نص الشريط
الدرس 91
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 9/5/1435 هـ
مرات العرض: 2563
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (492)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا فيما سبق أن سيدنا الخوئي «قدّس سرّه» أفاد بأن استصحاب الوجوب أي وجوب الصلاة لما بعد خارج الوقت بناء على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وبناء على أن النظر العرفي يرى أن خروج الوقت من تبدل الحالات لا من تغير الموضوع مع ذلك لا يجري الاستصحاب في المقام فإن المكلف إذا أحرز بأن هناك وجوبا أدائيا قد ارتفع بمعنى أن الشارع من مجعولاته وأحكامه وجوب الصلاة في الوقت على نحو وحدة المطلوب فإذا أحرز المكلف أن من أحكام الشارع هذا الحكم إذن فهو يحرز أن هذا الوجوب الخاص المعبر عنه بالأداء قد ارتفع قطعا لخروج الوقت ويشك في بقاء الوجوب للشك في حدوث فرد جديد من الوجوب ألا وهو وجوب الصلاة قضاء فيكون استصحاب الوجوب من القسم الثالث من أصحاب الكلي وأما إذا لم يحرز المكلف ذلك بل احتمل من أول الأمر أن ما جعله الشارع هو وجوب مستمر ينبسط على الوقت وعلى خارجه فقطعا أن الشارع جعل وجوبا للصلاة لكن ما جعله مردد عندي بين أن يكون فردا قصيرا ينقضي بخروج الوقت أو فردا طويلا يبقى بعد خروجه فالوجوب المجعول من قبل الشارع مجهول بالنسبة لي فلذلك يكون استصحاب الوجوب من قبيل القسم الثاني وهو استصحاب الكلي المردد بين فرد قصير وفرد طويل ولكن الاستصحاب من القسم الثاني من أقسام الكلي محل إشكال من ناحيتين:

الناحية الأولى: ما ذكره سيد المنتقى «قدّس سرّه» من أن مصب الاستصحاب إما الفرد وإما المفهوم مثلاً إذا خرجت رطوبة من المكلف ثم توضأ بعدها وعلم أن الرطوبة إن كانت بولا فقد زال الحدث وان كانت منيا فما زال باقيا فعندما يراد استصحاب كلي الحدث المردد بين فرد قصير قد ارتفع وهو الحدث الأصغر أو فرد طويل باق وهو الحدث الأكبر فإما أن يكون مصب الاستصحاب الفرد أي الفرد الذي حدث من الرطوبة أو يكون مصب الاستصحاب الجامع بينهما فإن كان مصب الاستصحاب الفرد فلا يوجد شك في البقاء لأن الفرد مردد بين مقطوع الارتفاع ومقطوع البقاء فهو إن كان الفرد القصير أي الحدث الأصغر فقد ارتفع جزما وإن كان الفرد الطويل وهو الجنابة فهو باق جزما إذن لا يوجد شك في البقاء ومناط جريان الاستصحاب الشك في البقاء وإن كان مصب الاستصحاب الجامع بين الفردين فليس الجامع بين الحدث الأصغر والحدث الأكبر إلا مفهوم الحدث والمفهوم ليس موطن الآثار كي يكون مصبا للاستصحاب فإن موضوع الأثر الحدث الخارجي اصغر أو اكبر لا أن موطن الأثر عنوان الحدث أو مفهوم الحدث حتّى يكون مصب الاستصحاب هو المفهوم أو العنوان أو ما أشبه ذلك.

فلأجل ذلك ذهب سيد المنتقى «قدّس سرّه» إلى عدم جريان الاستصحاب في القسم الثاني من أقسام الكلي كعدم جريانه في القسم الثالث.

ولكن للتأمل فيما أفاد مجال والوجه في ذلك: أن الأصوليين عندما يقولون تارة يجري استصحاب الفرد وأخرى استصحاب الكلي فليس مقصودهم بالفرد والكلي مفهومين إنما مصب الاستصحاب على كل حال كان هو المعبر عنه بالفرد أو كان هو المعبر عنه بالكلي فمصب الاستصحاب هو الواقع إنما الواقع تارة يكون مرئيا بعنوان فيعبر عنه بالفرد وتارة يكون مرئيا بعنوان آخر فيعبر عنه بالكلي وإلا فمصب الاستصحاب ما هو موطن الأثر ألا وهو الواقع نفسه.

فلأجل ذلك قد يكون هذا الواقع بعنوانٍ معلوما ونفس هذا الواقع بعنوان آخر مشكوك وهذا الواقع بعنوان مقطوع البقاء وبعنوان مشكوك البقاء فالواقع نفسه واحد إنما لحاظه بعنوان قد يدخله تحت موضوع حكم ولحاظه بعنوان قد يدخله تحت موضوع حكم آخر فلذلك ذكرنا في بحوث العلم الإجمالي أن الواقع بتعاور  يعني طوارئ  العناوين عليه تختلف أحكامه فمثلا قد يقطع الإنسان بأن ابن زيد عادل ويشك الإنسان في أن بكرا عادل أم فاسق مع أنه في الواقع قد يكون ابن زيد هو نفسه بكر لكن ذلك الواقع إن رايته بعنوان ابن زيد فهو عادل لأن الثقة قال لي أبناء زيد عدول وإن لاحظت ذلك الواقع بعنوان بكر حيث رأيت شخصا قال لي بأن هذا بكر وأنا اشك في عدالته فهو مشكوك العدالة فالواقع بنفسه بعنوان معلوم وبعنوان آخر مشكوك فلأجل ذلك في المقام يقال: واقع الحدث الذي هو موطن الأثر إن رؤي بعنوان تفصيلي كعنوان حدث البول وحدث الجنابة فهو بهذا العنوان التفصيلي يكون يسمى استصحاب الفرد وبهذا العنوان التفصيلي لا يجري الاستصحاب، لأنه ليس مشكوك البقاء حيث إن حدث البول قد ارتفع قطعا وحدث الجنابة باق قطعا ونفس هذا الواقع إذا رؤي بعنوان إجمالي لا بعنوان تفصيلي اي بعنوان الحدث كان مسمى باستصحاب الكلي وإلا ليس المستصحب هو المفهوم ولا العناوين إنما الواقع بعنوان إجمالي ألا وهو عنوان الحدث فهو بهذا العنوان يكون محققا لموضوع الاستصحاب حيث إن الواقع بعنوان الحدث متيقن الحدوث وهذا الواقع بهذا العنوان مشكوك البقاء فإذن الفرق بين استصحاب الكلي والفرد ليس بجعل مصب الاستصحاب الفرد أو بجعل مصبه الجامع أو العنوان وإنما مصب الاستصحاب على كل حال هو الواقع غاية ما في الباب أن هذا الواقع بالعنوان التفصيلي لا شك في بقائه وبعنوانه الإجمالي متيقن الحدوث مشكوك البقاء، فإذا كان هذا الواقع بعنوانه الإجمالي موضوع لأثر شرعي حيث إن الواقع بعنوان الحدث موضوع لأثر شرعي إذ لا فرق في عدم جواز مس المصحف بين أن يكون اصغر أو اكبر فالواقع يعني واقع الحدث بعنوانه الإجمالي موضوع لهذا الأثر فمتى ما كان الواقع بعنوانه الإجمالي موضوعا لأثر كعدم جواز مس المصحف كعدم استباحة الصلاة صح استصحابه بهذا العنوان.

الناحية الثانية من الإشكال على الاستصحاب في القسم الثاني من أقسام الكلي: ما ذكره سيدنا الخوئي «أعلى الله مقامه» من أن الاستصحاب من القسم الثاني من أقسام الكلي محكوم أو معارض باستصحاب عدم الفرد الطويل فالمقتضي لجريانه موجود إنما المانع موجود وبيان ذلك: إذا شك المكلف في أن الحدث الذي حصل منه حدث اصغر أم حدث اكبر فيقول بأن استصحاب الحدث المقتضى لجريانه موجود ولكن استصحاب عدم حدوث الفرد الطويل أي أن حدث الجنابة نشك في حدوثه فنستصحب عدم حدوثه فاستصحاب عدم حدوث الفرد الطويل حاكم أو معارض لاستصحاب كلي الحدث وإنما تتصور الحكومة أو المعارضة إذا كان استصحاب عدم حدوث الفرد الطويل لا معارض له في نفسه وأما إذا كان له معارض في نفسه فلا حكومة له ولا معارضة فيه.

بيان ذلك: إذا دار الأمر بين المتباينين بنظر العرف كما إذا دار الأمر بين الحدث الأصغر والحدث الأكبر قبل أن يتوضأ فهنا الحدث الأصغر والحدث الأكبر بنظر العرف متباينان لأن لكل منهما أثرا يخصه فبما أنهما متباينان بنظر العرف فلا يمكن هنا أن يستصحب عدم حدوث الفرد الأكبر لمعارضته بعدم حدوث الفرد الأصغر فاستصحاب عدم حدوث الجنابة معارض باستصحاب عدم حدوث البول وإذا تعارضا تساقطا وجرى استصحاب كلي الحدث بلا مانع لأجل أن الاستصحاب في الفرد هو في نفسه معارض.

أما إذا كانت النسبة بينهما اقل وأكثر لا أن النسبة بينهما نسبة التباين كما إذا افترضنا أنه دار الأمر بين ملكية قصيرة أو ملكية طويلة ولا يرى العرف أن الملكية القصير فرد مباين للملكية الطويلة فإن أثرهما واحد فهنا إذا دار الأمر كما لو أجرى عقدا ولا يدري أنه عقد جائز أو لازم، ملك شيء زيد عمرا وزيد لا يدري أن عمرا رحم فتكون الملكية لازمة أو غير رحم فتكون الملكية جائزة فزيد قال فسخت هذه الهبة وهو لا يدري أنه بالفسخ زالت الملكية أم لا فالأمر هنا دائر بين فرد قصير وفرد طويل وليس بنظر العرف من المتباينين بل من الأقل والأكثر فيقول زيد إذن حيث إن الفرد القصير لا أثر له وإنما الأثر الآن يترتب على الفرد الطويل وحده قطعا فلو كان الحادث ملكية متزلزلة تزول بالفسخ لم تكن لتلك الملكية أثر فلا معنى لاستصحاب عدم حدوث الملكية القصيرة ويتعين الاستصحاب في عدم حدوث الملكية الطويلة لأنها ذات الأثر إذن بناء على ذلك يكون استصحاب كلي الملكية معارض أو محكوم معارض باستصحاب عدم كون الملكية الحادثة هي الملكية الطويلة والسر في الحكومة أن الشك في بقاء كلي الملكية مسبب عن الشك في أن الحادث أي من الملكيتين إذ إنما نشك في بقاء الملكية وعدم بقائها لأننا نشك في رتبة سابقة أن الملكية التي حصلت بهذه الهبة هل هي قصيرة أو طويلة فنقول إن كانت قصيرة فقد انتفت جزما والطويلة مشكوكة الحدوث فيجري استصحاب عدمها فيكون استصحاب عدم حدوث الفرد الطويل من الملكية حاكما على استصحاب كلي الملكية.

وبنى على ذلك سيدنا «قدّس سرّه» عدم جريان الاستصحاب في محل كلامنا فإذا شك المكلف بعد خروج الوقت هل أن وجوب الصلاة ما زال باقيا أم لا؟ فإن استصحاب كلي الوجوب محكوم باستصحاب عدم جعل الشارع لفرد طويل من الوجوب فهذا المكلف يقول بعد خروج الوقت إن كان قد جعل الشارع فردا قصيرا من الوجوب فقد انتهى بالوقت والفرد الطويل من الوجوب مشكوك الحدوث فيجري استصحاب عدمه فيكون استصحاب عدم جعل فرد طويل من الوجوب حاكما على استصحاب كلي الوجوب فلا مجال للاستصحاب في المقام.

ولكن يلاحظ على ما أفيد أن حكومة أصل لأصل فرع كون السببية بينهما سببية شرعية وأما إذا كانت سببية عقلية فلا مجال للحكومة والوجه في ذلك أن بقاء كلي الوجوب بالفرد الطويل هذا تلازم عقلي يعني إن كان ما جعله الشارع في الواقع هو الفرد الطويل من الوجوب فلازم ذلك عقلا هو بقاء الكلي فبقاء الكلي بجعل الفرد الطويل ملازمة عقلية فالسببية سببية عقلية فلأجل ذلك لا مجال لأن يقال أن استصحاب عدم حدوث الفرد الطويل من الملكية أو استصحاب عدم جعل الفرد الطويل من الوجوب حاكم على استصحاب كلي الملكية أو استصحاب كلي الوجوب، لأن سببية عدم الفرد الطويل لعدم الكلي سببية عقلية فانتفاء الفرد الطويل إنما يستلزم انتفاء الكلي استلزاما عقليا وكذا لا مجال للمعارضة والسر في ذلك أن الأصل إنما يعارض أصلا آخر إذا كان ينفيه نفيا شرعيا لا ما إذا كان ينفيه نفيا عقليا فاستصحاب كلي الوجوب أثره العقلي لزوم الإتيان بالصلاة بينما استصحاب عدم حدوث الفرد الطويل من الوجوب لا يوجد له أثر فلا أثر له إلا أن ينفي موضوع الأول وإلا هو في حد ذاته لا يوجد له أثر فاستصحاب عدم حدوث الفرد الطويل في حدث ذاته لا أثر له وأثره الوحيد أن ينفي موضوع الاستصحاب الأول فإذا لم ينف موضوع الاستصحاب الأول نفيا شرعيا لم يكن معارضا له فيجري استصحاب كلي الوجوب بلا مانع لأن استصحاب عدم حدوث الفرد الطويل من الوجوب لا يصلح للحكومة لكون السببية عقلية ولا يصلح للمعارضة إذ ليس له أثر شرعي وأثره الوحيد أن ينفي موضوع استصحاب الكلي وحيث إن النفي ليس شرعيا فلا يجري.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 90
الدرس 92