نص الشريط
الدرس 84
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 19/4/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2507
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (235)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

سبق عرض كلام السيد الإمام. وهنا بعض الملاحظات على كلامه:

الملاحظة الأولى: أفاد «قده»: أنّ مقتضى إطلاق صحيحة زرارة «ما بين المشرق والمغرب قبلة» شمولها للجاهل بالحكم، فإنَّ من أخلّ بالقبلة عن جهل بأصل شرطية القبلة شمله إطلاق «ما بين المشرق والمغرب قبلة». ولكن في مقابله بأنّ صحيحة زرارة ناظرة إلى الشبهة الموضوعية إمّا للجهل بحدود القبلة أو للخطأ في تشخيصها. وذلك لأحد وجهين:

الوجه الأول: أن يقال: أنّ نفس سياق التحديد وهو قوله: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» إنّما يصح عرفاً بإزاء من يجهل ذلك أو يخطئ في تشخيص ذلك، فيقال لمن يجهل الحدود: أنّ الحدود كذا، أمّا إذا كان يجهل أصل الحكم فبيان حدود الشرط له وهو جاهل بأصل الحكم ليس عرفياً مثلاً إذا قيل أنّ عرفة ما بين نمرة وعرنه أو ان المطاف ما بين الكعبة ومقام ابراهيم، فإنّ سياق هذا التحديد يصح في حق من يعلم بأصل الحكم، ولكنّه جاهل بالحدود أو في معرض الخطأ في التطبيق، فيقال له: أنّ عرفة بين نمرة وعرنة، أو عالم بأصل الطواف حول الكعبة فيقال له: ان المطاف بين الكعبة ومقام ابراهيم، أمّا من يجهل أصل الوقوف بعرفة فلا يصح عرفاً أن يقال له: أنّ عرفة بين نمرة وعرنة، فيساق التحديد قرينة على نظر الرواية للشبهة الموضوعية أما لجهل بالحدود أو لمعرضية للخطأ في التشخيص لا أنّ من جهل أصل الحكم صحّ أن يقال في حقه أن «ما بين المشرق والمغرب قبلة»، ولذلك لو فرضنا أن المكلف كان جاهلاً بشرطية القبلة جهلاً مركباً فصلّى إلى الجهة غير القبلة، فيقال: بأنّ خطاب صل إلى القبلة لا يشمله، وعدم شموله له لا لأنّه صلّى ما بين المشرق والمغرب، بل لأنّه جاهل بأصل الخطاب، فإنّما يصح التعليل عرفاً بفقد المقتضي ولا يصح بفقد الشرط أو وجوده مع عدم المفروغية عن المقتضي، فإذا صلّى لغير القبلة وكانت صلاته بين المشرق والمغرب، فيقال: صحت صلاته، لأنّ الخطاب لم يشمله، لا لأنّها وقعت بين المشرق والمغرب. فسياق التحديد قرينة على النظر لمن التفت بأصل الحكم.

الوجه الثاني: سلّمنا أنّ مقتضى صدر الرواية وهو قوله: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» شموله للجاهل بالحكم أيضاً، ولكن بما أنّ ما طرحه السائل في ذيل الرواية ناظر للشبهة الموضوعية فمقتضى احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية عدم إحراز إطلاق صدر الرواية أو بناءً على أنّ القدر المتيقن في مقام التخاطب مانع من إحراز الإطلاق لا نحرز صدر الرواية لفرض الشبهة الحكمية بأن كان جاهلاً لأصل الحكم.

الملاحظة الثانية: أنّه أفاد في غير موضع من أصوله وفقهه أن حديث الرفع حاكم على الأدلة الأولية ومن الأدلة الأولية حديث لا تعاد الدال على شرطية القبلة مطلقاً سواء أخل بالقبلة عن جهل أو نسيان أو خطأ أو اضطرار أو نحو ذلك، فإنّ حديث الرفع ضيّق دائرة الشرطية لما يختص بفرض العلم والالتفات فالكلام مع السيد في هذه الجهة وهي هل تصح حكومة حديث الرفع على حديث لا تعاد؟ أم لا؟.

فنقول هنا أمور لابُّد من البناء عليها حتّى تتم هذه الحكومة:

الأمر الأول: أنّ مفاد حديث الرفع في فقرة «ما لا يعلمون» الرفع الواقعي؛ إذ لا معنى لحكومة ما هو مفاده الرفع الظاهري على ما دلّ على البطلان الواقعي، فإنّ مفاد حديث لا تعاد شمول الشرطية الواقعية للقبلة لجميع الفروض فلا معنى لحكومة حديث الرفع على ذلك، بتضييقها ظاهراً إذ لو كان مفاد حديث الرفع الرفع الظاهري لم يكن معناه إلّا عدم وجوب الاحتياط فإنّ الرفع الظاهري لا يعني رفع الحكم في مرحلة الظاهر، بل معنى الرفع الظاهري عدم وجوب الاحتياط من جهة الحكم المشكوك، وبعبارة علمية عدم تنجز الحكم الواقعي فلا دلالة في أدلة الأحكام الظاهرية على التصرف في الأحكام الواقعية بتوسعة أو تضييق.

فلابُّد أن يبني «قده» على أنّ مفاد حديث الرفع هو: الرفع الواقعي، أي: اختصاص الأحكام بالعالمين بها، كما بنى عليه سيد المنتقى: حيث استفاد أن مفاد حديث الرفع: الرفع الواقعي، وبالتالي مقتضاه: حكومة حديث الرفع على جميع دلة الأحكام ما لم يقم دليل خاص، ومقتضى هذه الحكومة: اختصاص الأحكام بالعالم بها.

وأما إذا قلنا: أنّ ظاهر سياق حديث الرفع أنّ منظوره الرفع الظاهري، لأنّ ظاهر سياقه أنّ الحكم الواقعي متنجز في حقه لولا قوله «رفع عن امتي ما لا يعملون» أي: لو لا رفعه امتناناً لكان هذا الحكم مخاطباً به المكلف، وهذا ينسجم مع الرفع الظاهري. أمّا الرفع الواقعي فمعناه: أنّ الحكم من الأول متقيد بفرض العالم به، فلا شمول له من الأصل بالجاهل ووظيفة النبي حينئذٍ الإخبار عن ذلك، لا أن دوره أن يقول: لولا رفعي امتنانا عليكم لكان هذا الحكم موردا للخطاب في حقكم، فبما أنّ ظاهر سياق حديث الرفع هو ذلك كما أفاد العراقي كان قرينة على الرفع الظاهري.

الأمر الثاني: على فرض أنّ الرفع واقعي، فإنّ ظاهر تعدية الرفع ب «عن» حيث قيل: «رفع عن أمتي» أنّ المرفوع ثقيل في نفسه، إذ لو لم يكن المرفوع ثقيلاً لما احتاج إلى أن يقول: «رفع عن» بل أن يقول: الحكم المجهول هو غير ثابت أو الحكم المجهول غير فعلي في حق الجاهل واشباه ذلك، فبما أنّ ظاهر هذا الإسناد هو أنّ المرفوع ثقيل اختص مدلول حديث الرفع برفع الأحكام التكليفية، لا أنّ الحكم التكليفي هو محط الثقل باعتبار كونه مورداً للإدانة واستحقاق العقوبة، وأما الحكم الوضعي من حيث هو وضعي فليس ثقيلاً لأنّه ليس مورداً للإدانة لأجل ذلك حتّى لو سلّمنا أن مفاد حديث الرفع الرفع الواقعي، فلا شمول فيه لرفع شرطية القبلة أو جزئية أو الجزء إذ ليس في ثبوت الشرطية بما هي ثقل على المكلف لكي يكون مورداً للرفع عنه.

الأمر الثالث: لو سلمنا أن حديث الرفع الدال على الرفع الواقعي شامل للأحكام التكليفية والوضعية ولو بلحاظ أن الحكم الوضعي متضمن ومنشأ لحكم تكليفي بلحاظه يكون الحكم الوضعي ذا ثقل على المكلّف. أو يقال بأنّ المستفاد من صحيحة البزنطي: «سألته عن رجل يستكره على الحلف فيحلف على الطلاق والعتاق وصدقة ما يملك، فقال: ليس بشيء، قال رسول الله صلى الله عليه واله: رفع عن امتي ما استكرهوا عليه».

فيقال: ببركة هذه الصحيحة عممنا مفاد حديث الرفع لرفع الأحكام الوضعية، حيث إنّ مدلولها رفع نفوذ الحلف، وهذا رفع لحكم وضعي. لو سلّمنا بذلك لقلنا: أنّه أساساً لا تصح حكومة حديث الرفع على لاتعاد، لأنّ لا تعاد أخص مطلقاً من حديث الرفع. ووجه الأخصية: أنّ المستفاد من سياق لا تعاد التفصيل بين السنن والفرائض حيث قا: ل «ولا تنقض السنة الفريضة» فإنّ هذا التفصيل إنّما يصح لو كان منظور الصحيحة لفرض العذر.

أمّا لو كان منظور الصحيحة لفرض العلم لم يكن فرق بين السنن والفرائض، فالعالم تبطل صلاته بغير ما إذا كان ما أخلّ به سنة أو فريضة، فالتفصيل بين السنن والفرائض إنّما يصح إذا كان منظور الصحيحة هو فرض العذر، أي: لو أخلّ عن عذر لكان إخلاله محل تفصيل فإن كان إخلاله في السُّنة لم يكن ضائراً، وإن كان إخلاله بفريضة كان قادحاً، فبما أن منظور صحيح لا تعاد فرض العذر، ولا شمول فيها لفرض العلم والعمد كانت أخص مطلقا لحديث الرفع، لأنّ حديث الرفع ناظرٌ لفرض العذر من جهل أو نسيان. ولكنّه عام للصلاة وغيرها بينما حديث لا تعاد وارد في فرض العذر وخاص بالصلاة، فمقتضى كونه أخص مطلقاً أن يقدم على حديث الرفع بالأخصية لا أن يكون حديث الرفع حاكماً عليه فإنّ المناط في حكومة دليل على آخر أن تكون النسبة بينهما العموم من وجه، وإلّا لو كان أحدهما أخص قدم على الآخر.

وبعبارة أخرى: أن سياق حديث لا تعاد ظاهر في التفصيل بين السنن والفرائض، ومقتضى ظهوره في التفصيل بينهما قوة ظهوره في عموم الفريضة حتّى لفرض العذر، فعندما يقول في الذيل: «لا تنقض السنة الفريضة» فإنّه ظاهر في التعليل وهو من الظهورات القوية في العموم، فمقتضى ظهور الذيل في التعليل: ظهوره في العموم، ومقتضى ظهوره في العموم: قوة ظهور حديث لا تعاد في شمول شرطية الخمسة حتّى لفرض العذر، وبذلك يكون لسان لا تعاد المشتمل على الحصر والمشتمل على التعليل في الذيل لساناً أبياً عن حكومة حديث الرفع عليه، فمقتضى ذلك: وقوع التعارض بينهما لو كانت النسبة بينهما عموماً من وجه لا حكومة حديث الرفع عليه.

الأمر الرابع: سلّمنا أنّ مفاد حديث الرفع هو الحكومة على مفاد حديث لا تعاد، فإنّ رفع الجزئية لا يجدي في تصحيح العمل؛ والسر في ذلك: ما ذكر في الأصول: أنّ رفع الجزئية لا يثبت صحّة العمل لأنّ الجزئي أمر انتزاعي والأمر الانتزاعي لا يمكن رفعه إلّا برفع منشأ انتزاعه، فلا يمكن رفع جزيئة الجزء أو شرطية الشرط إلّا برفع الأمر بالمركب، إذ إنّ الجزئية والشرطية إنما تنتزعان من الأمر بالمركب أو الأمر بالمشروط، فإنّ المولى لو قال: صلّ بركوع، انتزع جزئية الركوع. فبما أنّ الشرطية والجزئية أمر انتزاعي وهو ليس مجعولاً باستقلال، فحيث لا يجعل مستقلاً لا يرفع مستقلاً فالرفع والوضع بلحاظ منشأ انتزاعه، فلابّد من رفع المركب أو المشروط، وإذا ارتفع المشروط فما هو الشاهد على بقاء الأمر ببقية الأجزاء والشرائط حتى يقال بما ذكر.

إلّا أنّ السيد «قده» وافق صاحب الكفاية، في أنّ نسبة حديث الرفع للأدلة الأولية نسبة الاستثناء للمستثنى منه. وبيان ذلك: لو أنّ المولى جمعهما في دليل واحد على سبيل الأستثناء بأن قال أنت مأمور بالصلاة إلا في فرض الجهل في القبلة فتسقط عنك، فإنّه يستفاد بنفس الأستثناء أنّ الأمر بالباقي باقٍ. كذلك في الأدلة المنفصلة حيث إنّ العرف يرى الأدلة على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الأمر بأصل المركّب، ك «أقم الصلاة».

القسم الثاني: الأمر بالمشروط، كأن يقول: «لا صلاة إلّا إلى القبلة».

القسم الثالث: أن يقول: «رفع عن أمتي ما لا يعملون».

فبما أنّ العرف يتلقى الأدلة بهذا الترتب الثالث، فمقتضى هذا الترتب العرفي: حكومة حديث الرفع على القسم الثاني من الأدلة، فيتضيق شرطية القبلة بفرض العلم، وبقاء الأمر بالصلاة بما بقي من أجزاء وشرائط بمقتضى إطلاق القسم الأول، وهذا معنى أنّ المرتكز العرفي يرى نسبة حديث الرفع للأدلة الأولية نسبة الأستثناء بتلقي العرف للأدلة على نحو ترتبي بالنحو الذي بيّناه.

لكن، سبق الإشكال على هذا التحليل: بأنّ جعل لا صلاة إلّا إلى القبلة رتبة متأخرة عن رتبة إقم الصلاة، بحيث يتجه تصرف الدليل الحاكم إلى القسم الثالث بالثاني دون أن ينال بالقسم الأول، فيكون مجال للتشبث بالإطلاق في القسم الأول في فرض الإخلال بالقبلة والجهل والنسيان.

قلنا: إنّ هذا ترجيح بلا مرجح، فلِمَ لا يقال: أن «رفع عن أمتي» ناظر إلى القسم الأول واسقط وجوب الصلاة المشتملة على الشرائط والأجزاء، ودعوى أنّ حديث الرفع وارد في مقام الامتنان لا يتنافى مع ما ذكرناه، فإنّ مقتضى الامتنان رفع أصل الأمر بالمركب لا رفع الجزئية أو الشرطية. ولذلك في باب الصوم تظهر الثمرة: فلو فرضنا أنّ المكلّف كان جاهلاً جهلاً قصورياً بمفطرية الإرتماس فارتكبه، فمقتضى كلام السيد: أنّ حديث الرفع حاكم، أي: أنّ مفطرية الارتماس خاصة بالعالم به. فنقول: مقتضى حديث الرفع: أن يرفع أصل الأمر بالصوم المشتمل على هذا المفطر فلا يكون مخاطباً بشيء لا أنّه يقتصر على رفع الجزئية أو الشرطية بحيث يبقى إطلاق الأم بالمركب.

فإن قيل: في باب الصلاة قام الارتكاز القطعي على إنّها لا تسقط بحال، فلأجل ذلك قلنا ببقاء الأمر بالباقي.

الجواب: إنّ هذا رجوع للتعكز بالارتكازيات وليس استدلالاً بالمطلقات وإنّ نسبة حديث الرفع نسبة الاستثناء للمستثنى منه.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 83
الدرس 85