نص الشريط
الدرس 78
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 10/4/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2601
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (285)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

لازال الكلام في الصورة الثانية، وهي: ما لو قدر المكلف على سبع صلوات.

وقد أفاد سيدنا الخوئي: بأنّ المكلف مخير بين الموافقة القطعية لصلاة الظهر بأنّ يصليها لأربع جهات ثم العصر لثلاثة، وبين الموافقة القطعية لصلاة العصر.

وقلنا: بأنّ في قِبال هذا المسلك من ذهب إلى تعين الظهر، فلابُّد من تحصيل الموافقة القطعية لصلاة الظهر.

وممن ذهب إلى ذلك: المحقق النائيني واستدل على ذلك: بكبرى أصولية، أسسها في باب التزاحم. ومحصلّها:

إذا وقع التزاحم بين واجبين مترتبين سواء كانا مترتبين عقلاً أو شرعاً مع فرض أنّ الوجوبان فعليان، وأن لا أهمية لأحدهما على الآخر، غاية ما في الباب أنّ أحدهما سابق على الآخر، كما لو نذر صوم يومي الخميس والجمعة ولكنّه الآن عاجز عن صومهما معاً، فإمّا أن يصرف قدرته عن صوم يوم الخميس فيعجز عن يوم الجمعة أو يؤجل قدرته عن الجمعة ويترك صوم يوم الخميس، وإلّا فهو غير قادر على الجمع بين الامتثالين، فهنا: المفروض أنّ الوجوبين، أي: وجوب الوفاء بالنذر فعلي في كليهما فيجب أن يصوم يوم الخميس والجمعة، لأنّ المقام من قبيل الواجب المعلق لا المشروط، أي: أن الوجوب فعلي وإن كان الواجب استقبالي. أو دار الأمر بين أن يقوم في صلاة الظهر أو العصر، فمع فرض أن الوجوبان فعليان وإن كان أحد الواجبين استقبالياً والآخر حاضراً، ولا أهمية لأحدهما على الآخر، فهل هناك مرجح أم لا؟، فقد أفاد الشيخ النائيني: أن الترجيح للسابق، والسر في ذلك: أنّ مقتضى فعليّة الوجوب وفعليّة القدرة حيث إنّه قادر على الامتثال أن لو أجلّ قدرته للواجب الاستقبالي - أي لصوم يوم الجمعة أو لصلاة العصر - كان عاصياً للخطاب الأول أو معجز نفسه عن امتثاله بسوء اختياره وهو قبيح عقلاً.

بخلاف ما لو صرف قدرته في امتثال الواجب السابق، فلما جاء وقت الواجب الثاني كان عاجزاً تكويناً، فيسقط خطاب الوفاء بالنذر في صوم اليوم الثاني لعجزه لا لعصيانه؛ أو تعجيز نفسه. فالنكتة في تقديم السابق: هي دوران الأمر بين سقوط خطاب بالتعجيز أو بالعجز، والمتعين عقلاً هو سقوط الخطاب بالعجز.

هذا في المترتبين عقلاً فكيف بالمترتبين شرعاً؟!. أي: بأن يكون الثاني مترتباً شرعاً على الأول؛ كما لو افترضنا أنّه دار الأمر بين صرف قدرته في الركوع أو في السجود، وقلنا في التزاحم في الواجبات الضمنية كما هو مسلكه فإنّه في مثل هذا الفرض يكون حكم العقل بلزوم صرف القدرة في السابق أوضح، لأنّه لا خطاب له باللاحق إلّا عند القدرة عليه، والقدرة عليه متقيدة شرعاً بالفراغ عن امتثال السابق، فمقتضى تقيد صحّة اللاحق بامتثال السابق: تعين صرف قدرته في السابق. وتطبيق ذلك على محل كلامنا هو أنّه في محل الكلام يدور أمره بين أن يفرغ ذمته من الظهر أولاً بالصلاة إلى أربع جهات ثم يشرع في امتثال العصر، أو أنّه مخير بين الأمرين، بمعنى: أنّه يشرع في امتثال العصر قبل أن يفرغ ذمته من امتثال الظهر. فيقول النائيني: إذا دار الأمر بين صرف القدرة في السابق أو اللاحق، وقلنا أنّ المتعين صرفها في السابق.

والتعليق على كلامه بأمور ثلاث:

الأمر الأول: أنّ ما أفاده من تقديم السابق زماناً غير تام، والسر في ذلك:

أنّ العقل كما يحكم بلزوم صرف القدرة في الواجب السابق زماناً لأجل أنّه يحرز الملاك الفعلي في حق المكلف، فإنّ العقل يحكم كذلك - بالضرورة - بلزوم حفظ القدرة على استيفاء ملاك ملزم في ظرفه، ولا فرق بينهما ما دام الملاكان متساويان، فإنّ العقل كما يحكم بلزوم استيفاء الملاك الفعلي لقدرة المكلف على استيفائه، فإنّه يحكم بقبح تفويت الملاك في ظرفه، أي: بلزوم حفظ القدرة على استيفاء الملاك الملزم في ظرفه.

وهذا بحسب الملاك وكذلك في الخطاب، فبما أنّ الخطابان فعليان في حقه، فكما أنّ العقل يلزمه بصرف القدرة في لزوم امتثال الخطاب الأول، فكذلك يلزمه بحفظ القدرة على امتثال الخطاب الثاني، وبالتالي: مجرد سبق أحدهما زماناً لا أثر له بنظر العقل.

الأمر الثاني: إذا افترضنا أن للمتعلق بدلاً، كما إذا قال: «إذا قوي فليقم في صلاته، وإن لم يقوى فليصلي جالساً»، فإذا نظرنا إلى هذا الدليل فإذا قوي فليقم. فبحسب المتبادر العرفي يصدق الشق الأول في حقه دون الثاني. فإذا دار أمره بين أن يقوم في الركعة الأولى دون الثانية، وهو غير قادر على كلا الركعتين، يصدق في حقه: «إذا قوي فليقم ولا يصدق وان لم يقوى فليصلي جالسا»، فبما أنّ دليل المبدل صادق في حقه عرفاً، حيث يقال عرفاً: أنت ممن قوي فأنت ممن خوطب بقوله: «فليقم» فصرف قدرته في القيام في الركعة الأولى، وشمله دليل البدل في الثاني. فالمرجح في السابق زماناً ليس مجرد السبق الزماني، وإنّما الصدق العرفي لدليل المبدل في حقه بالنسبة إلى الزمان الأول، لذلك نقول: أنّ مجرد السبق الزماني ليس مرجحاً وإنّما إذا كان للدليل بدل بلحاظ متعلقه صدق بالنسبة إلى السابق زماناً أنّه مخاطب بدليل المبدل.

وهذا لا يشمل من دار أمره بين أن يصوم في يوم الخميس أو الجمعة، نعم قد يشمل من دار أمره بين القيام في صلاة الظهر والقيام في صلاة العصر.

الأمر الثالث: لا فرق فيما ذكر بين المترتبين عقلاً والمرتبتين شرعاً، لأنّ امتثال الأمر بالسجود مثلاً مترتب على صحة الركوع لا الركوع الاختياري، حتّى يقال أنّ المتعين صرف القدرة في الركوع كي يحصل الترتب، نعم لو استفدنا من الدليل أنّ صحة السجود مترتبة على الركوع الاختياري فنفس الدليل يدل على لزوم صرف القدرة في الركوع إذ لولا صرف القدرة في الركوع لما صحّ السجود، لأنّه مترتب على الركوع الاختياري، وأمّا إذا كان مفاد الدليل أن صحّة السجود متوقفة على صحّة الركوع، وصحّة الركوع بامتثال أمره في ظرفه الأعم من أن يكون اختيارياً أو اضطرارياً، فيعود البحث: في أنّ من قصرت قدرته على الجمع بين الركوع والسجود فإمّا أن يركع اختياراً فيسجد إيماءً أو العكس، فإنّ العقل لا يرى السبق الزماني مرجحاً ما دام كما يحكم بلزوم صرف القدرة في الامتثال الفعلي يحكم بلزوم حفظ القدرة في الواجب الاستقبالي.

وبذلك اندفع تطبيق هذه الكبرى على محل كلامنا، وهو: ما إذا دار الامر بين الموافقة القطعية لصلاة الظهر أو لصلاة العصر، فمن هذه الجهة الصحيح ما ذكره سيدنا. هذا تمام الكلام في الصورة الثانية.

أمّا الصورة الثالثة، وهي: ما إذا لم يمكنه الموافقة القطعية لأي منهما، كما إذا لم يمكنه الصلاة خمس مرات، بل أقل من ذلك. وهذه الصورة قسّمها سيّدنا إلى أنحاء ثلاثة:

النحو الأول: إذا كان الباقي مقدار صلاتين، فقد أفاد: أنّه لا ينبغي الإشكال في تعين صرف الأول في الظهر والثاني في العصر، وهنا مطلبان:

المطلب الأول: في أنّه يلزم التوزيع بأنّ يصرف الأول في الظهر لأنّه في الوقت المشترك وقادر على امتثال أمرها وأن يصرف الثاني في العصر لأنّه في الوقت المختص.

وبعبارة أخرى: لا يمكن جعلهما ظهرين، لأنّ الثانية في الوقت المختص، ولا يمكن جعلهما عصرين، لاستلزامه ذلك القطع بعدم الترتيب، فتعين التوزيع. إلّا إذا قلنا بمطلب الشهيد الثاني: بأنّ المراد بالوقت الاختصاصي ما يحرز به الامتثال القطعي، فمقتضاه تقديم العصر.

المطلب الثاني: هل يتعين أداء صلاة العصر لنفس جهة الظهر أم لا؟.

أفاد سيّدنا: أنّه مخير؛ لأنّه لو صلّى العصر إلى جهة أخرى فقد أخل بالترتيب، ولكنّه لا يشترط اعتباره في الوقت الاختصاصي.

ولكن قد يقال: بأنّ دليل الترتيب إنّما يسقط في الوقت الاختصاصي لمن لا يقدر على حفظه كمن نام فلم يستيقظ إلّا بمقدار أربع ركعات، أو أخّر عمداً إلى أن بقي مقدار أربع ركعات، فإنّه لا يمكن تحقيق شرط الترتيب جزماً، فمثله يقال بسقوط دليل الترتيب. فالسقوط لا لأجل أنّ الوقت هو الوقت الاختصاصي بل لعدم قدرة المكلف عليه، ومع إمكان الترتيب كمن بقي له صلاتان وقلنا بأنّ عليه بأن يصرف الأولى في الظهر لكون الوقت مشتركاً فإنّه يتعين عليه أن يصرف الثاني في العصر إلى نفس الجهة لأنّه لو صرفها في جهة أخرى فقد جزم بمخالفة الترتيب، ومن يمكنه مراعاة الترتيب ولو من جهة فيتعين عليه ذلك، إذاً: لا موجب لسقوط الترتيب في الوقت الاختصاصي إلّا العجز والمكلف في مفروض الكلام ليس بعاجز.

النحو الثاني: «وأمّا إذا كان الباقي مقدار ثلاث صلوات فلا إشكال في لزوم صرف الأول في الظهر والأخير في العصر كما علم مما مرّ آنفاً، إنّما الكلام في المتخلل بينهما فهل يصرف في الظهر ويورد النقص على العصر كما اختاره في المتن، أم يعكس، أم يتخير؟.

أفاد سيدنا: ”الأقوى هو الأخير، إذ لا يتيسّر للمكلف أكثر من الموافقة الاحتمالية في كل منهما على الفرض وبما أنّ الوجوبين عرضيان وفي حدّ سواء من دون ترجيح في البين، ولا احتمال لأهمية إحدى الصلاتين، فاللازم هو التخيير‌ في إيراد النقص على أي منهما شاء، فله أن يصلي الظهر أوّلًا إلى جهة، ثم ثانياً إلى جهة أُخرى، ثم يصلي العصر حيث شاء فيورد النقص عليها، كما له إيراد النقص على الظهر فيصلّيها إلى جهة ثم يأتي بعصرين إلى جهتين“، لكن اللازم حينئذ أن يأتي بالعصر الاولى إلى الجهة التي صلى إليها الظهر، إذ لو صلاها إلى جهة أُخرى لم يكن محرزاً للترتيب اللازم رعايته بعد بقاء الوقت المشترك كما مرّ، لاحتمال كون القبلة في نفس هذه النقطة التي صلى إليها العصر فتكون الظهر الأُولى فاسدة ومفسدة للعصر أيضاً لفوات الترتيب».

أقول:

ذكرَ بعض المعلقين على العروة: أنّه في هذه الصورة يقدم الظهر لاحتمال أهميتها؛ والوجه في ذلك: أنّها هي الصلاة الوسطى.

إلّا أن يقال: أنّ ظاهر هذا الدليل لزوم التحفظ على الصلاة الوسطى من حيث مزاحمتها لأمور المعاش، فتقدم الظهر في أول وقتها على أمور المعاش ولا دلالة في الآية على تقديم الظهر على العصر عند التزاحم بينهما في تحصيل الموافقة القطعية فضلاً عن الاحتمالية كما في فرضنا.

ثم على مبنى سيدنا: بالنسبة «للعصر الأخيرة فحيث إنّ الترتيب ساقط فيها لأجل وقت الاختصاص، فله الإتيان بها في أي جهة شاء».

ثم ذكر سيدنا: «نعم، لا جزم بالبطلان، لاحتمال كون القبلة في الوسط الحقيقي بين الجهتين فتكون العصر الأولى مع الظهر السابقة كلاهما إلى القبلة، لعدم كون الانحراف في شي‌ء منهما أكثر من خمس وأربعين درجة، فيحصل بذلك: الترتيب أيضاً، إلّا أنّ هذا مجرد احتمال معارض باحتمال الخلاف، ولابّد من الإتيان بعصر يحرز معه الترتيب لو كان إلى القبلة، ولا يكون ذلك إلا بالإتيان في نفس الجهة التي صلى إليها الظهر».

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 77
الدرس 79