نص الشريط
الدرس 37
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 22/1/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2877
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (326)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

وصل الكلام الى ما ذكره السيد الصدر من أنّ أخذ الزمان في الواجب على نحو مطلق الوجود هل هو مورد لجريان الاستصحاب ام لا؟ كما إذا شكّ اثناء الصوم في ان النهار ما زال باقياً او لا، فهل يستصحب بقاء النهار ام لا؟، وهنا افاد السيد الصدر بأنه: تارة يعلم مقدار النهار، واخرى يتردد النهار بين الاقل والاكثر. فقال حينئذٍ مرجع اشتراط النهار في صحّة الصوم الى اشتراطه في وجوب الصوم لان قيد الواجب إذا كان قيدا غير اختياري فهو قيد للوجوب أيضاً، ومعنى ذلك ان وجوب الصوم فرع كون الزمن نهاراً فالنهارية كما هي قيد في صحة الصوم فإنها قيد في وجوبه. الا ان ذلك يتصور على نحوين الاول ان مرجع الجعل الى وجوب صوم كلّ آن إذا كان نهاراً، ففي مثل هذا الفرض لو كان الجعل بهذا النحو يجب صوم كل آن إذا كان نهارا جرى الاستصحاب وهو استصحاب بقاء النهار فيتنقح موضوع الوجوب فيجب الصوم او البقاء على الصوم. واما إذا افترضنا ان الجعل بنحو اخر، وهو يجب الصوم النهاري على نحو الاتصاف، او يجب الصوم في الآن النهاري، على نحو الاتصاف فمن الواضح ان الاستصحاب لا يجري لأنّه لا يثبت ان الصوم نهاري او أنّ الآن نهاري الا بالأصل المثبت، الا ان المورد من موارد قاعدة الاشتغال لان المكلف علم بوجوب الصوم ويشك بأنقضاء النهار أي يشك في الامتثال فمقتضى قاعدة الاشتغال ان يبقى على صومه، وان لم يجر استصحاب بقاء النهار لكونه مثبتا. وهنا ملاحظتان:

الاولى: ان الشك في ان النهار عشر ساعات ام اكثر تارة يرجع الى الشبهة المفهومية، واخرى للشبهة المصداقية، فمثلا إذا نذر صوم يوم الغدير وشك في ان يوم الغدير هل هو عشر ساعات ام احدى عشرة ساعة؟ فالشبهة مفهومية؛ أي ان نفس متعلق النذر هو مردد مفهوما بين الاقل والاكثر، وفي الشبهات المفهومية لا يجري الاستصحاب حتّى عنده «قده» بلحاظ دورانها بين مقطوع الارتفاع ومقطوع البقاء نظير ما إذا شكّ في الغروب، حيث قال المولى: «تجب الصلاة عند الغروب». فشكّ في الغروب في انه هل هو سقوط القرص ام مغيب الحمرة؟ فإن كان الغروب سقوط القرص فقد حصل جزما وان كان الغروب مغيب الحمرة فلم يحصل جزما، فلا يوجد شك في البقاء والمناط في جريان الاستصحاب الشك في البقاء، فإذا تردد المفهوم بين مقطوع الارتفاع ومقطوع البقاء فلا شك في البقاء كي يجري الاستصحاب. كذلك الامر في المقام إذا نذر صوم يوم الغدير وفي آخر النهار تردد انه ان كان يوم الغدير عشر ساعات فقد انقضى جزما وان كان اكثر فهو باق جزما، فلا مورد لجريان الاستصحاب، فالجاري حينئذٍ البراءة لأنّه شك بالتكليف بالأكثر.

وان كانت الشبهة مصداقية كما لو علم بأن يوم الغدير في ايران عشر ساعات ويوم الغدير في مصر احدى عشر ساعة ولكنه لا يدري انه في ايران ام في مصر فليست لديه شبهة مفهومية، وانما مصداقية فتردده بين الاقل والاكثر على نحو الشبهة المصداقية وحينئذٍ يجري استصحاب بقاء النهار ما لم يقل بمعارضته باستصحاب عدم السعة لأنّه لو تردد بين كون نهاره عشر او أحدى عشرة؟ فاستصحاب بقاء النهار باستصحاب عدم سعة النهار لما يكون احدى عشرة ساعة.

الملاحظة الثانية: ما افاده «قده»: من ان مرجع قول الشارع صم في النهار الى قضيتين في الحقيقة يرجع الى ثلاث قضايا:

اما ان يكون صم في النهار راجعا الى قوله «صم في كل آن معه نهار» على نحو التركيب، او انه يرجع الى ما ذكره «صم في كل آن إذا كان ذلك الان نهارا»، او يرجع الى قوله: «ائت بالصوم النهاري». ومن الواضح انه على التصوير الاول وهو: ان مرجع قوله: «صُم في النهار» الى قوله: «صُم في كل آن معه نهار»، الى التركيب، والتركيب يجري فيه الاستصحاب حيث ان الآن محرز بالوجدان ووجود نهار مع هذا الآن ثبت بالاستصحاب الا انه «قده» قال لا يعقل التركيب في قيود الواجب التكليفي، وذلك: لأنّ القيد قد يرجع الى الوجوب ولا مانع من التركيب حينئذٍ. بأن يقول المولى: «ان دخل شهر ذي الحجة وكنت مستطيعا فيجب عليك الحج». فإن موضوع وجوب الحج مركب واحد الجزئين قيد غير اختياري وهو دخول شهر ذي الحجة هذا لا مانع منه لان القيد قيد في الوجوب.

وتارة يكون القيد قيداً للواجب. فإن كان قيداً اختيارياً مثل الطهارة بأن يقول المولى: «يجب عليك صلاة مع طهارة»، فلا اشكال فيه إذ القيد الاختياري يمكن البعث نحوه. وتارة يكون قيد الواجب غير اختياري. وهنا لابد من التفصيل بين الحكم الوضعي والحكم التكليفي فكون القيد قيدا في متعلق الحكم الوضعي لا مانع منه وان كان قيدا غير اختياري، مثلاً ان يقول المولى: «إذا ادرك المأموم الإمام وهو راكع صح الائتمام». فإن ركوع الامام قيد غير اختياري بالنسبة للمأموم ولكن الحكم وضعي وهو الصحة فلا مانع من ان يكون الحكم الواقعي متعلق بمركب واحد جزئي المركب غير اختياري ان كان الإمام راكعا عند ركوعك صح الائتمام فلو ركع المأموم وشك في ان الإمام ما زال راكعا يستصحب بقاء ركوعه ومقتضاه صحة الائتمام.

وتارة يكون قيد غير الاختياري جزئا لمتعلق الواجب التكليفي بأن يقول: «صم في زمن مع كون الزمن نهارا» فإن كون الزمن نهارا ليس باختيار المكلف فلا يمكن البعث نحوه وبما انه لا يمكن البعث نحوه إذا لا يعقل التركيب لدى السيد الصدر. إذا لا معنى في المقام ان يقول ان متعلق الامر صوم كل آن مع وجود نهار في ذلك الآن او مع كون ذلك الآن نهارا فإن التركيب غير معقول على مبناه.

واما إذا كان مرجعها الى قول صُم في كل آن إذا كان الان نهارا او صم في الآن النهاري فهنا لا يجري الاستصحاب؛ والسر في ذلك: ان الآن وجود تدريجي فكل آن مغاير للان الآخر وبالتالي لا يمكن استصحاب مفاد كان الناقصة أي استصحاب كون الآن نهارا لان الآن السابق كان نهارا. واما هذا الآن فهو غيره وليس الآن السابق كي يجري بلحاظه الاستصحاب. واما استصحاب بقاء النهار فلا يثبت ان الآن نهاري أو ان هذا الآن مما كان نهارا.

وبالنتيجة: فالاستصحاب اما لا يجري لاختلاف الموضوع لان هذا الآن غير الآن السابق. فنقول: إذا رجعت القضية الى مفاد كان الناقصة فلا يجري الاستصحاب للتغاير بين الآنات بنظر العرف وان رجع الاستصحاب الى مفاد كان التامة وهو ان استصحاب النهار فإن هذا لا يثبت ان الآن آن نهاري او ان الصوم صوم نهاري. هذا تمام الكلام فيما افاده السيد الصدر. الوجه الرابع: مما ذكر في الجواب عن هذا الاشكال ما تعرض له السيد الامام في بحث الخلل «صفحة185». ومحصل ما ذكره: ان استصحاب الزمن تارة يكون على نحو مفاد كان التامة واخرى على نحو مفاد كان الناقصة. فهنا تصويران:

الاول: وهو استصحاب الزمن على نحو مفاد كان التامة أي استصحاب بقاء النهار فقد افاد ان قوله : «من ادرك ركعة من الوقت فقد ادرك الصلاة»، يحتمل في مفاد هذه الجملة ثلاث احتمالات، وعلى كل احتمال نتصور هل الاستصحاب يجري ام لا؟.

فتارة يكون مفاد القضية «من ادرك ركعة فقد ادرك الصلاة» ان لعنوان ”الادراك“ موضوعية أي انما تصح الصلاة في اخر الوقت إذا احرزت عنوان الادراك وعليه لا يجري الاستصحاب لانّ استصحاب بقاء النهار الى حين الشروع في الصلاة لا يثبت ادراك الادراك لأنّه اصل مثبت. واما ان يكون مفاد هذه القضية «من ادرك ركعة فقد ادرك الوقت» التعبير بالسعة بدون موضوعية لعنوان الادراك، فكأنه قال: إذا كان الوقت متسعا لركعة فقد صحت الصلاة فالكلام هو الكلام، لان استصحاب بقاء الوقت الى حين الدخول في الصلاة لا ثبت سعة الوقت حتّى تصح هذه الصلاة. وان كان معناها انه عبارة عن اشتراط الصلاة في الوقت، أي ان قوله: «من ادرك ركعة من الوقت فقد ادرك الصلاة» يعني كأنه قال من احرز ان صلاته في الوقت فقد ادرك الصلاة، فيأتي الاشكال أيضاً ان استصحاب بقاء الوقت الى حين الركوع الاول لا يثبت ان الركوع في الوقت لأنّه لا ثبت الظرفية. فالنتيجة: ان استصحاب الزمن على نحو مفاد كان التامة باطل بجميع انحائه.

التصوير الثاني: ان يكون على نحو مفاد كان الناقصة. وله فرضان: الاول: ان يقال ان مرجع هذه القاعدة «من ادرك ركعة فقد ادرك الصلاة» الى التركيب، أي من صلّى ركعة وكان الوقت وقت نهار فقد صحت صلاته. ونطبقه على المقام فنقول كان هذا الوقت قبل خمسة دقائق وقت نهار، فنستصحب كونه كذلك، على مفاد كان الناقصة كان الوقت وقت نهار فالان وقت نهار، فالان صليت بالوجدان والوقت وقت نهار بالاستصحاب فقد صحت صلاتي. وهذا الاستصحاب يتم بناء على ان النظر العرفي يرى الوقت والزمن على نحو الوجود الواحد السيال، فيقال بأن هذا الوقت كان نهارا فهو لازال نهارا واما إذا شككنا في ذلك وقلنا ان العرف يرى الوقت على نحو الوجود التدريجي فيأتي فيه الاشكال السابق وهو تغير الموضوع. والعرف لا يساعد على استظهار التركيب وانما يستفيد العرف من هذه الرواية التقييد لا التركيب أي كون الركعة في الوقت وهو لا يثبت بالاستصحاب.

الفرض الثاني: قال: بأن المستفاد من قاعدة «من ادرك ركعة فقد ادرك الصلاة» ان موضوع الصحة وصف في المكلف لا وصف في الصلاة ووصف في الوقت، أي ليس موضوع الصحة ان تكون ركعة الصلاة في الوقت وليس موضوع الصحة ان يكون الوقت وقت نهار وانما موضوع الصحة وصف في المكلف نفسه لا في الان وفي الزمن، وهو موضوع الصحة ان كان المكلف ممن ادرك الركعة فقد صحت صلاته أي كون المكلف ممن ادرك فالوصف الدخيل في الصحة وصف للمكلف، فإذا كان وصفا للمكلف فلا يراد به انه ادرك فيما مضى ولا يراد انه ادرك بنفس الصلاة وانما يراد به ان المكلف متصف بوصف وهو كونه ممن ادرك ركعة بحيث لو صلى في هذا الظرف لكانت صلاته صحيحة، وعليه يتم الاستصحاب بأن نقول هذا المكلف قبل خمسة دقائق ممن ادرك ركعة فهذا الان ممن ادرك ركعة وحيث صلى فقد تحقق المركب، صلى مع كونه ممن ادرك ركعة بالاستصحاب فتصح صلاته فهل المستظهر من قوله «من ادرك ركعة في الوقت فقد ادرك الصلاة» ان الدخيل في الصحة وصف المكلف؟ ام ان هذا تعبير عن الشرطية؟ وهي انه ادراك الصلاة بادراك ركعة منها كما يقال: «ذكاة السمك بخروجه من الماء» لا ان الموضوعية لوصف المصلي والمكلف كي يقال هذا المكلف كان ممن ادرك ركعة فهو الان كذلك وحيث صلى صحت صلاته تعبدا.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 36
الدرس 38