نص الشريط
الدرس 86
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 22/4/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2534
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (299)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

لازال الكلام فيما ذكره السيد الإمام: من أنّ حديث الرفع حاكم على حديث لا تعاد موجب للحكم بحصة صلاة من أخلّ بالقبلة عن جهل وذكرنا أنّ كلامه يبتني على أمور:

الأمر الأول: أنّ مفاد حديث الرفع هل هو الرفع الواقعي أم الرفع الظاهري؟، حيث قلنا فيما سبق: أنّه إنّما تتم الحكومة - أي حكومة حديث الرفع - على حديث لا تعاد إذا كان مفاد حديث الرفع الرفع الواقعي، حيث إنَّ مفاد لا تعاد البطلان الواقعي في فرض الإخلال بالقبلة. إلّا أنّ السيد «قده» ذكر كلامين في المقام في «تهذيب الأصول»:

الكلام الأول: في «ج1، ص277» - بحسب الطبعة الجديدة - ومحصلّه: أنّ الرفع ظاهري ومع ذلك يستفاد منه الصحّة الواقعية، فمثلاً من ترك السورة عن جهل في الحكم فإنّ مفاد حديث الرفع صحّة صلاته واقعاً وإن كان رفع الجزئية للسورة ظاهرياً. قال:

«فلما كان الظاهر من‏ قوله - ص -: ”رفع عن امتي تسعة“... ألخ. هو: رفع الحكم في الشبهات الحكمية حقيقة واختصاصه بالعالمين، ولما كان ذلك مستلزما للتصويب الباطل حمل - لا محالة - على رفعه ظاهراً بعد ثبوته واقعاً، ووجه الرفع: هو الامتنان للأمة وتوسيع الأمر عليهم، فحينئذٍ: إذا شك في جزئية شي‏ء أو شرطيته أو مانعيته، أو شك في كون شي‏ء مانعاً من جهة الشبهة الموضوعية فمقتضى حديث الرفع: هو مرفوعية المشكوك ظاهراً، وجواز ترتيب آثار الرفع عليه كذلك، ومن الآثار إتيان العبادة على مقتضى الرفع في مقام الفراغ عن عهدتها، فيكون رخصة في ترك المشكوك، وإتيانها مع الأجزاء الباقية. وإن شئت قلت: إنّ الأمر «أقم الصلاة» قد تعلق بعنوان الصلاة الصادق على فاقد الجزء وواجده، وحديث الرفع ناظر إلى العنوان الذي قيد لبّاً، ولكنّ نظره ليس نظر وضع بل نظر رفع؛ بمعنى أنّ العنوان الذي تعلق به الأمر يجوز إتيانها بلا هذا الشرط أو هذا الجزء أو غير ذلك، ويكون العبد ذا حجة في امتثاله وتركه؛ ولا معنى حينئذٍ للإعادة والقضاء؛ لأنّ عنوان الصلاة منطبق عليه، وترك القيد نشأ من إذنه وإشارته إلى كيفية امتثال أمرها في ظرف الشك. فإذا ورد قوله سبحانه: ﴿أقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْل وفرضنا أنّ السنة دلّت على اعتبار أجزاء وشرائط، ثم حكم الشارع - امتنانا - برفع «ما لا يعلمون»، من الأجزاء والشرائط يفهم العرف أن كيفية إطاعة الأمر في حال الشك في وجوب السورة مثلاً هو إتيانها بلا سورة، وفي حال الشك في مانعية شي‏ء جواز إتيانها معه. فإذا امتثله كذلك فقد امتثل قوله سبحانه‏ «أقم الصلاة» بحكومة أدلة الرفع على أدلة الجزء والشرط والمانع». فمفاد حديث الرفع وإن كان الرفع الظاهري ولكن مقتضى ضم العرف حديث الرفع إلى «أقم الصلاة» إنّ كيفية امتثال الصلاة بهذا النحو، فلا معنى حينئذٍ لأن يطالبنا بالإعادة والقضاء بعدما أذن لنا في امتثال الأمر بهذه الكيفية. وهنا تعليقان على كلامه:

التعليق الأول: أنّه في كتاب «الخلل» أفاد: أنّ التصويب الذي قال به المخالفون ليس باطلاً عقلاً، والإجماع المدّعى لم يحرز كونه إجماعاً تعبدياً، فإنّ الجزئية وإن كانت مشتركة بين العالم والجاهل ولكن بنحو الخطاب القانوني الذي أُفيد على نحو ضرب القاعدة، فعندما يقول: «لا صلاة إلّا إلى القبلة» فمقصوده: فقط ضرب القاعدة لكي يكون قانوناً ولكن إذا تعلق العلم بها - أي علم بالجزئية والشرطية - كانت الجزئية فعلية، أي: أنّه في فرض الجهل تكون الجزئية مجرد انشائية لا أكثر، وأمّا الجزئية الفعلية فمنوطة بالعلم، ومآل ذلك إلى اشتراط فعلية الجزئية أو الشرطية أو المانعية بالعلم وهذا هو معنى الرفع الواقعي. إلّا أنّه ذكر هناك: أنّه لا حاجة إلى ذلك، أي: أنّ هذا أمر ممكن ومقبول، أي: لا حاجة لتفسير فقرة «ما لا يعملون» بحديث الرفع، بذلك بل يمكن أن نفسره بالرفع الظاهري، أي: أنّ الجزئية باقية ولكن أثرها مرتفع. ومن الواضح أنّ ما كتبه في «الخلل» - بعد سنين طويلة - عما أفيد في «تهذيب الأصول».

التعليق الثاني: قد يشكّل أنّ الأمر بالمرّكب من هذا الجزء المتروك: أمّا مرتفع أو باقي. فإن كان مرتفعاً: فالرفع واقعي؛ وإن كان باقياً: فمقتضى ذلك وجوب الإعادة أو القضاء. ولكن يظهر منه أنه يقول: أنّ هذا الرفع ظاهري وواقعي. فهو ظاهري بلحاظ الجزئية، حيث إنَّ الجزئية لم ترتفع. وواقعي بلحاظ الامر التكليفي، فإذا لم يعلم المكلف أنّ القبلة شرط فشرطية القبلة لم ترتفع في حقه إذاً فالرفع ظاهري، لكن الأمر بالصلاة المشتملة على القبلة هذا الأمر قد ارتفع، ولذلك لا يجب عليه الإعادة أو القضاء، فهو بلحاظ الشرطية ظاهري وبلحاظ الأمر واقعي.

الكلام الثاني: ذكره في «تهذيب الأصول، ج3، ص33»: قال: «هل الرفع في الحديث بمعناه الحقيقي، أو هو بمعنى الدفع، استعمل في المقام مجازاً؟».

التحقيق هو الأوّل. سواء قلنا أنّ المرفوع هو نفس الموضوعات ادّعاءً - كما هو المختار -، أو المرفوع آثارها وأحكامها بإلتزام تقدير في الكلام.

أمّا على الأول فبيانه: أنّ معنى الرفع الحقيقي هو إزالة الشي‏ء بعد وجوده وتحقّقه، وقد اسند إلى نفس هذه العناوين التسعة المتحقّقة في الخارج، فلابُّد أن يحمل الرفع إلى الرفع الادّعائي، وهو يحتاج إلى وجود المصحّح لهذا الادّعاء. ثمّ المصحّح كما يمكن أن يكون رفع الآثار يمكن أن يكون دفع المقتضيات عن التأثير؛ لأنّ رفع الموضوع تكويناً كما يوجب رفع الآثار المترتّبة عليه والمتحقّقة فيه، كذلك يوجب عدم ترتّب الآثار عليه بعد رفعه وإعدامه، وهذا مصحّح الدعوى؛ لا سيّما مع وجود المقتضي.

إذاً: فالرفع ل «ما لا يعلمون» بمقتضى قرينة السياق ادعائي، أي: أنّ الحكم وهو: ما لا يعلمون لم يرفع، وإنّما المرتفع أثره، فكيف نتصور أن المرتفع أثره؟!.

أمّا بالنسبة لفقرة «النسيان» فقال في «ص47»: «فمعنى رفع نفس الجزء رفع جميع آثاره الشرعية التي منها الجزئية. فمرجع رفع الجزء إلى رفع جزئية الجزء للمركب عند نسيان ذات الجزء، ويتقيد دليل إثبات الجزء بغير حالة النسيان، ومرجع رفع جزئيته إلى كون المركب الفاقد تمام المأمور به، وإتيان ما هو تمام المأمور به يوجب الإجزاء وسقوط الأمر، ويكون بقاء الأمر بعد امتثاله بلا جهة ولا ملاك». أي: أنّ المصلي لو نسي السورة فإنّ السورة لا ترتفع وإنّما المرتفع أثره وإنّما أثره وهو الجزئية فالمرتفع جزئية السورة في حقه؛ فصور الرفع الادعائي ظاهري وواقعي: فهو ظاهري: لأنّ نفس الجزء المشكوك لم يرتفع في حقه؛ وواقعي: لأنّ أثر الجزء وهو الجزئية وهي قد ارتفعت واقعاً حيث تقيد دليل الرفع من الأول بعدم النسيان.

وبالنسبة لفقرة «ما لا يعلمون»، قال في «ص35»: «وأما «ما لا يعلمون»: فالرفع فيه لأجل إطلاق الأدلة وظهورها في شمول الحكم للعالم والجاهل بلا فرق، كما هو المختار في الباب. نعم لو لم نقل بإطلاق الأدلة فلا شك في قيام الإجماع على الاشتراك في التكاليف. فالرفع لأجل ثبوت الحكم حسب الإرادة الاستعمالية لكل عالم وجاهل؛ وإن كان الجاهل خارجا حسب الإرادة الجدية، غير أن المناط في حسن الاستعمال هو الاستعمالي من الإرادة.

فتلّخص: كون الرفع بمعناها؛ سواء كان الرفع بلحاظ رفع التسعة بما هي هي، أو كان رفع تلك الأمور حسب الآثار الشرعية».

يعني: أنّ جزئية الجزء المجهول أو شرطية الشرط المجهول مرتفعة في حق الجاهل بلحاظ مرحلة الفعلية، وإن كانت شاملة له بلحاظ مرحلة الإنشاء.

فالمتحصل من كلامه: أنّه يدّعي الرفع الادعائي وأن حقيقته برزخية، فهو ظاهري من جهة، واقعي من جهة أخرى.

ثم قال: «وإن شئت قلت: إن الحديث حاكم على أدلة المركبات أو على أدلة الأجزاء والشرائط، وبعد الحكومة تصير النتيجة اختصاص الأجزاء والشرائط بغير حالة النسيان، ويكون تمام المأمور به في حق المكلف عامة الأجزاء والشرائط، غير المنسي منها».

ولكنّه استثنى لا تعاد؛ فقال بحكومة حديث الرفع على جميع الأدلة إلّا لاتعاد التي قال بالحكومة عليها في كتاب «الخلل»، أو لا أقل بالتعارض كما ذكر في مورد آخر. هنا قال: حديث الرفع لا يحكم على لا تعاد. قال في «ص53»: «وفيه: أنّ استفادة التفصيل بين الأركان وغيرها من قاعدة لا تعاد لا يوجب عدم كون حديث الرفع دليلاً لصحة عبادة الناسي، غاية الأمر يلزم من الجمع بين الدليلين تخصيص أحدهما - أعني حديث الرفع - بما يقتضيه الآخر من التفصيل».

فاعتبر حديث لا تعاد أخص من حديث الرفع، فكأنّ حديث الرفع قال: كل شرط أو جزء مرفوع إلّا إذا كان من الخمسة، بمقتضى حديث لا تعاد، ف «لا تعاد» أخص لا محكومة ولا معارض.

وهذا ما ذكرناه سابقاً في الإشكال على كلامه حيث قلنا: أنّه حتّى لو فرضنا أنّ النسبة بين حديث الرفع ولا تعاد العموم من وجه، مع ذلك لا مجال لحكومة حديث الرفع على لا تعاد، لأنّه لو قُدِّم عليه لكان التفصيل في لا تعاد بين الخمسة وغيرها لغواً، إذ مقتضى حديث الرفع أنّ كل مجهول مرفوع سواء كان من الخمسة أو غيرها فمقتضى ذلك لغوية التفصيل في لا تعاد وكل دليل يلزم من تقديم معارضه عليه لغويته يكون أقوى ظهوراً في مورد التعارض من ذلك الدليل فيكون بمثابة الأخص بالنسبة إليه فيقدم عليه بنكتة الاخصية وان لم يكن اخص بحسب النسبة كما ذكره الاعلام مراراً بين قوله «اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه» وبين «كل شيء يطير لا باس ببوله وخرئه»، فإنّ بينهما عموم من وجه، لكن لو قدم «اغسل ثوبك».. للزم لغوية الطيران، فمقتضى ذلك: أنّ كل شيء يطير أقوى ظهوراً.

وهذا الذي أفاده مطابق لكلامه «ج3، ص349»: «وأمّا إذا قلنا بأنّ النسيان والغفلة كالجهل والعجز أعذار عقلية، مع بقاء التكليف على ما كان عليه، فمع ترك الجزء نسيانا يجب الإعادة إذا كان لدليل الجزء إطلاق؛ لعدم الإتيان بالمأمور به بجميع أجزائه، ومع عدم الإطلاق فالبراءة محكمة؛ لرجوع الشك إلى الأقل والأكثر». أي: إنّما يرجع لحديث الرفع إذا لم يكن لدليل الجزء إطلاق حتّى لفرض الجهل به أمّا إذا كان له إطلاق كما في لا تعاد بالنسبة إلى خمسة، فلا مجال لرجوع إلى دليل البراءة.

والنتيجة: أنّ ما أفاده «قده» في كتاب «الخلل»: تارة من دعوى حكومة حديث الرفع على لا تعاد عند الإخلال بشرطية القبلة جهلا؛ أو ما ذكره في مورد آخر من دعوى المعارضة بينهما محل منع بالنكتة التي أفادها في تهذيب الأصول. مضافاً إلى ان ما افاده من انه تلاحظ النسبة بين كل فقرة من حديث الرفع مع كل فقرة من لا تعاد تفكيك غير عرفي، فإنّ العرف إنّما يلاحظ النسبة بين الفقرات لدليل واحد، إذا كانت مستقلة محمولاً وموضوعاً، وأمّا إذا لم تكن مستقلة كما في حديث الرفع، حيث إنَّ المحمول واحد؛ وكذلك بالنسبة إلى لا تعاد حيث قال: «لا تعاد إلّا من خمسة» والنكتة في الخمسة واحدة، وهي الركنية والمرفوعات في حديث الرفع واحدة، وهي العذر. فحينئذٍ: إذا كان الدليل المشتمل على الفقرات متحدّاً من حيث المحمول وإن كانت الموضوعات متعددة لأنها تشتمل تحت نكتة واحدة أو عنوان واحد فالتفكيك بينها في ملاحظة النسبة مع الدليل الآخر غير عرفي.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 85
الدرس 87