نص الشريط
الدرس 60
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 13/3/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2698
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (345)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

كان الكلام في قاعدة حجية خبر ذي اليد عما تحت يده. وذكرنا أنّ هناك عدة وجوه لإثبات أنّ القاعدة عقلائية أو شرعية:

الوجه الأول: ما مضى نقله عن المحقق الهمداني من أنّ حجية خبر ذي اليد من مصاديق قاعدة عقلائية وهي: «من ملك شيئا ملك الاقرار به»، وذكرنا أنّ السيد الشهيد أشكل على ذلك:

أنّ حجية خبر «ذي اليد» من باب الكاشفية، بينما حجية قاعدة الاقرار لنكتة موضوعية، وهي: إلزام الانسان بما ألزم به نفسه، فكيف تكون القاعدة الأولى من مصاديق الثانية مع تغايرهما من حيث المنشأ؟!.

واستشهد على أنّ الملاك في حجية قاعدة الاقرار: نكتة نفسية موضوعية بما اتفق عليه الفقهاء من حجية الاقرارين المتناقضين.

ولكن فيما ذكر ملاحظات ثلاثة:

الملاحظة الأولى: الظاهر من كلام الهمداني وغيره ممن تعرّض لقاعدة «من ملك شيئا ملك الاقرار به» أنّ الملاك في هذه القاعدة الانسداد النوعي، نظير: ما ذكره الفقهاء في مسألة العدّة والحيض بالنسبة للنساء، كما ورد في الرواية: «العدة والحيض للنساء اذا ادعت صدقت»، فإذا ادعت المرأة أنها ذات عدة أو فرغت منها أو اعدت إنّها مطلقة أو خلية فيؤخذ بكلامها، مع غمض النظر عن وثاقتها، فإخبارها حجة بملاك الكاشفية بلحاظ الانسداد النوعي، أي: مثل هذه الأمور ينسد العلم بها عادة إلّا من طريق المرأة.

وبنفس هذه النكتة بني على قاعدة «من ملك شيئا ملك الاقرار به»، حيث إنّ العلم بشؤون هذا المملوك وخصوصياته مما ينسد نوعاً، فلا طريق للعلم به إلّا عن طريق مالكه، فكان إخبار مالكه به حجة، فليست النكتة في قاعدة «من ملك شيئاً ملك الإقرار به» أنّها مجرد توسعة نظامية لقاعدة الاقرار، بل النكتة فيه الانسداد النوعي، أي: حيث ينسد العلم عادة بشؤون المملوك وتفاصيله ولا طريق له إلّا إخبار مالكه كان إخبار مالكه به حجّة، ولأجل ذلك: فإنّ الحيثية التي على أثرها اعتبرت قاعدة «من ملك شيئاً ملك الاقرار به» هي حيثية الكاشفية وليست حيثية نفسية موضوعية، كما في تعبيرات السيد الشهيد.

الملاحظة الثانية: إنّه ذكر «قده» أنّ المناط في اعتبار قاعدة الاقرار هو حيثية نفسية، لا جهة كاشفية، والحال بأنّ ما يراه المرتكز العقلائي أنّ كاشفية الإقرار عن الواقع أقوى من كاشفية غيره، لأجل أنّ الاعتراف على النفس أقوى كشفاً من الاعتراف على الغير، ولأجل هذه الحيثية قدّم الإقرار عند التعارض على البينة واليد، لاقوائية كشفه.

الملاحظة الثالثة: أفاد أنّ الشاهد على أنّ حيثية حجية الاقرار نفسية: أنّ الفقهاء أجمعوا على حجية الإقرارين المتعارضين، فلولا الحيثية النفسية لما كانا حجة مع أنّهما متعارضان.

ولكن لابد من بيان هذا الامر: كما ذكر في بحث القضاء وهو أنّه:

تارة يكون التعارض بين الاقرارين بالعرض. وتارة بالذات.

فإذا كان التعارض بالعرض: كما لو أقرًّ شخص أمام القاضي بإقرارين ولكن علم القاضي أنّه كاذب في أحدهما، كما لو أقرّ أنّه قتل زيد وقتل بكر، إلّا أنّ القاضي قال إنّ هذا لا يمكنه قتل شخصين في ساعة واحدة فأحد إقراريه كاذب لا محالة، ففي مثل هذا الفرض وهو إن كان التعارض بالعرض، فإنّه لا دليل على حجية الإقرارين المتعارضين بل يسقط كلاهما عن الحجية.

وأمّا إذا كان التعارض بين الاقرارين بالذات: كما لو أقرّ بالدار لزيد وأقرّ بنفس الدار لعمرو، فهذين الإقرارين: تارة يكونان متقارنين زماناً. وأخرى مترتبين زماناً.

فان كانا متقارنين زماناً: كما لو أقرّ للدار لزيد، وأقرّ وكيله في نفس الزمان لعمرو. فهنا: لا حجية لكلا الإقرارين، بل يتعارضان ويتساقطان.

وأمّا إذا كانا مترتبين: كما لو أقرّ بالدار لزيدٍ في زمان، ثم أقرّ بالدار لعمرو في زمان لاحق، فهنا يؤخذ بالإقرارين، لا لأنّ الإقرارين المتعارضين حجة، بل لأنّ المدلول الالتزامي للإقرار الثاني إقرار على النفس. بيان ذلك:

إذا أقرّ شخص بأنّ الدار لزيد، اعطيت الدار لزيد بمقتضى إقراره، فإذا أقرّ بأنّ نفس الدار لبكر فهذا الإقرار من حيث مدلوله المطابقي ليس حجة، لأنّه إقرار على الغير، حيث إنّ الدار ثبتت لزيد فالإقرار بها لعمرو إقرارٌ على الغير فلا يكون الإقرار من حيث مدلوله المطابقي حجة، والمدلول الالتزامي لهذا الإقرار أنّني بإقراري الأول أنّ الدار لزيد، اتلفت الدار على عمرو، فالمدلول الالتزامي للإقرار الثاني إقرار على النفس، فيكون هذا المدلول الإلتزامي حجة لا من باب حجية الإقرارين المتعارضين.

فهذا المدلول الالتزامي يعتبر إقرار جديد على النفس لأنّه صرف مدلول التزامي يسقط بسقوط المدلول المطابقي.

إذاً: لا يصح من السيّد الشهيد الاستشهاد على أنّ ملاك حجية الإقرار الحيثية النفسية، بقبول الفقهاء الإقرارين المتعارضين.

إذاً: ما أورده المحقق الهمداني من هذه الجهة غير تام. وحيثية الكاشفية أصبحت محفوظة، لأنّ المدلول الإلتزامي للإقرار الثاني لا يتعارض مع المطابقي للإقرار الأول، هذا بالنسبة لما ذكره المحقق الهمداني.

الوجه الثاني: ما ذكره البعض: من أنّ الملاك في حجية خبر ذي اليد: أنّ شؤون ما تحت اليد من شؤون الملك، ومقتضى المالكية: قبول أخبار المالك عن شؤون ملكه. بيان ذلك:

لا شّكّ أنّ المالك لو قال: ما تحت يدي مباح لفلان أن يتصرف فيه، أو قال: ما تحت يدي وقفته على الجهة الفلانية. أو: ما تحت يدي حق لا ملك... الخ. فإنّه يقبل إخباره في هذه الموارد كلها. والسر في ذلك: أنّ شؤون الملك وتفاصيله بيد المالك، فكما أنّ إخباره عن أصل الملك حجة، إخباره عن تفاصيل الملك وشؤونه حجة.

اعترض السيد الشهيد على ذلك: أنّ السّر في قبول الخبر عن تفاصيل الملك من باب حجية اليد، لأنّ مقتضى الاستيلاء الحسّي أو ما هو بحكمه على شيء إماريته على الملكية بنظر المرتكز العقلائي؛ وكذا مراتب الملكية من كونه ملكاً أو حقاً كما لو ثبت له حق الاختصاص فإنّ اليد - أي الاستيلاء الحسّي - أمارة على السلطنة الإعتبارية بشعبها ومراتبها، سواء كانت من سنخ الملك أو الحق، أو من سنخ الولاية، ولذا لو اعترف وقال: ما تحت يدي ليس ملكاً تثبت السلطنة الإعتبارية الأخرى كالحق أو الولاية، فنفس اليد أمارة على السلطنة الإعتبارية بتمام شعبها وتفاصيلها، لا من باب حجية اخبار ذي اليد.

وبناء على هذا التحليل: لو أنّ ذي اليد أقر بالمال لشخص، فقال: ما تحت يدي من دار ملك لزيد. فيقال: قبل الإقرار كان لليد مدلولات ثلاثة:

المدلول الأول: إيجابي. وهو أنّ السيّارة له.

المدلول الثاني: سلبيٌّ. وهو أنّ السيارة ليست لغير زيد.

المدلول الثالث: سلبيٌّ. وهي أنّ السيارة ليست لزيد.

فإذا أقرّ وقال: السيارة لزيد. فما الذي تغير في المداليل الثلاثة؟. المدلول الاول: أنّ السيارة له ارتفع، ولو لتعارض الإقرار مع اليد.

المدلول الثاني: أنّ السيارة ليست لغير زيد، هذا المدلول يبقى حجة، لأنّه أقر بالسيّارة ليد، فهذا المدلول لازال صادقاً.

المدلول الثالث: وهو أنّ السيارة ليست لزيد. فهذا المدلول انتفى بالمعارضة بين اليد وبين الإقرار.

فظهر بهذا ان المدلول الثاني: وهو أنّ السيارة ليست لغير زيد. باقٍ على الحجيّة، لا من باب حجية خبر ذي اليد، بل من باب حجية اليد.

وأمّا كيف نثبت أنّ السيارة لزيد وقد تعارض الإقرار مع اليد؟!، فهذا ما نحتاج إلى إثباته فإنّه قد يقول قائل إنّما ثبت أنّ السيارة لزيد من باب حجية إخبار ذي اليد.

يقول السيد الصدر: أنّ ثبوت كون السيارة لزيد يمكن أن يرجع إلى وجوه ثلاثة أخرى.. غير حجية خبر ذي اليد.

الوجه الأول: إنّه دعوى بلا معارض. أمّا دعوى كون السيارة له فهي معارضة. أمّا دعوى أنّ السيارة ليست لغير زيد فهي بلا معارض. أمّا دعوى أن السيارة لزيد فالمعارض لها سقط، لأنّ المعارض لها هو أنّ السيّارة له أو أنّ السيارة لغير زيد، وهذا المعارض سقط بعد تعارض مع الإقرار. وأما كون السيارة لزيد فهي دعوة بلا معارض له حجة فنقبلها.

ولكنَّ هذا الوجه، مجرد كون المضمون دعوى بلا معارض لا يعينه شرعاً.

الوجه الثاني: كون السيارة لزيد مدلول إلتزامي لمجموع اليد والإقرار. فإننا نعلم من الخارج أنّ السيارة إمّا لذي اليد أو لغير زيد اليد تنفي أنّها لغير زيد، فباليد نقحنا جزءاً من المدلول وبالإقرار نفينا كونها لذي اليد، حيث إنّه بإقراره انتفى كونها له فإذا انتفى هذان الأمران تعين أن السيارة لزيد، فالمدلول الالتزامي لمجموع الإقرار واليد: ثبوت أنّ السيارة لزيد، فهذا ليس من باب حجية خبر ذي اليد، بل مدلول إلتزامي لمجموع الإقرار واليد.

ولكن، إنّما ثبت كونها لزيد بالمدلول الالتزامي لمجموع الإقرار واليد في موارد العلم من الخارج بانحصار المالك في الثالث، فإذا علمنا بمانعة الخلو، حينئذٍ نقول: إنّه ينعقد مدلول إلتزامي لمجموع اليد، والإقرار أنّ السيارة لزيد لا في مطلق الموارد.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 65
الدرس 61