نص الشريط
الدرس 77
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 7/4/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2546
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (334)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

كان الكلام في الصورة الثانية، وهي: ما إذا كان المكلّف متمكناً من سبع صلوات، وقد أختار المكلف أنّه مخير بين الموافقة القطعية بين أن يأتي بصلاة الظهر أولاً إلى أربع جهات، ثم بثلاثة بقصد العصر. أو الموافقة القطعية لصلاة العصر.

وقد يُشكل على كلامه بعدة إشكالات:

الإشكال الأول: إنّ دليل الترتيب وهو قوله : «إذا زالت الشمس وجبت الصلاتان إلّا أنّ هذه قبل هذه»، هل له إطلاق بحيث يشمل فرض تعذر الموافقة القطعية لكلا الفرضين أم لا؟.

فإذا قلنا: إنّ دليل الترتيب منصرف إلى فرض إمكان إحراز امتثال كلا الفرضين وليس له إطلاق حتّى لفرض عدم إمكان إحراز الامتثال وإن احرز امتثال إحداهما ولكن لا يحرز امتثال كليهما، فلا إطلاق لدليل الترتيب لمثل هذا الفرض.

إذا قلنا بذلك فمقتضاه: أن لا يصلي الظهرين معاً إلى كل جهة، بل يصلّي الظهر إلى جهة والعصر إلى جهة أخرى، فلا يصلّي كل ظهرين إلى جهة إذ إنّ الترتيب غير معبر. كما لا يلزمه لو تمكن من خمس صلوات أن يصلّي الظهر أولاً ثم يصلّي العصر، فإنّ ذلك يلزمه لو قلنا بشرطية الترتيب.

وأما إذا قلنا كما هو المختار: أنّ دليل شرطية الترتيب دالٌّ على شرطيتها واقعاً، أي أنّ الترتيب شرط واقعي في المقام، سواء علم المكلف تفصيلاً بالامتثال أم لا، فشرطية الترتيب إنّما تسقط في فرض النسيان، أمّا في فرض الالتفات أمكنه إحراز الامتثال أم لا، فإنَّ دليل شرطية الترتيب مطلق شامل بالنسبة إليه.

بناءً على ما ذكره، قد يقال: بأنّه إذاً لابُّد في هذه الصورة - وهي إذا تمكن من سبع صلوات - من مراعاة الترتيب ومراعاة الترتيب إنّما تتأتى بأن يصلي الظهر أولاً إلى أربع جهات، فإذا احرز الفراغ منها صلّى العصر حيث يحرز بذلك أنّ العصر إن صحت فهي مترتبة على ظهر صحيحة. كما قلنا بذلك في الصورة السابقة.

ولكن الجواب عن هذا الاشكال: بأنّ مبنى سيّدنا هو اعتبار الترتيب وشموله لمثل هذا الفرض؛ ومقتضى شموله لمثل هذا الفرض: أنّ المكلف مخير بين أن يصلي الظهر إلى أربع جهات ثم يشرع بالعصر، فيكون قد احرز الترتيب واحرز الموافقة القطعية لصلاة الظهر. وبين أن يصلي الظهرين إلى ثلاث جهات فتبقى صلاة واحدة فيصليها عصراً إلى الجهة الرابعة، فيكون قد أحرز الموافقة القطعية لصلاة العصر وأحرز الترتيب أيضاً، فالترتيب محرز على كل سواء حقق الموافقة القطعية لصلاة الظهر أو حقق الموافقة القطعية لصلاة العصر، فإنّ الترتيب محرز على كل حال. والسر في ذلك:

أنّ الترتيب إنّما هو معتبر في الوقت المشترك لا المختص، فإذا كان الترتيب معتبراً في الوقت المشترك فمتى صلى الظهرين إلى الشمال ثم صلى الظهرين إلى الغرب ثم إلى الشرق فهو يحرز أنّ العصر لو كانت صحيحة في أي جهة من الجهات فهي قد وقعت مترتبة على الظهر، أي أنّه يقطع بعدم إخلاله بالترتيب في الصلوات، إذ إنّ أيّ جهة صادقت القبلة فقد وقعت العصر فيها بعد ظهر صحيحة.

وأمّا بالنسبة إلى الصلاة الباقية، حيث إنّها دخلت في الوقت المختص، فحينئذٍ بناء على سقوط الترتيب لسقوطه بانتفاء القدرة عليه، فلا محالة حينئذٍ يتعين الإتيان بالصلاة السابعة عصراً إلى الجهة الرابعة كي يحرز الموافقة القطعية، لصلاة العصر. فهو يقول: أنا قاطع بأنني صلّيت عصراً صحيحة بعد الظهر المأمور بها، إذ لا أمر بالظهر في الوقت الاختصاصي. والمقصود بالترتيب: أن يصلّي عصراً بعد ظهر مأمور بها.

فإن قلت: بأنّه إذا صلّى الظهرين إلى جهة الشمال، ثم إلى الغرب وبقي جهة الشرق التي هي الثالثة فيلزمه الآن أن يصلي ظهراً إلى الشرق وظهراً إلى جهة الجنوب. لأنّه كذلك يحرز الترتيب والفراغ من الترتيب، بينما لو صلّى ظهراً وعصراً إلى الشرق يكون قد فوّت الظهر على نفسه، لأنّه فوت ما هو مأمور به لأنّه ما زال في الوقت المشترك، فلو صلّى ظهراً وعصراً إلى جهة الشرق لكانت العصر إلى الشرق مفوتة لصلاة الظهر في الوقت المشترك، وعليه تكون العصر مبغوضة ولا تقع مقربة.

قلت: من صلّى الظهرين إلى الشمال والغرب ثم صلّى ظهراً إلى جهة الشرق فبقي أمامه خياران: إمّا أن يصلي العصر إلى الشرق، أو الظهر إلى الجنوب، فإن صلّى الظهر إلى الجنوب أحرز الموافقة القطعية بالنسبة إلى الظهر؛ وإن صلّى العصر إلى الشرق أحرز الموافقة القطعية للعصر. وحيث إنّ الأمران فعليان في حقه - الأمر بالظهر والعصر - ولم يحرز أهمية أحد الفرضين فلديه مقدار أربع ركعات، إمّا أن يصليها ظهراً إلى الجنوب أو عصراً إلى الشرق، فدخل المورد في باب التزاحم، وإذا تزاحم الفرضان ولم يكن مرجح لأحدهما على الآخر فمقتضى القاعدة: التخيير بينهما.

وهذا الذي ذكره سيدنا: فلو قدم العصر لم تكن مفوتة للظهر، وإنّما هي مفوتة للموافقة القطعية للظهر لا لنفس الظهر، وما يكون قبيحاً تفويت نفس الظهر لا الموافقة القطعية، فإنّه سيحرز الموافقة القطعية للعصر.

إذاً بالنتيجة: يبقى المكلف مخيّراً بين الطريقتين، وهو ما ذكره سيّدنا.

أمّا بالنسبة إلى الصور السابقة، وهي: ما إذا تمكن المكلف من خمس صلوات. وقد اختار سيدنا: تعين افراغ الذمة من الظهر أولاً بصلاة الظهر إلى أربع جهات، ثم صلاة العصر إلى جهة.

فقد يقال: لماذا لا ينهج نهج الصورة الثانية بأن يصلي الظهرين إلى جهة الشمال ثم يصلي الظهرين إلى الشرق ثم يصلي العصر إلى جهة من الجهات، أو يصلي الظهر إلى جهة ثم العصر إلى أربع جهات فيحرز الموافقة القطعية لصلاة العصر؟!.

قلنا: أمّا بالنسبة إلى النحو الأول: فإنّه سيفقد الموافقة القطعية لكلا الفرضين. وقد أفاد سيدنا: أنّه متى دار الأمر بين موافقة قطيعة لأحد الفرضين أو احتمالية لكليهما فإنّ الأول أولى عقلاً. لو صلّى الظهر إلى جهة الشمال مثلاً، ثم صلّى العصر إلى الجهات الأربع، فهو يقول: إنّ العصر التي وقعت إلى جهة الشمال لا يحرز بطلانها، إذ لعل جهة الشمال هي القبلة، وبالنتيجة: مترتبة على الظهر فقد وقعت صحيحة. ولكن كل عصر صلاها إلى غير جهة الشمال فهو يقطع تفصيلا ببطلانها، إمّا لعدم القبلة أو لعدم الترتيب، فلا محالة كل عصر صلاها إلى غير جهة الشمال فهي باطلة قطعا، لأنّه إن كانت القبلة في الشمال فهي فاقدة للقبلة، وإن كانت القبلة في نفس جهتها فهي باطلة لفقد الترتيب، ما سوى العصر في الوقت المختص، ومع وجود قطع تفصيلي ببطلان كل صلاة صلاها إلى غير الجهة التي صلّى إليها الظهر.

بالنتيجة: في هذه الصورة يتعين عليه إفراغ الذّمة من الظهر.

الإشكال الثاني: ما ذكره السيد الحكيم في مستمسكه: بأنّ تقديم الظهر له مرجّح على العصر، حيث إنّ في تقديم الظهر امتثالاً لأمرين: الأمر بالظهر، والأمر بالعصر، فإنّ الأمر بالعصر أمر بالظهر ما دامت العصر المأمور بها هي المسبوقة بالظهر، فإذا أتى بالظهر وصلّاها إلى أربع جهات ثم صلّى العصر إلى ثلاث جهات فقد امتثل أمرين، بخلاف ما لو صلّى الظهر إلى ثلاث جهات والعصر إلى أربع جهات، فهو لم يمتثل إلّا الأمر بالعصر.

وأشكل عليه سيّدنا بإشكالين طوليين:

«أوّلًا: بعدم اتصاف المقدمة بالوجوب الغيري كما حقق في الأُصول «وفاقاً للمحقق الاصفهاني»، فلم يتعلق بالظهر إلّا أمراً واحداً كالعصر.

ولكن السيد الحكيم غير ناظر بهذا، ولا يبتني على كلامه أنّ الأمر بالمقدمة أمر شرعي أو عقلي، وإنّما منظوره أن المستفاد من دليل الترتيب وهو قوله: «إذا زالت الشمس وجبت الظهر والعصر الا ان هذه قبل هذه» أنّ الشرط في صحّة العصر الإتيان بالأربع الأولى بقصد الظهر، فهذا بأمر شرعي لا يبتني على أنّ الأمر بالمشروط أمر غيري بالشرط، بل لقيام دليل خاص في المسألة؛ فالسيد الحكيم يقول: لا محالة من كان مأموراً بالظهرين فهو مأمور بثمان ركعات. إلّا أن الدليل قام: على أنّه إنّما تصح الأربعة الثانية إذا قصد بالأربعة الأولى الظهر.

وثانياً: لو سلم فالتحقيق: أنّ الواجب إنّما هي المقدمة الموصلة دون غيرها، ولا علم بالإيصال في المقام، بل قد تكون المقدمة مفوّتة لذيها لا موصلة إليها، كما لو استكمل جهات الظهر الأربع وصلّى العصر بعد ذلك إلى جهات ثلاث وكانت القبلة واقعاً في الجهة الرابعة التي لم يصلِّ إليها العصر، فإنّ الإتيان بالظهر في هذه الجهة مفوّت لإتيان العصر إليها، إذ المفروض عدم سعة الوقت لأكثر من سبع صلوات، فالإتيان بالمقدمة ربما يؤدي إلى انهدام ذي المقدمة وتفويته رأساً فضلًا عن أن توصل إليه».

ويمكن أن يجاب عن ذلك: بأنّه حتّى لو سلّمنا أن الواجب الغيري هو المقدمة الموصلة؛ فإنّ السيد الحكيم يقول: يجب أن تكون الظهر مقدمة موصلة للعصر المأمور بها والعصر المأمور بها هو أن يصليها إلى ثلاث جهات لعدم القدرة من الصلاة إلى أربع جهات. فمن صلّى الظهر إلى أربع جهات من باب أنّها مقدمة على العصر، لأنّ فيها امتثالا لأمرين، فإذا كانت الظهر مقدمة على العصر لأنّ في الإتيان بها امتثالا لأمرين فالعصر المأمور بها هي العصر لثلاث جهات.

والإشكال عليه لابُّد أن يكون في الكبرى: هل أنّ ما ذكره كاف في المرجحية أم لا؟.

قد يقال: أنّه غير كاف، لأنّ المرجّح الثاني ليس أمراً نفسياً ذا ملاك في متعلقه بحيث يكون المكلّف مستحقاً للعقوبة على ترك امتثاله، فمجرد أنّه امتثل أمراً غيرياً بالإضافة إلى الأمر النفسي لا يشكل مرجحاً للظهر على العصر.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 76
الدرس 78