نص الشريط
الدرس 4
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 8/11/1435 هـ
تعريف: حقيقة العلم الإجمالي
مرات العرض: 2703
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (543)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في مقصود صاحب الكفاية من الفرد المردد وذكرنا أن الوجه الثاني في تفسير كلامه محصله أنّ الفرد المردد هو عبارة عن طرف العلم الإجمالي بحسب النظر العرفي لا العقلي، وأن طرف العلم الإجمالي بحسب النظر العرفي هو مصداق لا تعين له في جميع الصور، والسر في ذلك انه إذا علم المكلف بوجود إناء نجس من بين الانائين وكان النجس واحد منهما فقط، فما هو متعين في علم الله هو ”النجس الواقعي“ وأما معلوم النجاسة بهذا العنوان أي عنوان معلوم النجاسة، فهذا مما لا تعين له حتّى في علم الله؛ لأنّ معلوم النجاسة عبارة عن مقطوع النجاسة أي ما تعلق القطع بنجاسته سواء كان يوجد في الخارج نجس أم لا، إذ يصدق عنوان مقطوع النجاسة وان لم يكن هناك نجس في الخارج فبما أن عنوان مقطوع النجاسة لا ربط له بما في الخارج إذا هذا العنوان لا تعين له أي ليس له مصداق معين في علم الله، فهل مقطوع النجاسة هو الأبيض أم هو الإناء الأزرق لا مرجح لان يكون احدهما مقطوع النجاسة دون الآخر فان تعيين أنّ الأول هو مقطوع النجاسة دون الثاني ترجيح بلا مرجح، فمقصود صاحب الكفاية من ان متعلق العلم الإجمالي الفرد المردد يعني ان متعلق العلم الإجمالي بحسب النظر العرفي هو فرد لا تعين له حتّى في علم الله، فهو عبارة عن مقطوع النجاسة.

وهذا التوجيه لكلام صاحب الكفاية محل إشكال

أولا: هناك فرق بين تحديد موضوع الأثر العقلي وبين تحديد موضوع الأثر الاعتباري، فإذا كان البحث حول ما هو موضوع الأثر العقلي فلا بد أن يكون الميزان حدود الموضوع بنظر العقل لا بنظر العرف لان المنظور هو الأثر العقلي، والعقل لا يحكم بترتب أثره حتّى يحدد هو ما هو موضوع أثره؟ بخلاف ما إذا كان البحث حول موضوع الأثر الاعتباري كالصحة والملكية والنفوذ وعدمه، فانه لما كان الموضوع لأثر اعتباري، كان المدار على النظر العرفي لحدود ذلك الموضوع فهناك فرق بين أن نبحث ما هو متعلق العلم الإجمالي، وأن نبحث ما هو الكلي في المعين مثلاً، ففي الأول نحن نبحث عن موضوع اثر عقلي، وهو المنجزية وعدمها، فما هو موضوع المنجزية العقلية؟ موضوعها العلم الإجمالي، وما هو حدود العلم الإجمالي فلابد أن يقتنص ذلك من النظر العقلي لان العقل إنما يحكم بترتب المنجزية بعد تشخيصه هو لما هو موضوعها، فلا وجه للرجوع إلى النظر العرفي في تحديد ما هو الميزان والمتعلق للعلم الإجمالي، ولذلك لا يظهر من صاحب الكفاية في تعرضه للعلم الإجمالي أي إشارة للنظر العرفي أو الاعتناء به، وأما إذا كان البحث عما هو موضوع الأثر الاعتباري مثلاً إذا قال بعتك صاعا من صبرة وقال بعتك صاعا من هذه الصبرة فالأول، كلي ذمي، والثاني كلي في المعين فحينئذٍ بما أن الموضوع موضوع اثر اعتباري أي ما هي الآثار الاعتبارية التي تترتب على النحو الأول او الثاني فهنا يصح التعويل على النظر العرفي في بيان الحد الفارق بحسب المرتكز العرفي بين الكلي الذمي والكلي في المعين..

ثانيا: قيل بان متعلق العلم الإجمالي الفرد المردد، والمقصود من الفرد المردد هو ما لا تعين له حتّى في علم الله، والسؤال حينئذٍ أن عدم التعين واقعا وحتّى في علم الله ناشئ عن ”واقع“ متعلق العلم الإجمالي أو ناشئ عنه بما هو معنون بعنوان معلوم النجاسة فهل واقع المتعلق متقوم باللا تعين أو أن المتقوم باللا تعين ما كان معنونا بعنوان معين، فمثلا عندما يقع التعارض بين خبرين فنتيجة التعارض يقطع العقل أن احدهما كاذب بسبب التعارض إذ لا يعقل صحة أو صدق المتعارضين فاحدهما كاذب لأجل التعارض، فحينئذٍ يقال بان ما هو الكاذب له تعين في علم الله من بين هذين الخبرين وإما عنوان ”معلوم الكذب“ لا الكاذب، ما علم كذبه أي منهما؟ إذ المفروض أن العلم بالكذب لأجل تعارضهما لا لأجل أن هناك كاذب واقعي أو لا، لعل كليهما كاذب، لأجل التعارض قطع العقل انه لا محالة لا يمكن ان يصدقا معا، فعنوان معلوم الكذب أي منهما؟ لا مرجح لصدقه على الخبر «أ» أو على الخبر «ب»، اذا إنما كان المصداق معلوم الكذب لا تعين له لأنّه وصف بعنون معلوم الكذب فاخذ فيه عنوان معلوم الكذب ولذلك لم يكن له تعين وإلا لو نظر إلى الواقع مع غمض النظر عن العنوان نفسه فإنما هو كاذب له تعين واقعي ففي محل الكلام وهو إذا علم المكلف بإناء نجس من بين الانائين فهنا متعلق العلم الإجمالي نجاسة احد الانائين، وهذه الصورة وهي صورة الأحد المفروض أنها لوحظت على نحو المشيرية لشيء ومتعلق العلم الإجمالي المشار إليه بهذه الصورة، فالمشار إليه بهذه الصورة هل هو متقوم في واقعه مع غمض النظر عن عنوان المعلومية باللاتعين؟ أو إنما يتصف باللاتعين بلحاظ تعنونه بعنوان المعلوم، فإذا ادعي الأول وان المشار إليه بهذه الصورة أصلا في واقعه متقوم باللاتعين فهذا مناف للوجدان لأنّه غاية ما يتقوم به واقع المشار إليه انه مبهم فقط، لا انه لا تعين له نظير ان يرى الإنسان ببصره قطرة دم واقعة على احد الانائين، فما هو المشار إليه بهذه الصورة وهي صورة ما وقع فيه قطرة الدم المشار اليه بهذه الصورة قطعا متعين خارجا وان كانت هذه الصورة مبهمة لا يعلم أن مصداقها ومنطبقها إناء ا «أ» ام «ب» فواقع المشار إليه بالعلم الإجمالي متقوم بالإبهام لا أكثر من ذلك، وأما إذا كان المقصود بذلك أن متعلق العلم الإجمالي متقوم باللاتعين بلحاظ العنوان الذي اكتسبه من العلم الإجمالي نفسه أي في طول تعلق العلم الإجمالي بشيء كما لو علمنا بنجاسة احد الانائين ينتزع العقل عنوانا وهو تسمية هذا المتعلق بمعلوم النجاسة فهذا المتعلق بلحاظ عنونته بعنوان معلوم النجاسة لا تعين له؛ لان ترجيح أن ما تعلق القطع بنجاسته «أ» دون «ب» بلا مرجح؛ لان مرادنا بالعلم هنا مجرد القطع ولو لم يكن مصيبا، فلعل الانائين كلاهما نجس فايهما مقطوع النجاسة، ولعله لا يوجد نجس أصلا ويكون العلم جهلا مركبا، إذاً فمتعلق العلم الإجمالي بعنوان مقطوع النجاسة لا تعين له ولكن هذا ليس تحليلا لمتعلق العلم الإجمالي بلحاظ واقع المشار إليه.

نعم عنوان المعلوم والمشكوك الذي قد يعبر عنه في بعض الأبحاث بالفرد المردد يمكن أن يكون موضوعا للوظيفة الظاهرية أي جريان الأصل العملي، ونذكر هنا مثالين تعرض لهما الفقهاء:

المثال الأول: إذا علم المكلف إجمالا بنجاسة احد الترابين، فهنا يستطيع المكلف أن يقول أحد الترابين معلوم النجاسة، وهذا العنوان لا تعين له، واحد الترابين مشكوك النجاسة أيضاً هذا العنوان لا تعين له كما ان عنوان احدهما معلوم النجاسة ليس له مصداق معين كذلك عنوان احدهما مشكوك النجاسة، وبالتالي هل يمكن إجراء أصالة الطهارة في العنوان الثاني أي عنوان مشكوك النجاسة، لأننا لا نقطع بنجاستهما فاحدهما مشكوك النجاسة فهل تجري فيه أصالة الطهارة واثر جريان أصالة الطهارة أن يمكن للمكلف أن يتيمم بكليهما فيقطع انه تيمم بالطاهر بالتعبد أي ببركة أصالة أو استصحاب الطهارة، طبعا مفروض الكلام أن التراب لا رطوبة مسرية فيه،

إذاً لجريان أصالة الطهارة في مشكوك النجاسة اثر عملي. فهنا يقال لا مانع من جريان أصالة الطهارة ما دام لها اثر عملي والسر في ذلك أن عنوان مشكوك النجاسة وإن لم يكن له تعين واقعا إلا أن ما اخذ موضوعا لأصالة الطهارة ليس هو خصوص الموجودات الخارجية وإنما ما اخذ موضوعا لأصالة الطهارة بمقتضى إطلاق أدلتها كل ما تعلق الشك بنجاسته مما لأصالة الطهارة فيه اثر عملي.

والمثال الآخر: إذا علم المكلف إجمالا بان إحدى الصلاتين باطلة قطعا، فهو لا يقطع ببطلانهما معا وإنما ما يقطع به بطلان إحداهما، فيقول إحداهما مقطوعة البطلان وهذا لا تعين له والأخرى مشكوكة الصحة وكما أن عنوان مقطوع البطلان لا تعين له كذلك عنوان مشكوك الصحة لا تعين له، ولكن هذا العنوان وهو مشكوك الصحة مجرى لقاعدة الفراغ فإحدى الصلاتين مقطوعة البطلان والأخرى مشكوكة الصحة فتجري فيها قاعدة الفراغ واثر جريان قاعدة الفراغ في احدهما أن يكتفي المكلف بأربعة مما في الذمة ففرغت الذمة منها تعبدا، والأخرى مقطوعة البطلان فيأتي باربعة عما في الذمة.

إن موضوع القاعدة مشكوك الصحة مما لجريان القاعدة فيه اثر عملي، بل تعدى صاحب الكفاية وأجرى هذه الأصول حتّى في الخبرين المتعارضين فقال إذا تعارض الخبران فخبر يدل على وجوب صلاة الظهر تعيينا وخبر آخر يدل على وجوب الجمعة تعيينا، فالمشهور لدى الأصوليين إن الخبرين يتعارضان ويتساقطان فلا يمكن العمل لا بالمدلول المطابقي لهما لأجل التعارض ولا بالمدلول الالتزامي، وهو نفي التخيير لان هذا الخبر يدل على تعين الظهر، والثاني يدل على تعين الجمعة، فالمدلول الالتزامي لهما أن لا تخيير يوم الجمعة ولكن لا يمكن العمل بهذا المدلول الالتزامي لتبعية المدلول الالتزامي للمطابقي بالحجية وحيث سقط المطابقي سقط الالتزامي، ولكن عند صاحب الكفاية يقول نستطيع أن نقول احدهما مقطوع الكذب والآخر مشكوك الصدق وعدمه فمقتضى دليل حجية خبر الثقة أن نقول مشكوك الصدق من خبري الثقة بإطلاق دليل حجية خبر الثقة وبناءً على ذلك فقد أحرزنا حجية احدهما بإطلاق هذا الدليل، وإذا أحرزنا حجيته صحيح لا يمكننا العمل بالمدلول المطابقي له لأنّه لا تعين له لكن يمكننا العمل بمدلوله الالتزامي وهو انه لا تخيير يوم الجمعة، فهو عندما يقول الظهر متعين بالنتيجة لا تخيير يوم الجمعة فنعمل بمدلوله الالتزامي فنقول إن لم يكن لنا في البين حجة وجدانية على نفي التخيير فلدينا حجة تعبدية على نفي التخيير، وهذا المعنى ناقشه الأعلام في بحث تعارض الأدلة.

فالمتحصل: أنّ متعلق العلم الإجمالي بلحاظ واقعه متقوم بالإبهام وليس متقوما باللاتعين وان كان بلحاظ تعنونه بعنوان معلوم كذا مما لا تعين له، وبناءً على ذلك فكونه لا تعين له لا يعني لغويته بل قد يكون موردا للوظيفة الظاهرية أي جريان الأصل العملي أو للحجية التعبدية بحسب نظر الاخوند.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 3
الدرس 5