نص الشريط
الدرس 75
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 16/4/1435 هـ
مرات العرض: 2617
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (502)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا فيما سبق أن سيدنا الخوئي «قدّس سرّه» أفاد بأنه إذا صلى المكلف وبعد الصلاة أحرز أنه أخل بجزء منها كما لو أحرز أنه أخل بجلسة الاستراحة ولكن لا يدري هل أخل بجلسة الاستراحة عن جهل قصوري لأنّه استند في ذلك لفتوى فقيه جامع للشرائط أو أنه أخل بها عن جهل تقصيري لأنّه لم يستند لفتوى فقيه جامع للشرائط فهو قد أخل قطعا ولكن لا يدري أن إخلاله عن تقليد أو لم يكن عن تقليد، فهنا أفاد سيدنا «قدّس سرّه» أنه تجري في حقه قاعدة الفراغ لأنّه بالنتيجة يشك في صحة عمله فإن كان إخلاله بجلسة الاستراحة عن جهل قصوري فإن صلاته صحيحة بمقتضى دلالة لا تعاد على صحة الصلاة في فرض الإخلال بالسنة عن جهل قصوري وإن كان إخلاله عن جهل تقصيري فصلاته فاسدة إذن فهو يشك في صحة صلاته وفسادها ومقتضى قاعدة الفراغ تصحيحها.

وذكرنا أن هذا التطبيق منه «قدّس سرّه» مبني على البحث في قاعدة الفراغ وانها تشمل مثل هذا المورد أم لا، لذلك ذكرنا أن النصوص في قاعدة الفراغ على قسمين: مطلق وهو صحيح محمد بن مسلم «كلما شككت فيه مما مضى فامضه»، ومقيد وهو موثق بكير بن اعين «سالته عن الرجل يشك بعدما يتوضا قال هو حين يتوضا أذكر منه حين يشك» وبحثنا امس هل أن الأذكرية حكمة للجعل أم انها مجعول أم انها موضوع للجعل، وذكرنا أن سيدنا «قدّس سرّه» اختار أن الأذكرية ليست حكمة وليست هي المجعول الشرعي وإنما هي موضوع الجعل الشرعي أي أن موضوع جريان قاعدة الفراغ فرض احتمال الأذكرية فاحتمال الأذكرية اخذ موضوعا لجريان قاعدة الفراغ لا أنه حكمة ولا أنه هو المجعول.

وقلنا أيضاً بناء على أن الأذكرية موضوع الجعل كما أفاد سيدنا «قدّس سرّه» حيثية تقييدية، فهل معنى الأذكرية مانعية إحراز الغفلة أو شرطية احتمال الذكر، هل معنى قوله «هو حين يتوضا أذكر منه» يريد أن يبين أن إحراز الغفلة مانع كما ذهب إليه السيد الصدر أو أنه يريد أن يبين احتمال الأذكرية كامر وجودي شرط وهذا ما ذهب إليه سيدنا «قدّس سرّه» وهذه الرواية تريد أن تقول أنه يشترط في جريان قاعدة الفراغ احتمال الأذكرية فهو شرط لا أن إحراز الغفلة مانع.

وبيان ذلك: أنه أفاد «قدّس سرّه» في مصباح الأصول أنه معنى اشتراط احتمال الأذكرية هو أن المكلف إذا احتمل الصحة والفساد فهو يقول لو كان العمل صحيحا لكان منشأ الصحة الأذكرية ولو كان فاسدا لكان منشأ الفساد الغفلة أو الخطا إذن مورد قاعدة الفراغ هو المورد الذي يقول المكلف: إن كان العمل صحيحا فهو من جهة انني كنت ذاكرا وإن كان فاسدا فمن جهة انني كنت غافلا أو مخطئا. إذن فموردها أنه لو كان العمل صحيحا لم يكن منشأ الصحة إلا انني ذاكر وإن كان فاسدا فليس منشأ الفساد انني تعمدت أو منشأ الفساد هو الصدفة بل منشأ الفساد انني كنت مخطئا وغافلا.

وفرع على ذلك «قدّس سرّه» مطلبين:

المطلب الأول: أنه بناء على اشتراط احتمال الأذكرية في جريان قاعدة الفراغ سوف تخرج موارد ثلاثة موضوعا:

المورد الأول إحراز الغفلة هذا المشترك بين القولين أن إحراز الغفلة لو أحرزت انني كنت غافلا أثناء الصلاة جزما فهذا خارج عن مورد قاعدة الفراغ.

المورد الثاني: احتمال الإخلال العمدي حيث يقول المكلف انا لم اكن غافلا في الصلاة ولكن احتمل انني اخللت بجلسة الاستراحة عمدا أي احتملت انني اخللت بجزء أو شرط عمدا لم تجر قاعدة الفراغ لأنّه لو صح العمل لم يكن منشأ الصحة الأذكرية بل منشأ الصحة ارادة الامتثال ولو أخل لم يكن منشأ الخلل الغفلة والخطا بل منشأ الخلل العمد، فهنا لا تكون الأذكرية مناطا للصحة ولا خلافها مناطا للفساد لوجود احتمال آخر، فهذا خارج عن مورد قاعدة الفراغ.

المورد الثالث ما إذا تساوى منشأ الشك بين ما بعد العمل وحين العمل مثلاً صليت إلى هذه الجهة أو توضأت بهذا المائع بعد أن توضات بهذا المائع بعد الصلاة رايت مثلاً قطرات في هذا المائع شككت انها بول أو دم أوما أشبه فانا اقول لو التفت لهذا المنشا أثناء الصلاة أو قبل الصلاة لكنت أيضاً شككت فمنشأ الشك بعد الصلاة مساو له أثناء الصلاة أو قبلها يعني لو التفت لهذا المنشا لحصل عند الشك فهنا في هذا الفرض لو حصل منشأ بعد الصلاة اوجب أن يشك في الصلاة وكان هذا المنشا متساويا بمعنى أنه لو التفت إليه أثناء العمل لحصل منه الشك فهنا يقول السيد الخوئي إذن في هذا المورد لا تجري قاعدة الفراغ لأنّه يقول لو التفت أثناء العمل لشككت إذن فلست بذاكر، فلا ينسجم مع ذلك احتمال الأذكرية لانني لو التفت لشككت فكيف اقول بانني احتمل الأذكرية أثناء العمل وان الأذكرية هي المصحح لصلاتي.

فهذه الموارد الثلاثة خارجة موضوعا عن قاعدة الفراغ بناء على اشتراط الأذكرية.

المطلب الثاني: هو أن سيدنا تبعا لشيخه الميرزا النائيني اقتنص من هذه الرواية «هو حين يتوضا أذكر منه حين يشك» اقتنص حدود ثلاثة قال بانها معتبرة في جريان قاعدة الفراغ فهل هذه الحدود الثلاثة معتبرة أم لا؟

الحد الأول: قال يعتبر في جريان قاعدة الفراغ عدم انحفاظ صورة العمل بمعنى أن صورة العمل تكون مشكوكة بعد العمل فهنا تجري قاعدة الفراغ واما لو أحرزت صورة العمل وشككت في أمر خارج عن دائرة العمل فهنا لا تجري قاعدة الفراغ مثلاً: لو أحرزت انني صليت إلى هذه الجهة فصورة العمل محفوظة إنما شككت الآن بعد العمل أن هذه الجهة قبلة أم لا فصورة العمل محفوظة وإنما الشك في وصف متعلق العمل هل هذه الجهة قبلة أم ليست بقبلة فهنا يقول لا تجري قاعدة الفراغ لأنّه إذا أحرز وإذا حفظ صورة العمل فهو ذاكر إذن لا أنه يحتمل الأذكرية ويحتمل الغفلة ومورد قاعدة الفراغ ما إذا كان لديه هذان الاحتمالان يقول أن اخللت فلغفلتي وان اصلحت فلذكري، مورد قاعدة الفراغ هو التردد بين احتمال الغفلة واحتمال الذكر بأن يقول أن كنت قد اتيت بها صحيحة فذلك لاني كنت ذاكر وان كنت قد اتيت بها فاسدة فذلك لانني غافل أو مخطا اما لو أحرزت بانني ذاكر واني صليت الى هذه الجهة إنما الآن شككت أن هذه الجهة قبلة أم ليست بقبلة فهذا شك في وصف متعلق العمل والشك في وصف متعلق العمل لا ينسجم مع احتمال الأذكرية. إذن لو اصبت وصليت صلاة صحيحة فهو ليس لانني ذاكر بل من باب الصدفة لو تبين أن هذه الجهة قبلة فهذا من باب الصدفة الواقعية لا من باب انني ذاكر فانما ذكرته الصلاة لهذه الجهة لا اكثر واما كون هذه الجهة قبلة أم ليست قبلة فهذا أمر تكويني واقعي لا يرتبط بذكري أو عدم ذكري فلو كانت هذه الجهة قبلة واقعة فهذا من باب صدفة مطابقة الواقع لا من باب أذكريتي.

ونقول: لو سلمنا بالمقدمات السابقة في كلامه فهل يصح اقتناص هذا الحد من قوله هو حين يتوضا أذكر منه حين يشك أم لا؟ يصير نقاشنا على هذه المفردة. فنقول يرد على هذا التحديد:

اولا: ما هو المراد بانحفاظ صورة العمل هل المراد انحفاظ صورة العمل انحفاظه من حيث كونه عملا تكوينيا أو انحفاظه من حيث كونه امتثالا للمأمور به به فمثلا الصلاة إلى جهة عمل تكويني وامتثال للأمر بالصلاة فعندما يقول سيدنا «قدّس سرّه» انحفاظ صورة العمل مانع ما المراد بانحفاظ صورة العمل هل المراد انحفاظ صورة العمل انحفاظه من حيث كونه عملا تكوينيا أو انحفاظه من حيث كونه امتثالا للامر بالصلاة، فإن كان مقصوده أن المانع انحفاظ صورة العمل من حيث كونه عملا تكوينيا يعني من حيث كونه صلاة إلى هذه الجهة فهذا لا ربط له بموضوع جريان قاعدة الفراغ لأن روايات قاعدة الفراغ كلها أن موضوعها الشك في الامتثال أي في انطباق المأمور به على الماتي به لا الشك في العمل من حيث صورته التكوينية الواقعية. وإن كان المراد هو الثاني وهو انحفاظ صورة العمل من حيث الامتثال فالشك موجود وليست صورة العمل محفوظة لأنّه لو شك أن هذه الجهة قبلة أم لا فقد شك أن الامتثال حصل أم لا فصورة العمل من حيث كونه امتثالا ليست محفوظة وان كانت صورته التكوينية محفوظة لكن من حيث كونه امتثالا ليست محفوظة أو أنه مثلاً توضا بهذا المائع ولكن لا يدري هل هذا المائع ماء أو لبن بالنتيجة صورة العمل تكوينيا محفوظة ولكن صورته من حيث كونه امتثالا مشكوكة.

ثانيا: بين عدم انحفاظ صورة العمل وبين الأذكرية عموما من وجه فذكر الرواية للأذكرية لا يعني اشتراط عدم انحفاظ صورة العمل، بينهما عموما من وجه بيان ذلك قد تنحفظ صورة العمل ومع ذلك هو أذكر وقد لا تنحفظ صورة العمل وليس بأذكر قد تنحفظ صورة العمل وهو مع ذلك أذكر فتجري القاعدة مثلاً صليت إلى هذه الجهة وبعد الصلاة لم اشك بأن هذه الجهة قبلة أم لا بل شككت في احرازي هل انني حين الصلاة أحرزت أن هذه الجهة قبلة أم لا فهنا صورة العمل وان كانت محفوظة لاني صليت إلى هذه الجهة إلا أن هذا المورد من موارد الأذكرية لأن مصب شكي هل انني صليت لهذه الجهة عن إحراز مني إلى انها قبلة أو لا إذن مقتضى أذكرية حين العمل انني إنما صليت لهذه الجهة لإحرازي انها قبلة لا من باب الغفلة والخطا فهنا صورة العمل محفوظة لكن احتمال الأذكرية أيضاً موجود وهو الشرط في جريان القاعدة.

وقد لا تنحفظ صورة العمل لكن احتمال الأذكرية مفقود كما في موارد إحراز الغفلة فانا صليت وبعد الصلاة شككت هل انني تركت السورة أم لا فصورة العمل غير محفوظة لكن انا جازم اني غافل بهذه الصلاة كلها مع أن صورة العمل غير محفوظة لكن احتمال الأذكرية مفقود لاني محرز للغفلة مع أنه قد يشك في بعض اجزاء صلاته فلانه بين عدم انحفاظ صورة العمل وبين احتمال الأذكرية عموما من وجه فلا يستفاد من اعتبار احتمال الأذكرية اشتراط عدم انحفاظ صورة العمل.

وثالثا: لو اشترطنا في جريان قاعدة الفراغ عدم انحفاظ صورة العمل بمعنى عدم انحفاظ صورته من حيث كونه عملا تكوينيا لما جرت قاعدة الفراغ عند الشك في التقليد الذي هو مورد البحث فلو أحرز أنه ترك جلسة الاستراحة في هذه الصلاة لكن لا يدري أنه تركها عن تقليد أو لا فصورة العمل من حيث كونه عملا تكوينيا محفوظة لأنّ الشك أنه استند في ترك جلسة الاستراحة إلى الفتوى أم لم يستند وهذا أمر خارج عن حريم العمل وأجزائه فإن هذا يعني الاستناد وعدم الاستناد كما يقول السيد الصدر هذا من قيود الأمر الظاهري لا من قيود المأمور به ففرق بين قيود المأمور به وقيود الأمر فتارة يشك المكلف في قيد من قيود المأمور به كأن يشك أنه على طهارة أنه كان مطمئن أنه كان مستقبل للقبلة هذا شك في قيد من قيود المأمور به هنا تجري قاعدة الفراغ وتارة يشك في قيود الأمر وقيود الأمر على قسمين: قيود الأمر الواقعي وقيود الأمر الظاهري قيود الأمر الواقعي مثل الوقت ما ادري دخل الوقت أم لا فإن دخول الوقت من قيود الأمر من قيود الوجوب لأنّه لولا دخول الوقت لم يكن أمر بالصلاة أصلا أو شك في الجنابة وعدمها فلو أن الانسان بعد أن اغتسل غسل الجنابة شك أنه كان على جنابة أو ما كان فالشك في صحة الغسل ليس ناشئا عن الشك في قيد من قيود المأمور به بل هو شك في قيد الأمر أصلا، إن كان على جنابة فهو مأمور بهذا الغسل وإلا فليس مامورا فالشك في قيد الأمر لا تجري فيه قاعدة الفراغ لأنّ موضوع قاعدة الفراغ انطباق المأمور به على الماتي به بعد الفراغ عن وجود أمر واما مع الشك في قيد الأمر فهو شك في الأمر نفسه فلا يكون مجرى لقاعدة الفراغ هذا في قيد الأمر الواقعي.

وقد يكون في قيد الأمر الظاهري مثلاً هل هذه الصلاة التي صليتها مأمور بها بالأمر الظاهري أي هذه الصلاة إن كانت مطابقة لفتوى الفقيه الجامع للشرائط فهي مأمور بها بالأمر الظاهري فعندما يشك في التقليد هل أنه قلد أم لم يقلد هل استند أم لم يستند فإن التقليد والاستناد لم يؤخذ قيدا في صحة الصلاة في المأمور به وإنما اخذ قيدا في الأمر الظاهري أي أن استند كان مامورا من قبل المجتهد بهذه الصلاة وإن لم يستند فليس مأموراً فالاستناد قيد في الأمر الظاهري الناشئ عن فتوى الفقيه وليس قيدا في المأمور به فالشك في التقليد ليس شكا في قيد من قيود المأمور به إذن فصورة العمل محفوظة فعلى مبنى سيدنا «قدّس سرّه» من أنه إذا كانت صورة العمل محفوظة لم تجر قاعدة الفراغ لا تجري قاعدة الفراغ في المقام لأن صورة العمل محفوظة والتقليد لم يؤخذ قيدا في المأمور به وإنما هو قيد في الأمر الظاهري فكيف أجرى قاعدة الفراغ في المقام؟

يأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى

والحمد لله رب العالمين

الدرس 74
الدرس 76