نص الشريط
الدرس 67
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 4/4/1435 هـ
مرات العرض: 2525
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (508)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في أن صحيح لا تعاد هل يشمل الجاهل القاصر أم لا؟ وذكرنا عدة وجوه لمنع شموله ووصل الكلام إلى الوجه الثالث وهو تقييد صحيح «لا تعاد» بصحيح زرارة: «فمن ترك القراءة متعمدا اعاد الصلاة ومن نسي فلا شيء عليه» بدعوى أن المراد بالتعمد من ليس ناسيا فيشمل من اخل بالقراءة عن جهل.

ولكن اجيب عن هذا المدعى بعدة اجوبة:

الجواب الأول: دعوى اختصاص هذه الرواية بالقراءة فكأن صحيح «لا تعاد» يشمل من اخل بجزء أو شرط عن نسيان أو جهل ولكن نخرج عن صحيح لا تعاد في خصوص القراءة فمن أخل بالقراءة ولو عن جهل كانت صلاته باطل فبخصوصية القراءة نرتكب التقييد وذلك لأن صحيحة زرارة وردت في القراءة حيث قال: «والقراءة سنة فمن ترك القراءة متعمدا اعاد الصلاة ومن نسي فلا شيء عليه».

قال السيد الإمام ص37 في كتاب الخلل: أنه مع الغض عما ذكر وتسليم المقدمات لا تدل هذه الروايات إلا على حكم القراءة التي يمكن أن تكون لها خصوصية، أي أن العرف يحتمل خصوصية للقراءة فإنه لا صلاة إلا بها «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» كما في الحديث.

ولكن هذا البيان مخالف للظاهر فإن ظاهر التفريع حيث قال: «والقراءة سنة فمن ترك القراءة» فإن المناط في هذا التفصيل في القراءة كون القراءة سنة من دون موضوعية أو خصوصية للقراءة فإن هذا هو الظاهر وبالتالي دعوى الاختصاص بالقراءة غير عرفية وما ذكره السيد الإمام «قدّس سرّه» ص38 من كتاب الخلل أن هذا - يعني ظهور التفريع في أن لا موضوعية للقراءة - قال هذا اشعار لم يصل إلى حد الدلالة حتّى يمكن معه رفع اليد عن الظاهر الذي هو الحجة، فما عبر عنه أنه اشعار غير فني فإن ظاهر السياق التعليل ومقتضى التعليل التعميم لا أنه بمستوى الاشعار الذي لا يعول عليه.

الجواب الثاني: أن الجهل بوجوب القراءة لا يتحقق عادة بأن يكون المسلم جاهلا بوجوب القراءة فبما أن الجهل بوجوب القراءة التي هي من اوضح واجبات الصلاة لا يتفق عادة فاوجب ذلك انصراف قوله في صحيح زرارة «فمن ترك القراءة متعمدا» إلى الترك عن علم وعمد بلحاظ ندرة وجود جاهل بوجوب القراءة فإذا لم يشمل صحيح زرارة من ترك القراءة عن جهل لندرته شمله صحيح لا تعاد فدل على أن من ترك القراءة عن جهل فصلاته صحيحة.

ولكن يلاحظ على هذا الكلام ان الصغرى والكبرى ممنوعتان؛ اما الصغرى فدعوى أن الجهل بوجوب القراءة نادر غير تام إذ قد يجهل المكلف وجوب القراءة عليه في صلاته خلف العامة مثلاً، أو قد يجهل المكلف مثلاً وجوب القراءة عليه في الركعة الثالثة كما لو كان ماموما في الركعة الأولى والامام في الركعة الثالثة فيشك المكلف هل تجب عليه القراءة أم لا؟ فإذن دعوى الندرة ليست تامة، وعلى فرض أن ذلك نادر فالكبرى ممنوعة؛ لأن المستهجن اختصاص المطلق بالفرد النادر واما شمول المطلق للفرد النادر فليس مستهجنا فبالنتيجة عنوان العمد يشمل من ترك القراءة عن علم أو من ترك القراءة عن جهل، هذا هو الجواب الثاني ودفعه.

الجواب الثالث: أن يقال بأن العمد في هذه الرواية مجمل، والسر في ذلك: أن عنوان العمد في النصوص استعمل تارة بمعنى العلم واستعمل أخرى بمعنى القصد وكلا الاستعمالين موجودان في النصوص فنتيجة لاستعمال عنوان العمد تارة بمعنى العمل عن علم والتفات وتارة بمعنى الفعل عن قصد وإن كان جاهلا بعنوانه فلأجل ذلك يقع الإجمال في شمول كلمة «متعمدا» للاخلال عن جهل.

بيان ذلك: - كما اشار إليه السيد الإمام «قدّس سرّه» في كتاب الخلل - أنه جاء في قوله تعالى: «ومن قتل مؤمنا متعمدا فجزاءه جهنم» فظاهر عنوان العمد هنا العلم كما أنه ورد «أن من ترك الصلاة متعمدا فقد برأت منه ملة الاسلام» وورد «من افطر يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه كفارة»، كما أنه قرأنا سابقا في هذه الصحيحة الواردة في الجهل إذا جهر في موضع لا ينبغي فيه الجهر أو اخفت في مورد لا ينبغي فيه الاخفات قال: «فأن فعل ذلك متعمدا فعليه الإعادة» وظاهره بمقتضى مقابلته بقوله «فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه» أن المراد بالتعمد هو العلم فحيث استعمل عنوان التعمد في النصوص كثيرا في الفعل عن علم فهذا موجب لاجمال كلمة متعمدا في الرواية من حيث شمولها لفرض الاخلال عن جهل وبالتالي مقتضى إطلاق صحيح «لا تعاد» شموله للاخلال عن جهل والمقيد مجمل فحيث لم تقم حجة على التقييد يتمسك باطلاق صحيح «لا تعاد» لإثبات أن الاخلال عن جهل قصوري غير ضائر.

واما تخصيص النسيان بالذكر في الجملة الثانية مع أنه من مصاديق المفهوم لأن مقتضى مفهوم الشرط في الجملة الأولى أن من لم يتعمد فصلاته صحيحة ومن لم يتعمد شامل للناسي والجاهل وغير ذلك، فلماذا خص النسيان للذكر فلأن الجاهل بحكم القراءة وانها جزء من الصلاة في زمان الصدور ومن المخاطبين بتلك الروايات كان بغاية القلة فضلا عن العلم بالخلاف بخلاف النسيان فإنه أمر يبتلي به عامة الناس نوعا فذكر مصداق من المفهوم في مثله أمر متعارف إذن فما دام يحتمل أنه إنما ذكر النسيان لا لموضوعية فيه بحيث يكون مقتضى المقابلة بينه وبين المتعمد أن يراد بالمتعمد من ليس ناسيا وإنما ذكره لأنّه الفرد المبتلى به الناس عادة إذن فالقرينية وهي قرينية المقابلة غير تامة.

الوجه الرابع: دعوى تقييد «لا تعاد» بمفهوم صحيح منصور بن حازم قلت لابي عبد الله - هذا لم يتعرض له السيد الإمام لكن تعرض له اخرون منهم شيخنا الاستاذ «قدّس سرّه» - قلت لابي عبد الله : اني صليت المكتوبة فنسيت أن اقرأ في صلاتي كلها. فقال : أليس قد اتممت الركوع والسجود؟ قلت: بلى، قال: قد تمت صلاتك إذا كان نسيانا» الكافي: ج3 باب السهو في القراءة حديث3.

فيقال: مقتضى مفهوم الشرط أنه إن لم يكن ذلك عن نسيان فلم تتم صلاتك فيكون مفهوم الشرط مقيدا لاطلاق صحيح «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة» فينحصر الحكم بعدم الإعادة - بمقتضى مفهوم الشرط في صحيح منصور بن حازم - بما إذا كان الاخلال عن نسيان.

وهنا عدة اجوبة:

الجواب الأول: عدم ظهور الشرط في الاحترازية وانه إنما ذكر ذلك مجاراة للسائل حيث قال السائل اني نسيت أن اقرا في صلاتي كلها فقال له الإمام قد تمت صلاتك إذا كان الأمر كما ذكرت، فذكر النسيان لأنّه مورد السؤال لا لأنّه قيد احترازي كي يترتب عليه ثبوت المفهوم، هذا نظير ما نراه في استفتاءات المراجع بأن يسال السائل امرا فيكتب المفتي: إذا كان الأمر كما فرضت كذا او كما هو مفروض في السؤال، مع أنه لا خصوصية لكلام المستفتي وإنما اراد أن يجيب بمقدار سؤاله.

الجواب الثاني: مبنائي بنينا عليه نحن في الأصول: أن الشرط ليس له مفهوم مطلق فلا فرق عندنا بين الوصف والشرط في أن كليهما مفهومه جزئي وليس عاما فإذا قال تعالى: «إذا جَاءَ نَصْرُ اللهِ ”1“ والفَتْحُ وَرأيْتَ النَّاسَ يَدْخُلونَ في دِينِ اللهِ أفوَاجاً ”2“ فَسَبِحْ» فهل يعني هذا: إذا لم يجئ نصر الله فلا تسبح؟! أو مثلاً إذا قال: «إذا ذكرت رسول الله فصلِّ على محمد وال محمد» فهل معناه: إذا لم تذكر رسول الله فلا تصل؟! فغاية ما يستفاد من الشرط ومن الوصف أن الحكم المعلق على الشرط حكم جزئي يعني من قبيل ترتب الحكم على موضوعه، فإذا لم يكن للمفهوم إطلاق فكيف يكون مقيدا لاطلاق صحيح «لا تعاد»؟ وهذا مبنائي كما ذكرنا.

الجواب الثالث: أن مقتضى المفهوم - اذا سلمنا بوجوده - عدم تمامية الصلاة في غير النسيان حيث قال «تمت صلاتك إذا كان نسيانا» فمقتضى المفهوم: إن لم يكن عن نسيان فما تمت صلاتك اما انها فاسدة أم لا فلم يقل وإنما قال إذا لم يكن ذلك نسيانا فما تمت صلاتك وعدم التمامية اعم من الفساد فلعل عدم التمامية بلحاظ عدم وفائها بالغرض فكأنه قال: إذا كان اخلالك عن نسيان فالصلاة وافية بالغرض وإذا كان اخلالك لا عن نسيان فالصلاة غير وافية بالغرض فلذلك انها غير تامة لا انها فاسدة فلا يصلح مفهوم الشرط حتّى على القول به لتقييد إطلاق «لا تعاد».

ويلاحظ على ما ذكر: أن مقتضى ورود الرواية - صحيحة منصور بن حازم - في مقام بيان الوظيفة الفعلية كون المنظور في الفرق بين النسيان وغيره فرق يترتب عليه أثر عملي واما الفرق بين النسيان وغيره بلحاظ أمر لا يترتب عليه أثر عملي غاية ما في الباب إن كان عن نسيان فقد وفيت بالغرض وإن لم يكن عن نسيان فما حصل وفاء بالغرض إلا أن صلاتك صحيحة ولا تجب عليك الإعادة فالتفريق بين النسيان وغيره في أثر لا يرتبط بالوظيفة العملية وليس هو محل سؤال السائل خلاف ورود الرواية سؤالا وجوابا في مقام بيان الوظيفة الفعلية.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 66
الدرس 68