نص الشريط
الدرس 55
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 13/3/1435 هـ
مرات العرض: 2660
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (373)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام فيما إذا اضطر المكلف للصلاة جالسا مثلا ثم ارتفع اضطراره أثناء الوقت فهل تصح صلاته الاضطرارية أم انه مطالب بإعادتها بصلاة اختيارية وهذا ما بحث عنه في الأصول بعنوان هل يجزي الأمر الاضطراري عن الأمر الاختياري أم لا فقلنا بأن الكلام تارة فيما هو مقتضى الأصل اللفظي وتارة فيما هو مقتضى الأصل العملي وكان البحث سابقا عما هو مقتضى الأصل اللفظي حيث ذكرنا أن هناك وجوها أفيدت لبيان أن مقتضى الأصل هو الإجزاء ووصلنا إلى الوجه الأخير منها ألا وهو ما ذهب إليه السيد البروجردي «قدس سره» من أن هناك أمرا واحدا بطبيعي الصلاة، غاية ما في الأمر أن لهذا الطبيعي مصاديق، منها صلاة الغريق وصلاة الخائف وصلاة المضطر وصلاة المختار، فإذا أتى بصلاة المضطر فقد امتثل الأمر بطبيعي الصلاة ومقتضى ذلك إجزاء عمله.

ويلاحظ على ما أفيد أن الأعلام ومنهم السيد البروجردي «قدس سره» ذهبوا إلى أمرين:

أحدهما: انه ليس للمكلف أن يوقع نفسه في الاضطرار مثلا لو كان المكلف واجدا للماء في أول الوقت فليس له أن يتلف الماء لتكون وظيفته التيمم، ولو كان قادرا على الصلاة قائما في أول الوقت فليس له أن يعجز نفسه بإبرة أو نحو ذلك ليصلي جالسا ومع ذلك لو عصى فاتلف الماء أو عجز نفسه عن القيام فإن صلاته عن تيمم أو الصلاة جالسا صحيحة، فجمعوا بين أمرين: احدهما أن ليس له تعجزي النفس عن الصلاة الاختيارية، والآخر انه لو عجز نفسه لكانت صلاته هي الصلاة الاضطرارية، وهذا مما لا يمكن إلا بفرض تعدد الأمر إذ ما لم يفرض تعدد الأمر فانه لا يمكن الجمع بين هذين الفتويين بأن نقول ليس له أن يعجز نفسه لكن ولو عجز نفسه لكانت صلاته الاضطرارية صحيحة؛ والسر في ذلك: أن الصلاة الاضطرارية كالصلاة جالسا مثلا إما أنها مصداق حقيقي لما هو المأمور به وهو طبيعي الصلاة بحسب مسلكه «قدس سره» أو لا.

فإذا كانت الصلاة الاضطرارية من المضطر مصداقا حقيقيا لما هو المأمور به ألا وهو طبيعي الصلاة فإن مقتضى ذلك له أن يعجز نفسه إلا انه ينتقل من مصداق إلى مصداق آخر كما إذا انتقل من السفر إلى الحضر أو دخل البحر وهو لا يعرف السباحة فأصبح موضوعا لصلاة الغريق، فمقتضى كون الصلاة الاضطرارية مصداقا حقيقيا لطبيعي الصلاة أن له أن يعجز نفسه عن القيام فيدخل تحت مصداق آخر أو يتلف الماء المنحصر فيدخل تحت مصداق آخر وهو الصلاة بتيمم، وأما إذا قلتم بأنه ليس له أن يعجز نفسه، إذن معناه انه مأمور بالصلاة الاختيارية بأمر آخر غير الأمر بطبيعي الصلاة فهو مأمور بالصلاة الاختيارية لا بشرط، لأجل ذلك لا يجوز له أن يعجز نفسه لان المدار في فعلية الأمر بالصلاة الاختيارية القدرة على نحو صرف الوجود وهو قادر على صرف وجود الصلاة الاختيارية فبما انه قادر فليس له أن يعجز نفسه عن الصلاة الاختيارية، لكن لو عجز نفسه فهناك أمر ترتبي للصلاة الاضطراري وهذا معناه تعدد الأمر لا أن هناك أمرا واحدا بطبيعي الصلاة وهذا عين الإشكال الذي أورده سيدنا الخوئي «قدس سره» في صلاة القضاء واختار على أساسه بأن المكلف مأمور بالجامع بين صلاة القصر والتمام لا أن هناك أمرين أمرا للحاضر وأمرا للمسافر، فإن المشهور بين الفقهاء أن المكلف إذا دخل عليه وقت الزوال فهو مأمور بأمرين أمر بصلاة التمام إن كان حاضرا وأمرا بصلاة القصر إن كان مسافرا فهناك أمران مترتبان على موضوعين إن كان حاضرا فيصلي تماما وإن كان مسافرا يصلي قصرا فقد اعدم موضوعا واوجد موضوعا آخر لكن سيدنا «قدس سره» مع انه اختار هذا المسلك المشهور في فتاواه إلا انه في بحثه الاستدلالي في صلاة القضاء أشكل عليه وقال: إذا كان مأمورا أمرا فعليا بأن يصلي تماما كما لو فرضنا بأنه دخل عليه الوقت وهو حاضر فأصبح الأمر بالتمام أمرا فعليا في حقه مقتضى فعليته في حقه أن ليس له أن يسافر لان السفر تعجيز عن امتثال الأمر الفعلي إذ فرضتم أن الأمر فعلي فمقتضى فعلية الأمر بالتمام عليه لكونه حاضرا أن ليس له أن يسافر بينما بالاتفاق له أن يسافر فلا تجتمع فعلية الأمر مع جواز إعدام الموضوع فإن إعدام جواز الموضوع يعني تعجيز النفس عن امتثال الأمر الفعلي وحيث إن جواز السفر معلوم بالضرورة فهذا يعني أن المكلف ليس مكلف بأمرين بل مأمور بأمر واحد وهو أنه مأمور بطبيعي الصلاة تماما في حال الحضر بحيث تكون كلمة في حال الحضر قيدا في الصحة في المأمور به وليس قيدا في الوجوب وقصرا في حال السفر إذن أنا مأمور بالطبيعي ومخير في التطبيق بين فردين بين أن أصل تماما حال الحاضر أو قصرا حال السفر فهنا يجوز له ذلك؟

أما لو افترضتم بأنه مأمور بأمرين واحد الأمرين فعلي في حقه وهو أمره بالتمام لفعلية الحضر أيعقل أن يجوز له السفر فواضح انه تعجزي للنفس عن امتثال الأمر، فهذه النكتة التي في ذهنه الشريف وهي عدم إمكان الجمع بين فعلية الأمر وجواز التعجيز نتمسك بها في المقام فنقول: إذا كان المكلف - على طبق مسلك السيد البروجردي ومن قال بقوله - إذا كان المكلف مأمور بطبيعي الصلاة وصلاة الاضطراري كصلاة الاختياري ما هما إلا مصداقان للطبيعي إذن له أن يبدل مصداقا مكان مصداق فله أن يعجز نفسه إذا دخل عليه الوقت لكنه له أن يعجز نفسه بإراقة الماء فيتحول إلى مصداق آخر أو يضرب نفسه إبرة فيعجز نفسه عن القيام فيتحول إلى مصداق آخر وإلا بمجرد أن تقولوا لا يجوز له، إذن معناه انه مأمور بأمر فعلي بالصلاة الاختيارية ولأجل ذلك لا يجوز أن يعجز نفسه ومتى ما كان مأمورا أمرا فعليا بالصلاة الاختيارية إذن فانتفى مسلك وحدة الأمر بل أصبح مسلك تعدد الأمر.

فتلخص مما ذكرنا أن مقتضى الأصل اللفظي أي إطلاق الأمر الاضطراري الذي يشمل بإطلاقه الاضطرار المستوعب وغير المستوعب إذا سلمنا بهذا الإطلاق أن مقتضى هذا الإطلاق صحة صلاته الاضطرارية بناء على النكتة التي أفاد سيدنا الخوئي «قدس سره» أو بناء على الإطلاق المقامي.

إلا أن يقال: إنه حتى على مسلك سيدنا الخوئي «قدس سره» ما دام الفرض الرابع من فروض الأمر الاضطراري وهو أن تكون الصلاة الاضطرارية واجدة لبعض الملاك مع بقاء بعض لزومي يمكن استيفاؤه هذا محتمل عقلا وإن لم يكن له صياغة عقلائية في مقام الجعل والاعتبار إلا انه محتمل ثبوتا وإذا كان محتملا ثبوتا وإن كان بحسب مقام الجعل مما لا صحة لجعله إذن فحينئذ نفس هذا الاحتمال الثبوتي مانع عقلائي من إحراز الإطلاق، إذ لا دليل عندنا لصحة الصلاة الاضطرارية إلا إطلاق الأمر فهل التمسك بالإطلاق هنا عقلائي مع احتمال أن الفرد الاضطراري إنما أمر به لأجل وجدانه لبعض الملاك وإلا فالبعض الآخر لزومي ويمكن استيفائه.

هل المرتكز العقلائي هنا يرى حجية الإطلاق مع ورود هذا الاحتمال ثبوتا؟

لا يوجد إطلاق لحاظي في مقام العجز كما ذكروه في اخذ قصد الأمر في متعلق الأمر فإذا لم يعقل اخذ قصد الأمر في متعلق الأمر هل يمكن نفي اعتباره بالإطلاق، لا يمكن لان الإطلاق النافي للقيد ما كان إطلاقا اختياريا إطلاقا لحاظيا أما إطلاق يفرض نفسه على المولى؟!

ثم يقع الكلام حول البحث عما هو مقتضى الأصل العملي وهنا يتصور صور ثلاث:

الصورة الأولى: أن يكون التردد بين الوفاء وعدم الوفاء مع إمكان الاستيفاء بأن نقول: الفرد الاضطراري إما واف بتمام الملاك أو غير واف مع إمكان الاستيفاء فيتردد الأمر بين وفائه أو عدم وفائه مع إمكان الاستيفاء، وهذه الصورة لها فرضان:

الفرض الأول: أن نحرز أن الأمر يشمل الفرد الاضطراري بإطلاقه لكن نشك في إجزائه أو عدم إجزائه ففي مثل هذا الفرض نقول إذن إذا أحرزتم بأن الأمر شمل هذا الفرد الاضطراري لكننا لا ندري هل هو واف بتمام الملاك فلم يخاطب بأمر بعد زوال اضطراره أو واف ببعض الملاك فخوطب بأمر تعييني بالفرد الاختياري بعد زوال اضطراره، وبناء على ذلك ما ذا يحصل؟ نقول لا محالة المكلف مأمور بالجامع بين الفرد الاضطراري والفرد الاختياري وقد أتى بالفرد الاضطراري يعني أتى بما هو مصداق للجامع لكن لا ندر انه بعد زوال اضطراره هل هو مأمور بأمر تعييني بالفرد الاختياري أم لا فتجري البراءة عن أمر تعييني بعد زوال الاضطرار بالفرد الاختياري.

هذا طبعا إن لم نقل بمقالة السيد الخوئي وإلا فعلى مبنى السيد الخوئي بأن الفرض الرابع ممتنع جعلا لا تصل النوبة إلى الأصل العملي إنما تصل النوبة إلى الأصل العملي بناء على أن الفرض الرابع ممكن جعلا لذلك نبحث عما هو الأصل العملي.

لكن السيد الإمام «قدس سره» كما في تهذيب الأصول قال بأن المقام من باب منجزية العلم الإجمالي في التدريجيات والسر في ذلك أن المكلف يعلم إجمالا أول الوقت بأنه إما مأمور بالفرد الاضطراري الآن لأنه مريض أو مأمور بالفرد الاختياري بعد زوال اضطراره وبما أن العلم الإجمالي في التدريجيات منجز مقتضى منجزية العلم الإجمالي أن يأت بالفرد الاختياري بعد زوال الاضطرار.

فإذن هناك تصويران تصوير أن المقام من باب الشك البدوي أي أن هذا المكلف يقول: أنا مأمور بجامع بين الفرد الاضطراري والفرد الاختياري وقد أتيت بمصداق الجامع واشك بعد زوال الاضطرار في أمر تعيين بالفرد الاختيار فاجري البراءة، والتصوير الآخر يقول: لا، أنت تعلم من البداية بعلم إجمالي بأنك إما مأمور بفرد اضطراري أو مأمور بالفرد الاختياري بعد زوال الاضطرار أو قل بعبارة أخرى أنت تعلم علم إجماليا بأنك إما مأمور بالجامع بينهما أو مأمور بالفرد الاختياري بعد زوال الاضطرار ومقتضى منجزية العلم الإجمالي في التدريجيات أن تأت بالفرد الاختياري وإن أتيت بالفرد الاضطراري قبله.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 54
الدرس 56