نص الشريط
الدرس 66
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 2/4/1435 هـ
مرات العرض: 2637
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (411)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ما زال الكلام في أن صحيح «لا تعاد» هل يشمل الجاهل القاصر أم لا؟ وذكرنا أن الوجه الثاني لعدم شمول لا تعاد للجاهل القاصر ما ذكره المحقق النائيني «قدّس سرّه» من أن لسان «لا تعاد» إنما يصح في مورد يتوقع فيه الأمر بالإعادة وما يتوقع فيه الأمر بالإعادة هو في حق الناسي وأما الجاهل فإنه بعد علمه مخاطب بنفس الأمر الأول لا بالأمر بالإعادة كما هو مقتضى قاعدة اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل فلأجل ذلك ذهب الميرزا النائيني إلى أن «لا تعاد» إنما تدل على الصحة في فرض الإخلال بجزء أو شرط غير ركني حال النسيان ولا تشمل حال الجهل.

وقد أجيب عن كلام المحقق «قدّس سرّه» بعدة أجوبة:

الجواب الأول: ما ذكره المحقق العراقي في نهاية الأفكار ج3: أن عنوان الإعادة هو العمل بعد العمل فبما أن تكرار العمل بقصد امتثال الأمر مصداق عرفا للإعادة حيث يقال عرفا: أعاد صلاته، سواء كانت صلاته الأولى الناقصة عن نسيان أو جهل أو غفلة فإنه متى كرر الصلاة الثانية بقصد امتثال الأمر قيل أنه أعاد صلاته فبما أن التكرار الخاص إعادة إذن فلا ينحصر الأمر بالإعادة بالناسي بل يشمل حتّى الجاهل فأنتم - يعني المحقق النائيني - ذكرتم أن النكتة في اختصاص حديث «لا تعاد» بالناسي وعدم شموله للجاهل أن صدر «لا تعاد» نفي للإعادة وإنما يصح نفي الإعادة في مورد يتوقع فيه طلب الإعادة وهذا نحن نسلم فيه معكم ولكنكم خصصتم مورد طلب الإعادة للناسي ونحن نقول لا، بل كل مورد بعد ارتفاع العذر من نسيان أو جهل أو اضطرار ونحو ذلك ويبقى الأمر بالامتثال ما زال موجودا فلا محالة سوف يكون المطلوب هو التكرار والتكرار إعادة، فما دام يصدق على كل تكرار مأمور به أنه إعادة إذن فهذه النكتة المذكورة في كلام الميرزا النائيني لا توجب اختصاص لا تعاد بالناسي.

ولكن هذا الجواب غير نافع - كما التفت إليه السيد الإمام «قدّس سرّه» - والوجه في ذلك: أن مدعى النائيني هو أن نفي الإعادة في حديث لا تعاد إنما يصح في مورد يؤمر بالإعادة يعني بعنوان الإعادة والمورد الذي يؤمر فيه بعنوان الإعادة هو فقط الناسي لا أنه في كل مورد يصدق عليه أنه إعادة هذا ليس محل البحث بل ان دعوى النائيني هي: إنما ينفى الأمر بلا تعاد في مورد لولا هذا النفي لكان المأمور به هو عنوان الإعادة، لا أن يكون المأمور به مصداق الإعادة كي يقال: بأن التكرار من كل معذور بعد التفاته إلى الأمر هو إعادة، فليس كلامه هنا، بل في كل مورد لولا النفي لكان المأمور به عنوان الإعادة والمورد الذي يؤمر فيه بعنوان الإعادة هو الناسي لأن الناسي يرتفع عنه التكليف الأولي فإذا ارتفع التكليف الأولي عنه فإذا تذكر ما نسي خوطب بخطاب جديد بعنوان إعادة، وأما الجاهل فهو ما زال مخاطبا بالخطاب الأول إذا ارتفع جهله ومتعلق الخطاب الأول نفس الصلاة لا عنوان الإعادة بمقتضى اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل فهذا هو الفرق الذي يدعيه الميرزا النائيني بين الناسي والجاهل لذلك ينبغي مناقشته في هذا الفرق لا مناقشته بدعوى صدق الإعادة على كل تكرار.

الجواب الثاني: ما أفاده السيد الإمام «قدّس سرّه» - وهو جواب مبنائي سبق التعرض اليه - من أن الخطابات القانونية تشمل الناسي والعاجز فضلا عن الجاهل فإذا كان الخطاب القانوني شاملا في حد ذاته للناسي والعاجز غاية ما في الباب أنهما معذوران بمعنى أن عدم العجز وعدم النسيان دخيلان في التنجز لا في الفعلية وإلا فالخطاب القانوني فعلي حتّى في حق الناسي والعاجز وبالتالي لا فرق بين الجاهل والناسي فكما أن الجاهل مخاطب بالأمر الأول لأن جهله لا يرفع فعلية الحكم فكذلك الناسي مخاطب بالخطاب الأول فإن نسيانه لا يرفع فعلية الحكم في حقه.

وقلنا سابقا وتكرارا: بأن مسلكه «قدّس سرّه» مبني على عدم الانحلال وإلا لو قلنا بانحلال الخطابات القانونية إلى خطابات بعدد المكلفين فلا يعقل انحلالها لخطاب في حق الناسي أوفي حق العاجز باعتبار عدم إمكان الانبعاث عن هذا الخطاب فإذا لم يمكن الانبعاث عن هذا الخطاب في حق العاجز إذن فبالنتيجة انحلال الخطاب القانوني لخطاب في حقه لغو فإذن هذا نقاش مبنائي على المبنى.

الوجه الثالث: أن يقال بالنقض والحل:

أما النقض فبالجاهل المركب أي من يقطع بعدم التكليف فإنه لا فرق بينه وبين الناسي فإذا كانت العلة في عدم شمول الخطاب للناسي عدم إمكان انبعاثه بما هو ناسي فكذلك الجاهل المركب أي القاطع بالعدم لا يمكن انبعاثه عن التكليف فمقتضى ذلك ارتفاع التكليف ايضا عن الجاهل المركب وإن كان جاهلا قاصرا أو مقصرا وهذا مما لا يقول به المحقق النائيني.

وأما الحل فهناك فرق بني العذر المستوعب والعذر غير المستوعب ومحل كلامنا في العذر غير المستوعب فلو فرضنا أنه كان من أول الوقت إلى آخره ناسيا أو من أول الوقت إلى آخره عاجزا فحينئذ يقال بأنه لم يتوجه إليه الخطاب الأول من الأصل لعدم إمكان انبعاثه عنه لأنّه طول الوقت ناسي أو عاجز وأما لو افترضنا أنه نسي وقت الصلاة ثم تذكر والوقت ما زال باقيا فبأي وجه يرتفع عنه التكليف الأول، إذ أنه خوطب بطبيعي الصلاة التامة بين الحدين الزوال والغروب والذي تذكر أثناء الوقت قادر على امكان الانبعاث عن هذا البعث، فإن المكلف مخاطب بالصلاة التامة بين الحدين ومن نسي أو جهل أو عجز ثم ارتفع عذره والوقت باق قادر على إتيان الصلاة التامة بين الحدين فهو ما زال مخاطبا بالخطاب الأول لا أنه مخاطب بعنوان الإعادة.

الجواب الرابع: أن يقال بأن لو سلمنا أن الناسي قد ارتفع عنه التكليف الأول ولو لم يكن نسيانه مستوعبا سلمنا بذلك إلا أنه ما هو الوجه في أن يخاطب بعنوان الإعادة بل يخاطب بما خوطب به الذاكر فيقال أقم الصلاة التامة والمفروض أنه ناسي لا يستطيع أن ينبعث عن هذا الأمر فأتى بالصلاة الناقصة ثم تذكر بعد الصلاة فيخاطب بخطاب جديد إلا أن متعلق الخطاب الجديد ما خوطب به الذاكر لا أنه يخاطب بعنوان الإعادة فإن هذا لا موجب له بأن يقال: اعد صلاتك بل يقال أقم الصلاة التامة، فالإصرار على أن الناسي مخاطب بعنوان الإعادة تحكم.

الجواب الخامس: أن ظاهر «لا تعاد» مجرد إرشاد إلى صحة الصلاة فلا خصوصية للسان «لا تعاد» فكأنه قال تمت صلاته من اخل بجزء أو شرط غير ركني فقد تمت صلاته وصحت فالتعبير بلا تعاد مجرد إرشاد إلى ذلك لا أن لهذا اللسان خصوصية كي يستفاد من خصوصيته أن المنفي هو الخطاب بالإعادة فإن هذا هو الظاهر من ألسنة الأدلة عندما يقول اعد أو لا تعد أو أعاد فإن كل ذلك ظاهر إما في الإرشاد إلى الفساد أو الإرشاد إلى الصحة.

فان قيل: مقتضى أصالة الاحترازية في العناوين أن لعنوان الإعادة موضوعية وإلا فما هو وجه التعبير به سواء كان أمرا إرشاديا أو خطابا مولوليا.

قلنا: أن مقتضى الكبرى المذكورة في الذيل وهي قوله «لا تنقض السنة الفريضة» أن لا موضوعية لعنوان الإعادة فنخرج عن أصالة الاحتراز في العناوين في صدر الرواية بما في ذيلها حيث إن ظاهر سياق الرواية أن ما ذكر في صدرها تطبيق لما في ذيلها وليس العكس.

هذا تمام الكلام في الوجه الثاني الذي ذكره الميرزا النائيني لإثبات عدم شمول لا تعاد للجاهل القاصر.

الوجه الثالث: أن يقال بعد تسليم الإطلاق - أي إطلاق حديث لا تعاد وشموله للجاهل - هناك مقيدان لحديث لا تعاد يوجبان تضييق دائرته وعدم شموله للجاهل القاصر.

المقيد الأول: صحيح زرارة: «أن الله تبارك وتعالى فرض الركوع والسجود، والقراءة سنة فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ومن نسي فلا شيء عليه». فيقال: بأن هذه الرواية توجب اختصاص تلك الرواية وهو حديث لا تعاد بالناسي ولا اقل من المعارضة وسقوطهما معا.

وبيان ذلك بذكر أمرين:

الأمر الأول: إما المراد بالعمد «فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة» أن المراد بالعمد ما يشمل الجاهل ولو كان قاصرا فالجاهل داخل في الإعادة لا في لا تعاد وذلك لقرينتين:

القرينة الأولى: الإطلاق فإن العمد هو الإتيان بالفعل عن قصد سواء كان ملتفتا أم لم يكن فعنوان العمد يشمل الجاهل ويدل على ذلك أو يؤيده موثق سماعة: سألته عمن افطر معتقدا دخول الليل قال: يقضي صومه لأنّه أكل متعمدا مع أنه جاهل بالموضوع مع ذلك عبر عنه بأنه متعمد.

القرينة الثانية: المقابلة بالناسي حيث قال «فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة وان نسي فلا شيء عليه» فإن مقتضى المقابلة أن المراد بالعمد ما ليس نسيانا فيشمل الجاهل إذن فهذه الصحيحة تدل على أن الجاهل مخاطب بالإعادة والذي سقط عنه الأمر خصوص الناسي.

الأمر الثاني: أن حديث «لا تعاد» إما يشمل العالم العامد أو منصرف عن العالم العامد فإن قلنا بأن حديث لا تعاد يشمل العالم العامد فقوله «لا تعاد الصلاة» يعني لا تعاد الصلاة عن كل من اخل ناسيا أو جاهلا أو متعمدا فهو مطلق في حد ذاته إذن فصحيح زرارة تكون مقيدة لأنّها تقول: المتعمد خرج فيبقى تحت لا يعاد خصوص الناسي وإما أن لا تعاد لا تشمل المتعمد فتكون النسبة بين صحيح لا تعاد وبين هذه الصحيحة عموما من وجه لشمول هذه الصحيحة المتعمد وعدم شمول لا تعاد له، ولا تعاد تشمل غير الناسي وهذه في لا تعاد تختص بالناسي فيكون بينهما عموم من وجه فيتساقطان في مورد التعارض فالمرجع الاطلاقات الدالة على ثبوت الأمر حتّى في حق الجاهل والناسي ومقتضى تلك الاطلاقات هو الإعادة وعدم الصحة يأتي الكلام في مناقشة هذا الوجه.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 65
الدرس 67