نص الشريط
الدرس 68
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 25/3/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2573
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (311)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

كان الكلام في أنّه إذا حكم العقل بمقتضى منجزية العلم الاجمالي بلزوم الصلاة إلى أربع جهات ولكن كان الإتيان بالصلاة إلى أربع جهات فيه ضرر على المكلف، فهل تجري قاعدة نفي الحرج أم لا؟!. وذكرنا أنّه بناءً على مسلك السيد الأستاذ «دام ظله» والسيد الشهيد:

أنّ قاعدة نفي الحرج جارية حتى إذا لو قلنا بمسلك النائيني من أنّ مفادها نفي الحكم الحرجي.

ولكنّ هذا كلّه إذا لم نذهب لمسلك سيد المنتقى، الذي لا يرى قاعدة نفي الحرج من الأساس فيقول: بأنّ الخلاف بين صاحب الكفاية والمحقق النائيني في أنّه: هل مفاد القاعدة نفي الحكم أم نفي المتعلق؟. هذا الخلاف إنّما يتأتى في قاعدة لا ضرر، ولا يأتي في قاعدة لا حرج؛ والسر في ذلك:

أنّ ظاهر قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، أنّ المنفي هو المجعول وليس المتعلق، حيث قال: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. أنّ المنفي المجعول الحرجي لا المتعلق الحرجي.

ثانياً، وهو المهم: أنّ مسلك سيّد المنتقى: أنّ ما يسمى ويعبّر عنه بقاعدة نفي الحرج لا أساس له، وبالتالي في موارد الحرج يبقى الحكم الفعلي على ما هو عليه، ففي محل الكلام لو فرضنا أنّ الصلاة لأربع جهات حرجي على المكلف، فإنّه لا يرتفع عنه، لعدم وجود قاعدة نفي الحرج، نعم لو لزم من العمل بالاحتياط اختلال النظام كما لو فرضنا أنّ المكلف عمل بالاحتياط في جميع الشبهات بحيث يلزم منه اختلال النظام، فهنا يرتفع حكم العقل بوجوب الاحتياط لا لأجل الحرج، بل لأجل العجز نتيجة استلزامه اختلال النظام.

لذلك لا بأس بالمرور على ما افاده «قده» من أنّه: لا قاعدة مسماة بنفي الحرج، حيث إنّ لذلك آثاراً في الفقه.

فأفاد في المنتقى «ج4، ص341»: وتحقيق الكلام في ذلك:

إنّ صدر الآية الكريمة في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ، وهي بحسب ظاهرها تتكفل بيان جهتين:

إحداهما: سلبية. وهي نفي وجوب الوضوء والغسل عند عدم وجدان الماء. ثانيهما: ثبوتية. وهي إثبات وجوب التيمم في هذا الحال.

والفقرة المستدل بها على القاعدة ذكرت بمنزلة قاعدة كلية أُريد تطبيقها فيما نحن فيه. فمن المحتمل - بدوا ومع قطع النظر عن صدر الآية وذيلها - أن تكون مرتبطة بالجهة السلبية، فتدل على نفي الحرج بقول مطلق وهو المدّعى. فلو كان التعليل راجعاً إلى الجهة السلبية فكانه قال: لا يجب عليكم الوضوء لأنّ الله لا يريد أن يوقعكم في الحرج؛ لتم كلام القوم، حيث إنّه علّل نفي حكم بعدم الحرج، فمعناه أنّ هناك قاعدة مفادها أنّ كل حكم حرجي يرتفع. ولكن «يحتمل أن تكون مرتبطة بالجهة الثبوتية. فلا تدل على المدّعى، بل الذي تدلّ عليه حينئذٍ إنّ ما جعلته عليكم من وجوب التيمم أو وجوب الوضوء والغسل ووجوب التيمم عند عدم وجدان الماء لم يكن الغرض منه والداعي له هو الإيقاع في الحرج، بل الداعي له غاية أخرى شريفة تستدعي الجعل ولو استلزم الحرج» وهي الطهارة. وهذا كلام عرفي وهو أنّه: لا تتوهموا أنّ ايجاب التيمم لأجل ايقاعكم في الضيق، بل لأجل أن تصلوا إلى الغاية المطلوبة وهي الطهارة، والقرينة على ذلك هي الاستدراك، وهو قوله: ﴿ولَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ. فإنّ إرجاع قوله: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ.. إلى الجهة السلبية. وقوله: يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ.. راجع إلى الجهة الايجابية، وهو ايجاب التيمم خلاف الظاهر، فإنّ الظاهر إن الجملتين واردتان على مصب واحد. «ومن الواضح أنّها على هذا الوجه لا تدل على القاعدة بالمرة، لأنّها ليست في مقام نفي الحكم الحرجي، بل في مقام تبرير جعل الأحكام الحرجية وأنّه لغاية شريفة تدعو إلى ذلك».

قال: «الثانية: قوله تعالى في سورة البقرة، آية الصوم: ﴿يرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ. وجهة الاستدلال بها واضحة.

والتحقيق: أنّ صدر الآية هو قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ. وبعدها قوله تعالى: ﴿ولِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. ولا يخفى أن الصدر اشتمل على جهتين: سلبية، وهي نفي وجوب الصوم عن المريض والمسافر. وإيجابية، وهي إثبات وجوبه في عدّة من أيام أخر. وقوله: ﴿ُيرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ يحتمل ارتباطه بجهة السلب، فتكون دالّةٌ على القاعدة المدّعاة، وأن كل حكم يستلزم العسر مرفوع. كما يحتمل ارتباطه بجهة الإيجاب، وأنّها في مقام بيان أنّه لم يجعل عليكم الصوم في عدّة من أيام أخر لأجل العسر، ولكن لغاية أخرى شريفة. ولعل الذي يشهد لذلك - لو لم ندع ظهورها فيه بملاحظة الصدر وانه سبحانه في مقام تبرير جعل الصوم في أيام أخر وعلى عدم رفعه بالكلية - قوله: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، فإنّه ظاهر في تعليل جعله في الأيام الأخر، كما أنّ قوله: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ، إنّما يتناسب مع جعل الحكم وتشريعه لا مع سلبه ورفعه كما لا يخفى». لكنّ هذا إذا حملنا «وَلِتُكْمِلُوا» على الغاية، لا أن اللّام لام الأمر.

قال: «الثالثة: قوله تعالى في سورة الحج: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ‏. وما يستدل به منها: قوله تعالى: ﴿ومَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. ووجه الاستدلال به واضح لا يحتاج إلى بيان.

والتحقيق فيها: أنّه يحتمل أن يكون المراد منها ما قيل من نفي الحكم المستلزم للحرج ورفعه عن المكلفين. ويحتمل ان يراد منها ما ذكرناه في سابقتيها من أنّها لبيان أنّ الغرض من الأحكام ليس جهة الحرج، وإنّما الغايات المهمة الشريفة المترتبة عليها. ولو سلّمت أنّها في حدِّ نفسها ظاهرة في الأول، فلابُّد من رفع اليد عن ذلك، لأنّها واردة في الجهاد، وهو من أظهر مصاديق الحرج، سواء أُريد به جهاد الكفار أو جهاد النفس. وقد عرفت أنّ مثل هذا الحكم لا يرتفع بدليل نفى الحرج لو ثبتت قاعدته، كما لا يرتفع وجوب سجدتي السهو برفع النسيان.

وعليه: فلا يمكن أن يُراد بالآية نفي الحكم الحرجي، وإلّا للزم خروج موردها، وهو مستهجن. فتحُمل على ما احتملناه من أنّها لبيان تبرير جعل هذه الأحكام المشتملة على الكلفة بخصوصياتها أو بمجموعها، وأنّه ليس المقصود إيقاع المكلفين في الحرج والمشقة، بل المقصود إيصالهم إلى المصالح المجهولة لديهم. ويؤكد ذلك تعقيب الآية الشريفة بقوله: ﴿ِملَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ‏، فإنّه يتناسب مع مقام الترغيب في امتثال هذه الأحكام ولو كانت حرجية، وتبرير جعلها إذ هي مجعولة من قبل وهي ملّة إبراهيم الحنيف الذي كانت العرب تكن له الإجلال والحب، فإنّه يقرب إطاعتها في النفوس. ولا يتناسب مع رفع الأحكام بواسطة الحرج، فإنّ مثل ذلك لا يحتاج إلى مزيد تعليل وترغيب، لأنّه مما تقبله النفوس وتتقبله الأطباع».

«أقول»: وما ذكره «قده» في الآيتين السابقتين غير بعيد، ولا أقل من إجمالهما، والكلام في الآية الأخيرة... فإننا إذا نظرنا إلى هذه الفقرة في حدِّ ذاتها فهي واضحة الدلالة في نفي الحكم الحرجي ومقتضى ظهورها في العموم الانحلالي أنه لا يوجد مجعول حرجي إلّا وقد رفع بلحاظ وقوع النكرة في سياق النفي، وهي قوله: من حرج. فبعد ظهور الفقرة في نفي الحكم الحرجي، يبقى هل أن هناك قرينة تنافي هذا الظهور أم لا؟ فيأتي الكلام في القرائن المنافية وإلّا فالفقرة في حدّ ذاتها ظاهرة في نفي المجعول الحرجي. فقد يدّعى أنّ قوله: ﴿َوجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ قرينة على الخلاف، والحال أنّ هذا يتم لو فُسِّر الجهاد بجهاد القتال. وأمّا إذا فُسِّر بقرينة السياق «واركعوا واسجدوا» أنّ المنظور فيه جهاد النفس وتطويعها على هذه العبادات، فليس هناك قرينة منافية في ظهور هذه الفقرة في نفي المجعول الحرجي.

وأمّا القرينة الاخرى: وهي قوله: «ملة ابيكم» فإنّ هذا التعبير ينسجم مع القاعدة حيث إنّه يتبين أنّ من خصائص هذه الشريعة أنّها ليس فيها مجعول حرجي وهذه الشريعة المشتملة على هذه الخصوصية هي «ملّة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل» فالتعبير منسجم مع كون مفاد هذه الفقرة نفي المجعول الحرجي. نعم، ما ناقش به بعضهم كلام المنتقى: من أنّه لو سلّمنا أنّ منظور الآية هو بيان حكمة من حكم الشريعة وهي أنّها سهلة سمحاء، فهذا هو المدلول المطابقي للآية والمدلول الالتزامي هو نفي المجعول الحرجي، لأنّه إذا كانت الشرعية سهلة فإنّه لا يوجد فيها حرج فإنّ وجود المجعول الحرجي يتنافى مع السهلة السمحاء.

ولكن هذا النقاش غير وارد على كلامه؛ لأنّه منظوره نوع الأحكام لا كل حكم حكم، فهو يريد أن يبين أنّ نوع الأحكام في الشريعة ما بني على الحرج لا أن كل حكم ليس حرجي كي يقال أن المدلول الالتزامي له عدم وجود حكم حرجي، فإنّ هذا المدلول الالتزامي غير تام إذا كان المنظور هو نوع الأحكام. وعلى فرض وجود المدلول الالتزامي فلا ينفعنا لأنّه ليست الآية في مقام بيانه فحتى نؤسس قاعدة وهي نفي المجعول الحرجي لابُّد أن تكون الآية في مقام بيان هذه القاعدة حتّى يتمسك في بإطلاقها جميعاً. أمّا لو كانت هذه القاعدة مستفادة بالمدلول الإلتزامي وليست في مقام البيانية فلا يصح التمسك بإطلاق هذا المدلول الالتزامي عند الشك في شمول هذه القاعدة وعدمه.

قال: «وأما السنة الشريفة: فعمدتها ما ورد فيها تطبيق الآية الأخيرة والاستشهاد بها بنحو لا يظهر منها أكثر مما استظهرناه منها أخيراً من تكفلها بيان سهولة الدين وعدم الضيق فيه. وقد عرفت أنّ هذا لا ينفع في إثبات المدعى. وإليك بعض هذه النصوص:

منها: رواية أبي بصير قال: «قلت لأبي عبد الله: انا نسافر، فربما بلينا بالغدير من المطر يكون إلى جانب القرية فيكون فيه العذرة ويبول فيه الصبي وتبول فيه الدابة وتروث؟. فقال: ان عرض في قلبك شي‏ء فقل هكذا: «يعني افرج الماء بيدك» ثم توضأ فإن الدين ليس بمضيق فإن الله سبحانه يقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ». ولا يخفى أن الأمر الذي بينه هو طهارة الغدير وجواز الوضوء منه «وان كان فيه ما فيه» ‏ لرفع ما يمكن ان يقع في قلب السائل من الاستقذار. ثم علل ذلك: «أن الدين ليس بمضيق ان الله». ومن الواضح انه بيان لجعل هذه الأحكام وان الشريعة سهلة لا ضيق فيها كما قد يتخيل. فليس في تطبيق الآية نظر الا إلى ذلك لا إلى نفي حكم حرجي. وهذا لا يختلف عن ظاهر الآية الأولى على ما عرفت.

ومنها: رواية الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله : «في الرجل يغتسل فينتضح من الماء في الإناء؟. فقال: لا بأس‏، َمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ».

وهذه الرواية كسابقتها، فإنَّ السائل يحتمل أن يؤثر اختلاط الماء بما استعمل في رفع الحدث الأكبر موجبا لعدم صحة الغسل منه، فنفاه الإمام وبين أنّه لا بأس بالغسل منه، إما لعدم مانعيته أو لعدم مانعية اختلاط هذا المقدار القليل منه، ثم استشهد بالآية الشريفة. ومن الواضح ان نظر الإمام ليس إلى رفع الحكم في مورد الحرج، بل إلى بيان عدم المانعية من رأس، وهو من الأحكام السهلة التي بنيت الشريعة عليها».

«أقول»: ولكن قد يقال: أنّ ظاهر هذه الروايات هو تعليل عدم الاكتفاء بالوضوء يعني أنّ ما يتوهمه السائل في هذه الروايات هو أنّه لا يكفيه الوضوء ولا الغسل من هذا الماء، فأجاب الإمام : أنّه لا نلزمك بغير الوضوء والغسل لما جعل عليك في الدين من حرج. فيكون الاستشهاد بالآية منسجما مع نفي الحكم الحرجي فيقول لا يجب عليك غير الوضوء وغير الغسل ونفى عدم الوجوب بما جعل عليكم. فتأمل.

قال: «نعم، رواية عبد الأعلى مولى آل سام ظاهرة في رفع الحكم في مورد الحرج، وأنّ المراد بالآية ذلك، وهي روايته عن الصادق قال: «قلت لأبي عبد الله : عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟. قال: يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل. قال الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، امسح عليه»».

«أقول»: الذين يستدلون بهذه الرواية أو بالآية على قاعد نفي المجعول الحرجي يفسرون الرواية بأحد تفسيرين:

التفسير الأول: أن متعلق الحكم وهو وجوب الوضوء أُخذ فيه قيدان: أصل المسح، وكون المسح على البشرة؛ وما فيه الحرج هو القيد الثاني لا الأول. بما أنّ الضرورات تقدر بقدرها فالمرفوع بنفي الحرج القيد الثاني وهو اعتبار المباشرة فيبقى اعتبار أصل المسح بظاهر الأدلة الأخرى ك «امسحوا برؤوسكم وأرجلكم» فتنسجم حينئذٍ الرواية مع قاعدة نفي العسر والحرج.

ولكن يلاحظ على هذا التفسير: أنّه خلاف الظاهر. فإنّ ظاهر الأمر بالوضوء المتضمن بالمسج على الرجل وحدة المطلوب لا تعدده؛ فإذا كان جزء من هذا المقيد حرجي فإنّ الأمر بالمقيد يسقط لا أنّه ينتفي مع بقاء ذات المقيد فإنّ هذا يتنافى مع وحد المطلوب.

التفسير الثاني لسيدنا: أنّ الرواية اشتملت على مطلبين: الاول: وجوب الوضوء المتضمن للمسح على البشرة قد ارتفع بقاعدة نفي الحرج والثاني: وجوب الوضوء بالباقي بأمر جديد استفيد من قوله «اسمح عليه» فكأنه في هذه الرواية «هذا واشتباهاه يعرف من كتاب الله» ناظر في هذه الفقرة لنفي المقيّد بما هو مقيد أي وجوب الوضوء المقيد بالمسح على البشرة، أمّا وجوب الوضوء بالباقي تعرض له بقوله «امسح عليه» أي: لا يسقط عن والوجوب بل يجب عليك المسح على الباقي على المرارة.

ولكن هذا خلاف الظاهر؛ فإنّ ظاهر قوله: «امسح عليه» أنّه تطبيق للآية وليس بياناً لمطلب آخر، ولذلك حكّم سيد المنتقى إشكاله، وقال: «ولكنّ هذه الرواية لا يمكن الاعتماد عليها، وذلك لأن ما يستفاد من كتاب الله سبحانه هو رفع المسح على البشرة. أما المسح على المرارة، فلا تتكفله الآية الشريفة». فلا معنى لتعليل وجوب المسح بنفس الحرج، إذا كان مراد الآية نفس المجعول الحرجي، وإنّما ينسجم ذلك لو كان الآية في مقام بيان أنّ المسح على المرارة لا يراد به ايقاعكم في الحرج وإنّما هو الوصول إلى الغاية المطلوبة وهو الطهارة ولا أقل من الإجمال.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 67
الدرس 69