نص الشريط
الدرس 38
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 23/1/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2528
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (420)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

أنه قد تلّخص مما مضى ان استصحاب الوقت فيما يكون فيه الوقت قيداً من قيود الواجب انما يتمُّ على احد وجوه ثلاث:

الوجه الأول: ما ذكره المحقق الأصفهاني من ان مرجع القيد المعتبر في متعلق الأمر الى الاجتماع، فإذا قال مثلاً «صُم في النهار أو صل في الوقت»، فإن مرجع الظرفية الى مطلوبية الاقتران والاجتماع أي ان يكون هناك اقتران واقعا بين الصوم وبين النهار، وبناءً على ذلك فان الاقتران بين الصوم والنهار حاصل وجداناً بعد الاستصحاب لأنه إذا شككنا في بقاء النهار الى حين الصوم فكما ان استصحاب النهار يثبت تحقق النهار تعبداً لا وجدانا لأنه مشكوك، فكذلك يثبت لنا وجود نهار تعبديّ وجداناً لانّ النهار الحقيقي وان لم يحرز بالوجدان الا ان النهار التعبدي أي الاستصحابي محرز بالوجدان فإذا احرز النهار التعبدي بالوجدان فاقتران الصوم بالنهار أي التعبدي محرز بالوجدان، بلا حاجة لإثبات كي يقال ان الاصل مثبت، فيكفي في جريان الاستصحاب اي استصحاب بقاء النهار أنه في طول جريانه سوف يكون اقتران الصوم بالنهار اقترانا وجدانياً. فإذا لم نستفد من الادلة اكثر من مطلوبية اقتران الصوم بالنهار فلا محالة هذا الاثر يترتب على استصحاب النهار.

الوجه الثاني: ان يكون الاستصحاب على نحو مفاد كان الناقصة بعد توسيط حيثية الاتصال عرفا.

بيان ذلك: أنه إذا كان النظر العرفي يرى ان الأمساك والصيام وجود واحد باعتبار اتصال اجزائه وعدم تخلل العدم بينها، فبلحاظ حيثية اتصال اجزاء الصوم يرى الصوم أنه وجود واحد عرفا وببركة هذا النظر العرفي يقال هذا الصوم كان نهاريا فهو ما زال نهاريا، أو هذا الصوم كان في النهار فهو ما زال في النهار، أو يأتي الاستصحاب في نفس الزمن حيث أُفيد ان الزمن تارة يلحظ على نحو الكل بالنسبة لأجزائه واخرى على نحو الكلي بالنسبة لجزئياته، مثلاً عنوان النهار. تارة يلحظ العرف ان عنوان النهار مركب من اجزاء، أي ان النهار كلّ، وكل آن من الآنات بين طلوع الشمس وغروبها جزء من ذلك الكل، وهذا ما يعبر عنه في الحكمة بلحاظ الزمن على نحو الحركة القطعية.

وأخرى يلاحظ النهار هو نفس الآنات المتصلة فيقال ما بين شروق الشمس وغروبها نهار، فالنهار هو: عبارة عن نفس تلك الآنات الواقعة بين الشروق والغروب للشمس. فنسبة النهار حينئذٍ للآنات نسبة الكلي الى جزئيه إذ ان كل آن بين الشروق والغروب هو نهار لا أنه جزء من النهار وهذا ما عبر عنه في الحكمة بالحركة التوسطية. فإذا لوحظ الزمن على نحو الحركة القطعية أي ان النهار قطعة مركبة من اجزاء فهنا لا يجري الاستصحاب. وأما إذا لوحظ الزمن على نحو الحركة التوسطية أي ذلك الآن الذي بين الشروق والغروب، فذلك الآن وجود متصل بنظر العرف يشك في انقضائه فيجري استصحاب بقائه فيقال كان هذا الزمن نهارا فهو ما زال نهاراً.

الوجه الثالث: ان يقال لا مانع من جريان استصحاب النهار، ويثبت به ان الصيام كان في النهار وليس من الاصل المثبت في شيء.

وبيان ذلك: ان هناك فرقاً بين الجزء والشرط، فالجزء هو بنفسه متعلق لأمر ضمني فمثلاً الصلاة مركبة من ركوع وسجود وتشهد ومعنى تركبها من ذلك ان كل واحد منها مأمور به أمرا ضمنيا، وأما الشرط وهو الطهارة أو القبلة أو الاطمئنان فليس الشرط بنفسه مصبا للأمر الضمني والا لكان جزءأ وانما مصب الأمر الضمني هو «التقيُّد» أي تقيُّد الصلاة بالطهارة مثلاً لا نفس الطهارة، ولأجل ذلك لا معنى للتركيب في الشروط بأن نقول: المطلوب صلاة وطهارة لان مرجع التركيب الى انصباب الأمر على الطهارة وهذا يعني أنها جزء وهو خلف كونها شرطا بل دائما مرجع الشرط الى التقييد لا الى التركيب، وبناءً على هذا فحيث يقال ان المطلوب منك صلاة بطهارة، أو صلاة بوقت، فالتقييد معنى حرفي وهو متقوم بطرفين، ولأجل ان التقييد معنى حرفي متقوم بطرفين لا يُرى له واقعية وخارجية وراء نفس الطرفين، فليس هناك وراء الصوم ووراء النهار شيء ثالث يقال له هذا هو التقييد، وانما التقييد واقعيته وخارجيته بنفس الطرفين، فلأجل ذلك يرى العرف ان التفكيك بين الطرفين وبين التقييد مستهجن، بأن يقال ثبت النهار لكن لم يثبت تقيُّد الصوم بالنهار، أو ثبت النهار والصلاة ولكن لم يثبت تقيد الصلاة بالنهار، فإنّ هذا مستهجن لدى العرف، إذ ما دام تقيد الصلاة بالنهار ليس شيئا وراء وجود الصلاة والنهار، إذا فكما أنه يستهجن التفكيك بينهما عقلاً يستهجن التفكيك بينهما تعبدا بأن يقال ثبتت الصلاة والنهار تعبدا ولكن لم يثبت تقيد الصلاة بالنهار.

وبعبارة اخرى: ان العرف يرى ان عدم ترتيب أثر التقيد على استصحاب النهار من باب نقض اليقين بالشك. فيقال إذا تيقنت ببقاء وجود النهار سابقاً ولم ترتب على ذلك تقيد الصلاة بالنهار فهذا من نقض اليقين بالشك لأجل أنه لما كان التفكيك بينهما في الثبوت مستهجنا بنظر العرف كان شمول دليل الاستصحاب للنهار له مدلول التزامي عرفي وهو ثبوت تقيد الصلاة بالنهار، فثبوت التقيد من المداليل الالتزامية العرفية لشمول دليل الاستصحاب للمورد. ومما يقوي هذه النظرة العرفية أنه لا شكّ عندهم ولا خلاف في أنه لو رجع الزمن أو القيد غير الاختياري للحكم لجرى الاستصحاب عندهم بلا كلام، مثلاً إذا قال الصوم في النهار واجب فإنه يجري استصحاب بقاء النهار لإثبات وجوب الصوم، كما لو بلغ ولا يدري ان صومه واجب أم لا لأجل شكّه في بقاء النهار فإنه يجري استصحاب بقاء النهار لإثبات الوجوب فلو كان الزمن مأخوذا في موضوع الوجوب لجرى فيه الاستصحاب. بينما إذا قال صُم في النهار فأخذ النهار قيدا في الواجب فلا يجري الاستصحاب، فإن هذا تفكيك غير عرفي. كذلك في القيود غير الاختيارية الاخرى مثلاً كون المائع ماءً، فإذا قال: الوضوء بالماء محقق للطهارة بأن اخذ المائية في موضوع الوجوب فيجري الاستصحاب، كان هذا المائع سابقاً ماء فهو ما زال ماءً، أما إذا اخذه في المتعلق بأن قال: توضأ في الماء فإنه لا يجري الاستصحاب. فالتفكيك بين الموردين غيرُ عرفيٍ، بأن يقول: العرف إذا كانت الحيثية في موضوع ومتعلق الواجب هي الاقتران فلم لا يجري الاستصحاب لو أخذتموها في متعلق الوجوب؟ والذي يؤكد بأن التفكيك بين ثبوت القيد وثبوت التقيد مستهجن اي ان يقال القيد يثبت ولا يثبت به التقيُّد أنَّ الإمام في صحيحة زرارة أجرى الاستصحاب في الطهارة مع أنها قيد، فأجرى استصحاب الطهارة الى حين الصلاة مع ان استصحاب الطهارة الى حين الصلاة لا يُثبت تقيُّد الصلاة بالطهارة الا بنحو الاصل المثبت، فهذا يكشف على ان اثبات التقيُّد باستصحاب القيد ليس من الاصل المثبت بلحاظ ان النظر العرفي يرى أنه لما كان التقيد معنى حرفيا لا واقعية له وراء نفس الطرفين فالتفكيك بينه وبين طرفيه بالتعبد مستهجن. هذا تمام الكلام في استصحاب الوقت.

تنبيه: قد يقال بأنه لا ثمرة لجريان الاستصحاب في الوقت بالنسبة الى الصلاة، فإذا شكَّ المكلف ان النهار مازال باقياً أو أنه قد انقضى فعلى كل حال صلاته صحيحة فإن كان النهار باقيا فهي أداء وإلا فهي قضاء فلا ثمرة ترتب على استصحاب النهار وعدمه فعلى أية حال صلاته صحيحة أما أداء وأما قضاء.

ولكن يلاحظ على ذلك:

أولاً: بأن بعض الاعلأم كالمحقق العراقي أفاد في فروع العلم الاجمالي الى ان الصلاة ”الملفقة“ لا تقع لا أداء ولا قضاء ولا دليل على صحتها، فلو فرضنا ان المكلف من التكبير الى حد الركوع كان في الوقت، ولكنّ الركوع وقع خارج الوقت فإن هذه لا تصح لا أداء ولا قضاء لان المناط على الركوع فان وقع في الوقت كانت أداء وان وقعت الصلاة خارج الوقت فهي قضاء أما الملفقة فلا تصح، وعلى هذا النظر فباستصحاب النهار الى حين الركوع يثبت ان الصلاة أداء فتثبت صحة الصلاة.

وثانيا: لو قلنا برأي المشهور بأن الصلاة الملفقة صحيحة، مع ذلك تظهر الثمرة في صحة نية الأداء فإنه ببركة جريان استصحاب النهار الى حين الركوع يصح ان يقصد بها الأداء والا كان قيد الأداء بها تشريعا.

وثالثاً: لو كانت الثمرة غير ظاهرة في باب الصلاة فإنها تظهر في غير باب الصلاة مثلاً لو شك في يوم عشرة من ذي الحجة في ان النهار لازال باقيا كي يرمي الجمار، فإنه تظهر الثمرة، فيثبت أنه أوقعه في نهار يوم العيد، وكذلك بالنسبة الى غسل الجمعة إذا شك في بقاء النهار فهو يشك في وقوع غسل الجمعة صحيحا.

قاعدة «من أدرك»: وحيث ان السيد الإمام بحث ضمن بحوث الخلل قاعدة «من أدرك» فنحن تبعا له نبحث هذه القاعدة وما يتفرع عليه فروع الخلل في الوقت.. فالكلام في قاعدة من أدرك من جهات: الجهة الأولى: في بيان مدركها ويستدل لها بروايات خمس:

أولاها: مرسلة الذكرى قال: «روي عن النبي أنه قال: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة».

ثانيتها: مرسلته الأُخرى قال: «وعنه من أدرك ركعة من العصر قبل أن يغرب الشمس فقد أدرك الشمس».

ثالثتها: رواية الأصبغ بن نباتة قال: «قال أمير المؤمنين من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة».

رابعتها: رواية عمار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه في حديث «قال: فإن صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم الصلاة وقد جازت صلاته، وإن طلعت الشمس قبل أن يصلي ركعة فليقطع الصلاة ولا يصلي حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها».

الرواية الخامسة، وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن عمار بن موسى عن أبي عبد اللّٰه في حديث «قال: فإن صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم وقد جازت صلاته».

الجهة الثانية: هل تختص قاعدة من أدرك باقي الصلوات أم تختص بصلاة الفجر؟ ذكر السيد الخوئي في: ج11/ص233: أن الدليل عليه أما هو عدم القول بالفصل والقطع بعدم الفرق، إذ لا خصوصية لصلاة الغداة في هذا الحكم يقيناً. أو أنه الأولوية العرفية، نظراً إلى أنّ ما بعد طلوع الشمس من الأوقات التي يكره فيها الصلاة، بل قد ورد فيه النهي عن النبي في حديث المناهي وغيره، فإذا ساغ الإتيان بجزء منها فيه وثبت الحكم في هذا الوقت وهو معرض للكراهة بل لتوهم الحرمة. ففي غيره مما لا حزازة فيه أصلًا بطريق أولى كما لا يخفى. ولعل تخصيص صلاة الغداة بالذكر في الرواية‌ للتنبيه على هذه النكتة ورفع ما يتوهم من الحزازة من دون خصوصية لها في الحكم المزبور بوجه.

ولكن قد يقال بأن ما ذكره هو وجه احتمال الخصوصية، اي عكس ما قاله، بأن يقال: لعل الشارع انما وسع صلاة الفجر لما تشمل ركعة في الوقت لكي لا يقع جزء منه في الوقت المنهي عنه، فالشارع هنا من باب التعبد اعتبرها في الوقت فتخرج عن دائرة الحظر أو الكراهة وحيث ان هذه الخصوصية ليست في غيرها من الصلوات فلا نحرز شمول موثقة عمار لمثله، باعتبار ان الموثقة وردت في صلاة الغداة، وحينئذ لولا ورود عدة روايات بنحو مطلق لما حصل لنا الوثوق بعموم القاعدة.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 37
الدرس 39