نص الشريط
الدرس 61
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 14/3/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 3073
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (364)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

الطريق الثالث:

وهو: أنّ اخبار «صاحب اليد» أنّ العين التي تحت يده لزيد، بلحاظ: أنّ هذه الأخبار من مصاديق «من ملك شيئا ملك الإقرار به»، فحيث إنّ صاحب اليد مالك لما تحت يده بمقتضى إمارية اليد، فإقراره فيه نافذٌ، فثبوت كون هذه العين لزيد من باب أن «من ملك شيئا ملك الإقرار به».

ولكن هذا الطريق عليه ملاحظتان أشار إليهما:

الملاحظة الأولى: أنّ هذه القاعدة موضوعها: من ملك شيئاً لا بشرط من جهة الإقرار وعدمه؛ كما لو ملك الطلاق بالوكالة أو الولاية، فيملك الإقرار به، إلّا أنّ إقراره بالطلاق لا يرفع ولايته على الطلاق. إذاً: المراد بالملك: أن يكون الشيء تحت يده أقرّ أم لا.

بينما في محل الكلام: مالك لما تحت يده، ما لم يقر، فإذا أقر أنّ المال الذي تحت يده لزيد انكشف أنه ليس بمالك، فلا يكون موضوع القاعدة متحققاً فيه، فإنّ موضوع هذه القاعدة من ملك شيئا ملك الإقرار به، أي: من ملكه بغض النظر عن الإقرار وعدمه، بحيث يكون مالكاً له حتّى لو أقر. وأمّا في محل كلامنا: فإنّ صاحب اليد متى أقر انكشف أنّه ليس موضوع له.

الملاحظة الثانية: «أنّ من ملك شيئا ملك الإقرار به» مما هو من ضمن أفعاله، كما لو فرضنا أنّه ملك العين، فهو يملك أن يهبها أو يمهرها أو يصالح عليها، أو نحو ذلك. وأمّا الصفات فهي ليست مما تحت ملكه كي يكون إقراره بها نافذاً. ومحل الكلام: من قبيل الصفات لا الأفعال، بمعنى: أن كون زيد هو المالك لهذا المال هذه صفة لا فعلاً من أفعال ذي اليد، فإقراره بأن هذا المال هو لزيد من الأول فهذا ليس إقراراً لما تحت ملكه، لأنّ هذه الصفة وهي: كون المال لزيد لا تقع تحت الملك كي يكون الإقرار فيها نافذاً.

وبعبارة أخرى: أنّ المقصود بهذه القاعدة «من ملك شيئا ملك الإقرار به»: أنّ الإقرار نافذٌ إذا كان إقراراً بشيء يقع تحت الملك، وأمّا الصفات أي صفة كون زيد مالكاً للمال أو عدمه، فهذه ليست من الأمور التي تقع تحت الملك كي يكون الإقرار بها نافذاً.

فتبين بذلك: أنّ هذه القاعدة - وهي من ملك شيئا ملك الإقرار به - لا تنطبق على محل الكلام وهي الإقرار بأن العين لزيد من أول الامر. إذاً: فعند السيد الشهيد أنّ ثبوت كون العين لزيد إنّما هو ببركة المدلول الالتزامي لمجموع الإقرار واليد. هذا تمام ما ذكره في ملاحظاته على الوجه الثاني لقاعدة من ملك شيئا ملك الإقرار به وهو إرجاع هذه القاعدة للمالكية وشؤونها.

ولكن في كلامه ملاحظتان:

الملاحظة الاولى: في بحث حجية اليد «في أواخر الاصول» تبحث إمارية اليد على الملكية، كما بحثها الشيخ في الرسائل. وقع البحث هل أنّ اليد إمارة على الملكية أم على مطلق الاولوية الاعم من الملكية؟.. فالسيد الشهيد: بنى على أحد المسلكين: وهو أنّ اليد إمارة على الملكية بأقصى مراتبها - أي الملكية التامة -، بحيث لا ننتقل إلى مرتبة أخرى إلّا إذا قام لدينا علم خارجي بانتفاء المرتبة الأولى، فلو قام علم أنّه ليس له ملك على العين فباليد نثبت أنّ له حق وإذا قام عندنا علم على أنه ليس له حق فباليد يثبت أنّه مأذون.. وهكذا.

ولكن المسلك الآخر وهو الصحيح: هو ما ذهب إليه سيد المنتقى في بحثه حول إمارية اليد: أن ما قام عليه المرتكز العقلائية إمارية اليد على مطلق الأولوية، بمعنى: أنّه أولى بالتصرف في هذه العين من غيره، إمّا أنّ هذه الأولية لكونه مالكا أو لكونه ذا حق أو لكونه وليّاً على العين، فالعين وقف مثلاً، ولكنه ولي عليها، والعين ملك لصغير ولكنه ولي عليها، أو إنّه مأذون من قبل المالك للتصرف على العين فلا تعين اليد شيئاً من تلك المراتب، بل غاية اليد أنّ له أولوية في العين لا أنّ اليد دليل على أقصى المراتب، نعم لو دار الأمر بين الملكية والغصب لو نعلم أنه ليس وليّا أو مأذوناً فهو إمّا مالك أو غاصب، هنا تكون اليد إمارة على الملكية في مقابل الغصب، وهذا هو مفاد موثقة ابن غياث: «لو لم يجز ذلك لما قام للمسلين سوق».

فبناءً على هذا المسلك الثاني: نقول: أنّ «اليد» ليس لها دلالات ثلاث، كما ذهب اليه السيد الشهيد حيث قال: إنّ «اليد» لها ثلاث دلالات: الأولى: أن ما تحت اليد ملك لصاحب اليد. الثانية: إنّها ليست ملكاً لزيد. الثالثة: أنّها ليست ملكاً لثالث. وكل هذه المدلولات مداليل لليد.

الجواب: إذا قلنا أنّ غاية ما تفيده اليد مطلق الأولية، فلا دلالة لها على نفي الملكية لغيره أو نفي أنّ العين وقف مثلاً، ولكن صاحب اليد ولي عليها، وبالتالي إذا أقر صاحب اليد أنّ هذه اليد ملك لزيد، فالسيد الصدر يقول: بأن إقراره أن هذه العين ملك لزيد ينفي مالكيته وينفي مالكية الثالث، فيتوافق الإقرار مع مدلول «اليد» في الثالث، لأنّ مدلول اليد أنّ العين ليست لثالث، وكذلك مدلول الإقرار أنّ «اليد» ليست لثالث، فلأجل توافق اليد مع الإقرار، فهذا المدلول يبقى حجة ل «اليد».

ولكن إذا قلنا: أنّ «اليد» لا تنفي أن العين ملك لثالث، بل لعلها ملك لثالث أو وقف. إذاً بالنتيجة: لا يمكن القول أنّه بعد إقرار المالك على أنّ العين ملك لزيد فهذا المدلول الثالث وهو أنّ العين ليست ملكا لثالث هذا المدلول الثالث باقٍ على الحجية، لأنّه لم يثبت من أول الأمر بقاعدة اليد حتّى نقول لبقائه على الحجية، فيعود الأمر أنّه هل يثبت بالقرار أم لا؟.

الملاحظة الثانية: أنّه في بحث الأصول في تبعية المدلول الالتزامي للمطابقي ذكر: أنّ المدلول الالتزامي تابع للمدلول المطابقي وجوداً وحجيةً، إلّا أن يعد المدلول الالتزامي خبراً ثانياً للكلام، فكأنّ المتكلم أخبر بخبرين: أحدهما: نعبّر عنه مطابقي، والآخر: إلتزامي. بحيث تجري أصالة عدم الخطأ والغفلة في المدلول الالتزامي وراء جريانها في المدلول المطابقي. وذكرنا في الأصل أنّ المناط في كون المدلول الالتزامي خبراً ثانياً: أن يكون مقصوداً بالتفهيم، إمّا بالإصالة، أو في عرض المدلول المطابقي، مثلاً: إذا كان الكلام كناية، فالمدلول الالتزامي هو: المقصود بالتفهيم لا المطابقي، كما لو قال: زيد كثير الرماد. فإنّ المدلول الالتزامي هو المقصود بالتفهيم دون المطابقي. فهنا لا إشكال أنّ الالتزامي خبر مستقلا وليس تابعاً للمطابقي في حجيته.

وتارة يكون الالتزامي مقصودا بالتفهيم في عرض المطابقي، كما في باب المفاهيم كما في مفهوم الشرط، فإنّ منشأ المفهوم دلالة الجملة الشرطية بمنطوقها على العلّية المنحصرة، إذا قال المولى: إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء. فيقال: بأنّ لهذه الجملة مفهوماً، وهو إنّه: إذا لم يبلغ الكرية انفعل بملاقاة النجاسة، والمفهوم مدلول التزامي والمنطوق مطابقي فهل يكون المفهوم تابع للمنطوق في الوجود والحجية؟.

يقولون: حتّى لو سقط المنطوق، فإن المفهوم يبقى لأنّ المفهوم بمثابة الخبر الثاني للكلام وهو أن الكرية علّة للاعتصام، والقلّة سبب للانفعال، والسر في جعله مفهوم الشرط مثلاً بمثابة خبر ثاني مع أنه مدلول التزامي للكلام هو: أنّ المتكلم قصد تفهيمه في عرض قصده للمدلول المطابقي لا أنّ مقصود بالتبع، لأنّ المتكلم قصد بيان أمرين: 1 أن الكرّية علّة للاعتصام، 2 - وأنّ الكرّية علّة منحصرة للاعتصام.

وبلحاظ المطلب الثاني ينعقد المفهوم، فلما كان انعقاد المفهوم ناشئاً عن خصوصية في المنطوق وهي إفادة المنطوق للعلّية المنحصرة وبما أنّ المتكلم قصد تفهيم أصل العلّية والعلّية المنحصرة فقد قصد تفهيم المفهوم في عرض قصده لتفهيم المنطوق وحيث إنّ المفهوم مقصود بالتفهيم عُدَّ خبراً ثانياً للكلام فلا يكون تابعاً للمدلول المطابقي في الحجية.

هذا ما ذكر في الاصول في مسألة عدم تبعية المدلول الالتزامي للمطابقي. وبناء على هذا: فهذا التحليل إنما يتصور في الأمارة التي من سنخ الإخبار، فالإخبار هو الذي يتصور فيه قصد التفيهم هذا القصد هل هو بالتبع أم بالأصالة؟.

وأمّا الامارات التي ليست من سنخ الإخبار: فلا يأتي فيها هذا التحليل، ومنها: إمارية اليد، فإنّ اليد ليست من سنخ الإخبار كي يقال: فيها المدلول الالتزامي مقصود للتفهيم أم لا؟. وبناءً على ذلك: حتّى لو سلّمنا مع السيد الشهيد بأن: اليد امارة على الملكية، وأنّ «اليد» دلّت على ملكية ذي اليد بالمطابقة وعلى عدم ملكية زيد وثالثاً بالالتزام، فإذا قام الإقرار فقال اقررت أنّ هذه العين لزيد، سقط المطابقي عن الحجية وهو: كون العين لذي اليد، والمدلول الالتزامي وهو: أنّ العين ليست لزيد أيضاً يسقط بإقراره.

بقي المدلول الثالث: وهو: أنّ العين ليست لثالث. وهذا المدلول بما أنّه التزامي فإنّه يسقط عن الحجية تبعاً للمطابق لا أنّه يبقى إن كان خبراً ثانيا، وكان مقصوداً بالتفهيم وليس الأمر هنا كذلك. إلّا أن يدعي السيد الشهيد أنّ اليد لها مداليل مطابقية ثلاثة في عرض واحد، ولكن هذا خلف ما هو المرتكز من انتفاء الملكية عن غير ذي اليد انما هو بعد ثبوت كون هذه العين ملكا لذي اليد.

إذاً: من خلال هاتين الملاحظتين: نصل إلى أنّ صاحب اليد إذا اقر أن العين ملك لزيد فثبوت كون العين ملكاً لزيد إنّما هو من باب حجية إخبار ذي اليد لما تحت يده، لا من جهة أخرى كما ذكر السيد الشهيد.

الوجه الثالث: في تخريج حجية خبر ذي اليد ما ذكره سيدنا «قده»: وهي نكتة «الاخبرية»، ولهذا تشمل السيرة سائر الخصوصيات التي يكون مقتضى الطبع اخبرية صاحب اليد - بما هو صاحب اليد - بها من غيره وبهذا يكون الميزان في تطبيق دليل الحجية لخبر صاحب اليد هو انحفاظ هذه النكتة، دون صدق عنوان صاحب اليد بما هو، كما لو كان مدلولا لدليل لفظي. ومع الجزم بانعقاد السيرة بنكتة «الاخبرية» لا حاجة إلى الاستدلال على ثبوتها بما قد يقال: من انعقاد السيرة على تصديق الشخص المكلف‌ بغسل الثياب في غسلها، وانعقادها على تصديق الحجام المكلف بغسل موضع الحجامة في إجادة غسله، وانعقادها على تصديق صاحب البيت في طهارة أوانيه، مع العلم الإجمالي بعروض النجاسة عليها في وقت ما، الأمر الذي يقتضي جريان استصحاب النجاسة لولا حجية خبر صاحب اليد.

اشكل السيد الشهيد على هذا البيان: قال: «وكل هذه الاستدلالات مخدوشة، لأن وجه السيرة في هذه الموارد لا ينحصر في حجية خبر صاحب اليد في الطهارة والنجاسة بعنوانه، إذ لعل ملاك السيرة في المورد الأول دخوله في تصديق الأمين».

ولكن قد يشكل على السيد: أنّه لو لم يكن أميناً، كما لو وجد الثوب ضالةً ثم لما سلمه لمالكه، قال له المالك: هل غسلته؟ قال: له نعم. فإن خبره يؤخذ عند المتشرعة، وإن لم يكن مؤتمناً من قبل المالك على الثوب فلا ينحصر قبول خبره إذا كان مؤتمناً من قبل المالك.

«ولعل ملاكها في المورد الثاني - مضافا إلى ذلك - إجراء أصالة الصحة، لأن أصل الغسل محرز والشك في صحته. ولعل ملاكها في المورد الثالث كونه من موارد توارد الحالتين غالبا، فكما يعلم إجمالا بالنجاسة في وقت ما يعلم بوصول الماء إليها في وقت ما أيضا، فتجري أصالة الطهارة بعد سقوط الاستصحابين».

ولكن يرد عليه: لو فرضنا أنّه لا علم لنا بالطهارة وأحرزنا نجاسة هذه الأواني ولم نحرز طهارتها وأخبرنا صاحب البيت أنه طهرها، فإنّ المتشرعة لا يترددون في قبول خبره.

فالانصاف: أنّ جميع هذه الموارد شواهد - كما ذكر سيّدنا - على قيام سيرة المتشرعة على خبر ذي اليد عما تحت يده.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 60
الدرس 66