نص الشريط
الدرس 72
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 29/3/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2670
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (297)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

الوجه الثاني: ما ذكره سيّدنا، ويتألف من مقدمتين:

المقدمة الاولى: «أنّ الجمع بين المترتبتين كالظهرين والعشاءين وإن كان جائزاً عند الخاصة كما نطقت به الأخبار وعليه عملهم في الأعصار المتأخرة حتى اليوم، لكنه لم يكن متداولًا في الأزمنة السابقة وفي عصر المعصومين ، بل كان عملهم على التفريق إما لكونه أفضل أو مماشاةً مع العامة وعدم إظهار المخالفة، حيث إنهم يرون وجوبه».

المقدمة الثاني: وبما أنّ التحير في أمر القبلة قلّما يتفق في البلدان لوجود الأمارات والعلامات غالباً لا أقل من محاريب المسلمين، ففرض الاشتباه مع العجز عن التحري والاجتهاد لا يكاد يتحقق إلّا في مثل الصحاري والبراري عند الأسفار مع كون السماء مغيمة أو في الليل المظلم، بحيث لا يتمكن من تشخيص جهات الأُفق ولا يتميز المشرق عن المغرب ولا يرى الشمس والقمر.

مقتضى هاتين المقدمتين: وبطبيعة الحال من صلّى الظهر مثلًا إلى جهات أربع والحال هذه وهو على جناح السفر وبناؤه على التفريق بينه وبين العصر المستلزم لإيقاع صلاة العصر بعد مدّة أُخرى في مكان آخر، فهو لا يتمكن عادة من تشخيص الجهات التي صلى إليها الاولى وإحرازها كي يصلي الثانية إلى نفس تلك الجهات، مع أنه مأمور بإيقاع الصلاة الثانية أيضاً إلى الجهات الأربع ما دامت الحيرة باقية.

ثم يقول سيدنا: «وهذا أقوى شاهد على عدم لزوم رعاية اتحاد الجهات».

أقول: لم ندر مقصوده من أنّ هذا شاهد على عدم لزوم رعاية اتحاد الجهة، فهل يقصد أنّ الإرتكاز المتشرعي لا يحتمل أن يكلف المكلف في الصلاة الثانية أن يصليها إلى نفس جهات الأولى، مع عدم احراز التشخيص عادة، كما لو كان في السفر وكان المتداول عدم الجمع بين الصلاتين، فإن كان هذا المدعى فلا يؤثر على المطلب شيئاً، لأنّ محل الكلام من شخص صلاته الاولى إلى جهة فهل يلزمه أن يصلّي الثانية إلى نفس الجهة أم لا؟!. أمّا من لم يمكنه تشخيص جهة صلاته الاولى فلا يدعي أحد أنّه يلزمه أن يصلي على نفس الجهة الأولى.

وإن كان مقصوده أنّ المرتكز على أنّ لا يطالب المكلف أن يصلي الثانية على نفس الأولى وأن شخّص ذلك، فأيضاً لا يتنافى مع محل كلامنا، لأننا إنّما ندعي اللزوم مع منجزية العلم الاجمالي فإن وجد مرتكز وسيرة على الخلاف فهو ولكن الكلام في ثبوت هذا المتركز.

الوجه الثالث: قال: «بل إن هذا هو مقتضى إطلاق الأدلة أيضاً، فلا موجب لرفع اليد عن الإطلاق من دون دليل على التقييد فضلًا عن قيام الدليل على العدم كما عرفت».

أقول: إن كان المقصود من إطلاق الأدلة إطلاق ما دل على أنّه يجزي المتحير إينما توجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة فبإطلاقها يشمل الصلاة الأولى والثانية فيجزيه إينما توجه وإن اختلفت الجهتان. نقول: نعم، مقتضى الإطلاق ذلك، إلّا أنّ المفروض أنّ الصلاة إلى أي جهة شاء إنّما هي اكتفاء بالموافقة الاحتمالية، ولابّد من أن الصلاة الثاني إلى جهة الأولى من باب منجزية العلم الإجمالي.

أمّا إذا كان مقصود سيدنا من الاطلاقات مثل «رواية خراش» فمن الواضح أنّه لا إطلاق لها، لأنّ لسان رواية خراش أنّ المطلوب من المكلف إحراز الموافقة القطعية فكيف ينعقد لها اطلاق بجواز ايقاع الثاني إلى جهات أخرى وإن حصل بذلك العلم بالموافقة القطعية.

إذاً: مقتضى منجزية العلم الاجمالي ضم الثاني إلى الاولى في الجهة.

قال سيد العروة: مسألة 13: من كانت وظيفته تكرار الصلاة إلى أربع جهات أو أقل وكان عليه صلاتان، يجوز له أن يتمّم جهات الاولى ثم يشرع في الثانية، ويجوز أن يأتي بالثانية في كل جهة صلى إليها الأولى إلى أن تتم، والأحوط اختيار الأولى، ولا يجوز أن يصلي الثانية إلى غير الجهة التي صلّى إليها الأُولى، نعم، إذا اختار الوجه الأول لا يجب أن يأتي بالثانية على ترتيب الاولى.

أفاد سيدنا: «أن الوجوه المتصورة في كيفية الإتيان بالصلاتين المترتبتين إلى الجهات الأربع أو الأقل ثلاثة:

الأول: أنّ يتمم جهات الأولى ثم يشرع في الثانية. وهذا لا إشكال في صحته، سواء شرع في الثانية على النحو الذي شرع في الأُولى أم بخلافها كما لو بدأ بالعصر إلى الجهة التي فرغ فيها عن الظهر، لأنّ الثلاثة الأُخر من باب المقدمة العلمية والواجب إنما هي صلاة واحدة، فهو يعلم بوقوع عصر مترتبة على الظهر كل منهما إلى القبلة على كل حال كما هو ظاهر.

الثاني: وهو بإزاء الوجه الأول، أن يصلّي الثانية إلى غير الجهة التي صلّى إليها الأُولى، كما لو صلّى الظهر إلى الشمال مثلًا والعصر إلى المغرب أو الجنوب، وقد حكم في المتن ببطلان هذا الوجه، للعلم بفساد الثانية حينئذٍ، إما لفقد الاستقبال لو كانت القبلة في الجهة الأُولى، أو لفقد الترتيب لو كانت في الثانية.

قال سيدنا: «وهذا الذي أفاده «قد» وجيه».

بيانه: لو صلّى الظهر ما بين المشرق والجنوب وصلى العصر إلى الشمال سمتا، فلو كانت العصر هي الصحيحة، فتكون الظهر غير صحيحة، فلا يحرز ترتب العصر على ظهر صحيحة.

قال سيدنا: «أنّ العصر إذا لم تقع في الجهة التي صلّى إليها الظهر، بل كان منحرفاً ولو بمقدار يسير كعشر درجات أو أقل فضلًا عن خمس وأربعين لم يحرز ترتب العصر على الظهر الصحيحة، لاحتمال أن تكون العصر منحرفة عن القبلة بمقدار «تسع وثمانين درجة» مثلًا، بحيث يكون الانحراف عن هذا الحد إلى الجانب الذي صلّى الظهر ولو بدرجة واحدة موجباً للانحراف عن القبلة «بتسعين درجة»، فحيث‌ يحتمل انحراف الظهر عن القبلة بتسعين أو أكثر فلم يحرز صحتها، ومعه لا يمكن الدخول في العصر، لعدم إحراز شرط الترتيب بعد احتمال بطلان الظهر لكونها إلى غير القبلة، وهكذا الحال في الصلاة إلى بقية الجهات فلابّد من وقوع العصر إلى نفس الجهة التي صلى إليها الظهر».

ولكن، ما أفاده محل تأمل لأن المكلّف بعد الفراغ من الجهات يعلم إجمالًا بوقوع ظهرين صحيحتين ومترتبتين في إحداها، فصلاتان منهما وقعتا إلى القبلة فإن قلنا بشمول دليل العدول الذي هو يرى شموله فإن كان ما وقع إلى القبلة أولاً هو الاولى فقد تم المطلب وان كان هو الثانية بأن صلى العصر أولاً إلى القبلة ثم وقعت الثانية إلى نفس جهة القبلة فإن مقتضى دليل العدول ان يعتبر ما وقع أولاً هو الظهر والثانية هو العصر.

الثالث: أن يأتي بالثانية في كل جهة صلى إليها الاولى إلى أن تتم، فيصلي الظهر إلى الشمال مثلًا وبعدها العصر، ثم يصلي الظهر إلى الشرق وبعدها العصر، وهكذا إلى أن تتم الجهات.

وقد يناقش في ذلك من وجهين:

أحدهما: عدم إحراز شرط الترتيب المعتبر في صلاة العصر حين الإتيان بها، لاحتمال أن تكون الجهة غير القبلة، وما لم يحرز الترتيب لا يشرع الدخول فيها.

ويدفعه: أنّ الجهة التي صلّى إليها الظهر إن كانت هي القبلة. فالعصر مترتبة عليها، وإلّا فكلتا الصلاتين باطلة، فهو محرز للترتيب على تقدير الصحة.

وبعبارة أخرى: إنّما يعتبر الترتيب في صلاة عصر صحيحة مأمور بها دون ما لم يتعلق به الأمر، وإنما جيء به من باب المقدمة العلمية، الأجنبية عن ذات المأمور به بالكلية، فصلاة العصر إن كانت صحيحة مأموراً بها لكونها إلى القبلة فقد وقعت الظهر إليها أيضاً، فهو محرز للترتيب قطعاً لوقوعهما في جهة واحدة على الفرض، وإلا فليست هي من حقيقة الصلاة في شي‌ء لكون القبلة من الأركان، وهذا عمل عبث ولغو بصورة الصلاة، ولا دليل على اعتبار الترتيب في غير الصلاة المأمور بها كما هو ظاهر جدّاً.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 71
الدرس 73