نص الشريط
الدرس 39
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 24/1/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2525
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (414)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

لازال الكلام في قاعدة «من ادرك ركعة من الوقت فقد ادرك الوقت او ادرك الصلاة».

والكلام فعلا في الجهة الثالثة وهي بيان المعاني المحتملة لهذه الرواية. والمعاني المحتملة ثلاثة: ان مفاد الرواية التوسعة الواقعية. او مفاد الرواية التوسعة التنزيلية. او ان مفاد الرواية مجرد الاعتبار، من دون ان يكون هناك توسعة او تنزيل. فهنا ثلاثة اتجاهات:

الاتجاه الأول: ان مفاد الرواية التوسعة الواقعية بمعنى ان دليل من ادرك ركعة من الوقت فقد ادرك الصلاة او ادرك الوقت حاكم على دليل شرطية الوقت «حكومة واقعية» بنحو التوسعة، فدليل شرطية الوقت يقرر ان لا صحة للصلاة الا في الوقت، ولو كنا نحن ودليل الشرطية لقلنا بأن خروج بعض الصلاة عن الوقت مانع من صحتها، ولكن مقتضى قوله من ادرك ركعة من الصلاة فقد ادرك الصلاة الحكومة، وتوسعة الشرط توسعة واقعية لما يشمل مقدار ركعة، هذه التوسعة الواقعية أيضاً تتصور على نحوين: لانها اما شاملة للمختار والمضطر او انها خاصة بالمضطر.. ولكن لا يحتمل النحو الثاني وهو: ان يكون مفاد الرواية توسعة الشرط واقعا بحيث يشمل جميع حالات المكلف وان كان مختارا، فان مقتضى ذلك طرح ادلة الشرطية إذ مقتضى اشتراط صحّة الصلاة أداءً بعدم شروق الشمس او غروبها لا يجتمع مع التوسعة الواقعية لجميع حالات المكلف إذ لا يبقى لهذا الشرط مورد فلو التزمنا بالنحو الاول من التوسعة لكان ذلك طرحا لدليل الشرطية ومقتضاه جواز ان يؤخر المكلف الصلاة اختيارا الى ان يبقى من الوقت مقدار ركعة إذ الوقت موسع واقعا لما يشمل مقدار ركعة.

وأمّا النحو الثاني وهو: توسعة دليل الشرطية توسعة واقعية لكن لخصوص المضطر وان أوقع نفسه بالاضطرار بسوء اختياره، فبناءً على هذا لا يرد محذور نقض الشرط وانما يكون تخصيصا لدليل الشرطية، الا انه مما لا قرينة على هذا التقييد وهو اختصاص قاعدة من ادرك بالمضطر.

الاتجاه الثاني ان يقال: ان مفاد الرواية مجرد التنزيل، وليس مفادها التوسعة الواقعية أي أي حكومة الرواية على دليل الشرطية حكومة تنزيلية لا واقعية، وهذا الاتجاه أيضاً يتصور على نحوين النحو الاول ان يكون تنزيلا في الوقت.

والنحو الثاني: ان يكون تنزيلا في غير الوقت، والفرق بين التنزيلين انّ مفاد من ادرك تنزيل للوقت، أي ان الوقت بمقدار ركعة بمنزلة الوقت الواسع لتمام الصلاة فانه يترتب على التنزيل من حيث الوقت جريان الاستصحاب بخلاف ما إذا كان التنزيل غير ناظر للوقت، فمثلا لو ان شخصا قطع بأنه لم يدرك 4 ركعات وانما يشك هل سيدرك ركعة او لا، فإذا كان مصب التنزيل هو الوقت، فالوقت بمقدار ركعة بمنزلة الوقت التام فيجري الاستصحاب في الوقت، مقتضى استصحاب بقاء النهار بقاؤه بمقدار ركعة.

واما إذا افترضنا ان التنزيل لا علاقة له بالوقت، وانما مصب التنزيل الركعة فكانه قال ركعة بمنزلة تمام الصلاة، فحينئذٍ لا مجال لجريان الاستصحاب في الوقت لان الوقت خارج عن اطار التنزيل الشرعي. إذاً فيتصور نحوان للتنزيل: التنزيل من حيث الوقت، ومن حيث غيره، فإذا قلنا بالتنزيل من حيث الوقت، فهنا أيضاً افاد السيد الإمام على فرض ان التنزيل للوقت هل هو تنزيل بلحاظ جميع الاثار لكل مكلف او هو تنزيل لخصوص المضطر، او هو تنزيل من حيث الاثر البارز وهو كون هذه الصلاة اداءً او لا، وعلى الجميع يجري استصحاب بقاء الوقت وانما تختلف في الاثار الاخرى، فان قلنا ان التنزيل بلحاظ جميع الاثار سواء كان ذلك لجميع حالات المكلف او لخصوص المضطر فلا يمكن ان يقصد به التنزيل بلحاظ جميع الاثار بحيث يكون كالقول الاول وهو التوسعة الواقعية، إذ لو كان مرجع جميع الاثار الى ذلك القول لم يكن التنزيل صحيح بل كان لغوا لان هذا عبارة عن التوسعة الواقعية، مرجع التنزيل لجميع الاثار الى ان الوقت واقعا واسع اما لكل مكلف او لخصوص المضطر فإقحام مسالة التنزيل لغو إذ لا معنى للتوسعة الواقعية الا ترتب اثارها الواقعية، فإذا كانت الآثار تترتب فلا دخل للتنزيل في البين. 

إذا فليكن المقصود بهذا المسلك وهو مسلك التنزيل من حيث جميع الآثار أي ما هو اوسع دائرة من كون الصلاة اداءً أي ليس المقصود بالتنزيل هو خصوص هذا الاثر وهو ما كانت الصلاة اداء بل ما هو اوسع منه، فمن تلك الاثار نفوذ نذره ويمينه او شرطه، لو نذر على نفسه ان تكون صلاته في الوقت، لا ان تكون صلاته اداء إذ فرق ان بين الصياغتين، فانه ببركة التنزيل في الوقت يترتب هذا الاثر، كما انه بناءً على التنزيل بلحاظ الاثر الواسع ما ذكره السيد الإمام من انه لو صلى مستدبرا للقبلة ولم يلتفت الا بعد غروب الشمس ولكنه لازال يصلي أي بعد ان ادرك ركعة من صلاة العصر في الوقت وغابت الشمس التفت الى انه مستدبر، فان قلنا ان التنزيل في الوقت بلحاظ سائر الآثار أي ما هو اوسع دائرة من كون الصلاة اداء، فعليه القضاء لأنّه من التفت في الوقت الى انه مستدبر يعيد او يقضي، وهذا الشخص لما نزّل الشارع وقته منزلة تمام الوقت يعد ممن التفت في الوقت الى انه مستدبر مع انه لم يلتفت الا بعد غروب الشمس.. بخلاف ما إذا قلنا ان هذا التنزيل خاص باثر واحد وهو كون الصلاة اداء، فهنا يكون التفت الى الاستدبار بعد الوقت فصلاته صحيحة لا يعيد ولا يقضي.

النحو الثاني: من التنزيل ان يقال ان التنزيل ليس بلحاظ الوقت بل بلحاظ الصلاة، فالصلاة بمقدار ركعة كالصلاة التامة فالمصلي الذي ادرك ركعة كالمصلي الذي ادرك تمام الصلاة، فالتنزيل ليس ناظرا للوقت، ومقتضى هذا عدم جريان الاستصحاب كما قلنا فضلا عن الاثار الاخرى فالمكلف يستطيع في آن واحد ان يجمع بين الصلاة وبين الافطار، فهذا المكلف بعد ان ادرك ركعة في الوقت وحصل الغروب فهو يقول من جهة الصلاة انا ما زلت في صلاة العصر ومن جهة الافطار حيث انه كان صائما له ان يستنشق الغبار الغليظ مثلاً فهو من جهة الصوم خرج عن النهار وان كان في جهة الصلاة لازال في الصلاة.

الاتجاه الثالث: ان يقال ليس في هذه الرواية لا توسعة واقعية ولا تنزيل وانما مفادها مجرد حكم شرعي وهو ان الصلاة اداءٌ، فكانه مباشرة يقول الشارع من ادرك ركعة فالصلاة اداءٌ فليس هناك الا حكم الشارع بكون الصلاة اداء من دون ان تتضمن الشارع توسعة او تنزيلا وهذا هو الظاهر من لسان الرواية، وذكر السيد الإمام «قده» «ص88» ان الظاهر منهما اما تنزيل ادراك الصلاة بركعة منزلة ادراك جميعها في الوقت، لا تنزيل الوقت حتى يقال بعدم خروجه تنزيلا، بل لسان الرواية يخالف لسان التنزيل في الوقت فان التنزيل في مثله يرجع الى الحقيقة الادعائية وفي مثلها لا يرى المتكلم الا تلك الحقيقة ويكون الطرف منسيا فمن قال رأيت أسدا يدعى كون المرئي أسدا لا غير، فان ذكر معها بعض خصوصيات الإنسان خرج الكلام من الادعاء والبلاغة وفي تلك الروايات يكون الوقت المقرر منظورا فيه وان المصلى أدرك منه ركعة وان الوقت خرج بإتمام الركعة ومعه كيف يدعى ان تلك القطعة وقت واما دعوى ادراك الصلاة بإدراك ركعة فلا مانع منه وبالجملة الظاهر منه ذلك. أو الاحتمال الأخير الراجع الى ان المعتبر في الأداء عند الشرع ليس إلا إدراك ركعة منها كما‌ «ومحصل كلامه»:

انه لو كان مفاد الرواية التنزيل من حيث الوقت فكان الشارع قال الوقت بمقدار ركعة كالوقت التام، فان مرجع التنزيل الى الحقيقة الادعائية وهي لا تجتمع مع ذكر خصوصية من خصوصيات المشبهة، بل تصير تشبيها فمتى ما قلت رايت اسدا يرمي فهذا ليس ادعاءً بل تشبيه فلابد لكي يكون تنزيلا من عدم ذكر خصوصيات المشبه. وهذا لا ينطبق على هذه الروايات فان قوله من ادرك ركعة من الوقت متضمن للاعتراف بأن الوقت قد خرج، فنفس هذا التعبير من ادرك ركعة من الوقت فقد ادرك الصلاة هو متضمن للاعتراف بأن الوقت قد خرج ومع تضمنه للاعتراف بخروج الوقت فقد ذكر خصوصيات المشبه فكيف يكون تنزيلا وحقيقة ادعائية فلا محالة ليس مفاد هذه الروايات التنزيل من حيث الوقت، وانما التنزيل من حيث الصلاة أي من ادرك ركعة فهو بمنزلة من ادرك تمام الصلاة. وما ذكره من حيث النتيجة صحيح لان لسان الراوية منصب على الركعة لا على الوقت حيث لم يقل من ادرك من الوقت مقدار ركعة، وانما مصب التنزيل على الركعة فقال من ادرك ركعة فقد ادرك الصلاة، ولكن الطريق الذي اختاره ليس تاما فانه لا مساوقة بين التنزيل وبين الحقيقة الادعائية فدعوى اندراج التنزيل تحت الحقيقة الادعائية فإذا لم ينطبق عليه فليس تنزيلا فهذا اول الكلام، بل ليس التنزيل الا اعطاء ح شيء لشيء اخر. وقد قلنا بأنه لا يستفاد من الرواية قرينة على إرادة التنزيل فضلا عن التوسعة الواقعية وانما غايتها بيان حكم شرعية وهو ان الصلاة اداء..

الجهة الرابعة وهي: الفروع المترتبة على «قاعدة من ادرك»:

الفرع الاول: من ادرك ركعة من اول الوقت هل تشمله القاعدة ام لا، فمن دخل في صلاة الظهر خطأ معتقدا ان الظهر قد دخل فاكتشف ان ثلاث ركعات من الظهر كانت قبل الزوال وانه لم يقع منها بعد الزوال الا ركعة، فهل يشمله من ادرك...؟ فافاد السيد الامام بأن يقال: ان إدراك الوقت بمقدار الركعة إنما يقال إذا لم يبق منه الا ذلك وخرج من يده بعده، وهذا مختص بآخر الوقت، مضافا الى ان روايات الباب كلها متعرضة لإدراك آخر الوقت، والظاهر ان مفاد المرسلة موافق لها، وكيف كان هذا الاحتمال مع هذا التأييد لو لم يكن موجبا للاستظهار، فلا أقل من انه موجب للشك في الصدق وعدم جواز التمسك بها لأول الوقت. فالمستند إذن للقول المشهور‌ رواية إسماعيل بن رياح عن ابى عبد اللّه قال: «إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك». وهذه الرواية مقتضى اطلاقها انه من دخل الظهر وانكشف له ولو قبل السلام فمقتضى ذلك صحة صلاته بينما مقتضى مفهوم من ادرك أنّ لم يدرك ركعة فلم يدرك الصلاة، إذا مقتضى مفهوم حديث من ادرك تضييق ادراك رواية اسماعيل وانه لا يكفي في ادراك الصلاة ان تدرك شيئا من الوقت، وانما لابد ان تدرك ركعة. ثم قال «قده»: «الا ان يقال: عدم إدراك الصلاة في وقتها لا ينافي الاجزاء والصحة، لكنه غير وجيه، لان العرف يستفيد من ذلك بطلان الصلاة وعدم الاجزاء، مضافا الى ان المستفاد من موثقة عمار المتقدمة المستدل بها للصحة ان المراد بإدراك الوقت صحة الصلاة واجزائها، وفيها فان صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم وقد جازت صلاته»، ولكن يمكن الخدشة في شمول القاعدة لأول الوقت بأن يقال ان ظاهر عنوان من ادرك الفوز مع الفوت، فاز بشيء مع فوت اكثره يقال له ادرك وهذا انما ينطبق على اخر الوقت، نظير من ادرك المشعر فقد ادرك الحج حيث انه فات منه ما هو المهم وهو الوقوف بعرفة فإذا ادرك المشعر فقد ادرك الحج وهذا لا ينطبق على اول الوقت فان الوقت لازال باقياً فلم يفت منه اغلبه كي يقال فاز بشيء منه. 

والحمد لله رب العالمين

الدرس 38
الدرس 40