نص الشريط
الدرس 3
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 7/11/1435 هـ
تعريف: حقيقة العلم الإجمالي
مرات العرض: 2661
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (421)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

لازال الكلام في بيان مطلب صاحب الكفاية في أن المائز بين العلم الإجمالي والتفصيلي أن متعلق العلم التفصيلي الفرد المعين بينما متعلق العلم الإجمالي الفرد المردد، وذكرنا إشكال المحقق الاصفهاني، بان الفرد المردد لا هوية له ولا ماهية فلا يعقل أن يكون طرفا للعلم الإجمالي، وقلنا بأنه أُجيب عن كلامه بأجوبة منها ما أجاب به سيد المنتقى وسبق انه لا يتلاءم مع كلمات صاحب الكفاية، خصوصا في كتابي الوقف والحاشية على المكاسب.

والجواب الثاني: ما ذكر في بعض الكلمات من أن متعلق العلم الإجمالي هو واحد من الأطراف لا بعينه وبيان ذلك بذكر أمور:

الأمر الأول: أن يقال إن هناك فرقا بين النظر العقلي والعرفي، ففي النظر العقلي لا يعقل في الصفات النفسية ذات الإضافة إلا أن يكون طرفها نفسيا لا خارجيا فمثلا الحب والإرادة والعلم من الصفات النفسية ذات الإضافة حيث لا يعقل حب بلا محبوب وإرادة بلا مراد، وعلم بلا معلوم، فبما أنها ذات إضافة إلى طرف فلا يمكن أن يكون طرفها خارجيا، وذلك لأنّه قد تنعقد هذه الصفات مع انه لا طرف لها في الخارج، فقد يحب الإنسان شيئا لا وجود له خارجا او يريده لاعتقاده انه موجود وهو ليس بموجود أو قد يعلمه مع أن المعلوم لا وجود له في ظرف العلم خارجا، مضافا الى ذلك لو كان طرف الحب أو الإرادة خارجيا للزم من ذلك وجود الحب في أفق النفس بلا طرف لان طرفها خارجي ووجودها في افق النفس بلا طرف خلف حقيقتها وهي أنها تعلقية ذات إضافة فلا يعقل فعليتها في صقع من الأصقاع إلا بفعلية طرفها في ذلك الصقع نفسه، اذا فهذه الصفات التعلقية بحسب النظر العقلي لابد ان يكون طرفها نفسيا فمتعلق الحب صورة المحبوب لا ذات المحبوب الخارجي ومتعلق الإرادة صورة المراد لا ذات المراد الخارجي، نعم متعلقها الصورة بما هي فانية مشيرة لما في الخارج، ولكن متعلقها في الحقيقة هو الصورة وان لوحظت على نحو الفنائية والمشيرية، هذا بالنظر العقلي.

وأما بحسب النظر العرفي التصوري فالنظر العرفي يرى أن طرف الحب نفس الرجل الخارجي مثلاً إذا أحب محمدا فطرف هذا الحب نفس هذا الإنسان الخارجي لا صور ته، وإذا أراد أن يصلي فطرف إرادته بحسب النظر العرفي نفس الصلاة الخارجية لان المناط في النظر العرفي هو الأثر وبما أن موطن الأثر هو الخارج فلذلك يرى العرف أن متعلق الحب والإرادة نفس من في الخارج، لا صورته التي في الذهن.

نعم حيث إن الإرادة لا توجد في أفق النفس إلا بطرف بمعنى أن نسبة الإرادة إلى المراد في نسبة الإرادة إلى الصلاة ليست نسبة العرض إلى محله كي يقال لابد أن يوجد المحل خارجا كي يوجد العرض فيه بل نسبة الإرادة إلى المراد نسبة ذي الطرف الى الطرف لا نسبة العرض إلى موضوعه، فحيث إن نسبة الإرادة للمراد نسبة ذي إلى الطرف، فلأجل ذلك يكفي في الطرفية الوجود التصوري فتوجد الإرادة في أفق النفس بصورة المراد ويوجد الحب في أفق النفس بصورة المحبوب فوجودهما في أفق النفس يكفي فيه الوجود الذهني للمتعلق ولكن بحسب النظر العرفي ما هو مصب الحب والإرادة والعلم وأشباه ذلك من الصفات النفسية هو الخارج.

الأمر الثاني: تطبيق ما في الأمر الأول على العلم الإجمالي، فنقول إن طرف العلم الإجمالي بحسب النظر العقلي هو الوجود التصوري للأحد، فإذا علم إجمالا بنجاسة احد الانائين فصورة الأحد هي طرف العلم الإجمالي حقيقة وعقلاً سواء عبرنا عن هذه الصورة بالمعنى الاسمي وهو عنوان احدهما، أو عبرّنا عن هذه الصورة بالمعنى الحرفي وهو أو كلاهما عبارتان عن أمر واحد وهو الوجود التصوري للأحد، فالوجود التصوري للأحد هو طرف العلم الإجمالي حقيقة وعقلاً، بينما طرفه بالنظر العرفي هو الواحد الخارجي المصداقي لا بعينه، فيقال مصب العلم الإجمالي بنجاسة أحد الانائين عرفا إناء خارجي لا بعينه، لا أن مصبه بحسب النظر العرفي هو صورة الإناء النجس.

كما في مفاد النكرة عندما يقول جئني برجل فان مصب كلامه هو رجل خارجي لكن ليس متعينا في شخص معين، وهذا ما ذكره المحقق النائيني في بحث الواجب التخييري حيث علق هناك على كلام صاحب الكفاية، إذ إن صاحب الكفاية في الواجب التخييري أفاد انّ مصب الوجوب التخييري الأحد المفهومي لا الأحد المصداقي، وعلل ذلك بأنه كما لا يعقل تعلق الإرادة التكوينية بالاحد المصداقي كذلك لا يعقل تعلق الإرادة التشريعية به.

بيانه: أن الإرادة التكوينية عبارة عن إعمال القدرة، وإعمال القدرة للإيجاد فرع كون الموجد معينا، وإلا لا يعقل إعمال القدرة فيما لا تعين له، اذ المقصود مما لا تعين له أي لا مصداق مشخص له، ولا يعقل إعمال القدرة فيما لا مصداق مشخص له فكما أن الإرادة التكوينية لا يعقل تعلقها بالأحد المصداقي لأنّه لا تعين له لا يعقل تعلق الإرادة التشريعية لان مرجع الإرادة التشريعية الى البعث ولا يعقل التحريك والبعث نحو ما لا تعين له.

فعلّق على ذلك الميرزا النائيني فقال: أما الإرادة التكوينية بمعنى إعمال القدرة لا بمعنى الشوق فالحق معه انه لا يعقل تعلقها بالأحد المصداقي لأنّه لا معين له، وأما الإرادة التشريعية فهي عبارة عن البعث الاعتباري لا الخارجي التكويني فبما أنها عبارة عن البعث الاعتباري لا مانع أن تتعلق بالأحد المصداقي فلا مانع من أن ينصب البعث على واحد خارجي لا بعينه فيكون المخاطب بهذا البعث مخيرا في التطبيق بان يطبق هذا الأحد على أي فرد.

بل إذا كان تعلق البعث الاعتباري بالمصداق الخارجي ممكنا كان متعينا لان موطن الملاك هو المصداق الخارجي لا الأحد المفهومي، فإذا أمكن تعلق البعث به تعين ذلك ولا حاجة الى ان نجعل مصب البعث الأحد المفهومية أي صورة الأحد.

فيلاحظ من ذلك: أن مصب كلام العلمين الآخوند والنائيني هو أن النظر العرفي يرى ان طرف العلم الإجمالي بنظر الآخوند وطرف الوجوب التخييري بنظر النائيني هو واحد خارجي لا بعينه، فليس مقصودهما ان متعلق العلم الإجمالي حقيقة وعقلاً هو المردد في الخارج كي يقال كما أشكل الاصفهاني ان المردد لا هوية ولا ماهية له بل مرادهم ان متعلق العلم الإجمالي عقلاً هو صورة الأحد بما هي مشيرة الى الخارج ومصبه عرفا هو واحد خارجي لا بعنيه. فهذا مصب عرفي بمعنى انه رؤية عرفية اعتبارية لا حقيقية فلا وجه للإشكال عليه بان المردد لا هوية له ولا ماهية.

نظير الكلي في المعين، فان الشيخ الأعظم في كتاب البيع فرق بين وقوع المعاملة على الكلي الذمي والكلي المعين، فتارة تقع المعاملة على دجاجة ذات صفات معين، وهذا الكلي لا ينطبق خارجا على إحدى هاتين الدجاجتين إلا أن يبقى متعلق البيع والشراء كلي، بخلاف ما إذا تعلقت المعاملة في الكلي في المعين إذا قال بعتك إحدى هاتين الدجاجتين، فهنا النظر العرفي يرتب آثار الوجود الخارجي على المبيع مع انه كلي، مع أن إحدى الدجاجتين بحسب النظر العقلي كلي لا وجود له خارجا، لكن يبقى كلي بحسب النظر العقلي بينما عرفا يقولون انصب المبيع على دجاجة خارجية فلأجل ذلك يرتبون اثر الوجود الخارجي فلو باضت كلتا الدجاجتين كان المشتري مستحق لبيضة فانه نماء لملكه ولا يقال انه ملك الكلي فلا يملك البيضة الخارجية.

كما لو غصبهما غاصب لشهر معين فانه يضمن للمشتري المنافع التي فوتها لاحدى الدجاجتين ولو تلتفت إحداهما تعينت الأخرى مصداقا لما يملكه المشتري.

بينما لو كان المبيع كليا ذميا لم تترتب هذه الآثار، فكما أن هناك فرقا بين النظر العقلي والعرفي في مثل الكلي في المعين، كذلك هناك فرق بين النظر العقلي والعرفي في متعلق العلم الإجمالي.

الأمر الثالث: انه بناءً على التحليل الذي ذكرناه فمتعلق العلم الإجمالي لا تعين له حتّى في علم الله لا في خصوص فرض اتصاف كلا الطرفين بالصفة المعلومة إجمالا بل حتّى في اتصاف كلا الطرفين.

بيانه: إن صاحب الكفاية أفاد انه لو علم الإنسان بنجاسة احد الانائين وكان في الواقع كلاهما نجس، فاين الأحد هل هو الأول أو الثاني لا يوجد تعين له.. فما تعلق به العلم الإجمالي نجاسة احدهما وما هو الواقع نجاسة كليهما، فاين مصداق الأحد هنا ذكر صاحب الكفاية أن متعلق العلم الإجمالي مما لا تعين له حتّى في علم الله، أي انه ليس له مصداق معين، وبهذا قلنا إن ما فسر به سيد المنتقى عبارة الكفاية أن متعلق العلم الإجمالي معين واقعا مردد ذهنا لا يتلاءم مع كلام الكفاية، لأنّه يصرح في بعض صور العلم الإجمالي لا تعين له واقعا حتّى في علم الله، فكيف يقول ان التردد اثباتي لا ثبوتي.

فصاحب هذا الجواب يزيد على كلام الكفاية يقول انه لا تعين له حتّى لو كان النجس احدهما فقط فان متعلق العلم الإجمالي لا تعين له أبدا، والسر في ذلك ذكر صاحب الكفاية في بحث تعارض الأدلة انه لو علمنا بتعارض الدليلين، فنحن نعلم جزما بكذب إحداهما، والأخرى وهي ما لم يعلم كذبه، فهذا العنوان الثاني وهو ما لم يعلم كذبه لا مصداق له حتّى في علم الله، لأنّه سواء كان كلتا الروايتين كاذبتين أو احدهما كاذب واقعا والأخرى صادقة فما هو المتعين في علم الله ما كان كاذبا وما كان صادقا وإما ”ما لم يعلم كذبه“ فليس له مصداق متعين، هل هذا او هذا ”لم يعلم كذبه“؟

نقول ليس له مصداق لان هذا كاذب لا انه ما لم يعلم كذبه، ونفس هذه النظرة التي ذكرها في تعارض الدليلين تاتي في متعلق العلم الإجمالي، فنقول متعلق العلم الإجمالي معلوم النجاسة لا النجس، وما علم نجاسة او الأحد ليس له مصداق معين حتى بعد انكشاف الواقع وان الإناء الأبيض نجس، نقول الإناء الأبيض نجس واقعا اما ما علمت نجاسته قد يكون هذا وقد يكون الآخر فما علم غير ما هو نجس واقعا

والحمد لله رب العالمين

الدرس 2
الدرس 4