نص الشريط
الدرس 54
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 12/3/1435 هـ
مرات العرض: 2520
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (445)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

الصياغة الرابعة أن يكون المأمور به الفرد الاختياري على نحو التخيير بين البشرط شيء والبشرط لا بأن يقول المولى للمكلف: أنت مأمور بالصلاة الاختيارية مخيرا بين صلاة اختيارية مسبوقة بصلاة اضطرارية أو بصلاة اختيارية غير مسبوقة بصلاة اضطرارية، المأمور به الصلاة الاختيارية على كل حال لكن المكلف مخير في شرطها إما أن يأتي بها مسبوقة بالاضطرارية أو يأتي بها غير مسبوقة بالاضطرارية.

فهل هذه الصياغة صحيحة أم لا؟

هنا إشكالان على هذه الصياغة:

الإشكال الأول: أن الأمر بالجامع في مورد تحققه قهرا لغو؛ بيان ذلك: تارة يكون هناك شق ثالث غير الشرطين وتارة لا يكون فإن كان هناك شق ثالث غير البشرط شيء والبشرط لا فالأمر بالجامع بين هذين الشرطين معقول كان يقول المولى: أنت مأمور في الركعة الثالثة بتسبيحة مخير بها بين تسبيحة بشرط ثلاث أو تسبيحة واحدة فيوجد هنا شق ثالث لا هو تسبيحة واحدة ولا هو تسبيحات ثلاث، بأن يأتي بتسبيحتين فحيث يوجد شق ثالث خارج عن البشرط شيء وهو الثلاث والبشرط لا وهو الوحدة حينئذ يكون الأمر بالجامع أمرا معقولا أنت مأمور بتسبيحة بشرط الوحدة وبشرط الثلاث هنا يكون الأمر بالجامع بين الوحدة والثلاث أمرا معقولا لأنه يمكن أن يتخلف عنه بشق ثالث.

أما إذا افترضنا أنه لا يوجد شق ثالث والأمر منحصر بين البشرط شيء والبشرط لا أنت مأمور بعتق رقبة مشروطة بالإيمان أو بعدم الإيمان فهنا لا يوجد شق ثالث خارج عن شرطية الإيمان وعدم الإيمان حتى يحققه المكلف فحيث لا يوجد شق ثالث وراء البشرط شيء والبشرط لا إذن فالجامع متحقق قهرا لأنه بالنتيجة إما أن يأتي بالرقبة غير مؤمنة أو رقبة مؤمنة على أية حال الجامع بين الإيمان وعدمه متحقق قهرا فإذا كان الجامع بينهما متحقق قهرا فالأمر به لغو لأنه متحقق قهرا، فكذلك الأمر في المقام فانه إذا قال المولى للمكلف: أنت مأمور بصلاة اختيارية إما بشرط سبقها بالاضطرارية أو بشرط عدم سبقها وفي النتيجة لا محالة إما أن المكلف سيأتي بالاضطرارية أو لا يأتي على أية حال الجامع بين سبقها بالاضطرارية أو عدم سبقها متحقق قهرا فلا معنى للأمر به مع تحققه قهرا.

والجواب عن هذا الإشكال: بأنه التكليف بالفرد الاختياري مشروطا بجامع متحقق قهرا واجد للمقتضي فاقد للمانع، أما وجدانه للمقتضي فلما ذكرناه أمس أن المقتض لصحة أي تكليف مطابقته مع وعاء الملاك، فلو افترضنا المولى رأى ملاكه بنحوين فانه إن كانت الصلاة الاختيارية مسبوقة بالاضطرارية فلكل منهما تأثير ببعض الملاك وإن كانت الصلاة الاختيارية غير مسبوقة بالاضطرارية فهي علة تامة لحصول الملاك فمع كون الملاك بنحو هذين النحوين لا يصح التأخر عنه والتغافل عنه وكان التكليف بهذه الصياغة وهو انك مأمور بالفرد الاختياري مسبوقا أو غير مسبوق تكليفا مطابقا لواقع الملاك فهو تكليف واجد للمقتضي وأما أنه واجد [يبدو سبق لسان والصحيح فاقد] للمانع - نأتي لنتعرف على كلمات السيد الإمام «قدس سره» - فلان المانع من صحة أي تكليف أن لا اثر له فإذا لم يكن له اثر فهذا التكليف وإن كان مطابق للملاك لكن ما دام ليس له اثر عملي فليس بصحيح فهل التكليف بهذا النحو له اثر عملي أم لا؟ نقول نعم له اثر عملي وهو صحة أن تأتي بالصلاة الاضطرارية بقصد الأمر؛ لأنه إذا كان التكليف بالجامع بين الفرد الاختياري مسبوقا بالاضطراري أو الفرد الاختياري وحده إذن الفرد الاختياري مسبوقا بالاضطراري مصداق للجامع فإذا كان مصداقا للجامع صح أن يأت بالصلاة الاضطرارية بقصد الأمر، وهذا له اثر أيضاً باعتبار صحة الائتمام بمن صلى صلاة اضطرارية متعقبة بصلاة اختيارية فلو فرضنا أن هذا الإمام مبتلى في أول الوقت بعذر يقتضي أن يصل بتيمم ونفسه في آخر الوقت سيأتي بالصلاة الاضطرارية وهي الصلاة مع التيمم سيأتي بها ملحوقة بالصلاة الاختيارية لأنه في آخر الوقت سيجد الماء ويتمكن من استعماله، وقد قلنا بأن الصلاة الاختيارية مسبوقة بالاضطرارية مصداق للجامع المأمور به فيصح لهذا الإمام أن يأتي بالصلاة بقصد الأمر فإذا أتى بالصلاة الاضطرارية بقصد الأمر صح الائتمام به إذ يعتبر في الائتمام أن تكون الصلاة فريضة وهذه فريضة، فما دام لهذه الصياغة اثر اعملي وهي صحة أن يأت بالفرد الاضطراري بقصد الأمر ويترتب عليه صحة الائتمام به إذن فهذه الصياغة واجدة للمقتضي فاقدة للمانع.

وبهذا التوجيه يمكن أن يوجه فتويان للسيد الإمام «قدس سره» وهذان الفتويان موجودة عند غيره أيضاً:

الفتوى الأولى: أنه يقول: الغسلة الثانية لليد اليسرى في الوضوء ليست مستحبة لكنها مشروعة فإذا غسل اليد اليسرى غسلة ثانية لم يضر بذلك صحة وضوئه وان لم تكن مستحبة، فقد قال البعض: بأن الغسلة الثانية مستحبة في الوضوء وهذا واضح وقال بعض بأنها غير مشروعة من الأساس فلا يصح المسح ببلها وإما أنها غير مستحبة لكنها مشروعة فيمكن توجيه بما ذكرنا وهو أن يكون المأمور به الغسلة إما بشرط لا أو بشرط شيء فالمأمور به الغسلة مع الجامع بين الشرطين البشرط شيء يعني الثانية والبشرط لا يعني الوحدة فإذا أتى بالغسلة مع غسلة بعدها فقد أتى بأحد مصداقي الجامع وهو الغسلة بشرط شيء هذا احد المصداقين فإذا أتى بأحد المصداقين صح له أن يأت بالغسلة الثانية بقصد الأمر وحينئذ يصح المسح ببلها.

ذكرنا ثلاثة أقوال أن الغسلة الثانية بعنوان أنها ثانية مأمور بها هذا قول.

أن الغسلة الثانية غير مشروعة أصلا هذا قول.

وقول ثالث أنا لا أقول بأن الغسلة الثانية مأمور بها بنفسها أنا أقول المأمور به الغسلة إما بشرط غسلة معها أو بشرط الوحدة فإذا أتى بضم غسلة ثانية معها كانت الغسلة الثانية مصداقا للجامع فإذا كانت مصداقا للجامع صح الإتيان بها بقصد الأمر.

وهناك فتوى أخرى وهي غسل اليد اليسرى ارتماسا حيث ورد الإشكال أنه إذا أراد أن يغسل اليد اليسرى ارتماسا فإما أن يغسل الغسل بالرمس أو يقصد الغسل بالإخراج فإن قصد الغسل بالرمس كانت اليد تحت الماء بعد الغسل موردا لماء أجنبي فلا يصح المسح ببله، وان قصد الغسل بالإخراج كان هذا غسلا بقائيا وظاهر الأمر بالغسل الغسل الحدوثي لا الغسل البقائي هذا إشكال طرحه السيد الخوئي في غسل رمس اليد اليسرى.

وأجيب عنه الجواب الأول: أنه لا مانع من أن يقصد الغسل بالرمس ويعد إخراج اليد بعد ذلك غسلا بماء الوضوء ولا يعد بنظر العرف ماء جديدا.

والجواب الثاني: لا مانع من أن يقصد الغسل بالإخراج ونقول بأن ظاهر الأمر بالغسل مطلوبية فعلية الغسل اعم من أن يكون حدوثيا أو بقائيا.

والجواب الثالث: أن يكون المأمور به الغسلة المستقلة بأن يغسل اليد غسلة مستقلة والغسلة المستقلة إنما تتحقق بانفصال الماء عن اليد وانفصال الماء عن اليد إنما يتحقق بإخراج اليد من الماء فإذا أخرج يده من الماء صدق أنه غسلها غسلة مستقلة.

ويمكن توجيه ذلك بما ذكرنا أنه أمر بغسل حدوثي مشروط بالبقاء أو مشروط بعدمه فإذا أتى بغسل حدوثي مع ضميمة البقاء كان مصداقا لما هو الجامع المأمور به.

فتلخص من هذا الأمر: أن يقال: إن التكليف بالفرد بضميمة الجامع بين البشرط شيء والبشرط لا صياغة صحيحة.

هذا هو الإشكال الأول.

الإشكال الثاني: أن هذه الصيغة غير عقلائية والسر في ذلك أنها فاقدة للمحركية فهي وإن كانت مطابقة لعالم الملاك ولها اثر عملي كما يقال لكن لا محركية لهذا الأمر نحو الجامع إنما المحركية لأصل الصلاة فالمولى أمر عبده بالصلاة الاختيارية صح ولكن أمره بالصلاة الاختيارية مشروطة بالجامع مع كون هذا الجامع متحقق قهرا إذن لا محركية لهذا الأمر نحو الجامع وإن كان محركا نحو أصل العمل ألا وهو أصل الصلاة، وهذا وإن كان ممكنا عقلا بأن يأمرك المولى بعتق رقبة الأعم من رقبة مؤمنة أو غير مؤمنة إلا أن جعل ذلك شرطا فيما هو المأمور به مع عدم محركية نحو هذا الشرط غير عقلائي.

وبناء على هذا فهذا التصوير وهذه الصياغة غير تامة أيضاً.

والنتيجة تمامية ما ذكره سيدنا الخوئي «قدس سره» وهو أن الفرض الرابع من فروض الأمر الاضطراري وإن كان محتملا ثبوتا ولكن لا توجد له صياغة اعتبارية صحيحة.

بقي عندنا وجه أخير من وجوه تصحيح الصلاة الاضطرارية ما ذكره السيد البروجردي «قدس سره» في تهذيب الأصول ومحصله أمران:

الأمر الأول: أن لا يوجد عندنا أوامر متعددة بل أمر واحد بطبيعي الصلاة غاية ما في الباب أن هذا الأمر الواحد بطبيعي الصلاة له مصاديق متعددة من مصاديقها صلاة الغريق والخائف والمسافر والمضطر والمختار، فليس هناك أمر في حق المضطر بصلاة وأمر بحق المريض بصلاة بل ليس هناك إلا أمر واحد بطبيعي الصلاة وهذا الطبيعي له مصاديق متعددة من مصاديقه الصلاة جالسا عند المرض الصلاة ايمائا عند الغرق الصلاة قصرا عند السفر بحيث يكون عند السفر والغرق والمرض قيد في الواجب وليس في الوجوب، نظير أن يقول: أنت مأمور بطبيعي الصلاة ولها مصداقان: فرادا وجماعة، فإن تقيدها بالجماعة قيد في المأمور به وليس قيد في الأمر وليس هناك أوامر متعددة وبالتالي فإذا أتى بالصلاة المضطر إليها حال المرض فقد أتى بما هو مصداق للجامع فسقط الأمر بالجامع.

المقدمة الثانية: إن قلت: لعل في الفرد الاختياري بعد ارتفاع الاضطرار ملاكا لم يتحقق بالفرد الاضطراري لعله صلى صلاة اضطرارية ثم ارتفع الاضطرار والوقت باق فيوجد ملاك في الفرد الاختياري لم يتحقق في الفرد الاضطراري فلابد من استيفائه وإتيان الفرد الاختياري.

قلت: لا شغل لنا في الملاكات وإنما المناط على الأوامر وإذا كان المناط على الأوامر فمقتضى وحدة الأمر - حيث ليس عندنا أوامر متعددة - بالطبيعي وصدق عنوان صلاة المضطر على من صلى أول الوقت اضطرارا هو الإجزاء واستكشاف أن الملاك وهو ملاك الطبيعي المأمور به قد تحقق واستوفي بالفرد الاضطراري.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 53
الدرس 55