نص الشريط
الدرس 63
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 18/3/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2614
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (240)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

كان الكلام في حجية خبر ذي اليد عما تحت يده.

وتعقيباً على هذا البحث نذكر أموراً:

الأمر الاول: إنّه قد استدل على حجية خبر ذي اليد بالروايات الواردة في تصديق المسلم إذا أخبر بالبختج، وهو الشراب المطبوخ. وهذه الروايات على قسمين:

القسم الأول: ما ورد فيه التقييد - أي تقييد حجية خبر ذي اليد - بأن يكون المخبر مسلماً عارفاً. كما في موثقة عمار: «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُصَدِّقٍ عَنْ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي حَدِيثٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَأْتِي بِالشَّرَابِ - فَيَقُولُ هَذَا مَطْبُوخٌ عَلَى الثُّلُثِ - قَالَ إِنْ كَانَ مُسْلِماً وَرِعاً مُؤْمِناً فَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْرَبَ».

وعَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ قَالَ: «سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي إِلَى الْقِبْلَةِ لَا يُوثَقُ بِهِ - أَتَى بِشَرَابٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ عَلَى الثُّلُثِ - فَيَحِلُّ شُرْبُهُ قَالَ لَا يُصَدَّقُ - إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْلِماً عَارِفاً». فاكتفى هنا بأن يكون من أهل الولاية وإن لم يثبت أنّه ورع.

القسم الثاني: في مقابل ذلك صحيحة: عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَقِّ - يَأْتِينِي بِالْبُخْتُجِ ويَقُولُ قَدْ طُبِخَ عَلَى الثُّلُثِ - وأَنَا أَعْرِفُ أَنَّهُ يَشْرَبُهُ عَلَى النِّصْفِ - أَ فَأَشْرَبُهُ بِقَوْلِهِ وهُوَ يَشْرَبُهُ عَلَى النِّصْفِ - فَقَالَ لَا تَشْرَبْهُ - قُلْتُ فَرَجُلٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ - مِمَّنْ لَا نَعْرِفُهُ يَشْرَبُهُ عَلَى الثُّلُثِ - ولَا يَسْتَحِلُّهُ عَلَى النِّصْفِ - يُخْبِرُنَا أَنَّ عِنْدَهُ بُخْتُجاً عَلَى الثُّلُثِ - قَدْ ذَهَبَ ثُلُثَاهُ - وبَقِيَ ثُلُثُهُ يَشْرَبُ مِنْهُ قَالَ نَعَمْ».

وظاهره: أنّه لا يعتبر كونه من أهل المعرفة بل يكفي أن يعلم أنّه لا يشرب على النصف ولا يستحل. وقد وقع الكلام في الجمع بين الطائفين. فهنا ثلاثة اتجاهات:

الإتجاه الاول: ما ذهب إليه سيّدنا في «ج4، ص179»: «بقي الكلام في أن اعتبار قول ذي اليد في محل الكلام هل يختص بما إذا كان مسلماً عارفاً أو مسلماً ورعاً مؤمناً أو لا يشترط بشي‌ء؟...

ولكنّ الصحيح: عدم اعتبار شي‌ء من ذلك في اعتبار قول ذي اليد؛ وذلك: لما ورد في صحيحة معاوية بن عمّار من قوله: «قلت فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث ولا يستحلّه على النصف يخبرنا أن عنده بختجاً على الثلث قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه يشرب منه؟ قال: نعم». حيث إن ظاهر قوله: «ممن لا نعرفه»: أنّه ممن لا يعرفون وثاقته وعدالته، ومع هذا أمر بتصديقه في إخباره، فلا يشترط في اعتبار قول ذي اليد شي‌ء من الإسلام والإيمان والعدالة.

نعم، لابُّد في حجية قوله من اشتراط شي‌ء آخر وهو: أن لا يكون ممن يشرب العصير قبل تثليثه وإن لم يكن مستحلا له أيضاً؛ وذلك: لما ورد في صدر الصحيحة من قوله: «سألت أبا عبد اللّٰه : عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيه بالبختج ويقول قد طبخ على الثلث وأنا أعرف أنه يشربه على النصف أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف؟ فقال: لا تشربه». فإنّه يدلّ على عدم قبول إخبار ذي اليد إذا كان ممن يشرب العصير على النصف ولو كان من أهل المعرفة وغير مستحل له».

الاتجاه الثاني: أن يقال: بأنّ ما ورد في صحيحة معاوية بن عمار بمقتضى الجمع بين صدرها وذيلها: أنّ المناط على أن لا يكون ذو اليد متهماً، فإنّه إذا كان ذو اليد ممن يشرب على النصف أو مستحلّاً كان متهماً في إخباره، فكأنه يريد بيان قيد عقلائي وهو: أنّ حجية خبر ذو اليد من باب الكاشفية والطريقية، ولا تنحفظ هذه الطريقية في فرض كونه متهماً فلا خصوصية للبختج، ولا خصوصية لأن يشرب على النصف أو يكون مستحلّاً، وإنّما الخصوصية لعدم التهمة.

فلذلك: يحمل ما ورد في موثقة عمار من أنّه يعتبر أن يكون مسلماً مؤمناً ورعاً على نفي التهمة، أي: لا موضوعية لهذه القيود وإنّما ذكرها من باب أنّ وجودها دافع للتهمة. ومما يرشد الى ذلك: اختلاف القيود، حيث اكتفى في رواية ابن جعفر بالمسلم العارف، بينما أُخذ في موثقة عمار أن يكون ورعاً، فاختلاف القيود المأخوذة في الروايات شاهد عرفي على أنّ المنظور إليه هو فرض عدم التهمة.

الإتجاه الثالث: أن يقال: أنّ ما سبق من المحامل غير عرفي، فيستقر التعارض بين هذه الروايات لاختلاف القيود فيها. مقتضى مفهوم التحديد في كل منها نفي: الحدّ في الآخر. فمقتضى التعارض: أن نرجع الى السيرة، والقدر المتيقن من السيرة: أن يكون مسلماً مؤمناً ورعاً وهو ما يتوافق مع موثقة عمّار.

الأمر الثاني: إذا أخبر النائب في عبادة أنّه أتى بها أو أخبر الأجير في عبادة أو عمل أنه أتم العمل، أو أخبر الوكيل في إجراء النكاح أنه أجرى ذلك، فهل يؤخذ بخبره من باب حجية خبر ذي اليد أو لا بد ان يكون ثقة من باب حجية خبر الثقة في الموضوعات أم لابُّد من الوثوق؟.

على مبنى السيد الصدر: أنّ حجية خبر ذي اليد إنّما هي من باب الخبروية؛ ومقتضى ذلك: قبول أخبارهم لأنهم أصحاب الخبرة فيما وكلوا به أو استنيبوا فيه.

وأمّا إذا قلنا كما هو رأي سيدنا: أنّ النكتة هي السيرة ولا نعلم نكتتها، فلعل نكتتها اليد الحسية، أي: قامت على ما استوى عليه حسّاً، لا اليد من باب الاعتبار والتنزيل، فإنّ النائب يعتبر تنزيلاً صاحب يد على العمل، فإذا شككننا في معقد السيرة واحتملنا أنّه صاحب اليد الحسّية لابّد من الرجوع الى الأدلة الأخرى. وعلى مبنى سيّدنا من حجية خبر الثقة في الموضوعات فيؤخذ بخبره.

أمّا على مبنى السيد الاستاذ: من أنّ المعتبر هو الوثوق إذا كان خبراً حسيّاً «لا ما إذا كان حدسيّاً فإنّه يؤخذ به من باب قول الخبير». وأمّا إذا كان حسّياً فلا دليل على حجية خبر الثقة، ولابُّد من تحصيل الوثوق والاطمئنان، فالأمر على حسب المباني. وحيث اخترنا مبنى سيدنا في حجية خبر الثقة في الموضوعات، فلا يؤخذ بخبر النائب والأجير ما لم يكن ثقة، ما لم تقم أمارة على خلافه.

الأمر الثالث: إذا أخبرنا ذو اليد ب «التطهير» مثلاً، ونحن نعرف أنّ مسلكه في التطهير يختلف عن مسلكنا؛ فهل يؤخذ بخبره في حصول الطهارة لأنّ الثوب تحت يده وإن كان مسلكه في كيفية التطهير فقهياً يختلف عن مسلكنا؟!.

نقول: الظاهر السيرة القائمة على حجية خبر ذي اليد عامّة، سواء اتحد مسلك المخبِر مع المخبَر أم لا. نعم، لو احرزنا أنّه طهّره، على مسلكه نحكم بالنجاسة.

الأمر الرابع: أنّ السيد الشهيد تعرّض لبعض الفروع، وهي فروع الاختلاف في هذا المورد. كما تعرّض لها سيد العروة، قال في العروة: «إذا أخبر ذو اليد بنجاسته وقامت البينة على الطهارة». فهنا صور: قال السيد الشهيد:

تارة نقول: لا دليل على حجية البينة بعنوانها، وإنّما لأجل ضم خبر عادل إلى خبر عادل. قال «قده»: «وأمّا إذا لم نقل بحجية البينة بعنوانها، لا بدليل لفظي، ولا بارتكاز عقلائي وإنّما دخلت البيّنة في دليل حجية خبر الواحد، فيدخل في التعارض بين خبر صاحب اليد غير ثقة وخبر الثقة، وسوف يأتي أنّ خبر صاحب اليد يقدم في مثل ذلك».

وأمّا إذا افترضنا أنّ البيّنة حجة بعنوان أنّها بيّنة:

الصورة الأولى: تارة يكون دليل حجيتها لفظياً، وهو ما ورد في القضاء: «إنّما أقضي بينكم بالبينات والإيمان»، وافترضنا عدم الخصوصيّة لباب القضاء، وأنها حجة مطلقاً، فمقتضى التعدي عن باب القضاء: تقديمها على خبر ذي اليد؛ لأنّها إن قُدّمت في باب القضاء - أي قدم صاحب البينة على غيره ولو كان غيره ذا يد - قدمت البينّة في سائر الموارد.

الصورة الثانية: إذا افترضنا أنّ دليل حجية البيّنة هو السيرة العقلائية لا الدليل اللفظي الوارد في باب القضاء: فخبر ذي اليد حجة بالسيرة وحجية البينة بالسيرة أيضاً، فإن تم كلام السيد الشهيد من أنّ النكتة في حجية خبر ذي اليد «الخبروية»، فمقضى هذه النكتة: تقديم خبر ذي اليد على البيّنة. وإن لم يتم ذلك: فلا نحرز حجية أحدهما، إذ لعلّ البيّنة أقوى كشفا أو لعلّ ذا اليد أقوى كشفاً؛ حينئذٍ: نرجع الى استصحاب الحالة السابقة من نجاسة أو طهارة.

الصورة الثالثة: التعارض بين خبر صاحب اليد الثقة والبيّنة. فهنا صور أيضاً:

الصورة الأولى: تارة نقول: أنّ حجيّة البيّنة ليس لها موضوعية، وإنّما هي خبر ثقة بضم خبر ثقة، فدليل حجية خبر الثقة قد سقط بالتعارض، لأنّه في جانب اليد يوجد خبر ثقة، وفي جانب البيّنة يوجدا خبرا ثقة، فدليل حجية خبر الثقة لا يشمل الطرفين لأجل التعارض، وحينئذٍ: يبقى دليل حجيّة خبر ذي اليد بلا معارض.

الصورة الثانية: لو فرضنا أنّ البيّنة حجة بعنوانها وخبر ذي اليد حجة بعنوانه؛ فدليل حجية خبر الثقة لا يشملهما؛ لتعارضهما؛ حيث إنّ اليد وذا اليد ثقة، فيسقط دليل خبر الثقة، ويبقى التعارض بين دليل حجية البيّنة بعنوانها ودليل حجية خبر ذي اليد، ما لم نقل أنّ دليل حجية البيّنة ما في باب القضاء، فإنّ مقتضاه التقديم على خبر ذي اليد. أمّا إذا كان السيرة: فالكلام في هذه الصورة هو الكلام في الصورة السابقة.

الصورة الثالثة: أن يقع التعارض بين خبر ثقة وخبر ثقة ذي يد. حينئذٍ: دليل حجية خبر الثقة سقط بالتعارض، لأنّ كليهما ثقة، فيبقى دليل حجية خبر ذي اليد بلا معارض.

إلّا أن يقال: أنّه لم يحرز بناء العقلاء على حجية خبر ذي اليد مع معارضته بخبر ثقة. فإذا لم نحرز بناءهم هذا ولو كانت النكتة في حجية هي الخبروية فيكون حكم هذه الصورة الرجوع الى الأصل العملي.

الصورة الرابعة: ان يقع التعارض بين خبر ثقة وخبر ذي يد ليس بثقة. من الواضح يقع المعارضة بين دليل حجية خبر الثقة، ودليل خبر ذي اليد؛ فإن أحرزنا عمل العقلاء بحجية خبر ذي اليد لأنّه أخبر، قُدِّم، وإلّا فمقتضى المعارضة: الرجوع إلى الأصل العملي

الصورة الخامسة: أن يقع التعارض بين خبرين لذي يد. أي: أن يكون هناك يد مملوكة ملكية مشتركة على العين فكل منهما ذو يد على العين، وكل منهما يملك نصفاً مشاعاً وأخبر أحدهما بطهارة العين والآخر بنجاستها.

فإن قلنا: بأنّ قيام السيرة على حجية خبر ذي اليد تشمل اليد المشتركة الضمنية ولا تختص بالمستقلة. فحينئذٍ: إن كانا ثقتين يحصل التعارض بينهما، وإن كان أحدهما ثقة فيؤخذ بدليل حجية خبر الثقة. أو: أمّا إذا شككنا بقيام السيرة على حجية اليد المشتركة، فلابد أن نرجع إلى الأصل العملي.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 62
الدرس 64