نص الشريط
الدرس 90
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 8/5/1435 هـ
مرات العرض: 2673
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (470)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في أن موضوع وجوب القضاء هو الفوت واستصحاب عدم الإتيان بالصلاة لا يوجب اثبات الفوت فاشكل المحقق الايرواني «قدّس سرّه» على ذلك بأن هناك نقضا على هذا الكلام لا يلتزم به أحد وهو أنه لو فرضنا أن المكلف شك في أثناء الوقت هل أنه صلى أم لا فلا إشكال في جريان استصحاب عدم الصلاة في حقه ويترتب عليه وجوب ادائها فلو أن هذا المكلف لم يصل إلى أن خرج الوقت فإنه يجب عليه القضاء مع أنه لا مدرك له إلا الاستصحاب فإذا كان الاستصحاب لا يثبت موضوع وجوب القضاء فكيف استند هذا المكلف في وجوب القضاء بعد خروج الوقت إلى الاستصحاب؟

وذكرنا أن هذا الإشكال أجيب عنه بوجوه وصل الكلام إلى الوجه الثالث:

وهو ما افاده سيدنا «قدّس سرّه» ج16 من الموسوعة المتعلق بقضاء الفوائت قال: إن موضوع وجوب القضاء الوارد في لسان الأدلة عنوان الفريضة كما في صحيح زرارة ح3 ب2 من ابواب قضاء الصلوات كما في الوسائل: عن أبي جعفر أنه قال: «إذا دخل وقت الصلاة ولم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت وهذه أحق بوقتها - يعني إذا دار الأمر بين الاداء والقضاء يقدم الاداء - فليصلها فإذا قضاها فليصل ما فاته مما قد مضى ولا يتطوع بركعة حتّى يقضي الفريضة»

فيقال أن ظاهر هذه الرواية ان موضوع وجوب القضاء فوت الفريضة ومقتضى الإطلاق شمولها للفريضة الواقعية والفريضة الظاهرية والفريضة العقلية مثلاً إذا قطع أنه لم يصل فقد فاتته الفريضة الواقعية وإذا شك أنه صلى أم لم يصل أثناء الوقت كان متقضى الاستصحاب أن يصلي فببركة الاستصحاب تجب عليه الصلاة وجوبا ظاهريا فالصلاة المستندة إلى الاستصحاب فريضة ظاهرية وليست واقعية فإذا فوتها يعني لم يصل فقد فاتت منه الفريضة الظاهرية فكما أن فوت الفريضة الواقعية كما لو قطع بعدم الصلاة موضوع لوجوب القضاء فكذلك فوت الفريضة الظاهرية موضوع لوجوب القضاء فإن الصلاة صارت فريضة في حقه أثناء الوقت ببركة الاستصحاب، كما يشمل هذا العنوان الفريضة العقلية مثلاً: إذا علم اجمالا بأنه مخاطب اما بالقصر أو التمام فأتى باحدهما وترك العدل الآخر إلى أن خرج الوقت فإن قضاء العدل الآخر بعد خروج الوقت من باب فوت الفريضة العقلية حيث إن العدل الآخر لا يحرز أنه مما يجب عليه شرعا وإنما وجب عليه بمنجزية العلم الإجمالي فهو فوت فريضة عقلية لا شرعية.

فالسيد «قدّس سرّه» يقول: بما أن الموضوع الوارد في لسان الدليل فوت الفريضة فمقتضى إطلاقه أن يشمل الفريضة العقلية والشرعية، الشرعية الواقعية والظاهرية فلا يرد إشكال المحقق الايرواني انكم كيف توجبون القضاء عليه مع أنه لا مستند له إلا الاستصحاب والاستصحاب لا يثبت عنوان الفوت فنقول في الجواب: بما أن موضوع وجوب القضاء فوت الفريضة فهذا فوت وجداني لفريضة ظاهرية.

ولابد أن يبحث أن عنوان الفريضة هل هو عنوان مشير أم أن لهذا العنوان موضوعية؟

فناتي اولا فنقول هنا امور ثلاثة لابد من بحثها في هذه الروايات:

الأمر الأول: هل أن عنوان الفريضة مجرد مشير للصلاة اليومية أم له موضوعية؟ فهل أن مقصود الإمام إذا فاتتك فرضة يعني إذا فاتتك صلاة من الصلوات اليومية لا لموضعية لعنوان الفريضة وإنما يريد أن يقول إذا فاتتك صلاة من الصلوات اليومية فعليك قضاؤها قد يقال هذا هو الظاهر من صحيحة زرارة التي قراناها «ولا يتطوع بركعة حتّى يقضي الفريضة» يعني حتّى يقضي صلواته اليومية لا لموضوعية في عنوان الفريضة وهذا ظاهر من صحيح هشام بن سالم ح1 ب54 من ابواب صلاة الجماعة يقول: عن أبي عبد الله أنه قال: «في الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة قال: يصلي معهم ويجعلها الفريضة إن شاء» ماذا يعني ويجعلها الفريضة إن شاء؟ يعني نفس الصلاة التي صلاها فكأنه قال: ويجعلها الظهر ويجعلها العصر يعني ويجعلها ما أمر به لا أن لعنوان الفريضة موضوعية فالمنظور في هذه الروايات إلى أن عنوان الفريضة مجرد مشير إلى الصلوات اليومية إذن فلا مجال للتمسك بالإطلاق فإن التمسك باطلاق عنوان الفريضة فرع أن يكون له موضوعية ودخلا اما إذا لم يكن له موضوعية ودخل بل مجرد مشير إلى الصلاة اليومية فلا معنى حينئذ للتمسك بإطلاق هذا العنوان. هذا الأمر الأول.

يقول في صحيحة زرارة «سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها أو نام عنها، قال: يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها في ليل أو نهار - كله ناظر إلى الصلوات اليومية - فإذا دخل وقت الصلاة - يعني صار عنده صلاة ادائية - فلم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت وهذه احق بوقتها فليصلها فإذا قضاها فليصل ما فاته مما قد مضى ولا يتطوع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلها» ماذا يعني حتّى يقضي الفريضة كلها يعني هذه الصلاة اليومية التي فاتته لا ظهور فيها اكثر من المشيرية إلى الصلوات اليومية لا أن لعنوان الفريضة موضوعية في البين.

الإشكال الثاني أنه لو سلمنا بأن لعنوان الفريضة موضوعية فهل هي في مقام البيان من هذه الجهة أم انها في مقام بيان أن التطوع لا يزاحم الواجب فلو كانت الرواية في مقام ما هو موضوع القضاء لتمسكنا باطلاقها واما إذا كانت الرواية ليست في مقام بيان ما هو موضوع القضاء وإنما في مقام بيان أن النافلة لا تزاحم الواجب فلا مجال للتمسك حينئذ بالإطلاق.

الأمر الثالث: لو سلمنا أن عنوان الفريضة له موضوعية فهل مفاد دليل الاستصحاب التعبد بالفريضة كما زعمه صاحب الكفاية في أصالة الطهارة واصالة الحل حيث قال: بأن مفاد أصالة الطهارة التعبد بالطهارة ومفاد أصالة الحل التعبد بالحل فيقال حينئذ أن أصالة الطهارة اوجدت فردا من الطهارة وان أصالة الحل اوجدت فردا من الحلية فهل أن مفاد الاستصحاب كذلك؟ بمعنى أن المكلف إذا شك بأنه صلى أم لم يصل فاستصحب عدم الإتيان بالصلاة فهل الاستصحاب تعبد بايجاد فرد من الصلاة أم ليس مفاد الاستصحاب إلا المنجزية وان وجوب الصلاة منجز في حقك؟

فإن شمول عنوان الفريضة للفريضة الواقعية والفريضة الظاهرية فرع وجود فريضة ظاهرية كي يشملها الإطلاق ووجود فريضة ظاهرية فرع أن يكون مفاد دليل الاستصحاب هو إيجاد فرد من الفريضة مضافا للفرد الواقعي فإذا قلنا بأن مفاد دليل الاستصحاب كذلك تم كلامه واما إذا قلنا بأن مفاد دليل الاستصحاب هو منجزية الوجوب المشكوك في زواله سواء كان مفاد دليل الاستصحاب هو مرجعية اليقين السابق أو كان مفاد دليل الاستصحاب هو التعبد بالعلمية أو كان مفاد دليل الاستصحاب النهي عن النقض العملي فعلى جميع هذه المباني ليس نتيجة الاستصحاب إلا منجزية الوجوب المشكوك لا التعبد بفرد ظاهرية كما قيل في أصالة الطهارة والحل.

هذا تمام الكلام في تنقيح موضوع وجوب القضاء فتحصل من ذلك أن وجوب القضاء الفوت الذي لا يثبت باستصحاب عدم الإتيان بالصلاة.

الأمر السادس أن السيد الفقيه النبيه صاحب المستمسك «قدّس سرّه» أفاد بأنه لو فرضنا أن الأدلة مجملة ولم نصل إلى شيء ووصلت النوبة الى الاصل العملي فشككنا هل أن وجوب الصلاة الذي كان في الوقت ما زال باقيا بعد خروج الوقت أم لا؟

فقد أفاد سيد المستمسك «قدّس سرّه» مقتضى الاستصحاب بقاء الوجوب، وهذا انما يتم بناء على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وبناء على أن العرف يرى أن خروج الوقت من قبيل تبدل الحالة لا من قبيل تغير الموضوع، والمرجع في تنقيح أن الموضوع قد تغير أو أن الموضوع ما زال محتفظا به والحالة متبدلة هو النظر العرفي فإذا كان النظر العرفي يقول بأن خروج الوقت من قبيل تبدل الحالة إذن يجري استصحاب بقاء الوجوب.

ولكن سيدنا «قدّس سرّه» في ج16 في باب قضاء الفوائت أفاد هناك بأنه:

اولا: هذا الاستصحاب من القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي وقد اثبتنا في محله عدم جريانه والوجه في ذلك: أنه قطعا أن هناك فردين من الوجوب: وجوب ادائي وهو وجوب الصلاة في الوقت ووجوب آخر فإذا شككنا في بقاء الوجوب وعدمه فنحن نقول: أما الوجوب الادائي فقد ارتفع قطعا وأما الوجوب القضائي فهو مشكوك الحدوث فكيف يجري الاستصحاب فاستصحاب جامع الوجوب طبيعي الوجوب وكلي الوجوب لا يجري، لدوران هذا الوجوب بين فرد مقطوع الارتفاع وفرد مشكوك الحدوث وهذا ما يعبر عنه بالقسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي فحيث لا شك في المقام فلا يجري الاستصحاب فإن ميزان الاستصحاب الشك في البقاء ولا شك في البقاء إذ أحد الفردين مقطوع الارتفاع والآخر مشكوك الحدوث. هذا اولا.

وثانيا: لو اغمضنا النظر عما ذكرنا وقلنا أن المكلف يحتمل انه لا يوجد وجوبان بل يحتمل أنه وجوب واحد فانما يكون هذا الاستصحاب من القسم الثالث من اقسام الاستصحاب الكلي إذا احرز المكلف أن هناك فردين، واما إذا احتمل المكلف أن الوجوب واحد أي أن هناك شخصا من الوجوب قد تحقق في الوقت ولا يدري أن ذلك الشخص من الوجوب استمر إلى ما بعد خروج الوقت أو انتهى بالوقت فهذا ليس من القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي بل من القسم الثاني وهو ما إذا شك في الفرد الحادث أنه من الفرد الطويل أم من الفرد القصير كما لو علم أنه قد صدر منه رطوبة يدور امرها بين البول والمني فتوضا فإنه بعد الوضوء يقول إن كان الحادث هو الحدث الاصغر فقد ارتفع بالوضوء واما إذا كان من الحدث الاكبر فما زال باقيا فيستصحب كلي الحدث.

إذن إن كان المكلف يحرز أن هناك وجوبا ادائيا قد انقضى بخروج الوقت فاستصحاب كلي الوجوب من القسم الثالث وإن لم يحرز أن هناك وجوبا ادائيا قد انقضى بخروج الوقت بل يحتمل أن ليس هناك إلا شخص من الوجوب ويشك في بقائه بعد الوقت أو عدم بقائه فحينئذ يكون الاستصحاب من القسم الثاني من اقسام الاستصحاب الكلي الذي موضوعه الشك في الفرد الحادث أنه مستمر أم منقرض يأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى

والحمد لله رب العالمين

الدرس 89
الدرس 91