نص الشريط
الدرس 104
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 23/5/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2608
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (264)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم: انه لا يبعد جريان قاعدة التجاوز عند الشك في الشرط إذا كان قد احرز فعلية هذا الشرط في الجزء الذي هو فيه، سواء كان الشرط المشكوك شرطا في خصوص افعال الصلاة أم كان شاملاً لأكوانها أيضاً، ولأجل ذلك إذا شك المكلف في ان وقت الصلاة قد دخل أم لا، وهو قد احرز دخول الوقت في الجزء الذي هو في يده كما لو شك في الركعة الثالثة من صلاة الظهر ان وقت الظهر هل دخل من اول الأمر أم لا؟!، ولكنه فعلا جازم بدخول وقت الظهر فهنا تجري قاعدة التجاوز فيما مضى لإثبات صحّة صلاته وسقوط الأمر بها.

وهنا تعقيبان:

التعقيب الاول: قد يقال بانه هناك تفصيل بين فرض الشك في الشرط وهو في الاكوان وبين فرض الشك في الشرط وهو متلبس بأحد الاجزاء فبالنسبة للفرض الثاني أي ما إذا شك في الوقت مثلاً وهو متلبس بأحد الاجزاء، أو شك في الاستقرار مثلاً وهو متلبس بأحد الاجزاء فهنا تجري القاعدة فيما مضى من الاجزاء. ولكن، إذا شك في الشرط وهو في الاكوان كما لو فرضنا انه كان بين الركوع والسجود فشكّ في ان الركوع واجد لشرطية الاستقرار أم لا؟، أو واجد لشرطية الاستقبال أم لا؟، فحينئذٍ قد يقال: بوقوع التعارض بين دليل قاعدة الفراغ ودليل قاعدة التجاوز، مع غمض النظر عن الاشكالات الاخرى في ان الشرط المشكوك شرط في الأكوان أم لا، مع غمض النظر عن هذا الاشكال يقال حتّى لو كان الشرط في خصوص الافعال مع ذلك هناك إشكال آخر وهو المعارضة بين قاعدة التجاوز وقاعدة الفراغ. وبيانه:

إنّ موضوع قاعدة الفراغ هو «المضي كلما شككت فيه مما قد مضى فأمضه» وهذا الموضوع متحقق بالنسبة لما مضى من الاجزاء حيث يشك ان الركوع الذي وقع منه له وقع صحيحا لكونه واجدا للاستقرار أم لا، فمقتضى قاعدة الفراغ وقوعه صحيحا لان موضوعها «المضي» والركوع مما قد مضى. واما بالنسبة لقاعدة التجاوز فمقتضاها عدم «المضي» والسر في ذلك: إنَّ دليل قاعدة التجاوز هو قوله : «إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكك ليس بشيء» إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه، حيث قيل بأن هذا الذيل انما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه تقرير لمفهوم القاعدة فإن المنطوق لدليل القاعدة «لا تعتني بالشك بعد التجاوز» ومفهومها «اعتن بالشك إذا لم تجز»، فقوله في الذيل: «انما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه» تقرير لمفهوم القاعدة، أي متى ما كان الشك قبل التجاوز فالوظيفة هي الاعتناء به، وبناءً على هذا المفهوم يقال إذا شك في ان ركوعه واجد لشرط الاستقرار أم لا، فانه لم يتجاوز المحل الشرعي للشرط وهو شرطية الاستقرار، وانما تجاوز الجزء وهو الركوع فبالنظر لمفهوم قاعدة التجاوز وهو لزوم الاعتناء بالشك إذا لم يجز المحل ان يعتن بالشك في المقام فلا يمضي في صلاته فيقع التعارض بين منطوق قاعدة الفراغ التي تقول امض وبين مفهوم قاعدة التجاوز القائل انما الشك في شيء لم تجزه بالاعتناء بذلك الشك فحتى لو بنينا على جريان قاعدة التجاوز في الشروط ففي بعض الصور وهو ما إذا وقع الشك في الشرط وهو في كون من الاكوان فهنا اشكال آخر في جريان قاعدة التجاوز.

ولكن اجيب عن هذا الاشكال كما في كلمات سيدنا: بأنّه تارة نلتزم بأن قاعدة التجاوز تتضمن جعلين بمعنى ان المولى قال الشك بعد تجاوز المحل الشرعي للمشكوك مما لا يعتنى به هذا جعل والجعل الآخر الشك قبل تجاوز المحل الشرعي للمشكوك يعتنى به، فليس لدينا منطوق ومفهوم بل هناك جعلان، جعل يرخص في المضي بعد التجاوز وجعل يلزم بالاعتناء قبل التجاوز فحينئذٍ يتم دعوى المعارضة، فإن مقتضى الجعل الذي عبرنا عنه بالمفهوم ان يعتني بالشك وهذا يتعارض مع جريان قاعدة الفراغ اما إذا قلنا لا تتضمن قاعدة التجاوز جعلين وانما هو جعل واحد وهو عدم الاعتناء بالشك بعد تجاوز المحل الشرعي للمشكوك هذا هو الجعل غاية ما في الباب ان العقل يقول ان كل حكم ينتفي بانتفاء موضوعه فهذا حكم عقلي لأنه جعل شرعي نظير لو قال يحرم على البالغ العاقل عقوق الوالدين فمن الطبيعي ان يقول العقل فلو لم يكن عاقلا بالغا فلا يحرم عليه فتقرير العقل انتفاء الحكم عند انتفاء الموضوع ليس جعلا شرعيا. وحكم العقل دائما تعليقي أي ان حكم العقل بانتفاء الحرمة عند انتفاء الموضوع لا ينفي ثبوت الحرمة بدليل اخر، إذ غاية ما يقرره العقل ان حرمة العقوق المعلقة على البلوغ والعقل تنتفي عند انتفائهما اما ثبوت الحرمة بملاك اخر فلا ينفيه العقل، وكذلك الأمر في المقام فإننا إذا قلنا انما جعله الشارع هو هذا المقدار عدم الاعتناء بالشك بعد تجاوز المحل وعلى أثر ذلك حكم العقل وليس جعلا شرعيا بلزوم الاعتناء بالشك قبل التجاوز ولكن بما ان هذا حكم عقلي معلق على عدم بيان الشارع فقوله بلزوم الاعتناء بالشك قبل التجاوز بملاك قاعدة التجاوز لا ينفي عدم الاعتناء بالشك بملاك اخر وهو جريان قاعدة الفراغ.

إذاً فلا تنافي في المقام بين جريان قاعدة الفراغ وعدم جريان قاعدة التجاوز كي يقال بأنه حتّى لو سلمنا جريان قاعدة الفراغ فإنها معارضة بمفهوم دليل قاعدة التجاوز.

التعقيب الثاني: خاص بالمثال الذي نحن فيه، وهو ما ذكره السيد الإمام في كتاب «الخلل» وبيانه:

إذا وقع الشك في دخول الوقت والمكلف في اثناء الصلاة وقلنا بجريان قاعدة التجاوز عند الشك في الشروط فهل في هذا المثال خصوصية تمنع من جريان قاعدة التجاوز أم لا؟!.

فأفاد في كتاب «الخلل في الصلاة، ص: 104‌»: ”وفي المقام اشكال آخر وهو ان محط روايات قاعدة التجاوز هو الشك في الاجزاء أو الشرائط الثابتة للمأمور به، الا ترى انه لو صلى قبل الوقت عالما وشك في بعض اجزائها بعد التجاوز لا تجري القاعدة، فحينئذ لو تردد في كون الصلاة وقعت قبل الوقت ولو ببعضها أو في الوقت، يرجع شكه إلى أنها هل كانت مأمورا بها أولا، فيكون من الشبهة المصداقية لقاعدة التجاوز“.

ومحصل كلامه: أنّه يعتبر في جريان قاعدة التجاوز أو الفراغ احراز الأمر اما إذا شك في أصل الأمر فلا تجري القاعدة وبيان ذلك بأحد وجوه ثلاث:

الوجه الاول: ان يقال ان ظاهر سياق ادلة التجاوز ان موضوعها الشك في فعل المكلف، فهل ان فعله امتثال أم لا، واما إذا شك في الأمر فهو شك في فعل المولى لا في فعله أي ان مصب شكه ان المولى هل صدر منه الأمر أم لا فيكون مورد الشك في الأمر خارجا موضوعا عن دليل قاعدة التجاوز.

ولكن، هذا الوجه اشكل عليه: بأن هذا يختص بالشك في الأمر على نحو الشبهة الحكمية كما لو شك انه مأمور بصوم عاشوراء أم لا فحينئذٍ لا يمكن ان يصحح صومه بقاعدة الفراغ وهو يشك ان صوم عاشوراء مأمور به أم لا، أو كما إذا شك في ان صلاة الاستغاثة مأمور بها أم لا، ففي هذه الموارد لا تجري قاعدة الفراغ لان الشك في فعل المولى وليس في فعل المكلف، اما لو كان الشك في الأمر ناشئا عن الشبهة الموضوعية فليس شكا في فعل المولى كما لو شك في ان الوقت دخل أم لا، فإن دخول فالأمر فعلي، واذا لم يدخل فليس فعلي، فهذا ليس شك في فعل المولى لان المولى أمر بالصلاة عند دخول الوقت على نحو القضية الحقيقية، والمكلف يشك في فعلية الامر.

الوجه الثاني: ان يقال: ان جريان قاعدة التجاوز أو الفراغ مع الشك في فعلية الأمر شك مع انتفاء الموضوع. والسر في ذلك:

أن موضوع قاعدة التجاوز والفراغ الشك في الامتثال والمطابقة لان الظاهر من سياقهما ان مفادهما التعبد بالامتثال، أي التعبد بمطابقة المأتي به للمأمور به فبما ان موضوعهما المستفاد من سياق دليليهما الشك في المطابقة أي الشك في الامتثال وهذا انما يتصور بعد الفراغ عن وجود امر، فيقال بعد الفراغ عن فعلية المأمور به لفعلية شرطه يشك في امثاله فمن شكّ بعد ان اغتسل انه كان جنبا اصلا أم لان فهنا لا مجرى لقاعدة الفراغ لأنّ موضوع قاعدة الفراغ ان يشك في الامتثال والشك في الامتثال فرع احراز أمر وهو لم يحرز انه جنب كي يحرز انه مأمور بغسل الجنابة.

فإذاً بما ان موضوع قاعدة الفراغ والتجاوز الشك في الامتثال وهو انما يتصور بعد احراز فعلية الأمر فلو شك في فعلية الأمر لم تجر القاعدتان لانتفاء موضوعهما كما لو شك في انه جنب أم لا، فلا تجري القاعدة في غسل الجنابة وكذا في محل كلامنا كما لو شك في اثناء الصلاة هو شك في فعلية الأمر بصلاة الظهر لا انه شاك في الامتثال.

الوجه الثاني: ان يقال: حتّى لو فرضنا ان موضوع قاعدة التجاوز أعم من الشك في الامتثال أو ان يشك في انه ذو تبعة شرعا أم لا، فيكون موضوع التجاوز ان تشك في انك ذو بتعة أم لا، فهذا يشمل حتّى فرض الشك في الأمر إذ لو كان الأمر موجود لكنت ذا تبعة، الا ان جريان القاعدة منوط بالمصحح وهو ترتب أثر ومع الشك في أصل الأمر فأي أثر لجريان القاعدة فمن شك انه على جنابة أم لا فإجراء قاعدة الفراغ في الغسل لا يفيد لأنّه يشك في انه مأمور بالغسل أم لا فأي أثر لإثبات صحّة الغسل، إذا فجريان القاعدة منوط بترتب الأثر ولا أثر مع الشك في الأمر.

ويعلق على هذين الوجهين: بأن يقال:

أنّ غايتهما خروج فرض الشك في الأمر عن القاعدة، إذ تارة يشك في الأمر حين العمل، ولكنه لا يشك في الأمر حين الشك كما لو احرز انّ الوقت قد دخل حين الشك ولكن لا يدري بالنسبة إلى الاجزاء الماضية فهو شاك في الأمر حين العمل لا حين الشك فهنا في مثل هذا الفرض ينطبق موضوع قاعدة التجاوز ويتحقق المصحح اما المصحح فواضح انه لو احرز دخول الوقت حين الالتفات وانما شك في دخول الوقت في الاجزاء الماضية فإن جريان قاعدة التجاوز أو الفراغ في الاجزاء الماضية ليس لغوا إذ يترتب عليه أثر وهو الاجتزاء بهذه الصلاة كما ان موضوع قاعدة التجاوز وهو الشك في الامتثال متحقق لأنّه بعد ان احرز دخول الوقت الان فقد احرز وجود أمر وهو يشك في امتثال هذا الأمر فلو احرز الشرط أي احرز فعلية الأمر في ظرف الالتفات كفى ذلك في جريان قاعدة التجاوز فيما مضى وان كان شاكا في أصل الأمر فيما مضى لأنّ جريانها في هذا المورد ليس لغوا وهو شك في الامتثال، واما إذا لم يحرز الصلاة حين الالتفات، حينئذٍ يقال: لا تجري قاعدة التجاوز فيما مضى لأجل الشك في الامر، فليس موضوع التجاوز متحققا لأنّه لازال شاكا في الأمر كما ان جريانها حينئذٍ لغو.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

الدرس 103
الدرس 105