نص الشريط
الدرس 85
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 20/4/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2509
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (204)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

وصل الكلام إلى الأمر الخامس: حيث إنَّ السيد أفاد في بعض الموارد إنّ حديث الرفع حاكم على حديث لا تعاد، كما في «ص110و111». ولكنّه ذكر في موضع آخر: المعارضة بين حديث الرفع وحديث لا تعاد. وبيان ما أفاده يتم بذكر جهات ثلاث:

الجهة الأولى: أفاد «قده»: بأنّ مفاد لا تعاد هو التصرف في مقام الامتثال. بمعنى: أنّ جزئية الجزء وشرطية الشرط محفوظة حتّى في فرض الإخلال؛ فمثلاً: من أخلّ بالسورة ناسياً أو جاهلاً جهلاً قصورياً فهل تنتفي جزئية السورة في حقه؟، أم أنّ جزئية السورة فعلية في حقه غاية ما في الباب أنّه لو تركه نسيانا اكتفى الشارع بامتثاله وإلّا فالجزئية فعلية في حقه أو أخل بشرطية الاطمئنان عن جهل أو اضطرار فهل أنّ شرطية الاطمئنان ساقطة عنه أم أنّها فعلية في حقه وقد أخلّ بما هو فعلي في حقه إلّا أنّ الشارع اكتفى بهذا الامتثال الناقص؟.

ظاهر كلامه: أنّ الجزئية والشرطية اللتان أخلّ بهما المكلف فعليتان في حق المكلف، غاية الأمر أنّ الشارع اكتفى بامتثاله لوجهين: قال في «ص16»: «هو أنّ الحديث ظاهر كالصريح في أنّ المأتي به ليس تمام المأمور به، لأنّ التعليل الذي ورد فيه بأنّ السنة لا تنقض الفريضة دالٌّ على أنّ المصداق الذي أتى به المكلف واجداً للخمس وفاقداً للقراءة والتشهد، مثلاً: إنّما لم يبطل لأنّ المفقود سنة، وهي: لا تنقض الفريضة؛ فكونه سنة أي مفروضاً من قبل السنة لا الكتاب كان مفروغاً عنه بحسب مفاده فلو كان الساهي مكلفاً بخصوص الناقص فقط ولم يكن الجزء المنسي جزء في حقه لم يصدق عليه أنّه سنة لا تنقض الفريضة، فعدم نقضها متفرع على فرض كون الجزء «المنسي» سنة لا على عدم كونه جزء وهو ظاهر كالصريح في جزئية المنسي حال النسيان».

ومحصل كلامه: أنّ ظاهر الفقرة في قوله: «لا تنقض السنة الفريضة»: أنّ المسند ليس هو السنة وإنّما هو الإخلال بالسنة، فكأنّ الإمام قال: الإخلال بالسنة لا يوجب نقض الفريضة، ومن الواضح أنّ الإخلال بالسنة إن كانت سنة فعلية في حقه.

الوجه الثاني: قال «بل ظاهر قوله: لا تعاد الصلاة الا من خمس إن غير الخمس أيضا داخل في الصلاة لكن لا تعاد بتركه لا أنه غير جزء لها فعدم الإعادة بنفي الموضوع خلاف الظاهر فلا ينبغي الإشكال في عموم الرواية لكل خلل بأي سبب. أي: أن مراده أنّ السالبة ظاهرة بنفي السالبة بانتفاء المحمول لا السالبة المحصلة ولو بنفي الموضوع، أي: لا تعاد الصلاة بعدم السورة التي هي جزء من الصلاة.

أقول: قد يقال أنّ اقتران دليل لا تعاد بالمرتكز القائم على لغوية بقاء الجزئية مع أنّه لا أثر لها موجب لظهور الدليل في أنّ السنة لولائية لا فعلية، وإلّا بقاء الفعلية لغو.

الجهة الثانية: قال في «كتاب الخلل في الصلاة، ص: 22»: «وحديث الرفع بناءً على الرفع الحقيقي فيما يمكن رفعه كالجهل بالحكم ونسيانه مناف له ويرفع‌ التنافي بينهما بالحمل على الحقيقة الادعائية كما في أكثر الفقرات بل لعله الظاهر منه فإنّ الحمل على الحقيقي في بعض والادعائي في غيره وإن أمكن لكنه خلاف الظاهر والسياق. وكيف كان يستفاد منهما إنّ الاجزاء وإن كانت أجزاء لكنها مرفوعة بحسب الإدعاء لفقد الأثر المترتب عليها».

فيقول: إنّ الصحیح: أنّ المراد ب «الرفع» هو الرفع الادعائي. ويقول: بأنّ الحقيقة الادعائية المصحح لها إمّا جميع الآثار أو الأثر البارز، مثلاً: لو قلت زيد أسد، أي أدعي أنّه من مصاديق الأسد.

فنقول: رفع الحكم الذي لا يعلم رفعٌ ادعائي يحتاج إلى مصحح والمصحح لهذا الرفع الادعائي رفع الأثر البارز للجزئية والشرطية والأثر البارز هو البطلان، فالجزئية لم ترتفع حقيقة وإنّما ارتفع آثرها البارز وهو البطلان. وعليه يقع التلائم بين حديث لا تعاد وحديث الرفع في غير الخمسة، لأنّ حديث لا تعاد يقول: لا تعاد الصلاة بخلل بشيء إلّا الخمسة ففي ما سوى الخمسة، يتلائم لا تعاد لأنّه يقول الجزئية باقية. وحديث الرفع يقول: هي باقية ولكن أثرها مرتفع. بل أنّ حديث لا تعاد ناظر إلى حديث الرفع فلّما كان مفاد حديث الرفع ارتفاع الأثر لا رفع الجزئية والشرطية لذلك حديث لا تعاد يقرر مفاده فيقول: «لا تعاد الصلاة» فليس مفاد حديث لا تعاد فيما سوى الخمسة إلّا تقرير لمفاد حديث الرفع فإنّ مقتضى بقاء الجزئية ارتفاع الأثر وإن من أخل بسنة فهي وإن كانت فعلية في حقه ولكن لا تبطل صلاته.

قال: «وكيف كان يستفاد منهما أنّ الأجزاء وإن كانت أجزاء لكنها مرفوعة بحسب الادعاء لفقد الأثر المترتب عليها. ولعل حديث لا تعاد ناظر إلى حديث الرفع وأنّه مع رفع الجزء والشرط والمانع ولو ادعاء يرفع موضوع الإعادة وفي الحقيقة المبنى والأصل في صحة الصلاة مع الخلل هو حديث الرفع وتدل على الصحة أيضاً بعض روايات أخر يأتي الإشارة إليها».

نقول: هل البطلان أثر شرعي حتّى يرتفع؟!، حيث لم يصدر من الشارع أكثر من الأمر بهذا المركب من الأجزاء والشرائط فإن أتى به المكلف سقط الأمر عقلاً، وإن لم يأت به المكلف بقي الأمر عقلاً وليس شرعاً لأن بقاء الأمر وسقوطه منوط بامتثاله وهو ما يعبر بمطابقة المأتي به للمأمور به.

فدعوى أنّ هناك أثر للجزئية وهو البطلان والمتكفل حديث الرفع برفع هذا الأثر يلاحظ عليه أنّه لا أثر شرعي يرفعه حديث الرفع وإنّما الأثر الموجود عقلي وهو حكم العقل بسقوط الأمر أو ببقاء الأمر وهذا مما لا يصح أن تكفل حديث الرفع لوضعه أو رفعه.

الجهة الثالثة: التعارض بين حديث الرفع والمستثنى وإن كان لا تعارض في المستثنى منه، قال: «ومن هنا يظهر الكلام في معارضة حديث الرفع مع المستثنى في حديث لا تعاد فإنه بناء على ما ذكرنا من إطلاقه صدراً وذيلاً بالنسبة إلى مطلق الخلل غير الخلل الحاصل بالعمد والعلم وبناء على ملاحظة كل عنوان فيه وفي حديث الرفع مستقلاً كما هو الموافق للتحقيق». أي إن أردنا أن نرى النسبة بين دليلين: هل نلاحظ مجموع الدليلين ثم نلاحظ النسبة بينهما فنقول هل النسبة عموم من وجه؟!، أم نلاحظ كل فقرة من هذا الدليل مع كل فقرة من ذاك الدليل مع غمض النظر عن بقية الفقرات؟!.

يقول: مقتضى الصناعة أن نفكك الدليل، فنلاحظ النسبة بين كل فقرة مع أخرى من الدليلين، فلذلك نأخذ من دليل لا تعاد القبلة، فكأنه قال: تعاد الصلاة من القبلة يقابلها في حديث الرفع فقرة «ما لا يعلمون» فكأنه قال: رفع الحكم الذي لا يعلم، ونلاحظ النسبة بينهما بين قوله تعاد الصلاة من القبلة، وبين قوله رفع ما لا يعلمون، فإذا لاحظنا النسبة بين الفقرتين كانت عموماً من وجه وهو المحقق للتعارض، لأنّ قوله تعاد الصلاة من القبلة يشمل من أخل بالقبلة عن جهل واضطرار ونسيان، بينما ما لا يعلمون لا تشمل إلّا الخلل عن جهل، وإذا لاحظنا ما لا يعملون فإنّها تشمل من أخلّ بالقبلة وغيرها فصارت النسبة عموماً من وجه فتحقق التعارض.

ولكن لو لاحظنا دليل لا تعاد بمجموعه لكانت النسبة أخص، لأنّ دليل لا تعاد يشمل كل خلل ولا يشمل العمد؛ وحديث الرفع بتمام فقراته يشمل كل خلل ولا يشمل فرض العمد، فهما متحدان من هذه الجهة وحديث الرفع يشمل الصلاة وغيرها فصار أعم ولا تعاد أخص.

قال: «تكون النسبة بين كل عنوان من عناوين المستثنى في حديث لا تعاد، وبين ما يقابله من عناوين حديث الرفع العموم من وجه، فإنّ مقتضى‌ المستثنى لزوم الإعادة في ترك الركوع مثلاً بأي سبب كان، ومقتضى فقرة رفع النسيان مثلا من حديث الرفع عدم الإعادة إذا كان عن نسيان فيعم حديث الرفع نسيان الركوع وغيره ويختص بالنسيان، ويعم حديث لا تعاد الخلل النسياني وغيره ويختص بالركوع مثلاً فيما إذا لوحظ عنوان الركوع في المستثنى فيقع التعارض بينهما بالعموم من وجه، وهكذا الحال في سائر العناوين من كل منهما وحيث كان تحكيم حديث الرفع على المستثنى في جميع الفقرات متعذراً للزوم التخصيص المستهجن أو المستغرق إذا قلنا بخروج الخلل عن علم من مفاد لا تعاد صدراً وذيلاً فيقع التعارض بين فقرة حديث الرفع ومع عدم الترجيح يسقط عن الحجية، كما يسقط حديث لا تعاد عنها بعد العلم الإجمالي بورود تخصيص عليه وعدم قدر متيقن في البين فلابّد من العمل على طبق القاعدة من بطلان الصلاة مع نقص الجزء الركني وصحتها مع زيادته بناء على شمول المستثنى للزيادة أيضاً وإلّا فالأمر أوضح».

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 84
الدرس 86