نص الشريط
الدرس 95
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 5/5/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2500
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (222)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

كان الكلام في الجمع بين صحيحة معاوية التي فيها «وما بين المشرق والمغرب قبلة»، وبين صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبدالله التي قال فيها «ان كان في وقت فليعد وان كان قد مضى الوقت فلا يعد».

وذكرنا أنّ سيدنا أفاد في الوجه الأخير من وجوه الجمع ان صحيحة معاوية حاكمة على صحيحة عبدالرحمن لانّ هذا اللسان وهو قوله ما بين المشرق والمغرب قبلة لسان التصرف في الموضوع فحيث ان صحيحة عبد الرحمن قالت «من صلى لغير القبلة ثم استبان له انه صلى لغير القبلة» ولم تحدد ما هو القبلة. وصحيحة معاوية حددت ذلك وبينت ان ما بين المشرق والمغرب قبلة فكانت صحيحة معاوية ناظرة لصحيحة عبد الرحمن متصرفة في موضوعها على نحو التوسعة حاكمة بأن ما أتى به المكلف صلاة إلى القبلة.

ولكن ما أفاده محل تأمل من جهتين:

الجهة الاولى: جهة مبنائية حيث بحث في الاصول في بحث التعارض في مبحث الحكومة عن أمرين: الأول: ما هو المناط في نظر دليل لآخر؟

والأمر الثاني: ما هو وجه عدم المنافاة بين الحاكم والمحكوم؟ فإنه لا خلاف في تعريف الحكومة حيث إنَّ الحكومة عبارة عن نظر احد الدليلين إلى الآخر نظرا شخصياً لا نظرا نوعياً وهذا هو الفرق بين المخصص والحاكم فإن المخصص ناظر للعام نظرا نوعياً بمعنى انه لولا ان المخصص اظهر في مورده من العام بحيث عدت الاظهرية قرينة بنظر العرف لكان العام والمخصص متعارضين، الا ان العرف توسل باظهرية المخصص على العام في مورده واعتبر هذه الاظهرية قرينة، والا فهما متنافيان، بينما إذا عرض الحاكم والمحكوم على العرف بأن قيل لهم احل الله البيع وحرم الربا ولا ربا بين الوالد ووولده فإن العرف إذا تلقى هذين الخطابين يرى ان الثاني ناظر للأول كأنما المتكلم بالثاني انما تكلم به قاصدا التصرف في الاول تضييقا أو توسعة فنظر الحاكم للمحكوم نظر شخصي وهذا هو المائز الجوهري بينه وبين المخصص وانما الخلاف بينهما في جهتين في بحث الحكومة الجهة الاولى في ان ما هو ملاك النظر؟.

فقد ذهب جمع كالسيد الإمام وهو ظاهر بعض كلمات سيدنا ان المناط في نظر دليل لآخر لسان المسالمة، فالمسألة ترجع إلى خصوصية لسانية فإذا كان لسان الدليل عدم المساس بالمحمول وإنما معالجة الموضوع اما بتوسعة أو تضييق اما ان يقول: لا ربا بين الوالد وولده. أو يقول: الطواف في البيت صلاة. فلأجل هذه الحيثية اللسانية كان المسالم ناظرا للآخر فالملاك في النظر هو صفة لسانية.

والمسلك الآخر: في مناط نظر دليل لآخر ليس مجرد ان اللسان لسان المسالمة وان الثاني ناظر للموضوع دون المحمول وانما المناط في النظر ان يكون متأخرا رتبة عن الدليل المحكم فمضافا للحيثية اللسانية لابد ان يتأخر رتبة لا زمانا كما توهم بعضهم في عبارة الشيخ في الرسائل فاشكل عليه انه لا يعتبر في الحكومة التأخر الزماني وانما المقصود التأخر الرتبي حيث ان الشيخ الاعظم ذكر في الرسائل ان الميزان في الحكومة انه لو لم يكن المحكوم لكان الحاكم لغوا أي لا مفاد للحكام الا مع وجود محكوم فلو لم يكن هناك قوله لا صلاة الا بطهور لكان قوله الطواف بالبيت صلاة لغوا.

وقد يكون الحاكم متقدم زمانا على المحكوم ولكن لما كان الحاكم في ظرف صدوره لا معنى لمفاده الا مع وجود دليل اخر كان صالحا للحكومة إلى ان يأتي الدليل المحكومة فالمدار على التأخر الرتبي. فلأجل ذلك: إذا كان الحاكم واردا بالعنوان الثانوي الو المحكوم بالعنوان الاولي أو الحاكم ناظر لمقام الامتثال والمحكوم لمقام الجعل صحت الحكومة باعتبار التأخر الرتبي واما إذا كان كلاهما ناظرا لمقام الامتثال أو للعنوان الثانوي الواحد فإن العرف لا يرى احدهما ناظرا للآخر بل كلاهما ناظران لدليل فوقاني وان كان لسان احدهما لسانا مسالما للآخر. مثلاً: لو أن المولى قال قبّل يد العالم، ثم أتى بخاصين لهذا الكلام الاول انه سئل من حفظ الحديث يقبل يده؟ فقال: من حفظ أربعين حديثا فهو عالم. ثم ورودنا خاص آخر بأن سئل إذا اكرمنا غير العالم نقبل يده؟ فأجاب: لا تقبل يد غير العالم. فلا اشكال في ان الخاص الأول حاكم على نحو التوسعة على الدليل العام، حيث يشمل عنوان العالم بعد الحكومة بحسب المراد الجدي من حفظ أربعين حديثا. فلا اشكال في حكومة الخاص الأول على الدليل العام انما الكلام في حكومته على الثاني وهو انه إذا اكرمنا غير العالم تقبل يده أو لا.

المقصود من غير العالم من لم يحفظ أربعين حديثا أو يقال تقع المعارضة بين الخاصين وان لم يكن الخاص حاكما على الدليل العام.

فالمختار: ان مجرد الحيثية اللسانية غير كافية في حكومة دليل على آخر بل لابّد من اضافة التأخر الرتبي وعليه نطبق هذه الكبرى في المقام.

فنقول عندنا أدلة:

الدليل العام: وهو قوله «صلي إلى القبلة، أو لا تعاد الصلاة الا من خمس..»

وورد عندنا خاصان: احدهما: سألته عن الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعدما فرغ فيرى انه انحرف عن القبلة يمينا... قال الإمام: مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة.

الحديث الثاني: صحيحة عبد الرحمن: «من صلى لغير القبلة ثم استبان له انه صلى لغير القبلة فإن كان في وقت فليعد وان مضى الوقت فلا يعد».

هل الحديث الأول حاكم على الحديث الثاني وهو صحيحة عبدالرحمن؟.

لا اشكال ان صحيح معاوية لو خلي عن المعارض لكان حاكما على الدليل العام وهو صل إلى القبلة، وانما الكلام انه معارض بصحيحة عبد الرحمن أو انه حاكم عليه فإذا قلنا بأن الخصوصية اللسانية كافية في الحكومة إذا صحيحة معاوية حاكمة على صحيحة عبد الرحمن لان صحيحة معاوية لسانها لسان المسالمة والتصرف في الموضوع فصحيحة عبد الرحمن تقول من صلى إلى غير القبلة وصحيحة معاوية تقول ما بين المشرق والمغرب قبلة فتكون حاكمة عليه.

واما إذا اعتبرنا في الحكومة مضافا لحيثية اللسان حيثية التأخر الرتبي فالمفروض ان صحيحة معاوية وصحيحة عبد الرحمن كلاهما ناظران لمقام الامتثال وبالتالي لا موجب لحكومة الاول على الثاني وان كان لسانه لسان المسالمة.

فالمناقشة مع سيدنا مبنائية

الجهة الثانية: ان سيدنا أفاد في مصباح الاصول ان السر في عدم منافاة الحاكم للمحكوم ان المحكوم قضية شرطية وهي لا نظر لها لموضوعها بينما الحاكم قضية ناظرة إلى عقد الوضع.

بيانه: إذا قال المولى حرم الربا فإن مرجع هذه القضية إلى شرطية ما فرض انه ربا فهو حرام والقضية الشرطية لا نظر لها إلى موضوعها فهي تتكفل ثبوت المحمول على فرض تحقق الموضوع واما ما هو المحقق للموضوع فلا نظر في القضية الشرطية اليه فإذا جاءتنا رواية اخرى وقالت لا ربا بين الوالد وولده فهي غير ناظرة للمحمول وانما ناظرة لموضوع القضية الشرطية فمقتضى ذلك ان تقدم عليها عرفا لان الشرطية لا تثبت وجود موضوعها والحملية تثبت وجود الموضوع أو تنفيه عن بعض الافراد وبالتالي تكون حاكمة عليها فهذا هو سر عدم المنافاة والملائمة بين الحاكم والمحكوم.

وما أفاده سيدنا قد يطبق على محل الكلام فيقال ان صحيحة عبد الرحمن قضية شرطية من صلى لغير القبلة ان كان في وقت فليعد، والقضية الشرطية لا تتكفل تنقيح موضوعها فإذا جاءت قضية حملية تتكفل تنقيح الموضوع كما في صحيحة معاوية بن عمار حيث قال ما بين المشرق والمغرب قبلة كانت حاكمة عليها.

ولكن ما أفاده انما يتم، أولاً: إذا كان احد الدليلين متأخر رتبة كما ذكرنا في الجهة الأولى. وثانيا: ان ما أفاده يقتضي عدم العمل بالدليل المحكوم في مورد الشك في الحكومة، لأن مقتضاه الشك في الموضوع وكون الشبهة مصداقية ولا يصح التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية.

بيان ذلك: إذا قال المولى في دليل اكرم كل عالم؛ وقال في الدليل الآخر مثلاً العالم من كان عادلاً أو العالم من لم يكن فاسقاً، فإذا قلنا بأن سر تقدم الحاكم على المحكوم تصرف الحاكم في موضوع الدليل المحكوم، إذا بالنتيجة: ان المراد الاستعمالي في المحكوم لا يصح التمسك به في مورد الشك في الحكومة أي لو شككنا في مورد كما لو فرضنا ان هذا العالم مرتكب للصغيرة وشككنا ان العالم المرتكب للصغيرة عالم بحسب الدليل الحاكم أو لا فمقتضى كلام سيدنا من ان الدليل المحكوم لا يتعرض لموضوعه وان المراد مما هو المراد من الدليل الحاكم ان لا يصح ان يتمسك في الدليل المحكوم في موارد الشك وهذا مما يأباه هو وغيره في الفروع الفقهية فانهم يقولون لا فرق بين الحاكم والمخصص فمن هذه الجهة فكما ان العام لو شك في تخصيص زائد عليه تمسك بأصالة العموم فكذلك المحكوم لو شك في حكومة زائدة على المقدار المتقين يستمسك بأصالة العموم في الدليل المحكوم مما يعني بقاء الدليل المحكوم على حجية ظهوره في المراد الاستعمالي منه وهو ان المراد بالعالم معناه العرفي وهو من كان عالما وجدانا الا في المقدار المتقين للدليل الحاكم.

وثالثا: إنّ ما أفاده «قده» اخص من المدعى وهذا يؤكد لنا ما ذكرناه في الجهة الأولى حيث ما أفاده يختص بما إذا اكان الحاكم متصرفا في عقد الوضع ولا يشمل ما إذا تصرف في عقد الحمل نظير لا ضرر ولا حرج حيث إنَّ سيدنا التزم ان دليل لا ضرر حاكم على الادلة الاولية مع ان مفاد لا ضرر ولا حرج بحسب مسلكه نفس الحكم الضرري ونفي الحكم الحرجي أي ان لا ضرر ليس ناظر للموضوع بل للمحمول ومع ذلك هو حاكم على الأدلة الاولية فإذا كان الوجه في عدم المنافاة بين الحاكم والمحكوم هو ان الحاكم لا يمس المحمول وانما يمس الموضوع لم يكن هذا مضطرا في سائر اقسام الحكومة.

قال سيدنا: «بقي شي‌ء: وهو أن مقتضى النصوص المتقدمة بأجمعها نفي القضاء كما عرفت لكن قد يحكى عن بعض وجوبه استناداً إلى خبر معمر بن يحيى قال: «سألت أبا عبد اللّٰه عن رجل صلى على غير القبلة ثم تبينت القبلة وقد‌ دخل وقت صلاة أُخرى، قال: يعيدها قبل أن يصلي هذه التي قد دخل وقتها». السيد الإمام في كتاب «الخلل» نقل الرواية بلفظ آخر وبنى عليه: قال: "وأما‌ رواية معمر بن يحيى قال سئلت أبا عبد اللّه عن رجل صلى على غير القبلة ثم تبين له القبلة وقد دخل وقت صلاة أخرى قال يصليها قبل ان يصلي هذه التي قد دخل وقتها الا ان يخاف فوت التي دخل وقتها.

وقريب منها رواية أخرى عنه بل الظاهر أنهما رواية واحدة مع زيادة إحداهما بقيد».

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

الدرس 94
الدرس 96