نص الشريط
الدرس 105
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 24/5/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2637
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (376)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

كان الكلام: في ان من شك في دخول الوقت وهو في الصلاة فهل تجري في حقه قاعدة التجاوز أم لا؟!، وذكرنا ان السيد الإمام أفاد: بأن هناك مانعا من جريان التجاوز وهو ان الشك في المقام شك في الأمر لا في الامتثال؛ وقلنا فيما سبق: بأن مدرك اشتراط الفراغ من وجود أمر اما اللغوية بمعنى ان جريان قاعدة التجاوز مع عدم احراز الأمر لغو وأما لأن ظاهر سياق دليل قاعدة التجاوز ان موضوعها التعبد بمطابقة المأتي به للمأمور به أي التعبد بالامتثال والتعبد بالامتثال إنما يتصور بعد المفروغية عن وجود الأمر، ولكن ذكرنا ان غاية ما يستفاد أو ما يقتضيه هذان المدركان هو ان يحرز وجود الأمر حين الالتفات وان لم يحرز ذلك حين العمل، سواء كان الأمر المحرز حين الالتفات هو الأمر بالجامع أو الأمر بموطن الشك أو الأمر بالأثر فالمهم ان يكون حين الالتفات محرزاً لوجود أمر، فمثلا لو علم انه صلى بتيمم ولكن لا يدري كانت صلاته في ضيق الوقت وكان مأمورا بالصلاة بتيمم، أو لم تكن صلاته في ضيق الوقت فالصلاة بتيمم لم تكن مشروعة في حقه، فمثل هذا وان لم يحرز وجود أمر بالصلاة بتيمم حين العمل ولكنه حين الالتفات محرز لأمر بالجامع وهو الأمر بالصلاة عن طهور الاعم من الطهور الاختياري في فرض عدم العذر أو الطهور الاضطراري في فرض العذر ويشك في انه امتثل الأمر بالجامع أم لا، فهناك أمر بطبيعي الجامع وهو شاك فعلا في امتثاله فبلحاظ احراز أمر بالجامع يكون المورد مورد الشك في الامتثال وان كان لا يحرز امرا بالصلاة عن تيمم حين العمل فهذا الاحراز أي احراز الأمر بالجامع كاف في جريان قاعدة الفراغ والتجاوز بعد خروج الوقت بناء على ان خروج الوقت تجاوز للمحل الشرعي كما هو مبنى الشيخ الاستاذ، أو كان الأمر المحرز امرا بنفس موطن الشك كما هو محل كلامنا، فإن من احرز اثناء الصلاة ان الوقت قد دخل وانما يشك هل دخل الوقت اول الصلاة أم انه لم يدخل الا الان، فهو وان كان لا يحرز امرا بالصلاة حين العمل، ولكنه بالفعل يحرز امرا بالصلاة ويشك في امتثاله بهذه الصلاة التي بيده، فبما انه يحرز امرا بالصلاة ويشك في امتثاله فهو مجرى لقاعدة التجاوز أو الفراغ بالنسبة للأجزاء الماضية خلافا لإطلاق كلام السيد الإمام حيث منع من جريان التجاوز في المقام لان الشك شك في الأمر فيقال ان هذا ليس على اطلاقه.

وان كان الأمر المحرز حين الالتفات متعلقا بالأثر وان لم يكن متعلقا بموطن الشك مثلاً من شك في انه جنب، بعد ان اغتسل فلا يدري انه غسله مأمور به لكونه على جنابة واقعا أم لا، فهنا فرضان:

الفرض الأول: ان يشك في انه على جنابة قبل الدخول في الصلاة.

الفرض الثاني: ان يشك بعد الفراغ من الصلاة، فإن شك في انه على جنابة أم لا قبل أن يدخل في الصلاة فهو شاك في صحّة غسله نتيجة للشك في مشروعيته، وهو انه مأمور به أم لا، فقد قلنا: انه لا مجال هنا لجريان قاعدة الفراغ في غسله لأنها لا ترتب له أي أثر باعتبار ان غاية جريان قاعدة الفراغ ان الغسل صحيح ولكن بما انه لازال شاكا في كونه جنبا أم لا، فإذا لازال شاكاً في ان وظيفته في الصلاة الاتية هل هي عن طهارة غسلية أو عن طهارة وضوئية وجريان قاعدة الفراغ في غسله لا يعين له ما هي الوظيفة فلا أثر لجريانه فالمنع عن جريان قاعدة الفراغ في الغسل لعدم ترتب أثر عليها لأنها لا تثبت ما هي الوظيفة الا على نحو الاصل المثبت. بخلاف ما لو شك في انه جنب بعد الفراغ من الصلاة فإنّه وان لم يحرز الأمر بغسل الجنابة حتّى بعد الصلاة لأنّه لازال شاكا في انه جنب فلا يحرز ان الغسل مأمور به أم لا، ولكن يحرز أمراً بالأثر وهو الصلاة فهناك أمر فعلي بالصلاة لا ادري انني امتثلته بالصلاة عن غسل أم لا، فبما انه يحرز امرا بالصلاة وان لم يحرز امرا بما هو محل الشك فهذا كاف في جريان قاعدة الفراغ في الصلاة فإن اثرها سقوط الأمر بها وان لم يحرز انه جنب.

نعم، بالنسبة إلى الاعمال الآتية فمقتضى قاعدة الاشتغال ان يحصل الطهارة عن وضوء وغسل ما لم يجر استصحاب عدم الجنابة فيوجب انحلال العلم الاجمالي.

فالمتحصل: ان مجرد اشتراط احراز الأمر في جريان قاعدة الفراغ والتجاوز لا يمنع من جريانها مطلقا بالتفصيل الذي ذكرناه هذا تمام الكلام في الصورة الأولى وهي ان يشك المكلف انه دخل الوقت حين شروعه في الصلاة أم لا.

الصورة الثانية: ان يحرز المكلف ان الوقت لم يدخل أول الصلاة وانما يشك في ان الوقت دخل أثناء الصلاة أم لا وإلا فهو لم يدخل أول الصلاة جزما، أي مضت مجموعة من الاجزاء خارج الوقت جزما؛ وهذه الصورة لها فرضان:

الفرض الاول: ان لا يحرز الوقت حين شروعه أي حينما دخل في الصلاة كان غير محرز للوقت اما غفلة أو صلى برجاء دخوله، ففي هذا الفرض سواء احرز دخول الوقت اثناء الصلاة أم شكّ فهو ليس موردا لأصل مصحح لإحرازه ان بعض الصلاة فاقد للشرط.

الفرض الثاني: انه حينما شرع في الصلاة كان محرزا دخول الوقت ولكن بعد مضي ركعة منها تبين انه مخطئ وان الوقت لم يدخل اول الصلاة وان كان اول الدخول بناءً على دخول الوقت ولكن تبين فساد نظره والآن - أي بعد ان احرز عدم دخول الوقت - فهنا في هذا الفرض توجد حالتان:

الحالة الاولى: ان يحرز دخول الوقت في الصلاة الآن، وبالنسبة لما مضى تبين عدم الدخول ولكن الآن دخل قطعا.

الحالة الثاني: ان لا يحرز ذلك.

فبالنسبة للحالة الثانية لا مجال لتصحيح الصلاة وإنما الكلام في الحالة الاولى وهي من دخل الصلاة بانيا على ان الوقت دخل وعلم ان بعضها كان خارج الوقت والآن قد دخل، فهل يمكن تصحيح صلاته بأصل أم لا، فهنا ارجع السيد الإمام البحث إلى البحث في الرواية وهي انه ما هو المستفاد من رواية ابن رباح: «مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَإِذَا صَلَّيْتَ وأَنْتَ تَرَى أَنَّكَ فِي وَقْتٍ ولَمْ يَدْخُلِ الْوَقْتُ فَدَخَلَ الْوَقْتُ وأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ فَقَدْ أَجْزَأَتْ عَنْكَ».

بناءً على تماميتها بانجبارها بعمل المشهور، فيقال: ان الرواية اخذت في صحّة الصلاة قيدين الأول ان تدخل الصلاة بانيا على دخول الوقت لذلك اخرجنا الفروض التي شرع في الصلاة من دون احراز دخول الوقت.

والقيد الثاني: ان تحرز ان الوقت دخل اثناء الصلاة. والكلام في انه: هل يستفاد من الرواية قيد ثالث؟ اي اعتبار ان يحرز اتصال احراز دخول الوقت في الاثناء باحراز دخول الوقت في الأول، بمعنى انه لم يحصل له علم بالأثناء بعدم دخول الوقت وانما حصل العلم بعد الفراغ من الصلاة والا في الصلاة اتصل احرازه بدخول الوقت عند الشروع بإحرازه دخول الوقت اثناء الصلاة، فلم يتخلل بينهما احراز ”لعدم الدخول“ فهل يشترط في صحّة صلاته اتصال احراز الدخول حين الشروع بإحراز الدخول في الاثناء؟. ام يقال مقتضى اطلاق الصلاة صحّة الصلاة وان علم اثناءها ان بعضها فاقد للوقت؟!.

فإن قلنا: ان ظاهر الرواية اعتبار اتصال احراز دخول الوقت حين الشروع بإحراز دخول الوقت اثناء الصلاة فصلاته في المقام فاسدة لأنّه بمجرد ان يعلم ان بعض صلاته خارج الوقت فلم يتصل احراز دخول الوقت حين الشروع بإحراز دخول الوقت اثناء الصلاة بل تخلل بينما العلم بأن بعضها خارج الوقت فالصلاة فاسدة جزماً.

وإن قلنا: بأن ظاهر الرواية الاطلاق أي انه يكفي في صحّة الصلاة ان يشرع بانيا على دخول الوقت وان يعلم بالدخول في الاثناء فتصح.

ولكن الظاهر ان ظاهر الرواية اتصال احراز الدخول حين الشروع بالدخول للوقت لا لإحراز دخوله، فهنا الآن هو علم ان بعض الصلاة خارج الوقت ولكن هل اتصل احراز دخوله حين الشروع بدخول الوقت واقعاً؟، فهو عالم الآن ان بعض الصلاة خارج الوقت ولكن لعل الوقت دخل قبل ان يعلم ان بعضها خارج أم ان دخول الوقت انما حصل بعد علمه ان بعضها خارج الوقت فلم يتصل احراز دخوله حين الشروع بدخول الوقت واقعا، فما هو الاصل الجاري في المقام؟ فلدينا أصل سببي ومسببي، فالأصل السببي: هو الذي يعالج الاتصال فهو يشك هل اتصل احراز الدخول حين الشروع بالدخول اثناء الصلاة أم لا؟.

فقد يقال بجريان استصحاب عدم اتصال احراز دخول الوقت حين الشروع بدخول الوقت اثناء الصلاة، ولكنه من قبيل استصحاب العدم الازلي لأنّه استصحاب للعدم قبل حصول الصلاة إذ مرجع هذا الاستصحاب انه حينما لم يدخل الصلاة لم يكن اتصال بين احراز الدخول والدخول، فيستصحب العدم قبل حصول الموضوع وكل عدم مستصحب قبل حصول الموضوع فهو من قبيل استصحاب العدم الازلي.

واما إذا قلنا: بأن العدم الازلي لا يجري، فلابّد ان للأصل المسببي وهو ان هذه الصلاة واجدة لشرطها من الوقت أو لا، فيختلف الكلام بناءً على التركيب أو بناءً على التقييد، فإن قلنا بأن المسقط للأمر هو المركب يعني متى ما اتيت بمركب من صلاة ووقت فقد صحت صلاتك فالموضوع المسقط للأمر هو المركب إذن استصحاب عدم الوقت نتيجته انتفاء المركب لأنك نفيت أحد جزئيه اما إذا قلنا ان المسقط للأمر هو المقيد أي الصلاة المتقيدة بالوقت، فيجري استصحاب عدم المقيد ولكن هل ينفع استصحاب عدم المقيد بناءً على التركيب وهل استصحاب عدم القيد بناءً على التقيد؟

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

الدرس 104
الدرس 106