نص الشريط
الدرس 103
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 21/5/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2638
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (299)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

لازال الكلام في جريان قاعدة التجاوز في الشروط، وذكرنا ان هناك اشكالا على جريان القاعدة، ومحصله:

ان موضوع القاعدة تجاوز المحل الشرعي وبما ان الشرط ليس له محل شرعي معين، فالشك فيه اثناء العمل شك في المحل وليس شكا بعد التجاوز، وذكرنا ان هذا الاشكال اجيب عنه بوجوه وسبق الكلام في وجهين تعرض لهما سيدنا.

والكلام في مناقشة الوجه الثاني، فقد ذكر سيدنا في بيان الوجه الثاني للجواب:

ان المكلف تارة يحرز تحقق الشرط فيما بيده ويشك في تحققه فيما قبله من الاجزاء فهنا تجري القاعدة بلحاظ ما مضى واما إذا لم يحرز تحقق الشرط فيما بيده فتارة يكون وقت الشك في جزء من الاجزاء وتارة يكون وقت الشك في كون من الاكوان فإن كان وقت الشك متلبسا بجزء ولم يحرز تحقق الشرط فيه لم تجر القاعدة في الاجزاء السابقة.

وتارة يكون وقت الشك في كون من الاكوان فهنا ان كان الشرط المشكوك حتّى في الاكوان لم تجر القاعدة وان كان في خصوص الاجزاء جرت القاعدة لأنّه ليس متلبسا بجزء فيجري قاعدة التجاوز فيما مضى من الاجزاء وفي الجزء الاتي هو يتولى الشرط المعتبر.

وقد اورد عليه: بأن الشرط في صحّة الصلاة على نحوين:

إذ تارة يكون الشرط شرطا للعموم المجموعي وتارة يكون الشرط للعموم الانحلالي وبيان ذلك: ان المشرع إذا قال بأن المركب كالصلاة مثلاً مشروط بكذا ككونه مشروطا بالطهارة أو الاستقبال فهل الشرط واحد اي انه شرط في هذا المركب على نحو العموم المجموعي بمعنى ان المركب لوحظ واحد فلا محالة يكون الشرط واحدا فالشرط واحد لان طرفه واحد وذلك لملاحظة المركب على نحو العموم المجموعي واخرى نقول بأن اشتراط الصلاة بالطهارة أو الاستقبال اشتراط للصلاة على نحو الانحلال اي ان شرطية الاستقبال تنحل لشرطيات عديدة بعدد الاجزاء، فلكل جزء جزء شرط وهو حصة من الاستقبال، فلأجل ذلك ان كان الشرط للمركب الصلاتي ملحوظا على نحو الوحدة فليس هناك الا شرطا واحداً لأمر واحد وهو الصلاة فلا مجرى لقاعدة التجاوز في هذا الشرط حتى لو احرز وجدان الشرط فعلا لأنّه ليس هناك شرطيتان كي يقال بالنسبة للحصة من الشرطية فيما مضى تجري قاعدة التجاوز وبالنسبة للحصة الاخرى من الشرطية وهي الشرطية فيما بقي قد احرزها وجدانا بل ليس هناك الا شرطا واحدا ومحل هذا الشرط مجموع المركب وبالتالي فالشك في الشرط شك في المحل وليس شكا بعد تجاوز المحل. بخلاف ما إذا قلنا بأن الشرط ملحوظ على نحو الانحلال والعموم الاستغراقي حيث إنَّ هناك شرطيات عديدة بعدد الاجزاء فيمكنه ان يقول بالنسبة للحصة من الشرطية وهي ما تعلق بالأجزاء الماضية فانا استطيع تنقيحه بقاعدة التجاوز وبالنسبة للحصة من الشرطية من الاجزاء الاتية فانا قادر على تنقيحه بالوجدان وبعد اجتماع ما احرز بالتعبد وما احرز بالوجدان يتنقح موضوع سقوط الامر بالصلاة، إذا فما ذكره سيدنا من جريان قاعدة التجاوز فيما مضى من الاجزاء انما يتم لو كانت هناك شرطيات عديدة لا ما إذا كان هناك شرطا واحدا.

ولكن ما افيد مورد تأمل، نقضا وحلا:

اما النقض: فبجريان القاعدة في الاجزاء، فإنه لا اشكال بأن قاعدة التجاوز تجري في الاجزاء، كما لو شك في السجود وقد قام، فإن هذا هو صريح ادلة قاعدة التجاوز، وحينئذٍ يرد السؤال فهل ان مجرى قاعدة التجاوز عند الشك في الاجزاء ذات الجزء أم الجزء الشرعي، مثلا إذا شك في الركوع بعدما سجد فجرت قاعدة التجاوز لتأمين هذا الشك فهل مجراها ذات الركوع أم ان مجراها الركوع الشرعي؟!، فإن كان المدعى الاول فهو ليس مأمور به شرعا، والقاعدة تجري تعبدا لتُحقق ما هو المأمور به ولذلك قيل ان مفادها التعبد بمطابقة المأتي به للمأمور به، فبما ان مفادها احراز وجود المأمور به فلا تجري الا فيما هو المأمور به، والمأمور به هو الركوع المشروط اي الركوع المشروط بالترتيب بأن يقع بعد القراءة وقبل السجود لا الركوع على نحو القضية المهملة. بناء على ذلك: هل تجري قاعدة التجاوز لتنقيح الركوع المشروط بالترتيب مع أنّ شرطية الترتيب شرط في المركب الصلاتي على نحو العموم المجموعي، فإنّه يشترط في الصلاة على نحو العموم المجموعي الترتيب بين اجزائها بأن تتحقق وفق النظم فيشترط في صحّة الصلاة ان تكون وفق النظم، مع انه لا اشكال في جريان قاعدة التجاوز في الاجزاء فكيف جرت والحال بأن مجراها الجزء المشروط بشرط هو للمركب الصلاتي على نحو العموم المجموعي.

واما الحل: فإن هذا التفصيل الذي افيد وهو ان يكون الشرط شرطا للمركب الصلاتي على نحو العموم المجموعي، تارة واخرى على نحو الاستغراقي وان امكن تصوره ثبوتا ولكن مقام الاثبات على خلافه، وبيان ذلك: ان الشروط على قياس الاجزاء فكما ان الامر بالصلاة كما إذا قال اقم الصلاة هو امر واحد لمركب واحد فقد لوحظ في الامر بالصلاة كونها على نحو العموم المجموعي، ومع ذلك اي مع ان الامر انصب على الصلاة على نحو العموم المجموعي بحيث ان الامر في الواقع واحد لطرف واحد وهو المركب الصلاتي مع ذلك ينحل الامر بالصلاة اعتباراً لأوامر ضمنية عديدة بعدد اجزاء الصلاة، والا ففي الواقع ليس للجزء امر ضمني بل ليس في الواقع الا الامر بالمركب على نحو العموم المجموعي ووحدة المطلوب واما الامر الضمني لكل جزء فهو لا واقع له ومجرد اعتبار عقلائي محض وهذا الاعتبار العقلائي اصبح مصححا لجريان قاعدة التجاوز في كل جزء جزء والشروط على قياس الاجزاء، فكما ان الامر بالمركب الصلاتي امر واحد ينحل اعتبارا لأوامر ضمنية فكذلك الشرط الصلاتي شرط واحد ينحل اعتبارا لشرطيات عديدة بعدد الاجزاء، ومقتضى هذا الانحلال جريان قاعدة التجاوز في الشروط كما تجري في الاجزاء، فاذا شك في ان تكبيرة الاحرام وقعت عن استقبال أم لا؟ بعد تجاوز محلها جرت قاعدة التجاوز في شرطها إذا كان قد احزر الشرط فيما بيده من الاجزاء. فما ذكره سيدنا من الجواب عن الاشكال في محله.

الوجه الثالث: من الجواب ان يقال: بانه حتّى لو سلمنا بأن الشرط لا ينحل بل هو ملحوظ جعلا وبحسب الاعتبار العقلائي على نحو الوحدة بحيث يكون طرفه واحد لا متعددا فمع ذلك يمكن اجراء قاعدة التجاوز لا في الشرط بل في المشروط بعد التلبس في الجزء الذي بعده، فمثلا إذا تلبس بالركوع وشك في ان تكبيرة الاحرام هل كانت عن استقبال أو طهارة أو لا، فهو لا يجري قاعدة التجاوز في ذات شرطية الاستقبال كي قال بأنها شرط واحد لمركب واحد وهو مجوع الصلاة بل مجرى قاعدة التجاوز في المشروط، اي ان التكبيرة المشروطة بالاستقبال هل تتحقق أم لا، فمجرى القاعدة في التكبير المشروط لا في شرطية الاستقبال والمفروض انه دخل في جزء اخر فاصبح مصادقا لقاعدة التجاوز. فلو توقفنا في جريان قاعدة التجاوز في الشروط فيمكن التخلص من المحذور بإجرائها في الاجزاء. الا ان يقال ان موضوع جريان قاعدة تجاوز الشك في الوجود وبذلك افترقت عن الفراغ حيث إنَّ مجراها الشك في الصحّة والشك في الجزء المشروط راجع للشك في الصحّة لا للشك في الوجود إذ ان التكبير وقع منه لا محالة فمع وقوع التكبير منه والشك في واجديته لشرائطه يكون مصب الشك: الشك في الصحّة، وهو مجرى لقاعدة الفراغ لا التجاوز ومحل البحث في جريان قاعدة التجاوز فبما ان موضوع قاعدة التجاوز الشك في الوجود لا الصحة ولا شك هنا في وجود الجزء وانما في وجدانه للشرطية راجع للشك في الصحّة فلا يكون مجرى قاعدة التجاوز. هذا تمام الكلام في الايراد على جريان قاعدة التجاوز في الشروط، وقد ذكرنا ان له أجوبة ثلاثة، والجواب الثاني منها لسيدنا غير بعيد.

الايراد الثالث: على جريان قاعدة التجاوز في الشروط اثناء العمل ان مجرى القاعدة اما الشرط أو الجزء المشروط، فإذا شك ان تكبيرة الاحرام وقعت عن استقبال بعد الدخول في الركوع واحراز انه مستقبل اثناء الركوع فهل مجرى القاعدة شرطية الاستقبال أم التكبير المشروط بالاستقبال.

فإن قلتم: ان مجراها نفس شرطية الاستقبال فالمفروض ان شرطية الاستقبال مرجعها إلى اعتبار التقيد لا إلى اعتبار القيد، اي ان اللازم اجراء قاعدة التجاوز في تقيد التكبيرة بالاستقبال لا في نفس الاستقبال، لان ما هو الشرط شرعا هو التقيد وليس القيد وانما القيد محصل خارجي للتقيد، فبما ان مجراها نفس التقيد فحينئذٍ لا يصدق انه تجاوز المحل. وان كان مجراها الجزء المشروط ففيه الاشكال السابق وهو ان الشك في الجزء المشروط شك في الصحّة لا في الوجود كي يكون مجرى لقاعدة التجاوز.

وقد يجاب عن هذا الايراد: باننا نلتزم بالشق الأول وهو ان مرجع القاعدة إلى التقيد لا الجزء المتقيد، ويكفي في صدق التجاوز بالنسبة له تجاوز طرفه وهو الجزء حيث إنَّ دليل قاعدة التجاوز قال: «إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء انما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه»، فإن ظاهر: هذا الدليل ان المناط في جريان القاعدة صدق تجاوز الشيء ولا يعتبر تجاوز محله الشرعي وإنما المهم تجاوز الشيء غاية ما في الباب لا يجتمع عقلاً تجاوز الشيء مع الشك فيه لأنّه إذا شك في أصل وجوده فكيف يصدق انه تجاوزه لذلك قيل ان التجاوز في دليل قاعدة التجاوز لا يراد به التجاوز الحقيقي إذ لا يتصور الجمع بين التجاوز الحقيقي في نفس الشيء مع الشك في أصل وجوده إذا المراد بالتجاوز التجاوز العنائي لا الحقيقي والتجاوز العنائي كما يتحقق بتجاوز محل الشرط شرعا يصدق بتجاوز طرف الشرط وهو الجزء المتقيد به، فلو فرضنا مثلاً انه يشترط في صحّة الركوع وصول الاصابع للركبتين فهذا شرط شرعي في خصوص الركوع فاذا شك في ذلك بعدما قام من الركوع فهو وان لم يدخل في جزء لاحق الا انه تجاوز المحل الشرعي للشرط لان المحل الشرعي له هو حال الركوع وقد تجاوز الركوع، كذلك يصدق التجاوز وان لم يتجاوز المحل الشرعي للشرط ولكنه تجاوز المحل الشرعي لطرف الشرط وهو الجزء المتقيد به، كما لو شك في تقيد التكبيرة بالاستقبال وقد دخل في القراءة فقد يقال بانه لم يتجاوز المحل الشرعي لنفس التقيد بإمكان ان يرجع من جديد ولكنه تجاوز المحل الشرعي لطرفه وهو التكبيرة حيث دخل في الجزء اللاحق وبتجاوز المحل الشرعي لطرفه يصدق انه تجاوزه تجاوزا عنائياً وهذا كاف في جريان القاعدة.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

الدرس 102
الدرس 104