نص الشريط
الدرس 94
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 4/5/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2521
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (286)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

لازال الكلام في الجمع بين صحيح معاوية، القائل: «ما بين المشرق والمغرب قبلة»، وصحيح عبد الرحمن، القائل: «إذا استبان لك أنك صليت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد وان فاتك الوقت فلا تعد»، بلحاظ أنَّ النسبة بينهما هو العموم من وجه. وقلنا: بأنَّ هناك وجوه للجمع بين الروايتين:

الوجه الأول: تقديم صحيحة معاوية على صحيحة عبد الرحمن بنكتة الاخصية، وذكرنا أن سيدنا أفاد بأنّ هذه الكبرى إنّما تنطبق على المقام إذا كان فتوى المشهور هو عدم وجوب الإعادة إذا حصل الانكشاف خارج الوقت، أما إذا كان فتواهم وجوب الاعادة إذا حصل الانكشاف بعد الوقت فلا ترجيح لإحدى الصحيحتين على الأخرى فإنّ أيا منهما يقدم سوف يلغي المناط المذكور في الآخر.

ولكن اقحام فتوى المشهور غير صناعي، والسر في ذلك: أنّه إذا كانت فتوى المشهور بعدم وجوب الاعادة كاشفة عن ارتكاز متشرعي معاصر للرواية حين صدورها حينئذٍ يكون ذلك صارف لصحيحة معاوية لما إذا انكشف الانحراف الكثير بعد خروج الوقت، وأمّا إذا لم يكشف فتوى المشهور عن مثل هذا المرتكز فلا قيمة له في الجمع بين الروايتين لتنقيح الجمع العرفي بينهما هذا بالنسبة إلى الوجه الأول في الجمع.

الوجه الثاني: أن يدعى الجمع الواوي بالالتزام باعتبار كلا القيدين، فيقال أن مفاد صحيحة معاوية اشتراط صحّة الصلاة بكون الانحراف ما بين اليمين واليسار ومفاد صحيحة عبدالرحمن اشتراط صحّة الصلاة بأن ينكشف له الانحراف بعد الوقت، فكل منهما ذكر شرطا لصحة الصلاة ومقتضى الجمع بين اطلاقيهما ان يقال بانه يعتبر في صحّة الصلاة مجموع الامرين، ان يكون الانحراف يسيرا وان انكشف ذلك خارج الوقت، فمقتضى الجمع بينهما هو الحمل على مفاد واو الجمع.

ولكن يلاحظ على هذا الجمع:

أنّ لازمه إلغاء التنزيل في الوقت، وهو مستهجن، لأنّ ظاهر صحيحة معاوية «ما بين المشرق والمغرب قبلة» تنزيل ما بين المشرق والمغرب منزلة القبلة، وانما يصح التنزيل من أجل بيان أنّ الصلاة جامعة للشرائط فالقدر المتيقن من التنزيل داخل الوقت وإلّا لا معنى للتنزيل خارج الوقت، فما دام لسان الرواية لسان التنزيل أي أن مفادها أنّ من كان انحرافه يسيرا فهو إلى القبلة ولم يخرج عن القبلة، وهذا تنزيل والتنزيل في الشروط سواء كان تنزيلا بلحاظ الطهارة أو بلحاظ الوقت أو القبلة إنما يصح عرفا في فرض كون الصلاة في الوقت إذ لا معنى لأن يقال لا يتنزل الانحراف اليسير منزلة القبلة ما دام الوقت وأما إذا مضى الوقت فإنّه ينزل منزلة القبلة.

لذلك: بما أن القدر المتيقن من التنزيل النظر إلى الصلاة في الوقت فلو كان الجمع بين الصحيحتين واويا لاقتضى الغاء التنزيل في الوقت وهذا مستهجن.

الوجه الثاني من الجمع: الجمع الأوي وهو نظير ما ذكر في الاصول في بحث تعدد الشرط واتحاد الجزاء كما في «إذا» في الأذان فقصر «واذا غابت الجدران فقصر»، حيث إنَّ جمع من الاعلام جمع بالجمع الاوي، فقال بأنّ هناك تنافياً بين منطوق كل منهما ومفهوم الآخر فإنّ مفاد قوله: «إذا غابت الجدران فقصر» أنّه إن لم تغب فلا تقصر، وهذا يتنافى مع قوله: «إذا خفي الاذان فقصر» كما أن فمفهوم «إذا» خفي الأذان فقصر أنّه إن لم يخف فلا تقصر، وهذا يتنافى مع منطوق إذا غابت الجدران فقصر فبين مفهوم كل منهما ومنطوق الآخر تناف من حيث الإطلاق لذلك نقول إطلاق مفهوم كل منهما يقيد بمنطوق الآخر إذ ما دام التنافي بين الاطلاقين لا بين ذاتي المدلولين وإنّما بين إطلاق المنطوق لهذه الرواية وإطلاق المفهوم لتلك الرواية فما دامت المشكلة بين الاطلاقين لا بين ذات المدلولين، والضرورات تقدر بقدرها فمقتضى الجمع العرفي رفع اليد عن الطلاقين، والنتيجة: الجمع الاوي أي يصبح أي منهما سببا مستقل لوجوب القصر.

فكذلك الامر في المقام، فيقال: بما أن مفاد صحيح معاوية ان مناط الصحّة كون الانحراف يسيراً ومفاد صحيحة عبد الرحمن أن المناط في الصحّة انكشاف الانحراف بعد الوقت فالتعارض إنما هو بين إطلاق منطوق كل منهما ومفهوم الأخرى ومقتضى الجمع بين الاطلاقين هو الحمل على مفاد «أو»، فكأنه قال: أي منهما تحقق كان كافيا في الحكم بالصلاة، فإن انكشف ان الانحراف أكثر ولكن كان بعد خروج الوقت كفى في صحّة الصلاة، فأي منهما سبب كاف للحكم بصحة الصلاة ولا كلام في نتيجة الجمع الاوي لأنّه بعض الوجوه سيأتي أنها تنتج هذه النتيجة ولكن الظاهر عرفا من الروايتين إذا عرضتا على الذوق العرفي أن أي منهما سبب للصحة هذا الجمع بهذا النحو غير عرفي لأنّ لازم هذا النوع من الجمع هو لغوية الفقرة الاولى من صحيحة عبد الرحمن، فإنّ مفاد الفقرة الأولى من صحيحة عبد الرحمن أنّه: «إذا استبان لك أنك صليت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد»، فإنّ لازم الجمع الأوي أن لا حاجة لهذه الفقرة إذ من انكشف له ان الانحراف اكثر من بين اليمين واليسار وكان في الوقت فحكمه ان يعيد بمفهوم صحيحة معاوية وصحيحة عبد الرحمن، فإنّ مقتضى مفهوم صحيحة معاوية بطلان صلاته لأن الانحراف أكثر. ومقتضى الفقرة الثانية: من صحيحة عبد الرحمن أنّه إذا كان الانكشاف في الوقت انه يعيد، فلا يبقى حاجة للمنطوق، أي أن الفقرة الاولى التي ابتدأ بها الإمام صحيحة عبد الرحمن ويظهر منها أنها هي محط كلام الامام لا يبقى لها أثر لأن مفهومها يتحقق بكلتا الصحيحتين بمقتضى الجمع الأوي وهذا خلاف الظاهر، فإنّ ظاهر صحيحة عبد الرحمن النماط ما ذكر في الفقرة الاولى وما ذكر في الفقرة الثانية تفريع عليه.

الوجه الرابع: ما أفاده سيدنا «ج12، ص47» قال: إنّ صحيحة معاوية القدر المتيقن منها أثناء الوقت، فإنّ قوله «سألته عن الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعدما فرغ فيرى أنه قد انحرف يمينا أو شمالا قال قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة» القدر المتيقن من هذا اللسان من فرغ من الصلاة وما زال الوقت باقياً. فلا يشمل ما إذا كان الفراغ من الصلاة مساوقاً لخروج الوقت الذي هو فرض نادر كما لا يخفى.

لأجل ذلك: لو قدمنا عليها صحيحة عبد الرحمن فقلنا إن انكشف الانحراف أثناء الوقت أعاد وإن كان بعد خروج الوقت لم يعد، فلازم ذلك: تخصيص صحيحة معاوية بما بعد الوقت، ولازم ذلك اخراج القدر المتيقن من مورد الرواية عن مفادها أي أن مفادها وهو عدم الإعادة إذا كان الانحراف يسيراً لا يشمل هذا المفاد موردها حيث إنَّ القدر المقتين من انكشف والوقت باق وإخراج القدر المتيقن عن المورد مستهجن إذا فصحيحة معاوية في القدر المتيقن أقوى ظهوراً من صحية عبدالرحمن فتقدم على صحيحة عبد الرحمن من باب نكتة الاخصية. ويؤكد ذلك موثقة عمار عن أبي عبد اللّٰه قال: «في رجل صلّى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال: إن كان متوجّهاً فيما بين المشرق والمغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، وإن كان متوجهاً إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثم يحوّل وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة».

قال سيدنا في التقرير: ”فانّ الانكشاف أثناء الصلاة كالصريح في كونه قبل خروج الوقت، فحملها على ما لو اتفق خروج الوقت في الأثناء كي يكون الانكشاف بعده الذي هو فرض نادر جدّاً في غاية البعد. ومن الضروري عدم الفرق في الحكم المزبور بين أبعاض الصلاة وجملتها، لاشتراط الاستقبال في تمام الأجزاء“. هذا هو الوجه الرابع الذي أفاده سيدنا ولا يبعد تماميته.

الوجه الخامس: وهو مبني على مقدمات ثلاثة:

المقدمة الاولى: أنّ التعارض بين الروايتين فرع ورودهما على موضوع واحد.

المقدمة الثانية: إنّ صحيحة معاوية ناظرة إلى موضوع وصحيحة عبد الرحمن ناظرة إلى موضوع آخر، وذلك لأنّ المستفاد من قوله في صحيح معاوية: «قد مضت‌ صلاته، وما بين المشرق والمغرب قبلة»، أنّ الوجه في المضي وعدم الإعادة مع الانحراف اليسير ليس هو التعبد المحض والاجتزاء بغير الواجب عن الواجب في مقام الامتثال.

المقدمة الثالثة: ”لأجل أنّه قد أتى بالواجب على ما هو عليه لمكان الاتساع في أمر القبلة، وأنّها عبارة عما بين المشرق والمغرب، فلا مقتضي للإعادة لأنّه صلى إلى القبلة نفسها بعد الاتساع في موضوعها فيكون ذلك شارحاً للمراد من القبلة في الطائفة الثانية الواقعة في كلام الإمام نفسه في بعض تلك الأخبار كصحيح عبد الرحمن وغيره وأنّ المراد بقوله في الصحيح: «إذا صليت وأنت على غير القبلة... إلخ»، هو على غير القبلة المتسعة الشاملة لما بين المشرق والمغرب، المفسّرة بذلك في تلك الأخبار، بأن صلّى إلى نفس نقطتي الشرق والغرب أو مستدبراً، فالموضوعان في الطائفتين متباينان، إذ الأُولى دلّت على نفي الإعادة لأنّه صلّى إلى القبلة، والثانية تضمنت وجوب الإعادة لمن صلّى إلى غير القبلة، فأي تعارض بينهما بعد تعدد الموضوع“. وهذا نظير ما ذكره الميرزا النائيني في الجمع بين أدلة البراءة ودليل حجية خبر الثقة، أو الادلة الناهية عن الظن ودليل خبر الثقة فإنّ دليل البراءة قائل «رفع عن امتي ما لا يعلمون»، ودليل خبر الثقة يقول أنّ خبر الثقة علم، فحدد إن ما لم يعلم أي ما لم يقم عليه خبر ثقة، والنتيجة: هي حكومة صحيحة معاوية على صحيحة عبد الرحمن حكومة تفسير.

ولكن قد يقال: إنّ ظاهر قوله في صحيحة عبد الرحمن: «من صلى على غير القبلة» إرادة القبلة الواقعية لا التعبدية أو التنزيلية كي يقال بأنّ صحيحة معاوية بمثابة المفسر والقرينة عليها، فيعود التعارض بين الصحيحتين.

ثم قال سيدنا: ”وبالجملة فالمتحصّل من الطائفتين: أنّ من صلى إلى ما بين المشرق والمغرب مخطئاً أو غافلًا على تفصيل مرَّ فلا مقتضي للإعادة لا في الوقت ولا في خارجه، لأنّه صلّى إلى القبلة المتسعة نفسها. وأمّا لو صلّى مستدبراً أو إلى نفس النقطتين فتجب عليه الإعادة في الوقت دون خارجه. فالأقوى ما عليه المشهور“.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

الدرس 93
الدرس 95