نص الشريط
الدرس 76
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 6/4/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2524
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (383)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم الكلام في الصورة الثانية، وهي:

ما إذا تمكن من الموافقة القطعية لأي منهما؛ كما إذا أمكنه الإتيان بسبع صلوات؛ وقد أفاد سيدنا في هذا الفرض: بأنّ المكلف متمكن من الموافقة القطعية لصلاة الظهر، بأن يأتي بها إلى أربع جهات، ومتمكن من الموافقة القطعية لصلاة العصر كما تقدم.

وهنا اشكالات ثلاثة على كلامه:

الإشكال الاول: أن يقال في صورة ما إذا تمكن من سبع صلوات إذا جاء وقت الصلاة السابعة تعين أن تكون الصلاة عصراً، لأنّ الأمر بالظهر ساقط لا محالة، إمّا لامتثاله وإمّا لأنّ الوقت مختص بالعصر، فنفس هذا الكلام يقال في الصورة السابقة وهي: ما لو تمكن من خمس صلوات، فيقال في مثله: بأن يصلي الاولى ظهرا، ثم يصلي الأربع الباقية عصراً، فإذا وصل إلى العصر الرابعة قطع بأنّ الامر بالظهر ساقط، إمّا لامتثاله وإمّا لأنّ الوقت مختص بالعصر، فما هو المائز بين الصورتين؟، حيث اختار سيدنا في خمس صلوات افراغ الذمة من الظهر؛ وأمّا في صورة السبع صلوات قال: هو مخير بين أن يفرغ الذمة من الظهر أو أن يصلّي ثلاث صلوات ظهراً وأربعة عصراً، وعلل ذلك: بأنّه متى ما بقيت عليه الصلاة الأخيرة فيتعين أن تكون عصراً؛ والوجه في تعين ذلك: أنّ الظهر قد سقط أمرها وهو يأتي في صورة الخمس صلوات.

وبعبارة أخرى: إمّا أنّ الترتيب معتبر أو لا، فإن كان معتبرا: فمقتضاه الموافقة القطعية للظهر في كلتا الصورتين، إذاً: يجب عليه في الصورة الثانية أن يحرز فراغ الذمة من الظهر أولاً ثم ينطلق للعصر.

وأما أنّه غير معتبر: إذاً: مقتضاه التخيير في كلتا الصورتين، فما هو وجه التفريق؟.

ولكن، يجاب عن هذا الإشكال: أنّ هناك فرقاً بين الصورتين، ففيما لو تمكن من سبع صلوات، فقد ذكر سيدنا: أنّه يصلي الظهرين إلى جهة الشمال، ثم إلى جهة الشرق ثم إلى الغرب فتبقى جهة واحدة يصليها عصراً، وفي مثل هذا الفرع لا يحصل علم اجمالي ببطلان كلتا الصلاتين.

بينما في الصورة السابقة، وهي: ما إذا تمكن من خمس صلوات، هنا يحصل له علم اجمالي ببطلان اما الظهر أو العصر، لأنّه إن كانت الظهر إلى غير القبلة فقد فسدت، وإن كانت الظهر إلى القبلة فإن صلاة العصر لم تقع مترتبة على الظهر؛ إذاً فبالنتيجة: حيث يوجد فرق بين الصورتين لا مجال لأن يقال له: إمّا الترتيب معتبر فمقتضاه في كلتا الصورتين أن يفرغ الذمة أولاً؛ وأمّا الترتيب معتبر، فمقتضاه التخيير؛ فإننا نقول: الترتيب معتبر ما لم يصل إلى الصلاة الأخيرة، لأنّ الترتيب يسقط في الوقت الاختصاصي، ولأجل ذلك: لو خالف هذا الترتيب لحصل له العلم الاجمالي ببطلان إحدى الصلاتين إمّا الظهر أو العصر.

فنقول: أنّه بناء على أنّ الترتيب معتبر بين الصلاتين في مرحلة ما قبل وصوله إلى الوقت الاختصاصي لابُّد أن يصلّي كل صلاتين إلى جهة، لأنّه لو فرق بين الصلاتين لحصل له علم إجمالي ببطلان أحدهما، لأنّه لو صلّى الظهر إلى الشمال ثم العصر إلى المشرق والظهر إلى الجنوب والعصر إلى المغرب فإنّه يعلم ببطلان إحدى الصلاتين إجمالاً.

الإشكال الثاني: ما أشار إليه المعلّق على كلام سيّدنا وهو الشيخ البروجردي «قده» على هذا البحث: أنّه دعوى أنّ الترتيب ساقط في الوقت الاختصاص غير تامّة، لأنّ الترتيب إنّما يكون ساقطاً فيما لو لم يأت بالظهر حتّى لو صار الوقت الاختصاصي، فلو لم يأت بالظهر سقط اعتبار الترتيب لانَّ الأمر بالظهر سقط في حقه إمّا من كان في إطار الانقياد قبل أن يأتي الوقت الاختصاصي فإن الترتيب معتبر في حقه، وما دام يمكنه تحقيق الترتيب فإنّه يتعين عليه فدعوى أنّ الترتيب ساقط إذا بلغ المكلف الوقت الاختصاصي غير ظاهرة، وإنّما الترتيب ساقط إذا بلغ الوقت الاختصاصي إذا لم يأت بالظهر. وأمّا إذا كان في مقام الامتثال فالترتيب متنجز في حقه ما دام يمكنه تحقيق ذلك والمفروض أنّه يمكنه تحقيق ذلك.

ولكنّ هذا الاشكال مندفع، بأنّه:

تارة يكون المدّعى أنّ الترتيب ساقط فيمن لم يأت بالظهر ولو تعبدا. وتارة يدعى بأنّ الترتيب ساقط فيمن لم يأت بالظهر وجداناً.

فإن قلنا: بأنّ المستفاد من الدليل أنّ سقوط الترتيب موضوعه من لم يأت بالظهر ولو تعبّداً؛ فهذا لم يأت الظهر بمقتضى الاستصحاب، فيستصحب عدم الإتيان بأظهر إلى القبلة فيتنقح بذلك موضوع سقوط الترتيب، فإنّ سقوطه فيمن بلغ الوقت الاختصاصي موضوعه من لم يأت بالظهر، وهذا لم يأتي بالظهر بمقتضى الاستصحاب.

وإن قلتم: بأنّ موضوع سقوط الترتيب من لم يأت بالظهر وجدانا حتّى بلغ الوقت الاختصاصي؛ سقط الترتيب في حقه ولا يمكنه التمسك بدليل سقوط الترتيب، لأنّه تمسك بالترتيب بالشبهة المصداقية.

والجواب: صحيح أنّ هذا المكلف في هذا الفرض لا يمكنه الرجوع إلى دليل سقوط الترتيب، ولكنّه لديه علم من الخارج أنّ الأمر بالظهر ساقط جزماً، إمّا لأنّه امتثل، بأن وقعت الظهر التي أتى بها إلى القبلة، وإمّا لأنّه مأمور بالعصر في الوقت الاختصاصي.

الإشكال الثالث: ما أشار إليه سيد المستمسك في محل الكلام: أنّه إذا دار الأمر بين الظهر والعصر؛ كما إذا تمكن من سبع صلوات، قال: أنّ الترجيح للظهر، لأنه «وإن لم تحرز أهمية إحدى الصلاتين من الأُخرى، إلا أن الظهر لما كانت شرطاً في صحة العصر بمقتضى الترتيب المعتبر بينهما، فالأمر بالعصر يدعو إلى فعل الظهر كما يدعو إلى فعل العصر، فقد تعلق بالظهر أمران أمر بها بنفسها وأمر آخر ينشأ من قبل الأمر بالعصر لكونها مقدمة لها، فالإتيان بالظهر امتثال لأمرها ولأمر العصر معاً. وعليه: فلا يجوّز العقل فعل العصر وترك الظهر، إذ ليس في فعلها إلّا امتثال وجوبها لا غير، وهذا المقدار كاف في الترجيح».

وأجاب سيّدنا بأنّ ذلك مدفوع:

«أوّلًا: بعدم اتصاف المقدمة بالوجوب الغيري - لأنّ الأمر بالمشروط ليس أمراً شرعياً بالشرط وإنّما هو بحكم العقل -، فلم يتعلق بالظهر إلّا أمر واحد كالعصر.

ثانياً: لو سلم، فالتحقيق: أنّ الواجب إنّما هي المقدمة الموصلة دون غيرها، ولا علم بالإيصال في المقام، بل قد تكون المقدمة مفوّتة لذيها لا موصلة إليها، كما لو استكمل جهات الظهر الأربع وصلّى العصر بعد ذلك إلى جهات ثلاث وكانت القبلة واقعاً في الجهة الرابعة التي لم يصل إليها».

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 75
الدرس 77