نص الشريط
الدرس 62
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 15/3/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2905
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (321)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

الوجه الرابع: أن يقال: بأن السيرة العقلائية وإن جرت على قبول خبر ذي اليد فيما تحت يده إلّا أنّ هذه السيرة إنّما جرت لنكتة الأخبرية، بمعنى: أنّ ذا اليد لأنّه الأخبر من غيره.

ولكن الكلام في إمضاء السيرة: هل ينال إمضاء هذه النكتة - وهي نكتة الاخبرية - أم لا؟.

فإذا قلنا: بأنّ إمضاء السيرة يقف على نفس السيرة العملية ولا يمتد إلى نكتتها، كما ذهب اليه المحقق الاصفهاني، فبالتالي: إذا شككنا في اطلاق حجية خبر ذي اليد لمورد معين، اقتصرنا على القدر المتيقن، فإنّ مقتضى كون الدليل لبيّاً - وهو السيرة - الاقتصار على القدر المتيقن.

أمّا إذا قلنا: أن الإمضاء يمتد إلى النكتة أيضاً. فإذاً مقتضى عموم النكتة: عموم الحجية. ففي كل مورد يكون ذو اليد أخبر من غيره يكون خبره حجة، وقد ذكرنا في بحث الاصول: أنّ نكتة السيرة: تارة تكون واضحة لمن يشاهد السيرة، كما في عمل سيرة العقلاء بخبر الثقة، حيث إنّ نكتة الكاشفية والإمارية واضحة، فإذا كانت النكتة واضحة امتد الإمضاء للنكتة بملاك قبح نقض الغرض، إذ لو لم تكن النكتة مقبولة لدى الشارع فإنّ السيرة الناشئة عن نكتة بطبيعتها تتوسع ولا تجمد على مواردها ما دامت ناشئة عن نكتة معينة، وبما أنّها في معرض التوسع فهي في معرض الامتداد إلى اغراض الشارع وملاكاته، فمقتضى تحفظ الشارع على أغراضه وملاكاته: أن يردع عن العمل بالنكتة؛ لأنّها في معرض الامتداد إلى اغراضه فعدم ردعه عنها مع كونه في مقام البيان إمضاء لها بملاك قبح نقض الغرض وتضييعه. أمّا إذا لم تكن النكتة واضحة كما في مورد جريان السيرة على العمل بالاستصحاب فهل أنّ النكتة في ذلك كاشفية اليقين السابق عن الواقع أم اقتضاء النظام للجري على وفق الحالة السابقة، لا لأنّ اليقين السابق له كاشفية عن الواقع، أمّا أنّ الجري على وفق الحالة السابقة في بعض المواطن موافق للاحتياط وفي بعضها مورد للاطمئنان بالبقاء، فمع عدم وضوح النكتة في الجري على وفق اليقين السابق يبقى الإمضاء واقفاً على مجرد السيرة بمقدار الموارد المعلومة في عصر المعصوم .

والصحيح: أنّ حجية خبر ذي اليد واضحة النكتة، وأنّها ترجع لنكتة الأخبرية، فالمدار على الاخبرية.

وقد يستدل على حجية خبر ذي اليد ببعض النصوص:

منها: عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ وغَيْرِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ : «فِي جُرَذٍ مَاتَ فِي زَيْتٍ مَا تَقُولُ فِي بَيْعِ ذَلِكَ، قَالَ: بِعْهُ وبَيِّنْهُ لِمَنِ اشْتَرَاهُ لِيَسْتَصْبِحَ بِهِ».

التقريب الاول: أنّ الأمر بالأخبار يستلزم الأمر بالقبول، وإلّا كان لغواً.

وأشكل عليه السيد الشهيد، قال: «يرد على التقريب الأول: أنّ الأمر بالأخبار ليس لغواً حتى مع فرض عدم وجوب القبول، إذ لعلّه بنكتة الخروج عن نحو من العهدة تفترض على البائع في أمثال المقام، كما يجب عليه الاخبار بالأوصاف الرديئة المخفية خروجا عن حرمة الغش».

ولكن هذا خلاف التعبير، حيث قال: «به وبينه لمن يشتريه ليستصبح به»، حيث ظاهر التعليل أنّ الأمر بالأخبار ليس لأجل الخروج عن حرمة الغش بل لترتيب الأثر على اخباره وهو تجنب الاستعمال في الموارد المحرمة.

التقريب الثاني: أنّ الأمر بالإخبار المعلّل في رواية معاوية بن وهب المتقدمة بقوله «يستصبح به» ظاهر في المفروغية عن جري المشترى على طبق إخبار البائع، ولا موجب للفراغ عن ذلك إلا حجية إخباره.

وأشكل السيد الشهيد على التقريب الثاني: «إنّ الرواية لا تدل على الحجية التعبدية لأنّها لم تكن مسوقة لبيان قبول المشتري لإخبار البائع، وإنّما هي مسوقة لأمر البائع بالإخبار، وقد فهم الفراغ عن قبول المشترى من قوله ليستصبح به، فلا يمكن التمسك بإطلاق الرواية لإثبات أنّ المشترى عليه القبول مطلقاً، بل يكفي افتراض القبول في موارد حصول الاطمئنان، وهو الغالب في مثل إخبار البائع برداءة المبيع. ومن هنا قد يناقش أيضاً في الاستدلال بالرواية: بأنّ موردها الإخبار الذي يكون نحواً من الإقرار من صاحب اليد، والتعدي من الإخبارات الشبيهة بالإقرار إلى غيرها غير ممكن».

ولكن قد يدعى ظهور الأمر بالإخبار في الإرشاد والكناية عن حجيته، فإنّ قوله: «يا أبان أفت في الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك» ظاهر في الارشاد إلى حجية فتواه، وكذلك لما يأمره بالإخبار. قد يقال: إنّه ظاهر ليس في الأمر المولوي وإنّما الإرشاد إلى حجية خبره.

ومنها: ما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ رَجُلٍ أَعَارَ رَجُلًا ثَوْباً فَصَلَّى فِيهِ وهُوَ لَا يُصَلَّى فِيهِ، قَالَ: «فَلَا يُعْلِمْهُ»؟ قَالَ: قُلْتُ: فإن أَعْلَمَهُ؟ قَالَ: «يُعِيدُ»».

حيث ورد فيها: النهي عن السؤال من بائع الجبن، وهو يكشف عن وجوب القبول. فلو كان الأعلام لا أثر له فلماذا ينهاه عن الاعلام؟ فالنهي عن الاعلام دالٌّ بالالتزام على أن الخبر حجة.

أشكل السيد الشهيد على هذا الاستدلال، قال: «وهذا الاستدلال غير تام، وذلك لأنّ النهي عن السؤال يحتمل فيه أربعة احتمالات:

الأول: أن يكون النهي عن السؤال من باب النهي في مورد توهم الوجوب، إذ يتوهم وجوب الفحص وعدم إمكان إجراء الأصول المؤمنة بدونه فينهى عن ذلك، فلا يدل إلّا على عدم الوجوب، كما أنّ الأمر في مورد توهم الخطر لا يدل إلا على عدم الحرمة».

ولكن هذا خلاف التعليل؛ لأنّه قال: «فإن اعلمه قال يعيد»، فإنّ إعلامه سيوقعه في مشقة الإعادة، ولذلك نهاه عن ذلك، لا لأنّ الإعلام مما يتوهم وجوبه.

أمّا الاستدلال بقوله: «فإن اعلمه يعيد»: أشكل عليه: أنّه من المحتمل أن يكون السؤال عن صحّة صلاته أو لا، فليس المنظور في الرواية حجية خبره، وإنّما المنظور في الرواية هل يترتب على إعلامه فساد صلاته أم لا؟. فأجاب الإمام: نعم يترتب على إعلامه فساد صلاته.

فليست الرواية في مقام البيان من جهة حجية الخبر؛ بل أنّ الرواية معارضة بروايات عددية تدلّ على أنّ الصلاة في النجاسة المجهولة صحيحة فلعلّه بلحاظ هذه المعارضة يسقط المدلول المطابقي وهو يعيد صلاته فيسقط الالتزامي وهو حجية خبره.

وقد يتسمك لحجية خبر ذي اليد: بالتعليل الوارد في موثقة حفص بن غياث، حيث قال: «لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق». فظاهره: إنّه لو لم يبني على حجية اليد لوقع المسلمون في حرج نوعي، إذ يلزم بذلك تعطيل أوساقهم، وهو حرج نوعي، وعليه: يتشكل قياس، وهو: كل ما لم يبنى على حجيته للزم من عدم حجيته حرج نوعي فهو حجة. وحيث يلزم من عدم حجية خبر ذي اليد حرج نوعي في التعامل مع الناس بما تحت أيديهم فخبر ذي اليد حجة.

والسيد الشهيد انكر الصغرى: بأنّه لا يلزم في إنكار حجية خبر ذي اليد الحرج النوعي لتوفر أمارات تدل على حجية خبره وإن لم يكن خبر ذي اليد حجة. ولكن الانصاف: خلاف ذلك. فلا تتوفر أمارة على حال ذي اليد.

وقد يستشكل على الذيل: أنّه ليس في مقام التعليل المولوي، وإنّما في مقام الإرشاد إلى النكتة العقلائية، أي: أنّ العقلاء يعملون باليد في موارد التردد بين الكلية وغيرها، وأنّهم يعملون بها لأنّه لو لم يعملون بها لم يقم لهم سوق فالإرشاد إلى نكتة عقلائية لا شرعية، حتّى نقول: كل ما لم نقل بحجيته لزم منه الحرج النوعي فهو حجة. أو يقال: من أنّ المنظور في الرواية فرض اختلال النظام لا مجرد الحرج كي يتوسع إلى كل مورد يلزم منه الحرج فهو حجة

فالمتحصل: أنّ أصل الكبرى وهو حجية خبر ذي اليد عن يده فهو حجة بلا كلام. وإنّما الكلام في الصغرى: أنّه لو أخبر صاحب المنزل وهو أنّ القبلة في الجهة الفلانية هل يقبل إخباره صاحب المنزل بالقبلة من باب حجية خبر ذي اليد عما تحت يده أم لا. وهنا تظهر الثمرة: إن كانت الموضوعية للأخبرية، أي: أنّ حجية خبر ذي اليد إنما هي بملاك الأخبرية، ولا موضوعية لكون الشيء تحت يده، أو عدم كونه تحت يده، فمقتضى ذلك: قبول خبره، لأنّه أخبر في هذا المورد: بأنّ جدار بيته في جهة القبلة أم لا؛ أمّا إذا قلنا كما يذهب إليه سيدنا: أنّه لم يثبت عندنا أكثر من السورة على قبول خبر ذي اليد في موارد معينه ولم يظهر لنا النكتة والملاك في ذلك، فمقتضى ذلك: الجمود على أن يكون المخبر به مما يقع تحت اليد فالواقع تحت اليد موضوعية، وبالتالي: حيث إنّ مطابقة جهة الجدار لجهة القبلة ليس مما يقع تحت اليد وإنّما هي أمور واقعية تكوينية وليست مما يقع تحت اليد فلا حجية لإخبار صاحب المنزل بالقبلة إلّا إن كان ثقة فيقبل خبره من باب حجية خبر الثقة أو يحصل الاطمئنان من كلامه.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 59
الدرس 63