نص الشريط
الدرس 90
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 27/4/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2901
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (202)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

لازال الكلام في الفرق بين شاهد الجمع وانقلاب النسبة، وقد ذكرنا فيما مضى:

أنّ شاهد الجمع هو: الدليل الذي يتكفل رفع التحير في الوظيفة الشرعية في موطن تعارض الأدلة سواء بقيت النسبة بين الدليلين المتعارضين أم انتفت.

بينما انقلاب النسبة: عبارة عن الدليل الذي يتكفل تقديم أحد الدليلين المتعارضين على الآخر، أو تغيير نسبة أحد الدليلين بالنسبة للآخر وإن لم يرتفع التحير والتردد في موطن المعارضة، ولذلك فإنّ الفرق بينهما جوهري، فمن الامثلة الفقهية التي تعرض لها الفقهاء لعنوان شاهد الجمع مسألة وجوب الغسل على المرأة إذا امنت من غير مباشرة من الرجل، حيث إنَّ في هذه المسألة طائفتين من الروايات:

الطائفة الأولى: ما دلَّ على أنَّ المرأة وإن أمنت لا يجب عليها الغسل:

1 - «الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ فِي كِتَابِ الْمَشِيخَةِ بِلَفْظٍ آخَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ اغْتَسَلْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالْمَدِينَةِ ولَبِسْتُ ثِيَابِي وتَطَيَّبْتُ فَمَرَّتْ بِي وَصِيفَةٌ فَفَخَّذْتُ لَهَا فَأَمْذَيْتُ أَنَا وأَمْنَتْ هِيَ فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ ضِيقٌ فَسَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ وُضُوءٌ ولَا عَلَيْهَا غُسْلٌ».

2 - «ومَا رَوَاهُ الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع الْمَرْأَةُ تَحْتَلِمُ فِي الْمَنَامِ فَتُهَرِيقُ الْمَاءَ الْأَعْظَمَ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ».

الطائفة الثانية: ما دلَّ على وجوب الغسل عليها.

1 - «مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ قَالَ سَأَلْتُ الرِّضَا عَنِ الرَّجُلِ يُجَامِعُ الْمَرْأَةَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وتُنْزِلُ الْمَرْأَةُ عَلَيْهَا غُسْلٌ قَالَ نَعَمْ.

2 - «عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ الْحَلَبِيِّ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّٰهِ ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ تَرىٰ فِي الْمَنَامِ مَا يَرَى الرَّجُلُ؟ قَالَ: «إِنْ أَنْزَلَتْ، فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ؛ وإِنْ لَمْ تُنْزِلْ، فَلَيْسَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ».».

وقد ذكر الفقهاء أنّ هناك «طائفة ثالثة» تعتبر شاهد جمع: «عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَعْدٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ سَأَلْتُ الرِّضَا عَنِ الرَّجُلِ يَلْمِسُ فَرْجَ جَارِيَتِهِ حَتَّى تُنْزِلَ الْمَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَاشِرَ يَعْبَثُ بِهَا بِيَدِهِ حَتَّى تُنْزِلَ قَالَ إذا أَنْزَلَتْ مِنْ شَهْوَةٍ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ».

فقيل: إنّ مقتضى اشتمال الرواية على مفهوم الشرط أنّ هذه الرواية شاهد جمع، لأنّه بمدلولها المطابقي وهو المنطوق حيث قالت: «فعليها الغسل» تكون مقيدة للطائفة الأولى التي نفت وجوب الغسل وبمقتضى مفهوم الشرط فيها أي أنّ الإنزال إن لم يكن عن شهوة فلا غسل تكون مقيدة للطائفة الثانية التي تدلّ على وجوب الغسل مطلقاً، فحيث إنّ هذه الطائفة قيدت كلا الطرفين فبالتالي استوعبت موطن التعارض فرفعت التحير فأصبحت شاهد جمع، ومقتضى ذلك: أنّ العمل بها لا بالمتعارضين.

وأمّا انقلاب النسبة فهو ما كان متكفلاً لتغيير النسبة بين الدليلين وإن لم يرتفع التردد في موطن المعارضة. ومن أمثلة ذلك: ما ذكره الشيخ الأستاذ في «ج6 في بحث انقلاب النسبة»: أنّه لو وردت علينا أدلة أربع:

الدليل الاول يقول: «المتنجس يطهر بالماء مرة».

الدليل الثاني يقول: «المتنجس يطهر بالماء مرتين». حصل بينهما تعارض.

الدليل الثالث: «المتنجس يطهر بالماء القليل مرتين».

الدليل الرابع: «المتنجس يطهر بالماء الجاري مرة».

فمقتضى الدليل الثالث: أنّه يطهر بالماء القليل مرتين تقييد الدليل الأول الذي قال «الماء المتنجس بطهر بالماء مرة»، فخص ذلك بغير القليل لوجود دليل على أنّه إن طهر بالقليل طهر مترين.

ومقتضى الدليل الثالث: وهو «يطهر بالجاري مرة» تقييد الطائفة الثانية «المتنجس يطهر مرتين» أي في غير الجاري.

فالدليل الثالث والرابع تصرفا في النسبة بين الدليلين الاولين ورفع نسبة التباين إلى نسبة العموم من وجه فقد كانت النسبة «المتنجس يطهر بالماء مرة» وقوله «المتنجس يطهر بالماء مرتين» كانت النسبة هي التباين، والآن بعد أن اختص الأول بغير القليل واختص الثاني بغير الجاري تحولت النسبة من تباين إلى عموم من وجه ومورد اجتماعهما ما إذا غسل المتنجس في كرٍّ ليس جارياً، فلو غسل المتنجس في كرٍّ ولكنه ليس جارياً، فهنا مقتضى الدليل الأول: أن يطهر مرة واحدة؛ ومقتضى الدليل الثاني: أن يطهر مرتين؛ فبقي المعارضة بينهما في مورد اطلاقهما وإن تحولت النسبة إلى العموم من وجه مما يرشد إلى أنّ انقلاب النسبة لا يتكفل رفع التردد في موطن التعارض بحيث يستوعب موطن التعارض فيرفع التعارض فيه، وإنّما دوره تغيير النسبة بين الدليلين. هذا ما أردنا بيانه من جهة الفرق بين انقلاب النسبة وشاهد الجمع. ولكن قد يستظهر: أنّ في بعض كلمات السيد الخوئي ما يخالف ذلك وهو التسوية بين شاهد الجمع وانقلاب النسبة، فلا يبقى فرق جوهري بين المطلبين. هناك موردان:

المورد الاول: وهو في «ج7، ص68»: هل أنّ حدّ اليأس من الحيض بلوغ المرأة خمسين أو ستين سنة؟!.

روايتي عبد الرّحمٰن بن الحجاج: اللتين رواهما صفوان عنه عن أبي عبد اللّٰه : «أنّ حدّه خمسون». ففي إحداهما قال: «قال أبو عبد اللّٰه ثلاث يتزوّجن على كلّ حال إلى أن قال والّتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض، قلت: وما حدّها؟ قال: إذا كان‌ لها خمسون سنة».

وهناك روايتان تدلّان على أنّ حدّ اليأس «ستّون سنة»: إحداهما: مرسلة الكليني.

وثانيتهما: رواية الشيخ «قده» بإسناده عن علي بن الحسن بن فَضّال عن ابن أبي الخطاب عن صفوان عن عبد الرّحمٰن بن الحجاج عن أبي عبد اللّٰه في حديث: «قال قلت: الّتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض؟ قال: إذا بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض».

وهناك مرسلتان مفصلتان بين القرشيّة وغيرها:

إحداهما: مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه «قال: إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة، إلّا أن تكون امرأة من قريش».

ثانيتهما: مرسلة الصدوق، قال «قال الصّادق : المرأة إذا بلغت خمسين سنة لم تر حمرة، إلّا أن تكون امرأة من قريش، وهو حدّ المرأة الّتي تيأس من الحيض».

قال سيدنا في «ص70»: «وبما أنّ الطائفتين الأوليين متعارضتان فتجعل الطائفة المفصلة شاهد جمع بين الطائفتين، وبها تحمل الطائفة الأولى على غير القرشية، والثّانية على القرشية. أو يقال: إنّ الطائفة الثّالثة تخصّص الطائفة الأولى بغير القرشيّة، لأنّ إطلاقها وإن كان يشمل القرشيّة أيضاً إلّا أنّ الطائفة الثّالثة تخصصها بالمرأة غير القرشيّة، وبهذا تنقلب النسبة بينها وبين الطائفة الثّانية وتكون النسبة بينهما عموماً مطلقاً، لأنّ الثانية مطلقة وتدل بإطلاقها على أنّ حدّ اليأس ستّون سنة في القرشيّة وغيرها، والطائفة الأولى بعد تقييدها بغير القرشيّة تدل على أنّ حدّ اليأس في غير القرشيّة خمسون سنة، فهي أخصّ مطلقاً من تلك الطائفة، فتخصصها بالقرشيّة لا محالة. هذا غاية ما يمكن أن يقرب به المسلك المشهور».

ولكن هذا الشاهد لا يصلح للتسوية، لأنّ ظاهر سياق كلامه «قده»: هو الخلاف في أنّ المستثنى له مفهوم أم لا؟، لأنّ الرواية قالت: «كل امرأة ترى الحمرة إلى خمسين إلّا أن تكون امرأة من قريش»، فإذا قلنا بانعقاد مفهوم كلي للمستثنى كمفهوم الشرط فهي شاهد جمع لأنّها استوعبت موطن التعارض ورفعت التردد منه، وإن لم يكن لها مفهوم غايتها أنها قلبت النسبة بين الطائفة الأولى والثانية إلى العموم والخصوص المطلق، فقوله: «أو يقال» ناظر إلى ذلك.

المورد الثاني: هل يشرع الإتيان بصلاة الليل وركعة الوتر بعد طلوع الفجر أم لا؟.

الطائفة الأولى: ما دلّ على المشروعية.

منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه قال: «سألته عن صلاة الليل والوتر بعد طلوع الفجر، فقال: صلّها بعد الفجر حتى يكون في وقت تصلي الغداة في آخر وقتها، ولا تعمّد ذلك في كل ليلة، وقال: أوتر أيضاً بعد فراغك منها».

ومنها: صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري في حديث قال: «سألت أبا الحسن الرضا عن الوتر بعد الصبح، قال: نعم قد كان أبي ربما أوتر بعد ما انفجر الصبح».

إلّا أنها معارضة بطائفة أُخرى دلت على عدم الجواز:

منها: صحيحة إسماعيل بن جابر قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه : أوتر بعد ما يطلع الفجر؟ قال: لا».

ومنها: صحيحة سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا قال: «سألته عن الرجل يكون في بيته وهو يصلي وهو يرى أن عليه ليلًا ثم يدخل عليه الآخر من الباب فقال: قد أصبحت، هل يصلي الوتر أم لا، أو يعيد شيئاً من صلاته؟ قال: يعيد إن صلاها مصبحاً». وهاتان الطائفتان كما ترى متعارضتان بالإطلاق.

إلا أنّ هناك طائفة ثالثة: وردت في من انتبه من النوم وقد طلع الفجر، وتضمنت البدأة بالنافلة في هذه الصورة. كصحيحة سليمان بن خالد، قال: «قال لي أبو عبد اللّٰه : ربما قمت وقد طلع الفجر فأُصلي صلاة الليل والوتر والركعتين قبل الفجر ثم أُصلي الفجر، قال: قلت أفعل أنا ذا؟ قال: نعم، ولا يكون منك عادة».

وصحيحة عمر بن يزيد قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه : أقوم وقد طلع الفجر، فإن أنا بدأت بالفجر صليتها في أول وقتها وإن بدأت بصلاة الليل والوتر صليت الفجر في وقت هؤلاء، فقال: ابدأ بصلاة الليل والوتر ولا تجعل ذلك عادة»، ونحوها غيرها.

قال سيدنا بحسب التقرير: «فيمكن الجمع بين الطائفتين الأوليتين: بحمل المجوّزة على صورة الأنتباه بعد طلوع الفجر؛ والمانعة على من انتبه قبله، وتجعل الطائفة الثالثة شاهدة لهذا الجمع. وإن شئت قلت: إنّ الطائفة الثالثة تخصص الثانية المانعة ويكون مفادها بعد التخصيص عدم جواز البدأة بالنافلة فيما لو انتبه قبل الفجر، وحينئذ تنقلب النسبة بينها وبين الطائفة الأولى المجوّزة من التباين إلى العموم والخصوص المطلق، فتخصصها وتحمل الأولى على من انتبه بعد طلوع الفجر، ويكون المقام من صغريات انقلاب النسبة من التباين إلى العموم المطلق، وبذلك يجمع بين الأخبار ويلتزم بتقديم النافلة في خصوص من انتبه بعد طلوع الفجر. وهذا التقرير يجري بعينه في صلاة الوتر، فإنّها أيضاً مورد لطوائف ثلاث من الأخبار؛ لاحظ صحيحة إسماعيل بن سعد، وصحيحة إسماعيل بن جابر، وصحيحة سليمان بن خالد المتقدمة فيجري فيها ما مرّ حرفاً بحرف.

هذا وقد يقال: إنّ الطائفة الثالثة الشاهدة للجمع بنفسها مبتلاة بالمعارض في موردها وهو روايتان».

ولكن يحمل كلامه «قده»: على أنّه جواب تنزلي؛ يعني أنّ مراده «قده» أن لا تعارض في المقام لوجود شاهد الجمع، فإنّ منعتم من أنّه شاهد جمع فلا أقل أنّه موجب لانقلاب النسبة. لا أنّه يدّعي التسوية بين الموردين مع وضوح الفرق بينهما، وإن كان المناسب للصناعة أنّه انقلاب نسبة وليس شاهد جمع. فموضوع الجواب من انتبه بعد طلوع الفجر لا أن الإمام قيد الجواز بمن انتبه بعد طلوع الفجر. هذا تمام الكلام في بحث الفرق بين انقلاب النسبة وشاهد الجمع.

وتبيّن: أنّ التعارض بين صحيحة معاوية بن عمار وصحيحة الحلبي أنّ هناك طائفة ثالثة وهي موثقة الحسين بن علوان التي تكون شاهد جمع بينهما بناءً على ثبوت مفهوم التحديد فيها.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 89
الدرس 91