نص الشريط
الدرس 55
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 5/3/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2552
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (338)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

بعد الفراغ عن تعيين القبلة، وصل الكلام إلى طرق إثبات القبلة، وهنا نتعرض إلى أمور:

الأمر الأول: ذكر سيّدنا [قده] في «ج11، ص434»: أنّ المستفاد من معتبرة محمد بن مسلم: «يجزي التحري أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة».

إنّ المستفاد من هذه الرواية عرفاً: أنّ التحرّي حجة في فرض عدم إمكان تحصيل العلم، لا عدم العلم، وإن كان الظاهر البدوي للرواية أنّ التحري مجزي بمجرد عدم العلم، حيث قال: «إذا لم يعلم..»، ولكن أفاد «قده» أنّ الظاهر من هذا التركيب عند أهل العرف أنّ المعلق عليه ليس عدم العلم بل عدم إمكان تحصيل العلم، وبالتالي إذا أمكنه أن يحصل العلم بالقبلة إمّا عن طريق استقبال قرص الشمس في بعض أيام السنة، أو عن طريق استدبار الجُديّ في بعض مواطن العراق، فيتعين عليه ذلك، وإنما يبني على التحري في فرض عدم إمكان تحصيل العلم. والمقصود بالتحري: الأخذ بالاحتمال الأحرى بعد الفحص، فإن المكلف إذا فحص فرأى أنّ احتمال القبلة في جهة أحرى أي أقرب إلى الواقع من الجهة الأخرى فهو من التحري الذي يجزي عند عدم إمكان تحصيل القبلة. ولكن، تارة يكون تحصيل العلم بالقبلة أمراً ميسوراً بلا أية مؤونة، كما لو فرضنا أنّه لا يكلّفه العلم بالقبلة سوى أن يرفع رأسه وينظر إلى الجدي فيجعله على يمينه أو شماله، أو على قفاه، حسب اختلاف مواطن العراق في ذلك، ففي مثل ذلك الفرض - أي مما كان تحصيل القبلة أمراً لا يحتاج أي مؤونة - نقول: إنّ إجزاء التحري منصرفٌ عن هذا الفرض لأنّه في هذا الفرض يُعدُّ عرفاً ممن يعلم لا ممن لا يعلم؛ وأمّا في فرض أنّ تحصيل العلم بالقبلة أمرٌ ممكن ولكن يحتاج إلى مؤونة، كأن يراجع خطوط الطول والعرض مثلاً؛ فتحصيل العلم بالقبلة وإن كان ممكناً إلاّ أنّه لا دليل على رفع اليد عن إطلاق الرواية، يجزي التحري أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة في شمولها لهذا الفرض فظاهر سياقها: أنّها في مقام التسهيل على المكلف، أي: يجزيه التحري حتّى مع إمكان تحصيل العلم بالقبلة إذا كان ذلك متوقفا على مؤونة، بحيث لا يعد عرفاً ممن يعلم.

الأمر الثاني: كما أنّ التحرّي إنما يجزي في طول عدم العلم، أيضاً في طول الأمارات المفيدة للعلم التعبدي، فالتحرّي في طول عدم العلم وجدانا أو تعبداً، والسر في ذلك: إنّ ظاهر عدم العلم في الرواية، أي: عدم الحجة، يجزي التحرّي إذا لم يكن لديك حجة على القبلة، لا لأنَّ لعنوان التحري موضوعية، فلو كان يمكنه معرفة القبلة من قبور المؤمنين فإنَّ عنوان التحرّي محلُّ إشكال حينئذٍ.

الأمر الثالث: إنّ الامارات الظنية كالقبور خاصّة بفرض عدم إمكان تحصيل العلم، فهي كالتحرّي من هذه الجهة. والسر في ذلك: إنّ دليلها لبيٌّ، وهو: جريان سيرة المتشرعة في مقام تحصيل القبلة على النظر على القبور والمحاريب، وبما أنّ الدليل لبيٌّ، يقتصر فيه على القدر المتيقن، وهو فرض عدم إمكان تحصيل العلم، فلو أمكنه أن يحصل العلم عن طريق البوصلة مثلاً فإنّ الاعتماد على مثل هذه الأمارات الظنيّة مشكل.

ولكن لا يبعد جريان السيرة على الأخذ بمثل هذه الأمارات، حتّى مع فرض إمكان تحصيل العلم، فهي وإن كانت دليلاً لبيّاً إلاّ أنّ مجراها أوسع مما ذكره سيّدنا.

الأمر الرابع: أفاد سيّد العروة: أنّه مع عدم إمكان العلم بالمحاذاة للقبلة يرجع للعلامات، التي منها: الاعتماد على الجُديّ.

فمفاد كلام صاحب العروة أنه: يجوز الاعتماد على العلامات في فرض عدم إمكان تحصيل المحاذاة. وأشكل عليه سيّدنا بثلاثة إشكالات:

الإشكال الأول: أنّ الجدي في مورد اعتباره يفيد القطع لا الظن، كما في البلاد الواقعة شمال مكّة، فإنّه في مثل هذه البلاد بمجرد أن يجعل الجدي في قفاه يقطع أنّ القبلة أمامه، فليس هو من العلامات الظنيّة كي يجعل الترتب بينهما.

ثانيا: على فرض كونه أمارة ظنيّة، فلا دليل على اعتباره أصلاً، لأنّ الروايات الواردة فيه بين مرسل ومشتمل على المجاهيل، وأفضله رواية ابن مسلم التي قال عنها سيّدنا: «فالظاهر أنّ السند ضعيف بالرغم من التعبير عنها بالموثّقة في كثير من الكلمات وكون رجال السند بأجمعهم ثقات، وذلك لضعف طريق الشيخ إلى علي بن الحسن الطاطري بعلي بن محمد بن الزبير القرشي فإنه لم يوثق، وكأن التعبير المزبور مبني على الغفلة عن إمعان النظر في الطريق».

إلاّ إذا قلنا بمبنى المعاريف وأنّ ابن الزبير لكونه من شيوخ الإجازة من المعاريف.

المناقشة الثالثة: على فرض أنّ الجدي أمارة معتبرة، فليست علامة مطردة لاختلاف الافاق، إذ قد يكون يميناً وشمالاً، فليس علامة مضطرة، إلاّ أنّ هذا الإشكال لا يرد على سيّد العروة، لأنّه قال: أنّه منصوص في الجملة.

الأمر الخامس: الأمارات على تعيين القبلة إمّا حسيّة أو حدسية. فأمّا الحدسية: كالاعتماد على الحسابات الرياضية في معرفة موقع المصلّي ومكّة والنّسبة بين الموقعين، ففي مثل هذه الأمارة الحدسية لا دليل على اعتبارها في هذا المورد، أي: مورد تعيين القبلة؛ والسر في ذلك: ما ذكره فقهاؤنا في بحث الهلال: من أن لم يحرز جريان سيرة العقلاء على العمل بالحدس في الأمور الحسّية، أي: فيما يمكن أن ينال في الحس، كتحديد الهلال.

نعم، جرت سيرتهم على اعتماد قول الطبيب وهو حدسي، أو المقوّم، لأنّ هذه الموارد لا يمكن نيلها بالحس، أمّا في مورد يمكن نيله بالحس ومع ذلك جرت سيرة منهم على الاعتماد على الحدس فلم يحرز، وبالتالي فحجية الأمر الحدسي كالاعتماد على قول الفلكيين بما هو، لا بما هو موجب للاطمئنان في تحديد الهلال مع إمكان الوصول إلى الأمر عن طريق الحس، مشكل. كذلك الأمر في المقام فإنّ الاعتماد على الحسابات الرياضية مع إمكان تحصيله بالحس مشكلٌ.

أمّا الأمارات الحسية: فقد ذكرَ أمثلة كثيرة، ومنها: الأعتماد على استقبال قرص الشمس في يوم معين، فقد أفاد «قده» «ص447»: «أمّا الشمس فباستقبال قرصها عند زوالها في مكّة في اليوم الذي ينعدم ظلها لأجل إشراقها على رؤوس أهلها عمودياً، وهو يومان في مجموع السنة.

وتوضيحه: أنّك قد عرفت أنّ مكّة المشرّفة تقع في عرض «إحدى وعشرين درجة» من خط الاستواء، وقد ذكروا أنّ غاية ميل الشمس عن هذا الخط إنما هو «ثلاث وعشرون درجة» تقريباً؛ ويسمى ذلك عندهم: بالميل الأعظم؛ مبدؤه أول يوم من برج الحمل، حيث تكون الشمس شمالية فإنّها تدور خلال سنّة واحدة في فلك، يسمى عند أهل الهيئة: بمنطقة البروج، وهي دائرة محيطة بالأرض كالمنطقة، مشتملة على أثني عشر برجاً تحدث من هذا الدوران الفصول الأربعة، وهي في مدارها في ستة من هذه البروج، وهي: برج الحمل والثور والجوزاء، وهي أشهر: الربيع والسرطان والأسد والسنبلة، وهي أشهر الصيف شمالية؛ وفي الستّةِ الأُخرى، وهي: الميزان والعقرب والقوس، وهي أشهر: الخريف والجدي‌ والدلو والحوت، وهي أشهر الشتاء جنوبية؛ فهي تسير من خط الاستواء إلى الميل الأعظم في تسعين يوماً، وترجع في تسعين شمالًا، وهكذا من ناحية الجنوب.

إذن: فكلُّ بلدة واقعة بين الخط والميل المزبورين ومنها مكّة المكرمة، لأنّها دون ثلاث وعشرين درجة كما عرفت، تسامت الشمس على رؤوس أهلها، وينعدم ظلّها مرتين في طول السنّة، مرة صاعدة وهي: في الثامن من الجوزاء المطابق للسابع من خرداد من أشهر الفرس، ومرة أخرى هابطة، وهي: في الثالث والعشرين من السرطان الموافق للثالث والعشرين من «تير ماه». وأما البلاد الواقعة على نفس الميل الأعظم، فلا ينعدم الظلُّ فيها في السنّة إلّا مرة واحدة، كما أنّ الواقعة في الخارج عن هذا الحدّ لا ينعدم الظلّ فيها أصلًا.

وعليه: فإذا استقبلنا قرص الشمس في أحد هذين اليومين ساعة زوالها في مكّة المتيسر ضبطها جدّاً في هذه الأعصار من طريق الإذاعة فقد استقبلنا مكّة، واستكشفنا القبلة على سبيل الدقة».

والحمد لله رب العالمين

الدرس 54
الدرس 56