نص الشريط
الدرس 87
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 3/5/1435 هـ
مرات العرض: 2871
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (442)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا فيما سبق المحقق الاصفهاني «قدّس سرّه» أفاد في أنه في جعل الاحكام الوضعية بخبر الثقة مثلا تتحقق الصحة الواقعية والوجه في ذلك مبني على مقدمتين.

المقدمة الأولى: أن حجية الامارة إن كانت من باب جعل العلمية أو كانت من باب جعل المنجية والمعذرية أو كانت من باب جعل ما يحتج به فانها لا تتضمن مجعولا وراء المجعول الواقعي.

واما إذا كان معنى جعل الحجية للامارة هو جعل الحكم المماثل على طبق مؤدى الامارة فمقتضى ذلك أنه إذا قامت الامارة على وجوب القصر مثلا فقد جعل الشارع وجوبا للقصر في عرض المجعول الواقعي وإذا قامت الامارة على أن التذكية تتحقق بالذبح بغير الحديد فقد جعل الشارع تذكية في عرض ما هو التذكية الواقعية.

هذه هي المقدمة الأولى.

المقدمة الثانية الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي إذ تارة تقوم الامارة على حكم تكليفي كما إذا افترضنا أنه قامت الامارة لدى الفقيه على أن من لم تكن حرفته السفر فحكمه القصر، ثم انكشف للفقيه خطا هذه الامارة أو خطا هذا الدليل وان موضوع القصر يشمل من عمله بالسفر ولا يختص بمن عمله السفر فحينئذ انكشف للفقيه أن حكم من عمله في السفر التمام وليس القصر، فهنا لا نقول بالاجزاء والسر في ذلك أن الحكم التكليفي تابع لملاك في متعلقه فوجوب التمام واقعا تابع لملاك في التمام فإذا كان الحكم التكليفي ناشئا عن ملاك في متعلقه فقيام امارة على خلاف الواقع لا يغير ما هو مورد الملاك سيبقى أن في التمام ملاكا وان قامت امارة على أن الحكم هو القصر واتى بالقصر تبعا لهذه الامارة إلا أن كون التمام ذات ملاك لزومي ما زال قائما فمقتضى بقاء كون متعلق الحكم التكليفي ذا ملاك لزومي هو عدم الإجزاء أي لزوم الإعادة في الوقت أو القضاء خارجه استيفاء لذلك الملاك اللزومي.

واما إذا قامت الامارة على حكم وضعي كما إذا قامت الامارة على أن مثلا غسل زيارة الحسين عن بعد طهور يعني يجزي عن الوضوء أو قامت الامارة على أن الجلد المذبوح بغير الحديد مذكى تصح الصلاة فيه فهنا نقول بالاجزاء فلو أن المكلف صلى بهذا الجلد ثم انكشف خطا الامارة وان الجلد المذبوح بغير الحديد ليس مذكى أو فرضنا أن المصلي اعتمد على غسل زيارة الحسين عن بعد فصلى بغير وضوء فانكشف خلاف ذلك فهنا يقول المحقق الاصفهاني يمكن أن يقال بالاجزاء والسر في ذلك أن الحكم الوضعي ليس تابعا لملاك في متعلقه وإنما الحكم الوضعي تابع لملاك في نفس جعله فإن في جعل الحجية مثلا لخبر الثقة ملاكا - عملت بخبر الثقة أم لم تعمل - وهو التسهيل على المكلفين. في نفس جعل مثلا التذكية بذبحه بشرائطه ملاكا اكلت ذالك المذكى أم لم تاكل فملاك الحكم التكليفي في متعلقه وملاك الحكم الوضعي في نفس جعله وبناء على ذلك فإذا وردنا خبر ثقة يتضمن جعل حكم وضعي وهو حصول التذكية بالذبح بغير الحديد قلنا إن كانت امارية خبر الثقة بمعنى العلم بالواقع كما يقول به المحقق النائيني وقد انكشف لنا أن لا علم، وإن كان مبنى امارية خبر الثقة المنجزية والمعذرية فقد تبين لنا أنه من الآن ليس معذرا وإن كان مبنى الامارية جعل ما يحتج به فقد تبين لنا أن هذا مما لا يحتج به فعلا بينما إذا كان مبنى الامارية جعل حكم مماثل إذن فهذا الخبر الذي قام على أن جلد المذبوح بغير الحديد مذكى قد ترتب عليه حكم بالتذكية مع أن في الواقع ليس مذكى لكن بقيام خبر ثقة على أن التذكية تحصل بالذبح بغير الحديد تحقق حكم من الشارع بالتذكية وحيث إن الحكم الوضعي ذي ملاك في جعله لا ملاك في متعلقه فإذا انكشف لنا أن التذكية إنما تتحقق بالذبح بالحديد فهذا لا يعني أن ما ذبح بغير الحديد ليس ذا ملاك لأن المفروض أن الملاك في جعل التذكية لا في متعلقها والمفروض أن الجعل قد تحقق بخبر الثقة فتحقق به ملاك وبناء على ذلك فمقتضى القاعدة أنه حتى مع تبين خطا الامارة أو معارضة الامارة مع امارة أخرى فإن مقتضى القاعدة هو الإجزاء.

هذا تمام ما أفاده المحقق الاصفهاني «قدّس سرّه».

ويلاحظ على ما افيد:

اولا أن المحق الاصفهاني نفسه «قدّس سرّه» في توجيه كلام استاذه صاحب الكفاية «قدّس سرّه» حيث إن صاحب الكفاية فرق بين الامارة والاصل فقال: إذا قامت الامارة على حكم ثم انكشف خلافه فلا اجزاء بخلاف ما إذا قامت أصالة الطهارة أو أصالة الحل على حكم ثم انكشف الخلاف فإن مقتضى القاعدة هو الإجزاء فهناك اشكل على صاحب الكفاية بأنه لو كان مفاد الامارة جعل الحكم المماثل فلا فرق بينها وبين الأصل العملي فلا فرق بين أن تقوم أصالة الطهارة وتثبت أن الساتر طاهر أو يقوم خبر الثقة على أن الثوب طاهر، لم؟ لأن مرجع حجية خبر الثقة إلى جعل حكم مماثل على طبق مؤداه والشارع قد جعل طهارة على طبق مؤدى خبر الثقة كما جعل طهارة على طبق أصالة الطهارة فلا يبقى فرق بين الامارة والاصل بناء على أن امارية الامارة بمعنى جعل الحكم المماثل فيترتب على ذلك القول بالاجزاء في كليهما فكيف فرق صاحب الكفاية بين الامارة والاصل هذا الإشكال على صاحب الكفاية والمحقق الاصفهاني تصدى لدفع هذا الإشكال عن شيخه فقال حتى لو قلنا بأن مرجع حجية الامارة إلى جعل الحكم المماثل مع ذلك لا يترتب الحكم بالاجزاء والسر في ذلك:

أن مفاد الأصل العملي جعل حكم مماثل في عرض الواقع فمفاد أصالة الطهارة كل شيء لك نظيف حتى تعلم أنه قذر أن المشكوك نظيف مع غض النظر عن الواقع فهناك طهارة مجعولة في عرض الواقع، بينما مفاد الامارة حتى بناء على جعل الحكم المماثل أنه إذا قام خبر ثقة على أن الثوب طاهر فمفاد خبر الثقة هو جعل طهارة بعنوان انها الواقع لا جعل طهارة في عرض الواقع إذ لا يمكن سلب خبر الثقة عن صفة الحكائية فيه فمقتضى كون خبر الثقة متقوما بحيثية الحكائية عن الواقع أنه حتى لو قلنا بأن مرجع الامارية إلى جعل الحكم المماثل فهذا لا يعني أن مفاد خبر الثقة جعل طهارة في عرض الطهارة الواقعية وإلا لم يكن حاكيا عن الواقع بل مفاده جعل طهارة بعنوان انها الواقع. فإذا انكشف لنا أن ما هو الواقع هو النجاسة وليس ما هو الواقع الطهارة تبين لنا انثلام مدلول الامارة لأن مدلولها جعل طهارة بعنوان انها الواقع وهذا لا لم يتحقق فلا مصير للقول بالاجزاء نحن الآن نشكل على الاصفهاني بكلامه فنقول:

إن مفاده المحقق الاصفهاني في الدفاع عن كلام شيخه المحقق الاخوند «قدّس سرّه» في التفريق بين الامارة والاصل يرد عليه هنا بالتفريق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي وهو أنه سواء كان مؤدى الامارة حكما تكليفيا كما لو كان مؤدى الامارة وجوب القصر فيمن كان عمله في السفر أو كان مؤدى الامارة حكما وضعيا وهو أن التذكية تتحقق بالذبح بغير الحديد سواء كان هذا أو هذا بالنتيجة ما هو مؤدى الامارة بمقتضى دليل حجية الامارة جعل الحكم المماثل بعنوان أنه الواقع لا جعل حكم مماثل في عرض الواقع ومع غض النظر عنه فإذا كان مفاد دليل حجية الامارة جعل الحكم المماثل بعنوان أنه الواقع وقد انكشف لنا أن الواقع ليس على ما قامت به الامارة فحينئذ لا مقتضى للقول بالاجزاء فمجرد اشتمال الحكم الوضعي على ملاك في نفس جعله ليس كافيا في الذهاب للقول بالاجزاء لأن ذلك يبتني على فعلية الحكم الوضعي والمفروض أنه انكشف لنا أنه ليس فعليا.

هذا اولا.

ثانيا: أن مقتضى ما افاده المحقق العقل الفعال اعلى الله مقامه أن نسبة الامارة للحكم المفاد بها نسبة السبب للمسبب لا نسبة الطريق إلى ذي الطريق بمعنى أن قيام الامارة سبب لحصول حكم مماثل فنسبة الامارة إلى الحكم نسبة السبب إلى المسبب فمتى ما قامت امارة ترتب عليها حكم وضعي فمقتضى هذا الكلام أنه إذا انكشف لنا أن الامارة خاطئة إذن انكشف لنا عدم سببيتها فلم يترتب حكم وضعي على طبق مؤداها لأن ترتب الحكم الوضعي على طبق مؤدى الامارة منوط بحجيتها وقد انكشف لنا عدم حجيتها.

ولكن قد يقال: إن هذا إنما يتم إذا انكشف الخطا وجدانا أو تعبدا واما إذا قامت امارة معارضة للامارة السابقة فهو بنى على أن غسل زيارة الحسين عن بعد يجزي عن الوضوء اعتمادا على خبر ثقة ثم وجد الفقيه بعد مدة أن هناك خبرا معارضا فهنا لم ينكشف لنا خطا الامارة وإنما قام معارض لها فقد يقال حيث لم ينكشف فلم ينكشف لنا أن الحكم الوضعي ليس فعليا في ظرفه فنستصحب بقاء هذا الحكم الوضعي إذ لا ندري أن صلاته السابقة بغسل دون وضوء صحيحة فلا يجب عليه قضاءها أم فاسدة فيجب عليه القضاء إذن مقتى استصحاب حجية هذا الحكم الوضعي في حقه أن صلاته السابقة صحيحة فلا يجب القضاء.

قلت: لا نحرز فعلية الحكم الوضعي في حقه في آن قيام الامارة؛ إذ لعل فعلية الحكم الوضعي في ذلك الآن منوط بعدم المعارض فحيث لم تحرز فعلية الحكم الوضعي في حقه فلا مجال للاستصحاب لعدم اليقين بالحدوث والنتيجة هي ورود الإشكال على ما افاده المحقق الاصفهاني طاب في قرب الامير مثواه.

وتلخص بذلك أن جميع الوجوه التي استدل بها على الإجزاء في فرض انكشاف الخلاف غير تامة.

الآن ندخل في المقام الثاني. وهو ما إذا انكشف الخلاف بالتعبد لا بالوجدان بأن قام أصل أو امارة على خلاف ما قضى فهل - إذن لا دليل على الإجزاء، والبحث الآن سوف يكون عما يقتضي عدم الإجزاء فهل في الأصل القائم فعلا لأنه انكشف لنا الخلاف بالاصل أو انكشف لنا الخلاف بالامارة فهل في الحجة الجديدة دلالة على عدم الإجزاء أم لا؟

فهنا قد ذكرت للمسالة عدة صور:

الصورة الأولى: أن يتبين الخلاف بالاصل العملي، كما لو افترضنا أن الفقيه استند لقاعدة التجاوز فيما مضى وهي أنه من شك في جزء من اجزاء صلاته ولم يدخل في الجزء المترتب وإنما دخل في مقدماته كما لو شك في الركوع وقد هوى إلى السجود فهل تجري قاعدة التجاوز أم لا؟ فبنى الفقيه مثلا على جريان قاعدة التجاوز، ثم بعد أن بنى الفقيه على جريان قاعدة التجاوز وعمل به المقلد، وهذا الفقيه بعد ذلك شكك في استظهاره وانه هل مقتضى قاعدة التجاوز صحة صلاته مع الدخول في مقدمة الجزء لا في نفس الجزء شكك في ذلك فمقتضى الأصل العملي استصحاب عدم الامتثال ومقتضى استصحاب عدم الامتثال هو اعادة الصلاة فهنا لم ينكشف له الخلاف وإنما شكك في استظهاره السابق فكان مقتضى الأصل العملي في حقه عدم الاجتزاء في صلاته فلو أنه حصل له ذلك بعد خروج الوقت فهل مقتضى استصحاب عدم الركوع في الوقت وجوب القضاء عليه أم أن ذلك أصل مثبت؟

حيث أفاد صاحب الكفاية «قدّس سرّه» وتبعه سيدنا «قدّس سرّه» أن استصحاب عدم الإتيان بالركوع المشكوك لا يثبت الفوت وموضوع وجوب القضاء هو الفوت واستصحاب عدم الإتيان بالركوع لا يثبت الفوت لأن الفوت عنوان منتزع من عدم الإتيان بالكوع ممن هو مكلف به وليس عبارة عن نفس عدم الركوع وجريان الأصل في منشا الانتزاع لا يثبت العنوان العنوان الانتزاعي هذا بحث فقهي مهم سنبحثه غدا ما هو مفاد الروايات هل أن مفاد الروايات أن موضوع وجوب القضاء هو الفوت أو أن موضوع وجوب القضاء هو العدم كما ذهب إليه السيد الامام وهل على أنه على فرض أن المراد بها الفوت هل الفوت عنوان عدمي أو عنوان انتزاعي والاشكالات الواردة على ذلك في المستمسك وكلمات السيد الامام وغيره ياتي الكلام عنها إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 86
الدرس 88