نص الشريط
الدرس 92
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 10/5/1435 هـ
مرات العرض: 2838
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (617)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

الصورة الثانية: ما إذا انكشف الخلاف بأمارة كما لو افترضنا أن المكلف بنى على أمارة كخبر ثقة على أن غسل زيارة الحسين عن بعد يغني عن الوضوء ثم حصل على خبر ثقة ينفي ذلك فنتيجة المعارضة بين الخبرين ان لا يمكنه البناء على العمل بالأمارة السابقة وهنا أمور لابد من بحثها في هذا الفرع:

الأمر الأول: إن كل من الأمارتين يحكيان عن الواقع على نحو القضية الحقيقية فلذلك يقع التعارض بينهما فما تحكي عنه الأمارة الأولى هو أن غسل الزيارة يجزي عن الوضوء من أول الشريعة إلى يوم القيامة فهي قضية حقيقية وما تحكي عنه الأمارة الثانية أن غسل الزيارة لا يجزي عن الوضوء من أول الشريعة لذلك يتعارضان في العمل السابق لا أن مفاد الأمارة الثانية الحكاية عما يأتي بل الحكاية عن الشريعة من أول الأمر فلأجل ذلك يقع التعارض بينهما وإذا لم يكن هناك مرجح لأحدهما على الآخر فمقتضى القاعدة تساقطهما فلا يمكنه الاستناد في عمله السابق حيث كان يأتي بالغسل من دون وضوء إلى الأمارة السابقة هذا هو الأمر الأول.

الأمر الثاني: هل يمكنه الرجوع لاستصحاب الحجية أو استصحاب الحكم الذي الحكم الذي قامت عليه الأمارة الأولى؟ بناء على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية فيقول: لا شك أن الأمارة الأولى كانت حجة في حقي في فترة فاشك في بقاء حجيتها إلى ما بعد قيام الأمارة المعارضة فاستصحب حجيتها ومقتضى استصحاب حجيتها الإجزاء أي أن ما أتيت به من غسل دون وضوء مجز، أو نجري استصحاب الحكم نفسه حيث إنه ببركة الأمارة السابقة صار الحكم في حق المكلف هو الإجزاء أي صحة الصلاة بغسل دون وضوء فيجري استصحاب هذا الحكم وهو صحة الصلاة.

ولكن الصحيح عدم جريان الاستصحاب لا استصحاب الحجية ولا استصحاب الحكم المفاد بالحجة السابقة وذلك للشك في الحدوث فهو بعد قيام الأمارة المعارضة يشك في حدوث الحجية للأمارة الأولى فلعل حجيتها في ظرفها منوطة بعدم المعارض وبالتالي فأصل حجية الأمارة السابقة مشكوك وإذا كان أصل حجية الأمارة السابقة مشكوكا فالحكم المفاد بها مشكوك الحدوث من أول الأمر، فكأنه كان يعيش في خيال ووهم وبالتالي فلا موضوع لجريان الاستصحاب لا استصحاب الحجية ولا استصحاب الحكم.

نعم، لو قيل بأن معنى حجية الأمارة جعل الحكم المماثل وان الحكم المماثل يترتب على الأمارة بمجرد قيامها وعدم المعارض في ظرفها لصح حينئذ استصحاب الحجية واستصحاب الحكم المفاد بتلك الحجة لكن المبنى ضعيف. هذا هو الأمر الثاني.

الأمر الثالث: إذا لم يمكنه العمل بالأمارة السابقة ولا يمكنه استصحاب الحجية أو استصحاب الحكم فما هو مقتضى القاعدة؟

ذكرت في بحث الاجتهاد والتقليد معارك بين الأعلام والصحيح أن المقام له صور:

الصورة الأولى: أن يكون المورد موردا لعلم إجمالي منجز كما إذا علم أنه إما يجب عليه القصر أو يجب عليه التمام، صحيح أن الأمارة الأولى كانت تقول بوجوب القصر والأمارة الحالية تقول بوجوب التمام إلا أن المفروض أن الأمارتين سقطتا ولا يمكنه العمل بالاستصحاب فرجع إلى ما هو مقتضى القاعدة ومقتضى القاعدة حيث يدور بين المتباينين وهما وجوب القصر ووجوب التمام فمقتضى منجزية العلم الإجمالي هو الجمع بينهما وقد مثل السيد الأستاذ «دام ظله» لمورد العلم الإجمالي المنجز في منهاج الصالحين بما إذا اختلفا في صحة العقد وفساده فإذا لم يدر أن البيع للمكيل والموزون قبل قبضه بربح جائز أم لا إذا شك في المعاملة فقد أفاد بأن هذا المورد من موارد العلم الإجمالي المنجز إذ بالنتيجة هو يعلم أي البائع إما بحرمة التصرف بالمبيع أو حرمة التصرف بالثمن، فإنه إن كان البيع نافذا حرم عليه التصرف في المبيع لأنه ليس ملكا له وإن كان البيع فاسدا حرم عليه التصرف في الثمن لأنه باق على ملك المشتري فهذا من موارد العلم الإجمالي المنجز.

ولكن يمكن أن يقال: إن العلم الإجمالي في المقام منحل باستصحاب عدم نفوذ العقد ولا معارض له فمقتضى استصحاب عدم نفوذ العقد المعبر عنه في كلماتهم بأصالة الفساد أن يحرم عليه التصرف في الثمن ويجوز له التصرف في المثمن ومتى ما قام - على طبق القاعدة في الأصول - في أحد طرفي العلم الإجمالي منجز تفصيلي انحل العلم الإجمالي حكما وهذا الأصل ألا وهو استصحاب عدم نفوذ العقد وإن كان مرخص من جهة إذ يترتب عليه جواز التصرف في المثمن في المبيع لكنه منجز من جهة أخرى حيث يترتب عليه حرمة التصرف في الثمن فبلحاظ كونه اصلا منجزا من جهة يكون موجبا لانحلال العلم الإجمالي هذه هي الصورة الأولى.

الصورة الثانية: أن يكون المورد محلا لاستصحاب منجز مثلا إذا اختلفت الأمارتان أو الفتويان في أن تطهير المتنجس بالكثير غير الجاري إذا كان متنجسا بالبول فهل يحتاج إلى التعدد أو تكفي المرة الواحدة فاحد الفقيهين يفتي بالمرة والآخر يفتي بالتعدد وقد تساقطا ووصلت النوبة إلى القاعدة فما العمل؟ فإن الجاري في حقه بعد غسل ثوبه بالكر غير الجاري استصحاب النجاسة وهو منجز ولا تبتني المسألة على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية حيث إن سيدنا الخوئي «قدّس سرّه» ذهب إلى أن الاستصحاب في الشبهات الحكمية لا يجري الا في استصحاب النجاسة فانه مفاد موثقة عمار «كل شيء لك نظيف حتى تعلم أنه قذر فإذا علمت فقد قذر» أي متى ما حصل لك العلم بنجاسته وجدانا أو تعبدا فقد قذر يعني هو باق على القذارة حتى يعلم طهارته فإذا علمت فقد قذر فإن مقتضى إطلاق الغاية ان القذارة باقية حتى يعلم بطهارته.

فان قلت: بأن هذا استصحاب في الشبهات الحكمية.

قلت: ان هذا لا علاقة له بالاستصحاب في الشبهات الحكمية، وانما هو مفاد دليل قاعدة الطهارة، فان مفاده هو بقاء الحكم بالقذارة حتى يعلم بالرافع.

فتحصل: أنه إذا كان المورد موردا لاستصحاب النجاسة ولو بدليل خاص فحينئذ لا مجال للرجوع إلى الأصل المرخص.

الصورة الثالثة: أن يدور الأمر بين محذورين كما لو أفتى فقيه بوجوب الجمعة وأفتى الآخر بحرمتها وحيث إنه لم تنهض حجية لفتوى أحدهما ووصلت النوبة إلى مقتضى القاعدة فمقتضى القاعدة حكم العقل بالتخيير بمعنى أن لا حرجية في الفعل أو الترك.

الصورة الرابعة: ما إذا قامت حجة إجمالية كما إذا أفتى أحد الفقيهين بالوجوب في فرض وعدم الوجوب في فرض آخر والفقيه الآخر بالعكس - ذكر ذلك السيد السيستاني في منهاجه المسألة التاسعة - كما إذا افترضنا أن أحد الفقيهين أفتى بوجوب جلسة الاستراحة وفي نفس الوقت أفتى بأن التسبيحات ليست ثلاث بل تكفي واحدة يعني عدم وجوب تسبيحات ثلاث والفقيه الآخر بالعكس أفتى بوجوب تسبيحات ثلاث وعدم وجوب جلسة الاستراحة فتعاكسا في الفتوى، فتارة تكون المسألة من اشتباه الحجة باللاحجة وتارة تكون المسألة من باب التعارض فهنا فرضان لهذه المسألة:

الفرض الأول: أن يعلم أن أحد هذين الفقيهين الذين تعاكسا في الفتوى أحدهما اعلم من الآخر وإن كان لا يميزه إذن صار المورد من اشتباه الحجة باللاحجة حيث إن إحدى الفتويين حجة في حقه لأنها فتوى الأعلم ولأجل ذلك يقال: إن هذا المورد من موارد قيام حجة إجمالية وليس من موارد العلم الإجمالي المنجز كالصورة الأولى بل من موارد قيام الحجة الإجمالية وإلا هو ليس عنده علم إجمالي منجز لعل كليهما مشتبه لكن حيث إن فتوى أحدهما هي فتوى الأعلم وفتوى الأعلم حجة في حقه فقد قامت حجة إجمالية فحينئذ حيث يكون حكم المسألة هو الاحتياط لا محالة لأنه إذا كان هناك حجة في البين فلا يمكنه مخالفة تلك الحجة فحكم مسألة اشتباه الحجة باللاحجة الاحتياط لكن - نرجع للمنهاج - هل أن وظيفته العمل بالاحتياط الواقعي أو العمل بأحوط القولين؟

فمثلا لو فرضنا أن أحد الفقيهين أفتى بوجوب الجمعة تعيينا والفقيه الآخر أفتى بوجوب الجمعة تخييرا فهناك عدل وشق ثالث ألا وهو الظهر فإذا علم المكلف أن أحد هذين الفقيهين اعلم من الآخر فالمورد من باب اشتباه الحجة باللاحجة ومقتضى كونه من اشتباه الحجة باللاحجة العمل بالاحتياط فإن كانت الوظيفة العمل بالاحتياط الواقعي فمقتضى ذلك أن يجمع بين الظهر والجمعة فإنه وإن لم يفت أحدهما بوجوب الظهر تعيينا لكنه يحتملها على مستوى الواقع فمقتضى احتمال وجوبها تعيينا أن يأتي بها بخلاف ما إذا قلنا أن اشتباه الحجة باللاحجة وان اقتضى الاحتياط لكن الاحتياط بمعنى الأخذ بأحوط القولين لا الاحتياط الواقعي فمقتضى ذلك أن يأتي بصلاة الجمعة لأنهما متفقان على الجمعة إما تعيينا وإما تخييرا وأما صلاة الظهر فله تركها لقيام حجة على وجوب الجمعة تعيينا أو على عدم وجوب الظهر تعيينا إذن فلديه حجة أنه إذا ترك الظهر فهو معذور بأمان ولأجل ذلك فالمتعين عليه الأخذ بأحوط القولين لا الأخذ بالاحتياط الواقعي حيث قامت لديه حجة على أن ترك الظهر معذر هذا إذا كان المورد من اشتباه الحجة باللاحجة.

وأما إذا لم يعلم أن أحدهما اعلم بل احتمل تساويهما فالمقام من باب التعارض لا من باب اشتباه الحجة باللاحجة فإن شمول دليل الحجية لهذا معارض بشمول دليل الحجية لذاك وبناء على أن المسألة من باب التعارض لا يجب عليه أن يطبق عمله على أحد الفتويين فيمكنه في صلاة واحد أن يخالف كلا الفتويين حيث إن أحدهما أفتى بوجوب جلسة الاستراحة وعدم وجوب تسبيحات ثلاث وأما الآخر بالعكس فيمكنه في صلاة واحدة أن لا يجلس جلسة الاستراحة ولا يأتي بتسبيحات ثلاث فإن الفتويين حيث تعارضا وتساقطا والمورد ليس من باب اشتباه الحجة باللاحجة فلا يلزمه العمل بالاحتياط فيمكنه أن يأتي بصلاة مخالفة لكلا الفتويين حيث إن كل منهما يقول: إن هذه الصلاة باطلة إما لترك جلسة الاستراحة على رأي الأول أو لترك التسبيحات الثلاث على رأي الثاني.

إلا في فرضين:

الفرض الأول: أن تكون فتوى مستقلة بلزوم العلم بإحدى الفتويين سواء كانت هذه الفتوى المستقلة منهما أو ممن يليهما في الأعلمية - اليوم كل كلامنا في المنهاج - فلو كانت هناك فتوى من كليهما أو ممن يليهما فأنه إذا تعارض الفقيهان ولم يحرز أعلمية أحدهما فعليك أن تأخذ بأحدهما يعني لو كانت هناك فتوى منهما أو ممن يليهما بالأعلمية فهو حينئذ مضطر لأن لا يخالف كليهما بل لابد أن يعمل بفتوى أحدهما لا لأجل أنه مقتضى القاعدة بل لأجل فتوى ثالثة بلزوم الأخذ بأحدهما وأما الفرض الثاني يأتي إن شاء الله تعالى

والحمد لله رب العالمين

الدرس 91
الدرس 93