نص الشريط
الدرس 72
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 11/4/1435 هـ
مرات العرض: 2788
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (879)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا فيما سبق أن السيد الشهيد «قدّس سرّه الشريف» ذهب إلى أن دليل الحجية لا يشمل المتعارضين في عرض واحد إلا إذا كانا متساويين واما إذا كان في احدهما اكثر من مانع عن الشمول فهذا يوجب انصراف دليل الحجية للطرف الآخر الذي لا يوجد مانع من شمول دليل الحجية له إلا محذور ترجيح بلا مرجح وقلنا بأنه ذكر لذلك عدة موارد وصل الكلام إلى المورد الثالث:

المورد الثالث: ما افاده في تعارض الأدلة ج7 ص244، ومحصله امور:

الأمر الأول: إذا وقع التعارض بالعرض بين دليلين كما إذا جاءنا دليل يدل على وجوب الجمعة في يوم الجمعة ودليل آخر يدل على وجوب الظهر في يوم الجمعة وحيث اننا نعلم من الخارج بصدق احدهما وكذب الآخر أي أن الواجب أحد الفرضين لا كلاهما فمقتضى هذا العلم الخارجي وقوع التعارض بالعرض وإلا فلا تعارض بالذات بين وجوب الجمعة ووجوب الظهر وإنما يقع التعارض بالعرض أي يقع التعارض بين المدلول الالتزامي لكل منهما مع المدلول المطابقي للاخر فالخبر الدال على وجوب الجمعة له مدلول مطابقي ومدلول التزامي أنه هو الواجب وليس الآخر فهذا المدلول الالتزامي يتعارض مع المدلول المطابقي للدليل الثاني الذي يقول تجب الظهر وبالعكس أيضاً فإن المدلول الالتزامي لدليل وجوب الظهر وهو «انا الواجب وليس غيري» يتعارض مع المدلول المطابقي لدليل وجوب الجمعة، فمركز المعارضة بين المدلول الالتزامي لكل منهما والمدلول المطابقي للاخر.

وبهذا يتبين لنا الفرق بين ملاك التعارض في الأصول وملاك التعارض في الامارات فإن ملاك التعارض في الاصول أن يكون هناك علم إجمالي بحكم الزامي كما لو علمنا اجمالا بنجاسة أحد الماءين فإن هذا العلم اوجب تعارض أصالة الطهارة في اناء الف مع أصالة الطهارة في اناء باء وإلا لو كان العلم الإجمالي ترخيصيا لم يكن محققا للتعارض بين الأصول فلو علمت اجمالا بطهارة أحد الماءين وكان لكل منهما حالة سابقة للنجاسة فإن استصحاب النجاسة في الف لا يعارض استصحاب النجاسة في باء إذ لا مانع من جريان استصحاب النجاسة في كليهما وان علمنا بكذب احدهما لأنّه لا يلزم منه محذور عملي فالتعارض بين الاصلين في فرض علم إجمالي بحكم الزامي ومعنى التعارض حينئذ: أنه لو جرى الاصلان معا للزم الترخيص في المخالفة القطعية ولو جرى احدهما المعين دون الآخر للزم الترجيح بلا مرجح فهما متعارضان وهذا معنى تعارض الأصول، واما تعارض الامارات فهو اما بتكاذب المدلول المطابقي كأن يدل دليل على وجوب الجمعة وآخر على حرمتها أو في التكاذب في المدلول الالتزامي وهو ما لو علمنا من الخارج أن احدهما كاذب دون الآخر فهنا لكل منهما مدلول التزامي بأنه هو الصادق وغيره الكاذب فيقع التعارض بين المدلول الالتزامي لكل منهما والمدلول المطابقي للاخر وهو ما يسمى بالتعارض بالعرض، وهذا لا علقة له بكون الامارات قائمة على حكم الزامي أو قائمة على حكم ترخيصي إذن فبالنتيجة يوجد فرق بين تعارض الأصول وتعارض الامارات هذا هو الأمر الأول.

الأمر الثاني: أنه بعد أن علمنا بأن هنا تكاذبا بين المدلول الالتزامي لكل من الخبرين والمدلول المطابقي للاخر فهل دليل حجية الظهور يشمل المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي في عرض واحد فيستحكم التعارض أو أن دليل حجية الظهور يتعين في المدلول المطابقي ويسقط المدلول الالتزامي وهذا هو لب البحث عند السيد الشهيد.

وملخص كلامه صياغتان:

الصياغة الأولى: المستفادة من أحد تقريريه حيث قال: أنه لدينا طرفان طرف يشكل المدلول الالتزامي لطرف الف وطرف يشكل المدلول المطابقي لطرف باء فنقول بما أن تقديم المدلول المطابقي لباء على المدلول الالتزامي لالف لا يترتب عليه محذور إلا الترجيح بلا مرجح بينما تقديم المدلول الالتزامي لالف على المدلول المطابقي لباء مبتلى بمحذور آخر غير الترجيح بلا مرجح وهو أنه نفس المدلول الالتزامي معارض بمدلول التزامي آخر فالمدلول الالتزامي لخبر الف مبتلى بمعارضتين: معارضة مع المدلول المطابقي لخبر باء ومعارضة لمدلول الالتزامي لخبر باء أيضاً لأن كلا منهما بحسب المدلول الالتزامي يقول انا الصادق وذاك الكاذب.

إذن فحتى لو تنزلنا عن محذور الترجيح بلا مرجح مع ذلك ستواجهنا في تقديم المدلول الالتزامي لالف مشكلة أخرى غير مشكلة الترجيح بلا مرجح ألا وهو أنه معارض بمدلول التزامي آخر فلأجل ذلك نقول هو الساقط لأنّه اما معارض بالمدلول المطابقي لباء أو معارض للمدلول الالتزامي لباء على اية حالة لو تخلصنا من عائق لوقعنا بعائق آخر، فيتعين دليل حجية الظهور في المدلول المطابقي إذ لا يلزم من شمول الدليل اكثر من محذور الترجيح بلا مرجح بحيث لو تجاوزناه لشمله بينما هناك فحتى لو تجاوزنا محذور الترجيح بلا مرجح لوقعنا في محذور آخر.

والصياغة الأخرى حسب تقرير آخر قال: لدينا علم إجمالي بكذب إحدى الدلالتين بمعنى أن لهذين الخبرين ما دل على وجوب الجمعة وما دل على وجوب الظهر اربع دلالات فإن لكل منهما دلالة التزامية ودلالة مطابقية ونحن نعلم اجمالا بكذب إحدى دلالتين من الدلالات الاربع ثم لما تأملنا ووجدنا أن المدلول الالتزامي هو المبتلى بمعارضين إذن فينحل العلم الإجمالي بكذب إحدى الدلالات إلى علم تفصيلي بأن الكاذب إحدى الدلالتين الالتزاميتين وشك بدوي في سقوط حجية المدلول المطابقي فمقتضى إطلاق دليل حجية الظهور حجيته. والنتيجة أنه بعد الفراغ عن سقوط إحدى الدلالتين الالتزاميتين عن الحجية وعدم شمول الدليل لها فيتعين شموله للمطابقية ارتفاع المعارضة.

الأمر الثالث: أن هذا إنما يتصور فيما إذا علمنا بصدق احدهما وإلا لو احتملنا كذب كليهما فلا ينعقد هذا المدلول الالتزامي أنه هذا الصادق والكاذب غيره حتّى يقع التعارض فانما يتحقق التعارض بين المدلول الالتزامي لهذا والمدلول المطابقي لهذا إذا علمنا من الخارج أن احدهما صادق فإذا احتملنا أن كليهما كاذب فليسقط المدلول الالتزامي من أصله بلا حاجة إلى أن يكون معارضا للمدلول المطابقي.

الأمر الرابع: ما هي الثمرة المترتبة على أن نقول إن ما دل على وجوب الجمعة وما دل على وجوب الظهر حجة في مدلوله المطابقي مع غض النظر عن مدلوله الالتزامي لأنّه قد سقط بالمعارضة فالثمرة المترتبة على ذلك الاحتياط بأن يجمع بين الفعلين وإن كان يعلم أن الواجب احدهما بخلاف ما لو سقط المدلول المطابقي أيضاً من راسه عن الحجية. هذا تمام ما افاده «قدّس سرّه الشريف»

ويلاحظ عليه ما سبق الاشارة عليه من أنه إن كان بين المعارضتين ترتب وطولية صح هذا من أن دليل حجية الظهور لا يشمل المدلول الالتزامي لأنّه ساقط في رتبة سابقة بمعارضة واما إذا كانت المعارضتان في عرض واحد فالمدلول الالتزامي في عرض واحد معارض لمدلولين مدلول التزامي للاخر ومدلول مطابقي للاخر ووجود معارضين له في عرض واحد لا يمنع من شمول دليل الحجية له ما دام يحتمل حجيته في نفسه.

فالصحيح ما هو مسلك سيدنا الخوئي «قدّس سرّه» من استقرار المعارضة ودخول المدلول المطابقي في المعارضة، مضافا لما اورده السيد الشهيد نفسه على هذا الوجه وغيره وهو لا يرتبط بالكبرى وإنما يرتبط بخصوص هذا المورد وهو أن التفكيك بين المدلول الالتزامي والمدلول المطابقي بدعوى سقوط المدلول الالتزامي عن الحجية وبقاء المدلول المطابقي عليها مع أن سر السقوط ليس دليلا من الخارج وإنما سر السقوط هو فقط المعارضة غير عرفي. فإن الدليل له كاشفية واحدة منبسطة على مدلوله المطابقي ومدلوله الالتزامي فلو علمنا من الخارج أن مدلوله الالتزامي كاذب لصح التفكيك اما إذا لم نعلم من الخارج بكذب المدلول الالتزامي فقط لأن هذا الدليل معارض لذلك الدليل الآخر فتوجب المعارضة اخذ المدلول الالتزامي دون المطابقي غير عرفي. هذا تمام كلامنا حول الكبرى التي ذكرها السيد الشهيد ومناقشتها.

وأما تطبيق ذلك على محل الكلام وهو بحثنا في تقديم لا تعاد على أدلة الأجزاء والشرائط التي عبرت بالاعادة فهنا امران:

الأمر الأول: بناء على ما اخترناه في تحرير الكبرى من دخول الطرف الواجد لمحذورين في المعارضة أن المعارضة باقية بين لا تعاد وبين أدلة الأجزاء والشرائط المعبرة بالاعادة وبعد تساقطهما يرجع للقسم الأول من الأدلة وهو ما دل على الأمر بالأجزاء والشرائط لا بلسان الإعادة ومقتضى الرجوع إليها إعادة العمل.

الأمر الثاني وهو مهم: ذكرنا في بحث التعارض أن دليل الحجية كما يشمل الاحد المعين يشمل الاحد لا بعينه، مثلاً دليل قاعدة الفراغ لا يختص بالاحد المعين فتارة يشك بعد الفراغ من صلاة الظهر في صحتها يجري قاعدة الفراغ وتارة يصلي الظهر والعصر ثم يعلم اجمالا ببطلان احداهما ويشك في صحة الأخرى فهل يجري قاعدة الفراغ في عنوان الأخرى؟ نقول: نعم مقتضى إطلاق قاعدة الفراغ كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه فإنه كما يشمل المعين يشمل احدهما فنقول بما أن احدهما باطل واحدهما الآخر مشكوك فتجري قاعدة الفراغ في احدهما المشكوك، وثمرة جريان قاعدة الفراغ في احدهما المشكوك أنه لا يجب على المكلف إلا الإتيان باربع ركعات عما في الذمة لا أن ثمرته أنه يتخير في تطبيق الصحيح فيقال ثبت لك في قاعدة الفراغ صحة الأحد ولك الخيار بأن تطبقه على الظهر أو على العصر، بل غاية ما يستفاد من قاعدة الفراغ أنه واحد منهما باطل وواحد منهما صحيح بقاعدة الفراغ إذن عليك أن تاتي باربع ركعات بما في الذمة لا انك تاتي بها بعنوان العصر وتطبق الصحيح على الظهر فهذه مؤونة لا تستفاد من قاعدة الفراغ والشاهد على ذلك أنه لو كانت الصلاتان مختلفتين كما لو صلى مغربا وعشاء ثم علم ببطلان احدهما وشك في صحة الأخرى فلا ثمرة في قاعدة الفراغ لأن ثمرتها في الظهرين أن يأتي باربع ركعات عما في الذمة وهنا لا تترتب هذه الثمرة فلا تجري.

فالمتحصل أن الأدلة تشمل الاحد المعين والاحد اللابعينه بمقتضى إطلاقها وبناء على ذلك ففي محل الكلام يوجد عندنا قسمان من الأدلة الأولية:

قسم بلسان الأمر بالأجزاء والشرائط وقسم بلسان الإعادة وعندنا طرف ثالث ألا وهو حديث لا تعاد وحيث إن حديث لا تعاد حجة في أصل مدلوله لا في إطلاقه فمقتضى حجيته في أصل مدلوله وقوع التعارض بالعرض بين القسم الأول من الأدلة والقسم الثاني وبالتالي هل يسقط كلا القسمين فلا يشمل دليل الحجية أيا منهما؟ أم نقول: دليل الحجية لا يشمل كليهما لتعارضهما بالعرض ولا يشمل احدهما المعين لأنّه ترجيح بلا مرجح فيشمل احدهما اللامعين، فاحد القسمين - لم نعين - ما زال حجة بعنوان أحد القسمين ومقتضى شمول دليل الحجية للاحد وقوع المعارضة بين أحد القسمين ولا تعاد فحتى لو قلنا - طبعا هذا الكلام فيه تامل - بمقالة السيد الشهيد من أنه دليل الحجية من الأصل لا يشمل ايا من القسمين لتعارضهما بالعرض لكن هذا لا يعني أنه يتعين شموله لحديث لا تعاد؛ لأن سقوط كل من القسمين بالمعارضة إنما هو سقوط لكل منهما بعينه فيبقى احدهما لا بعينه على الحجية فإذا بقى احدهما لا بعينه على الحجية صار معارضا لحديث لا تعاد، فتأمل.

والحاصل أن الصحيح في تقديم لا تعاد على الأدلة الأولية ما ذكرناه من دعوى الحكومة وانه ما دام المنظور في لا تعاد إلى الخلل في مقام الامتثال بخلاف الأدلة الأخرى فإن منظورها إلى مرحلة الجعل كان ذلك موجبا لنظر لا تعاد إلى الأدلة الأولية والحكومة عليها سواء كانت بلسان الأمر أم بلسان الإعادة. تم هذا البحث.

يقع البحث غدا في شمول حديث لا تعاد للجاهل المقصر بعد المفروغية عن شموله للجاهل القاصر.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 71
الدرس 73