كما ذكره سيدنا «قدس سره» وبيان ذلك تارة يكون الجامع طبيعيا كالأمر بالصلاة والأمر بالصلاة جماعة وهذا عقلائي ولا كلام فيه وتارة يكون الجامع انتزاعيا كان يقول: أكرم زيدا أو عمرا وأكرم زيدا فأمره أمران أمر بالجامع بين زيد وبكر وأمر بإكرام زيد، فهنا إذا قال له: اطبخ قيمة أو سبزيا وقال له: اطبخ قيمة، هنا يقال: ما هو الغرض من الأمر بالجامع؟ ما هو الغرض العقلائي؟ لا يوجد غرض عقلائي بالأمر بالجامع إلا تمكين المكلف من فرص إدراك بعض الملاك إن لم يدرك تمام الملاك وهذا الغرض العقلائي يتصور فإن تمام ملاك المولى في أن يشبع بطنه بالسبزي ولكن إن لم يحصل هذا الملاك لم يتمكن المكلف من تحقيق هذا الملاك فالمولى يعطيه فرصة لإدراك بعض الملاك بأن يأت بالقيمة، فحيث إن الغرض العقلائي من الأمر بالجامع بعد الأمر بالفرد تمكين المكلف من فرصة تحقيق بعض الملاك للمولى فلازم هذا الغرض العقلائي أن يكون الأمر بالجامع أمرا طوليا لا أمرا عرضيا بأن يقول له: اطبخ سبزيا فإن لم تطبخ اطبخ احدهما وهذا هو الذي ينطبق على محل الكلام فإن غرض المولى التام في الصلاة الاختيارية ولكن إذا لم يأت المكلف بالصلاة الاختيارية فليأتي بجامع الصلاة ليحقق بعض الغرض، واما أن يقوم المولى بإصدار أمرين في عرض واحد بالنسبة لعامة المكلفين بأن يكون كل مكلف مخاطب بأمرين أمر بالجامع بين الفرد الاضطرار والاختياري وأمر بخصوص الاختياري هذا غير عقلائي ما دام غرض المولى من الأمر بالجامع تمكين المكلف فإذن مقتضى هذا الغرض أن يخص الأمر بالجامع بالمكلف الذي لم يتمكن من الفرد الاختياري.

إذن فإشكال سيدنا «قدس سره» على تعدد الأمر أمر بالجامع وأمر بالحصة إذا كان الجامع جامعا انتزاعيا يمكن ارجاعه إلى استهجان عقلائي.

هذا بالنسبة إلى الصياغة الثانية.

الصياغة الثالثة: أن يقال: إنه يمكن أن يقال: إن المصحح للأمر الاضطراري مع عدم وفائه بتمام الملاك أن المصحح له إدراك فضيلة أول الوقت فيمكن تخريج هذا الفرض الرابع وهو أن الفرد الاضطراري وفى ببعض الملاك وبقي بعضه ملزم يمكن استيفاؤه بأن يقال: هناك أمران: أمر بالفرد الاضطراري ولكنه أمر ندبي من أجل استيفاء مصلحة أول الوقت، وأمر وجوبي وهو الأمر بالفرد الاختياري عند ارتفاع الاضطرار لأجل تدارك تمام الملاك فلا ينحصر تخريج الفرض الرابع بالأمر بالجامع على نحو التخيير بين الأقل والأكثر بل يمكن تصور فرض آخر صياغة أخرى لهذا الفرض الرابع.

ولكن يلاحظ على هذا التصوير أنه خلاف الظاهر فهو وجه لا بأس به، لكنه خلاف ظاهر الأوامر الاضطرارية؛ فإن ظاهر قوله: المريض يصلي جالساً أو إن لم يجد ماء تيمم ظاهره تطبيق ذلك الأمر اللزومي على الفرد لا أنه مجرد أمر استحبابي ندبي لأجل مصلحة أول الوقت خصوصا وانه قد يرتفع الاضطرار بعد دقيقتين من الوقت مما تبقى معه فضيلة أول الوقت فالأمر بالفرد الاضطراري ليس أمرا ندبياً بحسب ظاهر الخطابات بل هو إرشاد إلى أن امتثال الأمر بالصلاة في هذا الفرض متعين بهذه الكيفية وهذه الصورة المريض يصلي جالسا.

فهذه الصياغة الثالثة أيضاً غير تامة لمخالفتها لمقام الظاهر.

يأتي الكلام عن الصياغة الرابعة إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 52
الدرس 54