نص الشريط
الدرس 106
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 25/5/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2621
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (380)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

كان الكلام في الصورة الثانية؛ ووصل الكلام: في انه هل يمكن تصحيح صلاته بالاستصحاب أم لا، ولبيان هذا المطلب نذكر ثلاثة أمور:

الأمر الاول: ان المسقط للأمر تارة يكون مركبا، وأخرى مقيدا، كما في الصلاة مع الوقت حيث يقع البحث في ان متعلق الأمر هل هو صلاة ووقت أم ان متعلق الأمر الصلاة المتقيدة بالوقت على نحو المقيد والفرق بين المقيد والمركب يظهر في جريان الاصل في مقام إثبات الوجود، مثلاً إذا صلى ولا يدري ان صلاته كانت في الوقت أم لا، وكان سابقاً في الوقت فهل ان استصحاب الوقت إلى حين الصلاة محقق لما هو المأمور به أم لا، فهنا يظهر الفرق بين المركب والمقيد، فإن قلنا ان المأمور به مركب من صلاة ووقت فقد تحقق المركب لتحقق احد جزئيه وهو الصلاة بالوجدان وتحقق الجزء الآخر بالتعبد.

وأمّا إذا قلنا بأن الأمور به من قبيل المقيد أي الصلاة المتقيدة بالوقت، فإن استصحاب الوقت إلى حين الصلاة لا ينقح لنا ما هو المأمور به بلحاظ ان استصحاب القيد لا يثبت التقيد الا بالأصل المثبت هذا من جانب الوجود واما من جانب النفي فهل يفرق المقيد عن المركب، بيانه لو فرضنا ان المكلف فيما سبق لم يكن في الوقت فالجاري في حقه استصحاب عدم الوقت لا الوقت فحينئذٍ افاد السيد الإمام انه انما يتصور الفرق بين المركب والمقيد في مقام اثبات الوجود لا في مقام النفي، ففي مقام النفي لا فرق بينهما.

بيان ذلك: انه إذا لم يكن المكلف سابقاً في الوقت ثم صلى ولا يدري ان صلاته وقعت حين الوقت أم قبله واراد ان ينفي لأنّه لا يوجد عنده أصل مثبت بل ناف، فقال ان استصحاب عدم الوقت أي استصحاب عدم دخول الوقت كاف في انتفاء المأمور به قلتم بالمقيد أو المركب أي سواء قلتم ان المأمور به صلاة ووقت فإن استصحاب عدم الوقت ينفي هذا المركب أو قلتم ان المأمور به مركب وهو الصلاة المتقيد بوقت فإنّ المقيد ينتفي بانتفاء قيده وهو استصحاب عدم دخول الوقت فكما ان المركب ينتفي بانتفاء جزئه كذلك المقيد ينتفي بانتفاء قيده فلا فرق بين ان ندعي ان الأمور به مركب أو مقيد في ان استصحاب عدم دخول الوقت ناف فله فلا ترد شبهة المثبتية في محل الكلام، بل يمكن لنا ان نقول ان الجاري في المقام استصحاب عدم الصلاة في الوقت صحيح ان أصل الصلاة محرزة بالوجدان ولكن لا نحرز الصلاة المقيدة بالوقت فنستصحب عدم الصلاة في الوقت بدل ان نستصحب عدم دخول الوقت، وهو أيضاً كاف لنفي ما هو المأمور به سواء قلتم بأن الأمور به مركب أم مقيد.

ولكن ما افاده محل تأمل، فلا فرق بين مقام الاثبات ومقام النفي، في شبهة المثبتية، والسر في ذلك: انه إذا كان المأمور به هو التقيد أي تقيد الصلاة بالوقت فاستصحاب عدم القيد أي عدم دخول الوقت ينفي القيد وانما ينفي التقيد باللازم العقلي فكما ان اثبات القيد لا يثبت التقيد الال باللزوم العقلي فكذلك نفي القيد، فاستصحاب عدم دخول الوقت لا ينفي المأمور به لو كان المأمور به هو المقيد وانما ينفيه ان كان المأمور به هو المركب، كما ان استصحاب عدم المقيد انما ينفع بناء على التقييد لا بناءً على التركيب، والوجه في ذلك: ان كان المأمور به هو التقيد فنجري الاستصحاب في التقيد نفسه بلا حاجة إلى القيد فنقول نستصحب عدم تقيد الصلاة في الوقت فينتفي المأمور به لو كان المأمور به هو المقيد ولكن لا ينتفى المأمور به ان كان المأمور به هو المركب، فإن نفي التقيد انما ينفي القيد بالملازمة العقلية فاستصحاب عدم التقيد انما ينفي وجود القيد بالملازمة العقلية.

نعم، إذا تخلصنا كما فعل صاحب الكفاية بأن الواسطة خفية بين القيد والتقيد فإن المرتكز العرفي نتيجة لخفاء الواسطة يرى ان أثر التقيد أثر للقيد وعليه إذا استصحاب القيد ينقح أثر التقيد واستصحاب عدم القيد ينفي أثر التقيد، وحينئذٍ يرد على السيد: انه لا فرق بين طرف الاثبات والنفي، فإما ان يقول المثبتية فلا فرق بين طرف الاثبات والنفي، وإمّا لا يقول بها لخفاء الواسطة، فليس المقام من الاصل المثبت لا في طرف الاثبات ولا في طرف النفي فالتفريق بينهما كما افاد غير تام.

الامر الثاني: إذا احرز المكلف دخول الوقت حين الشروع في الصلاة وفي اثناء الصلاة علم ان الوقت قد دخل، وعلم أيضاً انه حينما شرع لم يكن الوقت داخلا ولكن لا يدري هل ان احراز دخول الوقت حين الشروع بقي مستمرا إلى ان دخل الوقت واقعا أم تخلل بينهما العلم بعدم دخول الوقت حين الشروع فقد يقال بأن الجاري في حقه استصحاب بقاء الاحراز إلى حين الدخول، وبذلك يتنقح شرط صحّة الصلاة حيث يشترط في صحتها على ما هو المفاد من رواية ابن رباح اتصال احراز الدخول مع دخول الوقت واقعا، فإذا شك ان احراز الدخول بقي إلى ان دخل الوقت واقعا أم لا، فيستصحب بقاء الاحراز إلى حين الدخول واقعا، فتصح صلاته، ول?ن على المبنى الصحيح على مبنى السيد الشهيد والاستاذ يكون استصحاب بقاء الاحراز إلى حين الدخول معارض باستصحاب عدم دخلوا لوقت إلى حين علمه بأن بعض الصلاة وقع قبل الوقت، فبقاء الاحراز إلى حين الدخول معارض باستصحاب عدم الدخول إلى ان علم ان البعض وقع قبل الوقت، فمع تعارض الاستصحابين يتساقطان ونرجع إلى استصحاب اخر وهو عدم الاتصال الذي كان ثابتا قبل الشروع في الصلاة فانه قبل ان يدخل في الصلاة لم يكن هناك اتصال بين احراز الدخول والدخول وإذا لم يكن كذلك فنحن نستصحب عدم اتصالهما لما بعدد الشروع في الصلاة وقد قلنا ان ذلك من العدم الازلي، والسيد لا يرى جريانه.

وعليه لا يمكن لنا تنقيح صحّة الصلاة باستصحاب بقاء الاحراز لمعارضته ولا تنقيح فسادها باستصحاب عدم الاتصال الذي كان ثابتا قبل الصلاة فلا محالة تصل النوبة لقاعدة الاشتغال حيث إنَّ مقتضى يقينه بفعلية الأمر بالصلاة وشكه بامتثاله هو الاعادة.

الامر الثالث: ولكن قد يقال: ان المورد من موارد العلم الاجمالي المنجز لا من موارد قاعدة الاشتغال لأنّ الصلاة التي شرع فيها المكلف ان كانت صحيحة يحرم عليه قطعها ويجب عليه اتماماها، وإن لم تكن صحيحة فيجب عليه اعادتها فهناك علم اجمالي إما بحرمة القطع أو وجوب الاعادة ومقتضى منجزية العلم الاجمالي الجمع بين الأمرين بأن يتم ثم يعيد لا ان يستأنف، ولكن منجزية هذا العلم الاجمالي تتفرع على امرين كلاهما محل نظر الاول، هل ان حرمة قطع الصلاة مطلقة تشمل حتى الصلاة المشكوك في صحتها ومشروعيتها أم لا، فإذا قلنا بأن حرمة القطع مطلقة أي ما لم يعلم بفساده يحرم قطعه وان لم يحرز صحته فحينئذٍ ربما يقال بمنجزية العلم الاجمالي، واما إذا قلنا بأن حرمة القطع موضوعها الصلاة المحرزة الصحّة ولا اطلاق في دليلها لفرض الشك في الصحّة فحيث يشك في صحتها للشك في انها وقت في الوقت أم لا، فلذلك لأي وجد لديه علم إجمالي بأنه اما يحرم قطعها أو يجب اعادتها، والامر الثاني انّ منجزية العلم اجمالي في المقام حتّى لو بينان على اطلاق حرمة القطع فرع عدم انحلاله بقاعدة الاشتغال في احد طرفيه فإن قلنا بما ذكره المحقق العراقي بأن المتنجز لا يتنجز فمن الواضح ان وجوب اعادة هذه الصلاة متنجز في رتبة سابقة على العلم الاجمالي بمقتضى قاعدة الاشتغال وبما انه متنجز في رتبة سابقة والمتنجز لا يتنجز فالعلم الاجمالي اما بحرمة القطع أو بوجوب الاعادة ليس منجزا لأنّه يعتبر في منجزية العلم الإجمالي ان يكون متعلقه صالحا للتنجز على كل تقدير، وحيث إنَّ وجوب الاعادة لا يصلح للمنجزية على كل تقدير لتنجزه بالاشتغال فالعلم الإجمالي منحل.

الصورة الثالثة: ومما ذكرنا يظهر الكلام في الشك بعد الفراغ، بأن دخل في الصلاة محرزا للوقت وأتمها ثم شك في ان الوقت كان داخلا أولا، فحينئذ قد يشك في الدخول من أولها إلى الأخر وقد ينكشف له الخطاء ويتبين له ان الوقت لم يدخل حين افتتاح الصلاة لكن يحتمل أنه دخل في الأثناء.

وقد أفاد السيد الإمام: انه لا تجري قاعدة الفراغ سواء علم بدخول الوقت في اثناء الصلاة أو شك في ذلك فما دام شاكاً في ان هذه الصلاة التي صلاها هل دخل الوقت من اولها إلى اخرها أم لا فلا يمكن تأمينها بقاعدة الفراغ، والوجه في ذلك ما سبق منه من ان موضوع جريان قاعدة الفراغ احراز الأمر والشك في الامتثال، واما مع الشك في الأمر فلا مجرى لها والشك في دخول الوقت شك في ان الصلاة التي وقعت منه كانت مشروعة ومأمورا بها أم لا لعدم دخول الوقت ومع الشك في الأمر فلا مجرى للقاعدة.

ثم تعرض لكلام شيخه الحائري فقد افاد ان الصلاة التي دخل فيها بزعم دخول الوقت ثم دخل الوقت في الأثناء وان لم تكن مأمورا بها واقعا ولا ظاهرا ولكنها تقبلها الشارع بعنوان الصلاة فيترتب عليها كل ما يترتب على الصلاة، بمقتضى رواية ابن رباح حيث قال فدخل الوقت وانت في الصلاة أجزأت عنك، ومن هنا يظهر انه لو قطع بدخول الوقت في الأثناء يجب عليه الإتمام ويحرم الابطال.

فإذا شككنا في ان الصلاة الماضية وقعت مقبولة أم لا لأنّه ان دخل الوقت اثناءها فقد وقعت مقبولة وان لم يدخل اثنائها لم تقع مقبولة فمقتضى قاعدة الفراغ انها وقعت مقبولة.

قال السيد الإمام: «قلت: هذا ما افاده شيخنا العلامة أعلى اللّه مقامه في صلاته، وهو حق لو علم بدخول الوقت في الأثناء كما أفاد في آخر كلامه، ولا إشكال في انه مع دخوله في الأثناء يجرى عليه ما يجرى على الصلاة المأمور بها من جريان قاعدة التجاوز وقواعد الشك وغيرهما، لكن المفروض عدم العلم بدخول الوقت في الأثناء والشك فيه شك في تقبل الشرع لها، ومعه يكون من الشبهة المصداقية لقاعدة التجاوز والفراغ وسائر القواعد. الا ترى انه لو لم يدخل الوقت في الأثناء لا يجري شيء من القواعد فيها.

وبعبارة أخرى: إجراء قاعدة الفراغ يتوقف على إحراز تقبل الشارع لها الموقوف على إحراز دخول الوقت في الأثناء ولا يعقل إحراز ذلك بالقاعدة هذا». لأنّه يستلزم الدور.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

الدرس 105
الدرس 107