نص الشريط
الدرس 87
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 24/4/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2514
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (311)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

بقيت ملاحظتان على كلام السيد الإمام:

الملاحظة الاولى: أنّ السيد «قده» أفاد بأنّه لو قدّمنا حديث الرفع على المستثنى في صحيح لا تعاد فهل يلزم منه إلغاء لا تعاد أم لا؟. إذ قد يقال: لو قدم حديث الرفع على نحو الحكومة على المستثنى من حديث لا تعاد لم يبق تحت المستثنى شيء لخروج الجهل والنسيان والاضطرار والإكرام والخطأ عن هذا المستثنى، فلم يبق تحته فرد، وحيث إنّ ذلك مستهجن وهو بقاء المدلول بلا مورد أو مورد نادر فهذا يعني أنّ للمستثنى من لا تعاد اقوائية في الظهور في مورده، بحيث يكون بمثابة الأخص من حديث الرفع فيقدم عليه أو يكون معارض، لا أنّ حديث الرفع مقدّم عليه بالحكومة.

فأجاب عن ذلك فقال: حتّى لو قدمنا حديث الرفع فإنّ حديث لا تعاد لا يلغى لأنّ مقتضى بعض الروايات كصحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه أنّه سأل الصادق : «عن رجل أعمى صلى على غير القبلة قال ان كان في وقت فليعد وان كان قد مضى الوقت فلا يعد».

فقد فصّلت بين العلم بالقبلة في الوقت والعلم به في خارجه وأنّه إن علم بالقبلة بالوقت أعاد وإن لم يعلم حتّى خرج فلا يقضي، فمقتضى هذه الروايات المفصلة: أنّ ما علم بكونه قبلة أثناء الوقت فهو مندرج تحت المستثنى من حديث لا تعاد وإن لم يعلم بالقبلة حتّى مضى الوقت فهو مندرج تحت حديث الرفع فتقديم حديث الرفع على لا تعاد إنّ مورده ما علم بالقبلة خارج الوقت، أما داخل الوقت فهو داخل تحت لا تعاد فكيف يقال أنّ لا تعاد تبقى بلا مورد؟!. ولكن هذا الكلام محل تأمل، من وجهين:

الوجه الاول: أنّه مبني على كبرى انقلاب النسبة؛ والسر في ذلك: أنّ لدينا حديثين: حديث يقول: «لا تعاد الصلاة الا من خمسة» وظاهره: إنّ الإخلال بأحد الخمسة ومنها القبلة موجب لبطلان الصلاة ولو كان الإخلال عن عذر. وبإزائه حديث الرفع الذي يقول: إن حصل إخلال لجزء أو شرط عن عذر كالجهل أو النسيان أو الخطأ فهو مرفوع، فلو كنا نحن وهذين الحديثين لقلنا بالتباين بينهما أي أنّ النسبة هي التباين بلحاظ أنّه في مورد العذر حديث لا تعاد ظاهر في البطلان، وحديث الرفع ظاهر في الصحّة.

ولكن، إذا ضممنا الطائفة الثالثة كصحيحة عبد الرحمن التي فصلت بين العذر في الوقت أو في خارجه، كانت هذه الصحيحة بتفصيليها مخصصة لحديث الرفع؛ فإنّ حديث الرفع يقول: إن حصل الإخلال بعذر فهو مرفوع، وهذه الرواية تقول إنّما يكون مرفوعاً لو كان ارتفع خارج الوقت لا داخله، فصحيحة عبد الرحمن مخصصة لعموم حديث الرفع وبعد تخصيصها لحديث الرفع تنقلب النسبة بين حديث الرفع ولا تعاد فبعد أن كانا متباينين أصبح حديث الرفع أخص مورداً من لا تعاد، فإن مورد حديث الرفع من لم يرتفع عذره حتّى مضى الوقت، وهذا اخص من المستثنى من حديث لا تعاد، حيث إنَّ المستثنى من حديث لا تعاد إنّ الاخلال بأحد الخمسة عن عذر سواء كان في الوقت أو خارجه. وحديث الرفع يقول: إن كان هذا الإخلال عن عذر لم يرتفع حتّى مضى الوقت فإنّه غير ضائر.

إذاً ما ذكره السيد الإمام من تحكيم طائفة ثالثة: في البين مبني على نظرية انقلاب النسبة، وعليه نقول حينئذٍ يرتفع التعارض بين حديث الرفع ولا تعاد.

ويظهر من كلامه في بحث التعادل والتراجيح في كتابه «الرسائل»:

انه يرى انقلاب النسبة. حيث انه أظهره في ضمن الكلام ولم يعترض علیه؛ فقال في «الرسائل، ج‏2، ص: 36»: «ومنها ما ورد دليلان متباينان فقد يرد المخصص لأحدهما فتنقلب نسبتهما إلى الأخص المطلق كقوله: أكرم العلماء ولا تكرم العلماء فإذا ورد لا تكرم فساق العلماء يصير مفاد أكرم العلماء أكرم عدولهم وهو أخص من قوله لا تكرم العلماء وقد يرد مخصص آخر ويرتفع الاختلاف بينهما فيختص كل بموضوع كما ورد في المثال أكرم عدول العلماء فيصير مفاد لا تكرم العلماء بعد التخصيص لا تكرم فساق العلماء وهو غير مناف لقوله أكرم عدول العلماء، وقد يرد مخصص وتنقلب نسبتهما إلى العموم من وجه كما لو ورد في المثال أكرم نحويي العلماء ولا تكرم فساق العلماء لأن النسبة بين قوله أكرم العلماء غير الفساق منهم وغير ولا تكرم العلماء غير النحويين أعم من وجه إلى غير ذلك من موارد انقلاب النسبة».

فالخلاف حينئذٍ يكون مبنائياً.

الجهة الثانية: لو سلّمنا بما أفيد، فغايته: إن هذا في باب القبلة لا في جميع الخمسة أي سوف تكون النتيجة أنّه في الأربعة من الخمسة يقع التعارض بين حديث لا تعاد وبين حديث الرفع؛ أو يقال: بأنّ حديث لا تعاد بمثابة الأخص من حديث الرفع لأنّه ما سوى القبلة لا توجد طائفة ثالثة مفصلة بين ارتفاع العذر في أثناء الوقت وخارجه؛ وإنما المفصلة وردت في خصوص القبلة، فبالنسبة لغير القبلة يقال: لو قدم حديث الرفع على لا تعاد لكان التفصيل في حيث لا تعاد بين السنة والفريضة لغواً؛ لأنّه لا فرق بين السنة والفريضة على كل حال غير ضائر، فإنّه لو قدم حديث الرفع على لا تعاد لكان مقتضاه إنّ الإخلال بأي شيء ما عدا القبلة غير ضائر، وبالتالي أن في القبلة تفصيلاً بين من علم بها اثناء الوقت أعاد، ومن علم بعدد الوقت لا يعيد، لا يرفع إشكال اللغوية، لأجل ذلك: مجرد هذه المحاولة ليست منسجمة مع المرتكز العرفي.

الملاحظة الثانية: إنّ حديث الرفع مفاده: أنّ العذر لو تعلق بما هو المكلف به لكان العذر رافعاً، فإذا جهل أو نسي أو اخطأ على نفس ما هو المكلف به لكان هذا الخلال عن عذر رافعاً. وهذا لا ينطبق إلّا على النسيان المستوعب للوقت أو الجهل المستوعب للوقت، فمن جهل القبلة حتّى فات الوقت أو نسيها أو اضطر الى خلافها، فهنا يقال: إنّ ما هو المأمور به وهو طبيعي الصلاة الى القبلة بين الحدّين الزوال والغروب نفس المأمور مما اضطر الى الاخلال به واما إذا حصل النسيان أو الجهل في أول الوقت ثم ارتفع اثناء الوقت، فلا يصح تطبيق حديث الرفع، فإنّ ما تعلق به العذر ليس مأمور به وما هو المأمور به لم يتعلق به العذر، فما هو المأمور به وهو طبيعي الصلاة بين الحدين لم يجهل قبلته أو ينساها وما نسيه فهو ليس مأموراً به، ولأجل ذلك: المرجع هو حديث لا تعاد، ومقتضاه: إنّ الاخلال بالقبلة مضر مطلقا، وبهذا تم الكلام في مناقشة السيد الإمام. انتهينا من فرض الجهل بالحكم.

والصحيح وفاقاً لسيدنا: إن الإخلال بالقبلة عن جهل بالحكم موجب للبطلان. ويلحق به ناسي الحكم، فإنّه هو الجاهل بعينه، ولا فرق بينهما إلا من حيث‌ سبق العلم فيه دون الجاهل، وهو غير فارق في المقام.

وأما فرض الخطأ في الاعتقاد أو الاجتهاد: قال سيدنا «ص41»: «وأما فرض الخطأ في الاعتقاد أو الاجتهاد فلا ينبغي الإشكال في الحكم بالصحة إذا كان الانحراف ما بين اليمين واليسار، للمعتبرتين المتقدمتين، أعني صحيحة معاوية وموثقة الحسين بن علوان، بل هذا هو المتيقن عندنا من الحكم المزبور، وإن كان فيه خلاف كما ستعرف. ويلحق به فرض ضيق الوقت، لاندراجه تحت إطلاق المعتبرتين، إذ غاية ما يستفاد منهما اعتبار أن يكون الدخول في صلاة مشروعة صحيحة، الصادق على الفرض».

صحيحة معاوية بن عمار: «أنه سأل الصادق عن الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة يميناً أو شمالًا، فقال له: قد مضت صلاته، وما بين المشرق والمغرب قبلة».

وموثقة الحسين بن علوان: عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي : «أنّه كان يقول: من صلّى على غير القبلة وهو يرى أنّه على القبلة ثم عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان ما بين المشرق والمغرب».

قد يقال: أنّ الصحيحة تشمل بإطلاقها لمن صلّى الى جهة لأجل ضيق الوقت، وإنّما الكلام في شمول الموثقة. قال سيدنا: «ودعوى أنّ هذا الفرض وإن كان مشمولًا لإطلاق الصحيحة لكن الموثقة غير شاملة له، لاختصاصها بمن صلى على غير القبلة وهو يرى أنّه على القبلة، ومن الواضح أنّ من يصلي إلى جانب عند ضيق الوقت عن التحري لا يرى أنّه على القبلة، غايته أنّه يأتي بوظيفته الفعلية من دون أن يعتقد الاستقبال فالموثقة لمكان الاشتمال على هذا القيد الدالّ بمفهومه على البطلان مطلقاً لو لم ير أنّه على القبلة يختص موردها بفرض الخطأ في الاعتقاد أو الاجتهاد، بل مقتضى صناعة الإطلاق والتقييد حمل الصحيحة على الموثقة وتقييد إطلاقها بمفهوم الموثقة المقتضي للبطلان في فاقد القيد كما عرفت، جمعاً بينهما، فلا يصح التمسك بها أيضاً بعد الحمل المزبور».

أمّا الجواب عن هذا الاشكال: فإنّ المفهوم المدّعى في الموثق إن أُريد به مفهوم الشرط؟!، ففيه: أنّه منتف بانتفاء موضوعه، لأنّ القيد ليس راجعاً للحكم وإنّما راجع للموضوع، فلو قال المولى: «إن جاءك زيد العالم فأكرمه» فجاءك زيد الجاهل، فإن انتفاء وجوب الإكرام ليس من باب مفهوم الشرط، فزيد العالم له حالتان: إن جاء يجب إكرامه، وإلا فلا؛ فما هو الموضوع زيد العالم وما هو الدخيل في الحكم هو المجيء، فأنتفاء وجوب الإكرام عن زيد الجاهل من باب انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه، لا من قبيل انتفاء الحكم لانتفاء القيد الدخيل، ومحل الكلام من هذا القبيل الموضوع لو صلى لغير القبلة وهو يرى أنّه على القبلة والحكم تصح صلاته إن حكم انحرافه ما بين اليمين واليسار، فالدخيل أن يكون الانحراف بين اليمين واليسار، فبالتالي من صلّى الى غير القبلة وهو لا يرى أنّه عن القبلة خارج عن القضية الشرطية موضوعا، وانتفاء الصحّة في حقه من باب انتفاء الموضوع وهو ليس محل كلامنا، وهو مفهوم الشرط.

قال سيدنا: «أنّ القيد المزبور لم يؤخذ شرطاً في ترتب الحكم، بل أُخذ قيداً في الموضوع، وإنّما الشرط كون الانحراف ما بين المشرق والمغرب، فمفهوم الجملة الشرطية حينئذ أنّ من صلى على غير القبلة وهو يرى أنّه على القبلة تجب عليه الإعادة إذا لم يكن الانحراف ما بين الشرق والغرب، لا أنّه تجب الإعادة إذا لم يكن يرى أنه على القبلة، لعدم ترتب الجزاء على هذا القيد كما هو واضح. وإن أُريد به مفهوم الوصف: فهو وجيه لو قلنا بثبوت المفهوم للوصف، لكنّه‌ خلاف التحقيق، وغاية ما التزمنا به في الأُصول دلالة القيد على عدم كون الطبيعة المهملة أينما سرت موضوعاً للحكم، وهو كذلك في المقام، فإن العالم العامد، وكذا الجاهل بالحكم كما عرفت غير مشمول لهذا الحكم. وأمّا الدلالة على انتفاء الحكم عن الفاقد للقيد كي يدل على المفهوم الاصطلاحي كما في الجملة الشرطية فكلّا، فلا منافاة بينه وبين ما دلّ ولو بإطلاقه كصحيحة معاوية بن عمار على ثبوت الحكم في فاقد القيد حتى يجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد، ولعلّ التقييد في المقيد جارٍ مجرى الغالب، إذ الغالب في من يدخل في الصلاة أنّه يرى نفسه على القبلة كما لا يخفى».

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 86
الدرس 88