نص الشريط
الدرس 79
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 11/4/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2498
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (279)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم: أنّ من كانت وظيفته الصلاة إلى أربع جهات ولم يتمكن إلّا من أربع صلوات فما دون؛ أنّ المتصور فيه ثلاثة أنحاء، بقي الكلام في نحوين:

ووصل الكلام إلى ما لو تمكن من «مقدار أربع صلوات»: فهنا مطلبان:

المطلب الأول: أنّ الوظيفة هي التخيير في المتوسطة بمعنى أنّ يصلي الأولى ظهراً والأخيرة عصراً، وما بينهما صلاتان، وهو مخير بين أن يجعل هاتين الصلاتين ظهراً، أو عصراً، أو يفرق بينهما، بأن يصلّي عصراً ثم يصلّي ظهراً.

والسر في التخيير: أنّه مع عدم إمكان الموافقة القطعية تصل النوبة إلى الموافقة الاحتمالية، وهي تكفي بأي نحو من الأنحاء.

المطلب الثاني: لا ريب في أنّه يلزمه الإتيان بالعصر المسبوقة بالظهر إلى جهة الظهر، إذ لو لم يأت به كذلك لم يحرز الترتيب مع اشتراطه، فإنّ مقتضى كون الوقت مشتركاً اعتبار الترتيب بين الفريضتين، فإذا صلّى العصر إلى نفس جهة الظهر أحرز صحّة الصلاة من حيث الترتيب، نعم يحتمل البطلان من جهة أخرى وهي فقد القبلة، ولكنه يجزم أنّه لم يخل بالصلاة من حيث الترتيب، لأنّه أوقع العصر إلى نفس جهة الظهر.

هذا بالنسبة إلى العصر الاولى - اي المسبوقة بالظهر -. وبالنسبة للصلاة الثانية وهي الثالثة بحسب العدد: إن صلاها ظهراً فلا ريب في أنّه يختار أي جهة شاء، ولكن إن صلاها عصراً فهل هو مخير في أي جهة شاء، بأن يصلّي الظهر أو العصر إلى جهة الشمال ثم يصلّي عصراً إلى جهة الجنوب.

فهل هو مخير أم يتعين أن يصلّي العصر الثانية إلى نفس الجهة التي صلّى الظهر؟.

الصحيح: هو تعين ذلك؛ لأنّه متى ما صلّى الظهر إلى جهة فأيّ صلاة يأتي بها بعنوان العصر يلزمه أن يصليها إلى نفس جهة الظهر، والوجه في ذلك: أنّ مقتضى اعتبار الترتيب على مبنى سيّدنا. فحينئذٍ: إن كان البعد بين جهة صلاة العصر وجهة صلاة الظهر اكثر من «60 درجة» فيعلم تفصيلا ببطلان العصر، إما لفقد الترتيب، وإما لوقوعها لغير القبلة، فإنّه إن كانت الظهر التي صلاها للقبلة فصلاة العصر باطلة، لوقوعها إلى غير القبلة، وإن كانت الظهر التي صلاها لغير القبلة فصلاة العصر باطلة، لفقد الترتيب.

وأمّا يعلم المكلّف ببطلانه تفصيلاً لا يصح أن يكون مقدمة علميّة بنظر العقل، فإنَّ العقل إذا حكم بلزوم الموافقة القطعية مثلاً أو الموافقة الاحتمالية فيتعين أن يكون المأتي به مقدمة علمية لتحصيل الموافقة، وما يقطع ببطلانه تفصيلاً إمّا لفقد الترتيب أو القبلة لا يصلح أن يكون مقدمة علمية للامتثال. وأمّا إذا لم يعلم أن البعد كذلك، ويحتمل أن البعد لا يزيد عن «45 درجة» مما يغتفر فيه الانحراف لو كان الظهر أو العصر إلى القبلة ففي مثل هذا المورد صحيح أنّه لا يلتزم بالبطلان، ولكنّه يحتمله فمقتضى اشتراط الترتيب في حقه أنّ يحرز الموافقة القطعية للترتيب فعدم إحراز المخالفة القطعية لا يلغي لزوم الموافقة القطعية.

ولكن في عبارة المقرر لكلام سيّدنا قال: «ومما ذكرنا يظهر الحال فيما لو بقي من الوقت مقدار أربع صلوات فإنّ الأول والأخير مختص بالظهر والعصر، وفي الثنتين المتخللتين مخير بين الأمرين، فله الصرف في الظهر فيأتي بالظهر إلى ثلاث جهات ثم بالعصر حيث شاء، وله الصرف في العصر فيصلي الظهر والعصر إلى جهة ثم يأتي بعصرين في جهتين».

أقول: مع أنّ هذه العصر التي هي الفرد الثالث من الصلاة، إمّا يقطع ببطلانها تفصيلا أو لا يحرز معها رعاية شرطية الترتيب، وهذا مناف لمبانيه في «ص466»، حيث أصّر على لزوم مراعاة شرطية الترتيب. وهذه الصلاة الثالثة: إن كان الإتيان بها بعنوان العصر لغواً لأنّه أتى بعصر إلى نفس جهة الظهر فليصليها ظهراً لا أنّه يصلّيها عصراً إلى جهة ثالثة.

أمّا العصر الرابعة: فقد تقدم: أنّ سقوط شرطية الترتيب مورده ما إذا لم يتمكن من الإتيان بصلاتين، إما إذا تمكن فالثانية وإن وقعت في الوقت المشترك ولكن ما دام يمكنه التحفظ على شرطية الترتيب فيتعين عليه ذلك.

تنبيه:

ذكر سيد العروة: «ولكن في الظهرين يمكن الاحتياط بأن يأتي بما يمكن من الصلوات بقصد ما في الذمة فعلًا، بخلاف العشاءين لاختلافهما في عدد الركعات».

وقد شرحه سيدنا: «يريد به الاحتياط في موارد الخلاف في تقديم الأُولى أو الثانية، أو إيراد النقص على الاولى أو الثانية، ففيما إذا لم يبق من الوقت إلّا مقدار أربع صلوات أو أقل يصلّي الأربع مثلًا إلى أربع جهات بقصد ما في الذمة، المردد بين الظهر والعصر رعاية للقولين الموجودين في المسألة، وفيما إذا كان الباقي أزيد من الأربع وأقل من الثمان يأتي بما هو مكمل للأُولى بالقصد المزبور حذراً عن الخلاف المذكور، أمّا في غير المكمّل فلا مقتضي لقصد ما في الذمة كما هو واضح. وبالجملة: فهذا الاحتياط إنما هو من أجل الخروج عن شبهة الخلاف - فليس احتياطاً متعيناً -، لا لإدراك الواقع وتحصيل الموافقة القطعية لكل من الصلاتين كما لا يخفى. ثم إن مورد هذا الاحتياط إنما هو ما عدا الصلاة الأخيرة، أما هي فالمتعين فيها إتيانها عصراً، لعدم احتمال الظهر فيها، للقطع بسقوط أمرها إما للامتثال أو لخروج الوقت فلاحظ».

فنقول: بناءً على ما أفيد في هذا التنبيه: فإنّه إذا أتى بالظهر والعصر الأولى إلى جهة، فمقتضى الإحتياط: أنّه فيما بعدها أن يأتي به بقصد ما في الذمة إلى جهات أخرى لا بقصد خصوص العصر.

«مسألة 16»: الظاهر جريان حكم العمل بالظن مع عدم إمكان العلم والتكرار إلى الجهات مع عدم إمكان الظن في سائر الصلوات غير اليومية بل غيرها، مما يمكن فيه التكرار، كصلاة الآيات وصلاة الأموات، وقضاء الأجزاء المنسية وسجدتي السهو، وإن قيل في صلاة الأموات بكفاية الواحدة عند عدم الظن مخيراً بين الجهات أو التعيين بالقرعة، وأمّا فيما لا يمكن فيه التكرار كحال الاحتضار والدفن والذبح والنحر، فمع عدم الظن يتخيّر، والأحوط القرعة.

بيان هذا المطلب:

«إنّ غير الصلوات اليومية مما يعتبر فيه الاستقبال سواء أكانت صلاة أيضاً كصلاتي الآيات والأموات، أم لا، كقضاء الأجزاء المنسية وسجدتي السهو على القول باعتبار الاستقبال فيهما، والذبح والدفن ونحوها؛ تارة يفرض حصول الظن ب «القبلة» في موردها، وأُخرى: لا.

أمّا في الأول: فلا مانع من العمل بالظن أخذاً بإطلاق صحيح زرارة: «يجزئ التحري أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة»، إذ لا قصور في شمول إطلاقه لها كما لا يخفى.

وأما في الثاني: «إذا لم يحصل الظن» فينبغي التفصيل: بين ما كان المعتبر فيه هو التوجه نحو القبلة، كصلاة الآيات والأموات وقضاء الأجزاء المنسية ونحوها، وبين ما كان المعتبر فيه التوجيه نحوها لا التوجه، كحال الاحتضار والدفن والذبح، حيث إنّ اللازم توجيه المحتضر والميت والحيوان نحو القبلة.

أمّا في القسم الأول: فالظاهر أنّه لا مجال للتكرار إلى أربع جهات حتى لو سلّمنا ذلك في الصلوات اليومية ولا نسلّمه كما تقدم، إذ المستند لهذا القول إنّما هو مرسل «خراش»، ولا ينبغي الشك في أنّ منصرفه الصلوات اليومية، ومع الغض فلا أقل أنّ مورده الصلاة، فلا وجه للتعدي إلى غيرها «كالأجزاء المنسية».

ودعوى أنّ ذكر ذلك من باب المثال كما ترى، فإنّها غير بيّنة ولا مبيّنة. إذن: فلا إطلاق له ليصح التمسك به. ومعه لا مانع من القول بكفاية التوجه إلى جهة واحدة أخذاً بإطلاق قوله في صحيح زرارة ومحمد بن مسلم: «يجزئ المتحير أبداً أينما توجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة» بعد وضوح أن إطلاقه غير قاصر الشمول لغير الصلوات اليومية أيضاً مما تعتبر فيه القبلة. فإنّ المتحير يشمل من كان متحيراً في الاستقبال سواء كان في الصلاة أم غيرها.

ولكن يلاحظ على ما افيد:

أنّ ظاهر سياق مرسلة «خراش» النظر إلى ما يعتبر فيه الاستقبال فيكرره إلى أربع جهات. وثانيا: على فرض عدم شمول مرسلة خراش إلى محل الكلام فقد سبق الإشكال في صحيحة ابن مسلم وهو صدور عبارة «يجزي المتحير».

وعليه: مقتضى منجزية العلم الإجمالي أن يكرر قضاء الأجزاء المنسية إلى الجهات المختلفة.

قال سيدنا: «وأمّا في القسم الثاني: فإن لم يمكن التأخير إلى زمان إحراز القبلة بعلم أو علمي كما في حالة الاحتضار أو الدفن كان مقتضى القاعدة حينئذٍ الاكتفاء بجهة واحدة لا للصحيح المتقدم، لاختصاصه بالتوجه دون التوجيه المبحوث فيه، بل لحكومة العقل بلزوم التنزل إلى الموافقة الاحتمالية بعد تعذر القطعية. وإن أمكن كما في الذبح أو النحر من دون ضرورة تدعو إلى التعجيل فالذي يبدو في بادئ النظر وإن كان هو لزوم التأخير إلى زمان التمكن من تحصيل القبلة تحفظاً على رعاية الشرط مهما أمكن، إلّا أنّه لا يبعد القول بكفاية التوجيه إلى ما يحتمل كونه قبلة، نظراً إلى ما يستفاد من بعض النصوص من اختصاص المنع بتعمد الذبح إلى غير القبلة، وأنّه لا مانع من الأكل في غير صورة العمد، ففي صحيح ابن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عن ذبيحة ذبحت لغير القبلة، فقال: كل، ولا بأس بذلك ما لم يتعمده» ونحوها غيرها. وبذلك يرتكب التقييد في إطلاق النصوص الأُخر الدالة على اعتبار الاستقبال على الإطلاق».

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 78
الدرس 80