نص الشريط
الدرس 96
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 6/5/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2551
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (272)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

تنبيه:

قد يكون ما دل على عدم وجوب القضاء، معارض بما دل على وجوب القضاء وهو خبر معمر بن يحيى قال: «ما رَوَاهُ الطَّاطَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَتِ الْقِبْلَةُ وقَدْ دَخَلَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى قَالَ يُعِيدُهَا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ هَذِهِ الَّتِي قَدْ دَخَلَ وَقْتُهَا‌».

ولكن سيدنا اشكل على خبر معمر بعدة ايرادات:

الإيراد الاول: ضعف الخبر سندا أفاد السيد الإمام إنّ منشأ ضعف السند عليّ بن الحسن الطاطري - وقال الشيخ في الفهرست:

إنّه كان واقفيّا شديد العناد في مذهبه صعب العصبية على من خالفه من الإماميّة ولكن هذا لا ينافي وثاقته قال النجاشي عنه كان ثقة، فمقتضى كلام النجاشي ثبوت وثاقته وإنّما محل الضعف في السند ما ذكره سيدنا. قال:

«وفيه أوّلًا: أنّ الخبر ضعيف، فإنّ الرجال المذكورين في السند وإن كانوا ثقات إلا أنّ طريق الشيخ إلى الطاطري ضعيف لاشتماله على علي بن محمد ابن الزبير القرشي ولم يوثق». إلّا إذا قلنا بكبرى المعاريف أنهم ثقاة، فإنّ معروفية الرجل لدى الطائفة كاشفٌ إني عن وثاقته وإنّ أبن الزبير لكونه شيخ إجازة حيث استندت إليه الكثير من الطرق فهو من معاريف الطائفة، فهو كاشف إنيٌ عن وثاقته.».

الإيراد الثاني: إنّ الوقت المذكور في الخبر، وهو قوله: «وقد دخل وقت صلاة أخرى» إن كان المراد منه وقت الفضيلة في المترتبتين كالظهرين والعشاءين كما هو الظاهر لكون المتداول في الأزمنة السابقة توزيع الصلوات على الأوقات الخمسة، فكان يعبّر عن حلول وقت فضيلة الصلاة بدخول وقتها ويعضده عدم التصريح في الخبر بخروج وقت الاولى، وكذا قوله: «قبل أن يصلّي هذه التي... إلخ» المشعر بترتبها على السابقة. فالرواية حينئذ أجنبية عن القضاء رأساً، بل هي متعرضة لحكم الإعادة عند الانحراف المنكشف في الوقت كما هو ظاهر، فتكون موافقة للنصوص المتقدمة». قال السيد الإمام: «إنّه من الواضح إنّه في صدر الإسلام حتى في عصر الصادقين كان بناء المسلمين عموما على تفريق الصلوات وكان لكل صلاة وقت خاص بها بحسب هذا التفريق وقد وردت روايات كثيرة على ان وقت صلاة الظهر بعد الزوال قدمان ووقت العصر بعد ذلك‌ قدمان. أو أن وقت الظهر ذراع من زوال الشمس ووقت العصر ذراع من وقت الظهر. وقد سئل في بعض منها بنحو الإطلاق عن وقت الظهرين فكأنّ الجواب نحو ذلك فلا إشكال في أن المعروف في تلك الأزمنة أنّ الصلوات الخمس لها أوقات ولكل وقت خاص به. فلا ينبغي الإشكال في أنّ قوله‌ في رواية معمر وقد دخل وقت صلاة أخرى. أعم من دخول وقت الشريكة أو دخول وقت غيرها فيكون الجمع بينها وبين الروايات المفصلة بالإطلاق والتقييد. بل يجرى ذلك‌: في مرسلة النهاية، قال وقد رويت رواية أنّه إذا كان صلى إلى استدبار القبلة ثم علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة. ‌بل لا استبعد أن تكون تلك المرسلة إشارة إلى مثل رواية معمر. ولو أغمض عن ذلك فلا إشكال في عدم صلاحية مثل تلك المرسلة لمعارضة الروايات الكثيرة المعتمدة وفيها الصحاح المفتي بها قديما وحديثا المفصلة بين الوقت وخارجه‌ كالمروية عن أبي عبد اللّه : «إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان إنّك على غير القبلة وأنت في وقت فأعد فإن فاتك الوقت فلا تعد». وعنه في الأعمى: «إذا صلى لغير القبلة فقال ان كان في وقت فليعد وان كان قد مضى الوقت فلا يعيد». وعليه: لا تعارض فهي موافقة لصحيحة عبد الرحمن الايراد الثالث، قال سيدنا: «وإن كان المراد به وقت صلاة أُخرى غير مترتبة على الاولى كالمغرب بالإضافة إلى الظهرين وإن كان ذلك بعيداً عن ظاهر الخبر كما عرفت فلا مناص من حمل الإعادة على الاستحباب جمعاً بينها وبين النصوص المتقدمة وفيها الصحاح المصرحة بنفي القضاء، لعدم مقاومة هذه مع تلك النصوص المستفيضة. فالقول بوجوب القضاء ساقط جدّاً».

قال المقرر لكلام سيدنا: «ولا ينافي ذلك ما تكرّر منه «دام ظله» من استقرار المعارضة بين قوله «يعيد» و«لا يعيد» الوارد في دليلين وامتناع الجمع بالحمل على الاستحباب، من جهة أن الأمر بالإعادة إرشاد إلى فساد العمل وبقاء الأمر الأول، ولا معنى لاستحباب الفساد، وذلك لأنّ ما ذكر إنما هو فيما إذا كان الأمر بالإعادة في الوقت دون خارجه كما في المقام، للقطع حينئذ بسقوط الأمر المتوجه في الوقت على أي حال كما لا يخفى، ومعه لا مجال لدعوى الإرشاد إلى بقاء الأمر المستتبع لفساد العمل. وعليه: فقوله «يعيد» كقوله: صلّ، يتضمن الأمر المولوي القابل للحمل على الاستحباب كما أفاده «دام ظله» بعد الدرس».

فالأمر الادائي الذي هو مناط الصحّة والفساد يسقط بخروج الوقت فإذا كان الأمر الأدائي الذي هو عليه الصحّة والفساد سقط هذا الأمر بخروج الوقت، وجاء أمر جديد كان لفظ يعيد ظاهرا في الأمر المولوي وهو قابل للحمل على الاستحباب جمعا بين النصوص. ويمكن أنّ يقال: ربما يكون هذا الحمل وهو حمل الجملة الخبرية في مقام الطلب على الاستحباب في الرواية الأخرى لمعمر بن يحيى والتي ذكرها السيد الإمام: «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ يَحْيَى قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَتْ لَهُ الْقِبْلَةُ وقَدْ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى قَالَ‌ يُصَلِّيهَا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ هَذِهِ الَّتِي قَدْ دَخَلَ وَقْتُهَا إِلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا». قد يقال: إن الحمل على الاستحباب مقبول في مثل تعبير يصليها إما النقل الآخر وهو التعبير بعيدها، فإنّه حمل بعيد عرفا لأنّه ورد في عدة نصوص المقابلة بين يعيد بلحاظ الوقت ولا يعيد بلحاظ خارج الوقت، فمثلاً:

«مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَقْطِينٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى عَنْ رَجُلٍ صَلَّى فِي يَوْمِ سَحَابٍ عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ وهُوَ فِي وَقْتٍ أَيُعِيدُ الصَّلَاةَ إذا كَانَ قَدْ صَلَّى عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وإِنْ كَانَ قَدْ تَحَرَّى الْقِبْلَةَ بِجُهْدِهِ أَ يُجْزِيهِ صَلَاتُهُ فَقَالَ يُعِيدُ مَا كَانَ فِي وَقْتٍ فإذا ذَهَبَ الْوَقْتُ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ‌». وكذلك صحيحة عبد الرحمن المتقدمة، وصحيحته الأخرى الواردة في الأعمى. فإنّ ظاهر المقابلة في هذه الروايات أنّ المقصود بلا يعيد هو المقصود ب «يعيد» أيّ أن ما يكون لفظ يعيد ظاهراً فيه إذا كان في الوقت هو المنظور بلفظ يعيد إن كان خارج الوقت وبما أن يعيد ظاهر في الارشاد إلى الفساد فلفظ لا يعيد إرشاد إلى الصحّة، وعليه فهذا التفكيك بين خروج الوقت وداخله غير عرفي.

الإيراد الرابع: على فرض المعارضة تقدمت الروايات الدالة على سقوط القضاء المشهورة شهرة روائية وعند سيدنا إذا كانت الشهرة إلى حد الوضوح كانت مرجحة، ولم يتعرض للترجيح بموافقة الكتاب حيث إنَّ ما دلّ على الإعادة موافق للكتاب لأنّه يقول: ﴿َوحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، إمّا لانتفاء المقتضي لأن موافقة إطلاق الكتاب ليس مرجحاً عنده أو لأنّ المرجح الصدوري متقدم رتبة على المرجح المضموني وهو موافقة الكتاب وهو الجهتي، فلأجل أنّ الروايات الدالة على سقوط وجوب القضاء واجدة للمرجح الصدوري كانت متقدمة على الطرف الآخر، وإن كان واجدا لمرجح آخر. إنّما المشكلة على من لا يرى التقدم الرتبي بين المرجحات وإن موافقة إطلاق الكتاب مرجح كموافقة عموم الكتاب، وعليه هل يقدم أحدهما على الآخر أم يدعى تساقطهما، ولا يبعد ان يقال بناء على مسلك الاستاذ: من إنّ المستفاد من مقبولة بن حنظلة ميزان كبروي وهو أنّ المقدم من المتعارضين ما كان واجداً لمزية توجب صرف الريب عنه إلى الآخر، أي ما كان واجداً لمزية توجب الوثوق به لولا الآخر، لا أن يكون واجداً لمزية مطلقا بل مزية توجب صرف الريب عنه إلى الآخر، ومن الواضح أنّ الروايات الدالة على سقوط وجوب القضاء لشهرتها رواية وعملا وقوة اسنادها وروايتها من قبل فضلاء الاصحاب تكون واجدة لمزية توجب صرف الريب عنها إلى الطرف الآخر وإن كان واجداً لبعض المرجحات.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 95
الدرس 97