نص الشريط
الدرس 67
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 22/3/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2545
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (371)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

تنبيهٌ:

تقدم: أنّه لو حصل الاضطرار في أحد أطراف العلم الاجمالي فهل يلغي منجزية العلم الإجمالي من رأس أم يلغي خصوص وجوب الموافقة القطعية، وكان الكلام في تطبيق هذه الكبرى الاصولية: على من علم تفصيلاً بوجوب صلاة الظهر إلى الكعبة وترددت الكعبة بين الجهات الاربع، ولكن لم يتمكن من الإتيان بالصلاة إلى الجهات الأربع لعذر من الاعذار فهل يبقى العلم الاجمالي بوجوب الكعبة في جهة من الجهات منجزاً، ومقتضاه: أنّه رعاية بقية المحتملات أم يسقط عن المنجزية فيكتفي المكلف بصلاة واحدة إلى أي جهة شاء. وهذا البحث يقتضي الكلام حول ما هو المقصود بالاضطرار فإنّ الاضطرار له ثلاث مصاديق: العجز العقلي، والشرعي، والحرج.

فبالنسبة للمصداق الأول: وهو أن يحصل له عجز تكويني عن الإتيان بجميع المحتملات؛ كما في محل كلامنا: إذا ضاق وقت المصلّي عن الإتيان بأربع صلوات لأربع جهات على نحو الأداء، فإنّ هذا من مصاديق العجز التكويني، وفي مورد العجز التكويني يكون الترخيص عقلياً بمقتضى قبح التكليف بما لا يطاق الذي لا فرق فيه بين أن يكون التكليف شرعياً أو عقلياً.

أمّا في المورد الثاني: وهو: مورد العجز الشرعي لا التكويني، والعجز الشرعي: عبارة عن المزاحمة بين ما وجب وبين واجب آخر أهم أو مساوي. كما لو فرضنا أنّه وقع التزاحم بين الصلاة لأربع جهات، وبين إنقاذ النفس المحترمة أو وقع التزاحم بين الصلاة لأربع جهات، وبين إزالة النجاسة عن المسجد فإذا وقعت المزاحمة مع الاهم أو المساوي فهو عاجز شرعاً لا تكويناً عن الإتيان بالصلاة لأربع جهات، وقد وقع البحث في باب التعارض هل أن الترخيص في ترك المهم إلى الأهم عقلي أم شرعي، حيث إن المعروف بين الأصوليين أن الترخيص في باب التزاحم عقلي ولذلك فإن قواعد باب التزاحم عقلية.

ولكن ذهب صاحب الحدائق - الذي ليس مشربه مشرب الاتكاء على الادلة العقلية -: إلى تخريج باب التزاحم في دليل وما من شيء حرمه الله إلّا وقد أحله لمن اضطر اليه بتقريب: إنّ من تزاحم الأهم والمهم لديه فهو مضطر لترك المهم، فيشمله هذا الدليل.

وأمّا المورد الثالث: وهو ما إذا كان في الجمع بين المحتملات ورعاية سائر الأطراف حرج أو ضرر؛ فلا يوجد عجز تكويني - أي: أنّ الوقت واسع ولا عجز شرعي لعدم المزاحم ولكن في الصلاة لأربع جهات حرج أو ضرر على المكلف من دون أن يبلغ هذا الضرر درجة الحرمة، أي: يكون ضرراً محرّماً وإلّا دخل تحت العجز الشرعي ففي هذا المورد - أي ما إذا كان في رعاية أطراف العلم الاجمالي حرج أو ضرر - وقع البحث هل يشمل حديث «لا ضرر أو لا حرج» مثل هذا المورد.

نعم، إذا كان الحرج في ارتكاب طرف معين فإن هذا يكون حكمه حكم العجز التكويني أو الشرعي إذا كان في معين. إنّما البحث: إذا كان الحرج في الجمع بين الأطراف لا في طرف معين منها فإذا كان الحرج في الجمع بين الأطراف فهل تجري قاعدة لا حرج أم لا؟. وقد بحث الأصوليون هذه المسألة في باب دليل الانسداد عندما بحثوا: في أنّ من علم إجمالاً بوجود تكاليف إلزامية في الشريعة وكان الإحتياط في جميع الشبهات عسراً وحرجاً فهل يشمله دليل لا حرج أم لا؟، وهنا ذكر صاحب الكفاية - ومن اتى بعده -: أنّه قد يقال أن دليل «لا حرج ولا ضرر» لا يشمل هذا المورد؛ والسر في ذلك: أنّه هناك مسلكان في تحديد مفاد «لا حرج ولا ضرر»:

المسلك الأول: مسلك الآخوند، وهو أنّ المقصود ب «ما جعل عليكم في الدين من حرج»، أو: «لا ضرر ولا ضرار» أنّ العمل الحرجي أو العمل الضرري لا إلزام به، فالحرج والضرر أُخذ وصفاً لمتعلق الحكم لا وصفاً للحكم نفسه فمتى ما كان متعلق الحكم حرجياً أو ضررياً لم يتعلق به الحكم الإلزامي فالعبرة في الإلزامي بملاحظة المتعلّق، فيقال: الوضوء الضرري غير واجب والوضوء الحرجي غير واجب.

المسلك الثاني: وهو ما تبناه المحقق النائيني وسيدنا وتلامذتهم ونسب للشيخ الانصاري: أنّ الحرج وصف للحكم لا للمتعلق أي الحكم الحرجي مرفوع في الشريعة لا أن المتعلق الحرجي مرفوع برفع حكمه بل مباشرة الحكم الحرجي مرفوع في الشريعة فإن كل الزام يوقع في الحرج فهو حكم حرجي وبالتالي فهو مرفوع.

والثمرة المترتبة على الفرق بين المسلكين: ذكرها صاحب الكفاية في محل الكلام وهو: ما إذا كان في الجمع بين المحتملات حرج أو ضرر كما إذا علم بوجود ماء نجس من بين عشرة أواني، ولكن ترك شرب الجميع حرج أو ضرر عليه، أو علم بوجوب الصلاة إلى الكعبة وترددت بين ثامن جهات وكان الصلاة إلى ثمان جهات حرج أو ضرر، فهنا أفاد الآخوند: إن قلنا بالمسلك الاول وهو: أن المفروض في القاعدة المتعلق الحرجي برفع الالزام عنه، فلا تنطبق القاعدة على المقام لأنّ ما هو متعلق الوجوب وهو الصلاة إلى الكعبة ليس حرجياً في الواقع، ولذلك لو انكشفت لنا الكعبة لم تكن الصلاة اليها حرجية ولا ضررية فما هو متعلق الحكم الواقعي لا حرجية ولا ضررية فيه إنّما الحرج في الجمع بين الاحتمالات وإلّا فنفس المتعلّق الواقعي لوجوب صلاة الظهر ليس فيه حرج أو ضرر أو نفس شرب النجس الواقعي ليس فيه حرج أو ضرر في تركه، وإنّما الحرج والضرر في الجمع بين المحتملات إذا فلا تنطبق لا حرج على المقام لأنّ المفروض ان المتعلق للحكم الواقعي ليس حرجيا.

وأمّا إذا بنينا على مسلك الميرزا النائيني: بأنّ المرفوع ب «لا حرج» هو الحكم الحرجي، فقد يقال: برفعه في المقام لأنّ حرمة شرب النجس في الواقع لو لم تكن لما وقع المكلف بالحرج في الجمع بين المحتملات، فالذي أوجب وقع المكلف في الحرج بالجمع بين المحتملات بقاء الحكم الواقعي وهو حرمة النجس على الفعلية، لذلك: أن الحكم الواقعي نفسه حرجي، فمقتضى دليل «لا حرج»: رفعه؛ ولكن رفعه أي: عدم الامتثال أصلاً مصادم لضرورة الشرع، بأن لا يصلّي المكلف أصلاً أو يشرب جميع الأطراف.

وقد يقال في قبال ذلك: أنّ «لا حرج» لا تنطبق على محل الكلام، لا على المسلك الاول لما أفاده صاحب الكفاية من أن المتعلق ليس حرجياً، ولا على المسلك الثاني: لأنّ الحرجية في حكم العقل لا في حكم الشرع فحكم الشرع بوجوب الصلاة الكعبة ليس حرجياً، وإنّما الحرج في حكم العقل ب «أن الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني» ولولا الحكم العقلي المذكور لما وقع المكلف في الحرج، فالحرج من حكم العقل لا من حكم الشرع، وبما أن الحكم العقلي ليس بيد الشارع وضعه فليس بيده رفعه فلا مجال لجريان «لا حرج ولا ضرر» في المقام لا على مسلك الكفاية ولا على مسلك النائيني.

ولكن ذهب العلمان السيد الصدر والسيد الاستاذ: إلى أنّه يمكن إجراء دليل «لا حرج ولا ضرر» في المقام بأحد وجهين:

الوجه الاول: أن يقال: صحيح ان حكم العقل بالجمع بين المحتملات من باب الاشتغال ليس بيد الشارع رفعه أو وضعه، ولكن ما خرج عن الشارع هو الرفع المباشر فليس بيده رفعه مباشرة أو وضعه مباشرة ولكن بيده رفع منشأ انتزاعه أو وضعه كذلك، وحيث إنّ الصحيح لدى هؤلاء أنّ منجزية العلم الإجمالي لأطرافه ليست على سبيل العليّة التامّة بحيث لا يعقل الترخيص في أطرافه، إذاً: فالترخيص بناءً على مسالكهم معقول، فإذا كان الترخيص معقولاً إذاً: إنما حكم العقل بالجمع بين المحتملات إن لم يرد من الشارع ترخيص وإذا ورد من الشارع ترخيص ارتفع الحكم العقلي بارتفاع موضوعه ومنشأ انتزاعه، ولذلك: صح للشارع أن يقول: بما أن في الحكم العقلي بالجمع بين المحتملات حرجياً ولكن منشأه ليس حكم العقل في حد ذاته وإنّما منشأ انتزاعه وهو عدم الترخيص من قبلي فمقتضى «لا حرج»: رفع عدم الترخيص بالترخيص. فإذا حصل الترخيص ارتفع حكم العقل بلزوم الجمع بين المحتملات فامكن للشارع أن يرفع الحكم العقلي ب «لا حرج» برفع موضوعه ومنشأ انتزاعه.

الوجه الثاني: أن يقال: بأن «لا حرج» تنصب على نفس عدم الترخيص مع غمض النظر عن الحكم العقلي فيقال بأن عدم الترخيص هو كناية عن اهتمام الشارع بالحكم الواقعي، فإنّه ليس للشارع انحاء عدمية بل لا محالة الشارع في مرحلة الظاهر، أما على اهتمام بالغرض اللزومي أو على اهتمام بالغرض الترخيصي، ولذلك: إمّا أن يأمر بالاحتياط حفظاً للغرض اللزومي، أو يرخص حفظاً للغرض الترخيصي، فليس للشارع حالة عدمية بل هو في طول وجود حكم شرعي، إما ذو اهتمام بالغرض اللزومي أو ذو اهتمام بالترخيص فعدم الترخيص هو عبارة عن اهتمام الشارع بالغرض اللزومي.

فبما أن عدم الترخيص: عبارة عن الاهتمام. فللشارع أن يرفع عدم الترخيص بالترخيص. أي: أن يبين أنّ حاله الحفظ للغرض الترخيصي. بل انه بناء على مسلك العلمين السيد الصدر والسيد الاستاذ: من أن عدم الحكم من قبل الشارع بمثابة الحكم وبحسب تعبير السيد الشهيد في أصوله: أن المناط في جريان «لا ضرر ولا حرج» موقف الشارع، والموقف قد يكون سكوتا وقد يكون كلاما؛ وبالنتيجة: هو موقف، فمتى ما كان موقفه ضرريا أو حرجيا ارتفع ب «لا ضرر ولا حرج» وإن عبّرنا عن هذا الموقف بعدم الحكم.

وبتعبير السيد الاستاذ: أن مفاد «لا ضرر ولا حرج» عدم تسبيب الشارع لضرر على المكلف أو لحرج عليه، قد ينطبق على الحكم الوجودي وقد ينطبق على الحكم العدمي. مثلاً: إذا افترضنا في الحقوق الاعتبارية فقد بحثنا في قاعدة «لا ضرر» في الحقوق الاعتبارية كحق البراءة والتأليف والنشر وهل أن هذه الحقوق مورد «لا ضرر» أم لا؟.

فقد يقال: بأنّ عدم حكم الشارع بضمان هذه الحقوق مع بذل المكلف الجهد في تحصيلها ضرري، فمقتضى «لا ضرر»: استبدال عدم الحكم بالضمان بالحكم بالضمان أمّا لأنّ عدم الحكم بالضمان موقف بحسب تعبير السيد الشهيد أو لأنّه تسبيب من الشارع للضرر على المكلف بحسب تعبير السيد الاستاذ. ومفاد «لا ضرر»: ارتفاع ذلك. فمقتضى هذين المسلكين: أن لا فرق في جريان «لا ضرر» بين الحكم وعدمه.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 66
الدرس 68