نص الشريط
الدرس 65
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 20/3/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2880
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (403)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

قال سيد العروة: المسألة الحادية عشر: «إذا لم يقدر على الاجتهاد أو لم يحصل له الظن بكونها في جهة وكانت الجهات متساوية، صلى إلى أربع جهاتإن وسع الوقت وإلا فبقدر ما وسع».

قال سيدنا: «قد عرفت سابقاً أنّ من لم يتمكن من استعلام القبلة لا بعلم ولا بعلمي ولم يقدر على تحصيل الظن بالاجتهاد والتحري فكان متحيراً بحتاً سقطت عنه شرطية القبلة حينئذٍ فتجزئة الصلاة إلى جهة واحدة - من دون فرق بين سعة الوقت وعدمه - حيث شاء على الأقوى، لقوله في صحيح زرارة ومحمد بن مسلم: «يجزئ المتحير أبداً أينما توجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة»». وهذا الرأي سبق النقاش فيه.

الرأي الثاني للمشهور: حيث التزموا حينئذٍ بوجوب الصلاة إلى جهات أربع: وبناءً على ذلك فهنا مطالب:

المطلب الاول: إنّ هذا إذا وسّع الوقت وتمكن من الصلاة إلى أربع جهات، أمّا إذا افترضنا أن الوقت لا يتسع للصلاة إلى أربع جهات، أو أنّ الوقت وإن كان متسعاً إلّا أنّه لا يتمكن من ذلك لضرر أو حرج أو اضطرار. ففي مثل هذا الفرض: هل يكفيه أن يصلي إلى جهة واحدة أم لابّد من الإتيان بما يتمكن منه من صلوات لو كان قادراً على الصلاة إلى جهتين فهل يتعين عليه الصلاة إلى جهتين أم يكفيه إلى جهة واحدة؟.

وقد افاد سيدنا «ج11، ص458»: بأنّ هذه المسألة مبنية على كبرى أُصولية، والكبرى منقحة في الأُصول، وهي: أن الاضطرار إلى ترك بعض أطراف الشبهة المحصورة في الشبهة الوجوبية هل يوجب سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز فلا مقتضي لرعاية الاحتياط في بقية الأطراف أم لا؟ بل هو بعدُ باق على التنجيز بالإضافة إلى غير مورد الاضطرار؟.

ونحن نعرض المطلب الأصولي بشكله العام فنقول: إذا حصل له العلم الاجمالي في الشبهة الوجوبية، مثلاً: كما لو علم إجمالاً بأنّه نذر إمّا صلاة الليل أو صوم يوم الاثنين، ولكنه مضطر لترك أحدهما. فتارة يكون الاضطرار إلى معين. وتارة يكون الاضطرار لغير المعين.

فإن كان الاضطرار إلى معين: كما لو اضطر لترك الصوم، أو علم بحرمة شرب أحد المائعين أمّا الأبيض أو الازرق ولكنه مضطر لشرب الإناء الأبيض لكونه ماءً، ففي حالة الاضطرار إلى المعين، تكون النتيجة هي: التوسط في التكليف. والمقصود به بحسب مصطلح المحقق النائيني: أنّه لما كان شرب الإناء الأبيض مضطرا إليه فهو حلال على كل حال اما لأنّه حلال من أصله أو لأنّه المحرّم ولكن أحلّ للاضطرار، لصحيحة الفضلاء: «وما من شيء حرمه الله إلّا وقد أحلّه لمن اضطر إليه»، فإذا كان المضطر إليه بعينه وهو شرب ماء الإناء الأبيض حلالاً واقعاً، كانت فعلية التكليف بحرمة الشرب فعلية على تقدير دون تقدير، إذ لو كان النجس واقعاً هو الإناء الأزرق لكان التكليف بحرمة شرب النجس ما زال فعليا، لأنّه إنّما اضطر لشرب الإناء الابيض، فالتكليف الواقعي بحرمة شرب النجس مازال على فعليته لأنّ النجس واقعاً غير ما اضطر إليه. وأما لو فرضنا أن النجس واقعا هو نفس ما اضطر اليه: فليس التكليف بحرمة شرب النجس فعلياً. فالنتيجة: أن التكليف بحرمة شرب النجس في هذا الفرض فعلي على تقدير دون تقدير.

وبناءً على ذلك: فليس العلم الإجمالي منجزاً في المقام، لأنّه يشترط في منجزية العلم الاجمالي أن يتعلق العلم الاجمالي بتكليف فعلي على كل تقدير سواء كان المعلوم بالإجمال طرف ألف أو باء، فإنّ التكليف فعلي. وأمّا إذا لم يكن التكليف فعليا على كل تقدير بل على تقدير دون تقدير: فالعلم الاجمالي ليس منجزاً. إذاً ففي هذا الفرض يجوز له شرب ما اضطر إليه وغيره.

هذا فيما إذا وقع الاضطرار إلى المعين. وقد عبّر عنه النائيني: بأنّ مرجعه إلى التوسط بالتكليف، والمقصود منه: أنّ فعلية الحكم على تقدير دون تقدير.

وأمّا إذا كان الاضطرار لغير المعين: كما لو علم بوجود إناء نجس إمّا الأبيض أو الأزرق ولكنّه مضطر لشرب واحد منهما وليس لأحد معين، فهنا وقع البحث بينهم في منجزية العلم الإجمالي لغير ما يدفع به اضطراره لأنّه بالنتيجة سيشرب أحدهما دفعاً للاضطرار فهل يبقى العلم الاجمالي منجزاً للآخر فيلزم عليه تركه أم لا. فالبحث هنا في مسلكين:

المسلك الاول: أن يقال: بأنّ العلم الاجمالي علّة تامة للمنجزية، كما ذهب إليه المحقق العراقي، فبناء على هذا المسلك: وهو أنّ العلم الاجمالي علّة تامّة للمنجزية هل تبقى منجزيته في غير ما دفع به اضطراره أم لا؟.

فهنا ذهب سيد المنتقى في «ج5»: إلى أنّ العلم الاجمالي لا يبقى منجزاً في الطرف الآخر بناء على العلّية التامّة للمنجزية. والوجه في ذلك: أنّ الترخيص حيث يرخص للمكلف أن يدفع اضطراره بشرب أحدهما، فهذا الترخيص هل هو ترخيص واقعي أم ظاهري، أم هو ترخيص عقلي؟!. وعلى جميع التصورات: لا يبقى العلم الاجمالي على المنجزية في الطرف الآخر. بيانه: إذا قلنا بأنّ الترخيص واقعي - أي أن شرب ما يدفع به المكلف اضطراره حلال واقعاً - فإنّ حكمه حكم الاضطرار إلى المعين، بأن يكون مرجعه إلى التوسط في التكليف. وبيان ذلك: أنّه ما يدفع به اضطراره حلال على كل حال، أمّا لأنّه حلال من أول الأمر، أو لأنّه أحلّ لشربه دفعاً لاضطراره. فإن كان النجس هو ما دفع به اضطراره: فحرمة شرب النجس ليست فعلية، إذ المفروض أنّه ما دفع به اضطراره حلال واقعاً؛ وإن كان النجس غيره: كانت الحرمة فعلية. إذاً: ففعلية شرب النجس ليست على كل تقدير وحيث يعتبر في منجزية العلم الاجمالي أن يكون المعلوم بالإجمال فعلياً على كل تقدير فينتفي هذا الشرط هنا.

وإذا كان الترخيص في المقام ظاهرياً - أي: أنّه ترخيص شرعي لا عقلي ولكنه ظاهري في مرحلة الظاهر - فمن الواضح كما قرر في الأصول أنّ الترخيص الظاهري في أحد أطراف العلم الاجمالي إذا لم يتضمن جعل البدل فهو مما لا يجتمع مع منجزية العلم الاجمالي؛ فإن القائلين بمسلك العلية كالمحقق العراقي «قده»: يرون أنّه لا يمكن الجمع عقلاً بين منجزية العلم الاجمالي والترخيص في بعض أطرافه ما لم يكن هذا الترخيص بنحو جعل البدل، بأن يقول الشارع: جعلت الطرف الآخر بدلاً عمّا هو المعلوم بالإجمال، وحيث إنّ الترخيص في ارتكاب أحد الطرفين دفعاً للاضطرار مما لا يتضمن جعل البدل فلا محالة لا يعقل اجتماعه مع منجزية العلم الاجمالي، وحيث إنّ الترخيص مقطوع به، إذاً: يسقط العلم الإجمالي عن المنجزية.

وأمّا إذا كان الترخيص عقلياً: بأن سكت الشارع وتكلم العقل، فقال: حيث لابُّد لك أيّها المكلّف من شرب أحدهما دفعاً لاضطرارك، فلا عقوبة عليك في شرب أحدهما، فالترخيص عقلي محض. فمن الواضح حينئذٍ: وقوع المصادمة بين حكم العقل بمنجزية العلم الاجمالي الذي يقتضي التحفظ على المعلوم بالاجمال في كلا الطرفين، وبين حكم العقل بإرخاء العنان والترخيص للمكلف في أن يرتكب أياً من الطرفين حيث لا يمكن الجمع بين الحكمين العقليين، فلا محالة حيث حكم العقل بالترخيص دفعا للاضطرار فيرتفع حكمه بالمنجزية. والنتيجة بحسب تعبير البعض: سقوط العلم الاجمالي عن المنجزية فلا تجب موافقته القطعية ولا تحرم مخالفته القطعية.

وبتعبير المقرر لكلام سيّدنا «ص459» قال: ونتيجة ذلك: سقوط شرطية القبلة، حيث إنّ المكلّف علم تفصيلاً بوجوب الصلاة إلى القبلة وترددت إلى أربع جهات ولكنّه مضطر لترك الصلاة إلى جهتين من الجهات لضيق الوقت، فهنا: حيث يسقط العلم الاجمالي عن المنجزية، فإذاً نتيجة ذلك: سقوط شرطية القبلة، وجواز الاجتزاء بصلاة واحدة، وهذا هو وجه القول بكفاية صلاة واحدة المخالف للمشهور.

ولكن يلاحظ على ما أُفيد:

أولاً: أنّه بناءً على مسلك العلّية فلا ملازمة بين الترخيص في أحد الطرفين وسقوط العلم الاجمالي عن المنجزية كما أفاد في المنتقى، والسر في ذلك: أنّ معنى علّية العلم الاجمالي للمنجزية كما نبّه عليه المحقق العراقي: أنّ الجهل في أحد الطرفين ليس معذرّاً، فإذا علم إجمالا بنجاسة أحد الإنائين فالشك في نجاسة ألف ليس عذراً شرعياً في جواز الارتكاب، وبالتالي: لا يمكن الترخيص من قبل الشارع في إناء ألف لأجل الجهل، لأنّ الجهل ليس معذرّاً شرعاً لا لأنّه لا يمكن الترخيص أصلاً وإنّما لا يمكن الترخيص لأجل الجهل، فالترخيص بملاك آخر غير الجهل لا مانع منه ولا يتنافى مع العليّة التامّة لمنجزية العلم الاجمالي، فلو رأى المشرّع أنّ الاضطرار لأحد الطرفين ملاك يقتضي الترخيص في شرب أحدهما دفعاً للاضطرار، فإنّ هذا الترخيص بملاك الاضطرار لا يتنافى مع العليّة التامّة لمنجزية العلم الاجمالي، فيبقى العلم الاجمالي على منجزيته في الطرف الآخر، ولذلك: فإنّ المحقق العراقي مع أنّه قائل بالعليّة قال في المقام: ببقاء منجزية العلم الاجمالي في الطرف الآخر، وهذا ما يعبّر عنه بالتوسط في التنجيز مقابل التوسط في التكليف، أي: أنّ العلم الاجمالي ليس منجزاً للموافقة القطعية في كلا الطرفين، بل هو منجز في الطرف الذي لم يدفع به المكلف اضطراره.

ثانياً: سلّمنا بأنّ الترخيص في أحد الطرفين واقعيا أو ظاهريا أو عقلياً يسقط العلم الإجمالي عن المنجزية على مسلك العليّة، ولكن هذا القول: أنّ نتيجة ذلك سقوط شرطية القبلة مع العلم التفصيلي بوجوب الصلاة إلى القبلة، وإنّما التردد في مقام الإمتثال، فهل هناك ملازمة بين سقوط العلم الاجمالي عن المنجزية من رأس وبين سقوط أصل الشرطية؟.

فمن الواضح: أن لا ملازمة بينهما غاية ما في الباب أن المكلف حيث علم تفصيلاً بوجوب الصلاة إلى القبلة فتنجز عليه التكليف، ولكنّه لأنّه لم يتمكن من الموافقة القطعية لهذا التكليف المعلوم تصل النوبة إلى الموافقة الاحتمالية، لا أن شرطية القبلة تسقط من رأس. هذا بناءً على مسلك العليّة.

الجهة الثانية: إذا قلنا: أن العلم الاجمالي مقتض للمنجزية. فهل يبقى على المنجزية في الطرف الآخر غير ما دفع به الاضطرار أم لا؟.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 64
الدرس 60