نص الشريط
الدرس 65
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 1/4/1435 هـ
مرات العرض: 2795
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (447)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في أن من اخل بجزء أو شرط من المركب كما لو اخل بجزء أو شرط من الصلاة وكان اخلاله عن جهل بالحكم فهل يمكن تصحيح صلاته أم لا؟

فقد افيد في وجوه التصحيح عدة أدلة:

الأول: التمسك بحديث الرفع أي رفع عن أمتي ما لا يعلمون وهو ما ذهب إليه السيد الإمام «قدّس سرّه» وذكرنا أن الاستدلال بحديث الرفع لافادة صحة الصلاة واقعا مع الاخلال بجزء أو شرط منها جهلا إنما يتم بناء على تمامية امرين:

الأمر الأول: أن يكون مفاد حديث الرفع الرفع الواقعي بمعنى رفع الحكم الفعلي وهذا قد مر التأمل فيه.

الأمر الثاني: أن يكون مفاد حديث الرفع - ولو بضمه إلى الأدلة الاخرى - ثبوت الأمر بالباقي بعد رفع الجزئية أو الشرطية، وهذا أيضاً مما سبق التامل فيه.

إذن فالاستدلال بحديث الرفع لإثبات الصحة الواقعية غير تام.

الدليل الثاني: الاستدلال على الصحة الواقعية بصحيحة عبد الصمد بن بشير الواردة في باب الحج عن أبي عبد الله : أن رجلا اعجميا دخل المسجد  «يعني البيت الحرام»  يلبي وعليه قميصه  «يعني لبس المخيط وهو محرم»  فقال اني كنت رجلا اعمل بيدي واجتمعت لي نفقة الحج ولم اسأل احدا عن شيء «يعني ما تعلمت احكام الحج» فافتوني هؤلاء «يقصد العامة» بعد ما راوني قد لبست المخيط فافتوني هؤلاء أن اشق قميصي وانزعه من قبل رجلي «حتّى لا يلزم تغطية الراس في رفع القميص» أن اشقه وانزعه من قبل رجلي وان حجي فاسد وان علي بدنة فقال لي: متى لبست قميصك ابعد ما لبيت أم قبل؟ قال: قبل أن ألبي: «يعني فلم يلزم تغطي الراس وانا محرم» قال : فاخرجه من راسك فإنه ليس عليك بدنة وليس عليك الحج من قابل «يعني حجك ليس فاسدا الكلام الآن في الكبرى التي ذكرها الإمام » أي رجل ركب امرا بجهالة فلا شيء عليه.

وقد استفيد من هذه الكبرى امران:

الأمر الأول: أن أي اخلال بجزء أو شرط من مركب من المركبات الشرعية إذا كان هذا الاخلال عن جهل فلا أثر له والعمل صحيح واقعا.

الأمر الثاني: استفيد من هذه الصحيحة شمول الجهل للجهل التقصيري بحيث لو بنينا - فيما سبق في حديث الرفع - على أن حديث الرفع لا يشمل الاخلال عن جهل تقصيري فإن المستفاد من صحيحة عبد الصمد بن بشير شمول الإجزاء والصحة الواقعية حتّى لفرض الاخلال عن جهل تقصيري.

والوجه في استفادة الجهل التقصيري قرينتان:

القرينة الأولى: قوله «فلم اسأل احدا» ومقتضى العادة أن الانسان إذا اقبل على عمل مأمور به أن يسأل عن احكامه.

والقرينة الثانية: أن ما وقع فيه هذا الاعجمي من الامور الواضحة جدا في الحج فإن حرمة المخيط للمحرم من اوضح الامور التي تنكشف لمن اراد أن يحج إذ لا محالة هذا الاعجمي لم يدخل مكة جزافا من دون أن يمر بأحد المواقيت فمن الطبيعي أنه سيدخل مكة عن طريق القوافل وهي إنما تدخل مرورا بأحد المواقيت فمن الواضح أنه إذا مر بأحد المواقيت سيرى الناس انهم قد نزعوا المخيط ولبسوا ثوبي الاحرام ومع ذلك لم يبال وبقي على قميصه حتّى مع مروره بالمواقيت ورؤيته المحرمين قد لبسوا ثوبي الاحرام، فإن هذا واضح على أن الجهل لم يكن جهلا قصوريا وإنما كان جهلا تقصيريا.

فهل يستفاد من هذه الرواية في قوله : «أي رجل ركب امرا بجهالة فلا شيء عليه» هو ثبوت الصحة الواقعية لأي عمل كان الاخلال به عن جهل أم لا؟

فنقول: هذا ليس ظاهرا من العبارة، والسر في ذلك: أن ظاهر العبارة أن من أتى بمحظور يترتب على ذلك المحظور أثر فإن الاثر لا يترتب عليه لو كان ارتكابه للمحظور عن جهل، كمن جامع أو لبس المخيط أو نظر في المرآة أو تزين، والمفروض أن محظورات الاحرام يترتب على ارتكابها عمدا اثر وهو الكفارة، فظاهر هذه الرواية أن الجزاء والعقوبة المترتبة على ارتكاب المحظور لا تترتب حال الجهل سواء كانت تلك العقوبة والجزاء ثبوت الكفارة أو كانت مثلاً أن يعيد الحج من قابل كعقوبة على ما فعل كما ورد في الجماع أن من جامع امراته وهو محرم ليس حجه فاسدا بمعنى عدم الصحة بل لابد من اعادة الحج عقوبة فقد تكون اعادة الحج من باب العقوبة، إذن لا يستفاد من الرواية إلا أن من ارتكب أمراً - لا أن من ترك امرا - ذا أثر جزائي فإن ذلك الجزاء لا يترتب عليه إذا كان ارتكابه عن جهل، واما محل كلامنا فهو من ترك - لا من ارتكب - فأتى بالصلاة الناقصة لا بالصلاة التامة فمن ترك الصلاة التامة أو من ترك الصوم التام لجهل هل يشمله الأمر ويصح عمله أم لا؟ فهذا بحث آخر وهناك فرق بين الحيثيتين: بين من ارتبك امرا ذا أثر جزائي وبين من ترك مركبا فهل يشمله الأمر أم لا يشمله فاستفادة القضية الأولى من الرواية لا يعني استفادة القضية الثانية. نعم يمكن التمسك بهذه الرواية فيما لو أرتكب - عن جهل - في الصلاة ما يوجب سجود السهو أو القضاء فيقال: لاشيء عليه. وبعبارة أخرى: الرواية منصرفة الى ارتكاب المانع الذي له أثر جزائي ولا شمول فيها لترك الشرط أو الجزء وان كان الترك عن جهل.

الدليل الثالث: - وهو الاهم - ألا وهو التشبث بقاعدة لا تعاد وقد تمسك بها اغلب علمائنا أي التمسك بقاعدة لا تعاد لإثبات صحة الصلاة فيمن اخل بجزء أو شرط غير ركني عن جهل وهي صحيحة زرارة المروية في الفقيه عن أبي جعفر قال: «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود ثم قال: القراءة سنة والتشهد سنة ولا تنقض السنة الفريضة».

ويوجد كلام في أن الرواية بهذا المتن مما يوثق به أو لا يوثق به، السيد الإمام في كتابه الخلل تعرض لبعض الاشكالات وولده السيد مصطفى أيضاً شرحه مفصلا، فكأننا قد فرغنا عن أن الرواية بهذا المتن حجة، والبحث في هذه الصحيحة من جهتين:

الجهة الأولى: هل أن هذه الصحيحة تشمل الجاهل القاصر أو تختص بالناسي والغافل كما ذهب إلى ذلك المحقق النائيني «قدّس سرّه» حيث إنه خص صحيح لا تعاد بالناسي والغافل بينما ذهب معظم الاعلام إلى شمولها للجاهل القاصر، فالكلام ما هو وجه في عدم شمول هذه الصحيحة للجاهل القاصر، هنا وجوه:

الوجه الأول: ما ذكره المحقق الشيخ عبد الكريم الحائري في كتابه الصلاة ونقله عنه تلامذته أيضاً من أنه: لو قلنا بصحة الصلاة واقعا لمن ترك جزءا أو شرطا غير ركني كما لو فرضنا أنه ترك السورة عن جهل فالقول بصحة صلاته واقعا لازمه أحد امرين وكلاهما باطل:

الأمر الأول: اختصاص الجزئية بالعالم به لأنّكم إذا قلتم بأنه مع تركه للسورة عن جهل مع ذلك صلاته صحيحة واقعا إذن معنى ذلك أن جزئية السورة خاصة بالعالم وهذا محال.

والامر الثاني: أن يقال بالمسقطية بمعنى أن الصلاة الناقصة - وهي الصلاة الخالية عن السورة - وإن لم تكن مأمورا بها إلا انها مسقطة لما هو المأمور به، يقول وهذا يتنافى مع لسان الصحيحة حيث قال «لا تنقض السنة الفريضة» فهذا التعبير وهو «لا تنقض السنة الفريضة» ظاهر في أن الاخلال بالسنة غير ضائر في صحة الفريضة فالفريضة باقية صحيحة وهذا لا ينسجم مع دعوى المسقطية لأنه إذا كان ما أتى به من العمل الناقص ليس مأمورا به وإنما لما أتى به سقط الأمر شبيه بفوات الموضوع مثلا فهذا لا ينسجم مع ما يقال أن ما اخل به لا أثر له وان صلاته صحيحة لصحة الفرائض المشتملة عليها إذن فدعوى المسقطية منفية اثباتا ودعوى اختصاص الجزئية بالعالم بها منفية ثبوتا.

ويلاحظ على استدلاله النقض والحل:

اما النقض: فبما ورد في الجهر والاخفات فقد ورد في صحيحة زرارة عن أبي جعفر «في رجل جهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه واخفى فيما لا ينبغي الاخفاء فيه فقال: أي فعل ذلك متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمت صلاته»، فإنه يقال: حينئذ أن ظاهر هذه الرواية أن الجهر في الصلاة الاخفاتية عن جهل غير ضائر وان الصلاة صحيح واقعا لأنه قال قد تمت صلاته مع أن إشكال الشيخ عبد الكريم ياتي وهو أن صحة صلاته مع أنه جهر فيما لا ينبغي له الجهر فيه اما أن يقتضي اختصاص وجوب الجهر بالعالم به وهو ممتنع أو أن تكون الصلاة عن جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه مسقطة وهذا مخالف للسان «وقد تمت صلاته» فنفس اشكاله الذي اشكله هناك ياتي هنا فما هو الجواب، هذا هو النقض.

والحل: وهو اختيار الشق الأول وهو أن نقول اختصاص الجزئية التي اخل بها بفرض العلم وذلك بتخريجين لا يرد على أي منهما أنه دور أو خلف ليكون امرا محالا.

اما التخريج الأول: وهو ما سبق بيانه من أنه لا مانع من اخذ العلم بالجعل في المجعول فيقال: من علم بالقضية الحقيقية وهي وجوب الجهر في صلاة المغرب كان وجوب الجهر فعليا في حقه فالعلم بالجعل اخذ في المجعول وهذا لا يلزم منه الدور ولا خلف ولا تصويب ومن علم بجزئية السورة على نحو القضية الحقيقية كانت جزئية السورة فعلية في حقه وإلا ليست فعلية في حقه، سواء تمكنا من اخذ العلم بالجعل في المجعول بالجعل الأول أو بمتمم الجعل كما ذهب إليه المحقق النائيني «قدّس سرّه» في مسألة اخذ قصد الأمر في متعلق الأمر حيث قال بأن هذا غير ممكن في الجعل الأول لكنه ممكن في الجعل الثاني وسماه متمم الجعل.

التخريج الثاني: أن يقال أن المكلف مخاطب بأمرين: الأمر الأول الأمر بالجامع بين الصلاة التامة والصلاة الناقصة عند الاخلال بغير الركن منها عن نسيان أو جهل قصوري، انت مأمور بالجامع فلو كنت ناسيا أو جاهلا واتيت بصلاة ناقصة فقد امتثلت الأمر بالجامع لانك مأمور بالجامع بين الصلاة التامة والصلاة الناقصة حال الاخلال بشيء غير ركني عن نسيان أو جهل قصوري. وهناك أمر ثاني بالصلاة التامة لمن لم يمتثل الأمر بالجامع لأنه لو افترضنا أن المكلف أتى بصلاة ناقصة عن جهل قصوري أو نسيان ثم ارتفع العذر فأصبح عالما أو اصبح ذاكرا فهل يعيد الصلاة أم لا؟ نقول هناك أمر بالصلاة التامة لمن لم يمتثل الأمر بالجامع اما من امتثل الأمر بالجامع فليس مامورا بالصلاة التامة لماذا نفترض امرين؛ لأنه لو اكتفينا بالامر الثاني وهو الأمر بالصلاة التامة ولم نقيده بمن لم يمتثل الأمر بالجامع للزم من ذلك أن كل من صلى فأخل بشيء في صلاته ثم تذكر وعلم أن يعيد صلاته وهذا مناف لصحيحة لا تعاد فلذلك قلنا لابد من أمر بالجامع، وإنما قلنا بثبوت هذين الامرين لكي نحافظ على ظاهر حديث لا تعاد حيث إن ظاهره في قوله «لا تنقض السنة الفريضة» أن السنة مأمور بها ومع ذلك اخل بها فظاهر أن لا تنقض السنة الفريضة أن السنة مأمور بها ومع ذلك اخلاله لا يضر بالفريضة. كيف يتم؟ لا يتم إلا بجعل امرين فنقول أن السنة مأمور بها بالامر الثاني وهو الصلاة التامة ومع ذلك اخلالها غير ضائر بالصحة لامتثاله الأمر بالجامع، فمن اجل التخلص عن المحذور الثبوتي الذي قال به الشيخ الحائري وهو اختصاص الحكم بالعلم به والتخلص من المحذور الاثباتي وهو عدم انسجام ذلك مع ظاهر لا تعاد أن نفترض امرين: أمر بالصلاة التامة لمن لم يمثل الأمر بالجامع وامر بالجامع، وبهذا التخريج يندفع هذا الوجه الذي افاده الشيخ عبد الكريم في أن صحيح لا تعاد لا تشمل الاخلال عن جهل قصوري.

الوجه الثاني: ما ذكره المحقق النائيني «قدّس سرّه» ويتألف من مقدمتين:

المقدمة الأولى: أن ظاهر لسان لا تعاد نفي الإعادة في مورد لولا هذا النفي لكان المكلف مخاطبا بالاعادة يعني بعنوان الإعادة ليس مخاطبا بالعمل بل مخاطب بالاعادة ظاهر قوله لا تعاد الصلاة إلا من خمسة نفي الخطاب بالاعادة في مورد لو لا النفي لكان المكلف مخاطبا بالاعادة.

المقدمة الثانية: متى يكون المكلف محلا للخطاب بالاعادة فينفى بلا تعاد ومتى لا يكون ذلك؟ فنقول: المكلف اما جاهل أو ناسي فإن كان جاهلا فترك السورة جهلا ثم تذكر أثناء الوقت فهو ليس مخاطبا بالاعادة بل مخاطب بنفس الأمر الأول وهو «اقم الصلاة» لأن الحكم الواقعي مشترك بين العالم والجاهل ومقتضى اشتراكه بين العالم والجاهل أن الأمر الأول ما زال باقيا وان اخل المكلف بالصلاة عن جهل فالجاهل بعد تعلمه ليس مخاطبا بالاعادة بل مخاطب بنفس الأمر الأول إذن فالجاهل خارج موضوعا وتخصصا عن موضوع حديث لا تعاد فإن موضوعها من يخاطب بالاعادة لولا هذا النفي والمورد الثاني من كان ناسيا.

فحيث أن الناسي - أي من ترك السورة عن نسيان - لا يمكن أن يخاطب بالامر الواقعي لأن الناسي لا يعقل انبعاثه عن الأمر الواقعي فحيث لا يمكن انبعاث الناسي عن الأمر الواقعي فالتكليف الواقعي بالصلاة المشتملة على السورة المنسية قد ارتفع عن الناسي في حال النسيان فإذا تذكر لم يخاطب بالامر الأول لأنه ارتفع عنه حال نسيانه وإنما خوطب بالاعادة، فجاء لا تعاد لنفي خطابه بالاعادة، فنتيجة هذا التحليل الذي ذكره الميرزا النائيني «قدّس سرّه» اختصاص حديث لا تعاد بالناسي لأنها ظاهرة في أن موضوعها من يصح خطابه بالاعادة لولا النفي، ومن يصح خطابه بالاعادة لولا النفي هو الناسي لا الجاهل هل هذا الكلام تام أم غير تام؟

والحمد لله رب العالمين

الدرس 64
الدرس 66