نص الشريط
الدرس 40
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 26/1/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2636
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (350)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

كان الكلام في انّ قاعدة من ادرك هل تشمل جميع الصلوات ام تختص بصلاة الفجر. وذكرنا فيما سبق أنّ شمول القاعدة لبقية الصلوات يتوقف على الغاء العرف للخصوصية، باعتبار انها وردت في موثقة عمّار التي هي عمدة المطلب، وذكر السيد الإمام بأنه يؤيد عدم الخصوصية ان بعض روايات الباب متعرضة للعصر، حيث قال في كتاب الاستغاثة عن رسول الله من ادرك من العصر ركعة قبل ان تغيب الشمس ادرك العصر في وقتها.

وانما الاشكال في انه قد يقال بان شمول القاعدة للظهر يتوقف على عدم مزاحمته للعصر، وعدم المزاحمة يتوقف على شمول القاعدة فيرد محذور الدور.

بيان ذلك: انه لو لم يبق للمكلف من الوقت الا مقدار خمس ركعات فنقول في هذا الوقت تقع المزاحمة بين الظهر والعصر حيث ادرك من الظهر ركعة، وادرك تمام العصر فلو اراد صلاة الظهر لحصلت المزاحمة مع صلاة العصر وحينئذٍ هل تشمل قاعدة من ادرك صلاة الظهر حيث ادرك منها ركعة أم لا؟.

فيقال: انما تشمل من ادرك ايّ ركعة من أيّ صلاة في فرض عدم مزاحمتها لصلاة اخرى فشمول قاعدة من «ادرك الركعة الظهر فرع عدم مزاحمة الظهر للعصر، لان هذا وقت العصر وارتفاع المزاحمة متوقف على الشمول، إذ لولا قاعدة من ادرك لوقعت المزاحمة بينهما حيث لا يوجد من الظهر الا ركعة فلو صلاها لكانت في الوقت المختص بالعصر فشمول القاعدة متوقفة على شمولها لان شمولها فرع عدم المزاحمة، وعدم المزاحمة فرع الشمول.

وأُجيب عن ذلك بانه: ان شمول القاعدة رافع للمزاحمة وذلك لان موضوع المزاحمة فوت العصر، أي متى يصدق على الظهر انها مزاحمة، نقول إذا فاتت بها العصر كما في صحيحة الحلبي «وان خاف ان يفوته فيبدأ بالعصر ولا يؤخرها فتفوته»، فإنّ ظاهرها ان تقديم العصر انما يكون لازما بحيث يرفع اليد عن الترتيب المعتبر بينهما إذا لزم من تقديم الظهر فوتها، والقاعدة تقول من ادرك ركعة فقد ادرك الصلاة، وهذا المفاد حاكم على مثل صحيحة الحلبي لان مفاد قاعدة من ادرك انه لو اتى بالظهر أربعة، فقد ادرك من العصر ركعة، وإذا ادرك من العصر ركعة فقد ادرك العصر جميعها فلم يلزم من تقديم الظهر فوت العصر.

والنتيجة: ان شمول القاعدة للظهر رافع للمزاحمة، واما دعوى الدور فهي فاسدة؛ لأنَّ شمول القاعدة للظهر هنا لا يتوقف الا على تحقق موضوعها، وموضوعها هو ادراك ركعة إذ متى ما صدق هذا الموضوع وهو ادراك ركعة شملته القاعدة ولا تتوقف على ارتفاع المزاحمة، وبانطباق القاعدة قهرا على المورد لتحقق الموضوع وهو ادراك ركعة ينكشف عدم المزاحمة بين الظهر والعصر، فعدم المزاحمة اثر لانطباق القاعدة على موضوعها لا ان شمول القاعدة يتوقف على عدم المزاحمة.

ولكن المحقق الحائري قال: ان مجموع الظهر والعصر مطلوب واحد، وهذا المطلوب الواحد ادركت منه ركعة فشملته القاعدة، فالمطلوب ثمانية ركعات وادركت منه خمسة، وهذا يحقق صغرى القاعدة.

وأُشكل عليه: ان المجموع بما هو مجموع ليس هو المطلوب بل المطلوب الظهر المتقومة بأربعة والعصر المتقومة بأربعة فهناك مطلوبان لا أنّ المجموع مطلوب واحد يلاحظ بمفرده صغرى من صغريات القاعدة. وبهذا تمّ هذا التنبيه الذي يرتبط بما سبق بيانه من ان القاعدة بصلاة الفجر ام عامة. ثم ذكرنا ان هناك فروعا وسيق الكلام في الفرع الاول.

الفرع الثاني: هل يجوز تأخير الصلاة عمدا الى ان يبقى من الوقت مقدار ركعة ام لا؟، صحيح انه لو اخر عمدا لشملته القاعدة، وانما الكلام في الحكم التكليفي.

قد يقال للجواز ان مفاد من ادرك تنزيل ادراك ركعة منزلة ادراك الجميع بل المستفاد من قوله في بعض الروايات فقد ادرك الغداة تامة انه لا نقص في صلاته، من ان المستفاد من قوله في بعض الروايات ادرك العصر في وقتها ان ما خرج هو وقت، فهذه الاخبار حاكمة على ما دل على وجوب الصلاة في وقتها أي على الحكم التكليفي حيث ان لدينا ادلة تدل على وجوب ايقاع الصلاة في وقتها وحرمة تأخيرها فإذا دلّت هذه الروايات الخاصة على ان من ادرك ركعة فقد ادرك الصلاة في وقتها فمقتضى ذلك سعة الوقت لما يشمل مقدار ركعة وبالتالي يجوز له التأخير عمدا.

ولكن الصحيح ان دليل القاعدة لا يدل على توسعة الوقت تحقيقا، ولا تنزيلا بلحاظ تمام الاثار فالتنزيل في تمام الصلاة أي كونها ادائها. والتنزيل بلحاظ ان الصلاة اداء لا يدل على جواز التأخير تكليفاً.

الفرع الثالث: قد يقال وهو ما ذكره الشيخ الحائري في صلاته «ص17» ان القاعدة لا تشمل من ادرك مقدار ركعة حتّى لذوي الاعذار فضلا عن العامد. وبيان ذلك: من لم يتلبس بعدُ بالصلاة وعلم انه سيدرك منها ركعة او تلبس بالصلاة أي شرع فيها وعلم انه سيدرك منها ركعة، فهل تشمله قاعدة من ادرك بحيث يجب عليه المبادرة لأنّه ادرك من الوقت ركعة فيجب عليه ان يبادر ولا يجوز له قطع هذه الصلاة او يجب عليه قصد الاداء ان قلنا بوجوبه.

فيقول «قده» لا، بل هي خاصة بمن ادرك صدفة بمعنى انه شرع في الصلاة غافلا عن مسألة انه سيدرك ركعة او اكثر واتفق انه وقعت منه ركعة في الوقت، فهذه القاعدة من ادرك ركعة فقد ادرك الصلاة خاصة بمن ادرك الفعل لا علم انه سيدرك ولذلك لا نستطيع بهذه القاعدة ان نثبت وجوب البدار، وصحة قصد الاداء وما اشبه ذلك فان هذه القاعدة ناظرة الى من ادرك اتفاقاً. فما هو دليله؟ يتصور لكلامه وجهان:

الدليل الأول: قال ان الادراك من المشتقات والمشتق ظاهر في الفعلية، من ادرك أي من ادرك بالفعل، واما انه علم انه لو صلى فانها ستقع في الوقت فان هذا لم يدرك بالفعل وانما سيدرك مستقبلاً.

وأشكل عليه السيد الإمام بإشكالين:

أولاً: من ادرك شرطية في معنى إذا الشرطية، لأنّه قال إذا ادرك وهي مفيدة للإدراك الاستقبالي... وهذا المقدار من المناقشة واضح الدفع لان القضية الشرطية منسلخة عن الدلالة على الزمن، وانما الملازمة بين التالي والشرط، وعلى ما اخترناه ان مفادها مطلوبية الجزاء عند حصول الشرط لا ان مفادها إذا حصل الشيء مستقبلا فيترتب عليه كذا.

وثانيا: ان المناسبات المغروسة في الإذهان العرفية موجبة لاستفادة ان ادراك الصلاة بادراك ركعة، من غير نظر الى المضي او الاستقبال، فليس مفاد الرواية الا قضية حقيقية وهي ان ادراك الصلاة بادراك ركعة منها، وهذه القضية كما تنطبق على من ادرك اتفاقا تنطبق على من علم انه يدرك إذ يصح ان يقال في حقه ادراك صلاة بادراك ركعة منها، كما يقال من ادرك الإمام وهو راكع فقد ادرك الجماعة.

دليله الثاني: تعرّض له السيد الخوئي في التنقيح «ص234» أن المذكور في كلمات الفقهاء هو عنوان من أدرك ركعة من الوقت، وهو بإطلاقه يشمل ما لو علم منذ الشروع في الصلاة بعدم درك ما عدا الركعة، وهكذا بقية الأخبار مما تضمن كلمة «أدرك» غير أنها ضعيفة السند، وأما الموثقة فهي خالية عن هذه اللفظة، وظاهرها الاختصاص بما إذا كان جاهلًا أو معتقداً لدرك التمام فاتفق عدم درك ما عدا الركعة، ولا تشمل صورة العلم من الأول بعدم درك الأكثر فلا تنطبق الموثقة على مورد فتوى الأصحاب.

ويندفع: بأن ظاهر القضية الشرطية ضرب الحكم بنحو الكبرى الكلية والقضية الحقيقية الشاملة بإطلاقها لكلتا الصورتين، إذ لم ترد لبيان قضية شخصية خارجية في واقعة خاصة كما لو كان ثمة من يصلي وقد طلعت الشمس في الأثناء وسُئل عن حكمه ليتوهم فيه الاختصاص المزبور. وبالجملة: لا فرق بين الموثقة وغيرها في أن مفادها بحسب النتيجة أنّ العبرة بدرك الركعة كيف ما اتفق، وأن المدرك لها بمثابة المدرك لتمامها، فكأنّ الصلاة وقعت بكامله. في الوقت.

أقول: المستشكل لا ينكر كون القضية حقيقية وانما يقول موضوعها من وقعت منه الصلاة اتفاقا.

فالصحيح هو الجواب السابق وهو: ان هذه الجملة لو عرضت على العرف لفهم منها حكما وضعيا وهو انه من وقعت منه ركعة في الوقت فقد كانت صلاته اداءً علم او غفل، وحصل ذلك منه عن اتفاق او التفات.

واما قوله في اخر الصفحة «ولا ثمرة عملية لهذا البحث إلا على القول بلزوم قصد الأداء والقضاء في صحة العبادة، ولا نقول به إلا فيما إذا توقف التمييز عليه كما تقدم في محله»، فليس بتام إذ من ثمراتها صحة قصد الاداء، فإن الرواية لو شملت من علم انه سيدرك ركعة، فأثر ذلك انه يصح منه قصد الاداء.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 39
الدرس 41