نص الشريط
الدرس 102
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 20/5/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2613
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (283)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

كان الكلام في جريان قاعدة التجاوز والفراغ في الشروط، وذكرنا ان هناك عدة ايرادات على جريانهما في الشروط:

الايراد الاول: انتفاء المقتضي أو الموضوع عقلاً، حيث لا يتصور في الشرط تجاوزه عقلاً وقد مرّ الجواب عن هذا الايراد.

الايراد الثاني: ما تعرض له الشيخ الانصاري في الرسائل وجرى عليه الاعلام من بعده وهو لو سلمنا بأنّ المقتضي العقلي موجود بمعنى انّه يمكن عقلاً تجاوز الشرط بلحاظ وجود محل شرعي للشرط فتجاوز محله الشرعي تجاوز له، الا انه بحسب عالم الجعل هذا غير موجود فهو وان كان ممكنا عقلاً ان يكون للشرط محل شرعي يتصور بلحاظه تجاوزه ولكن بحسب عالم الفعلية هذا الامر ليس متحققا، والسر في ذلك: ان مقتضى اشتراط المركب الاعتباري بشرط كاشتراط الصلاة بالاستقبال أو اشتراطها بالطهور أو بالاستقرار ونحو ذلك ان مقتضى اشتراط المركب باي شرط انبساط الشرطية على جميع اجزاء المركب فكل جزء جزء من المركب هو مشروط بهذا الشرط كالاستقبال والطهارة ومقتضى انبساط الشرطية على جميع اجزاء المركب ان ليس له محل مقرر يتصور بلحاظه التجاوز، فمتى شكّ في الشرط وهو في المركب فموضوع قاعدة التجاوز منتف لان موضوعها تجاوز المحل الشرعي والمفروض ان المحل الشرعي للشرط جميع اجزاء الصلاة فلا يصدق تجاوزه عند الشك فيه أثناء الصلاة بل الشك دائما في المحل لا بعد تجاوزه فمقتضى هذا الايراد عموم جريان قاعدة التجاوز عند الشك في الشروط لا لعدم امكان التجاوز كما قررنا في الايراد الاول بل لعدم فعليته وتحققه خارجا.

واقد اجيب عن هذا الايراد بوجوه:

الوجه الاول: ما ذكره سيدنا في «مصباح الاصول، ج48، ص373»، ومحصله في مقدمتين:

المقدمة الاولى: ان محل الشرط بحسب الجعل الشرعي على ثلاثة انحاء:

إذ تارة يكون محله متقدما، وتارة مقارن، وتارة يكون متأخراً. ومثال المحل المتقدم للشرط اشتراط الظهر في العصر فإنه يشترط في صحّة العصر وجود الظهر قبلها فالمحل الشرعي لتحقيق الشرط متقدم على المشروط ومنه الاقامة بالنسبة للصلاة على بعض المباني، حيث بنى بعضهم على انه يشترط في صحّة الصلاة وجود الاقامة قبلها ومثال الشرط المقارن شرطية الاستقرار والاستقبال وقصد القربة ومثال الشرط المتأخر ليس فيه الا هذا المثال الذي هو محل خلاف بين الفقهاء وهو اشتراط صحّة صوم المستحاضة بالغسل للعشاءين لليلة الاتية.

المقدمة الثانية: قال ان الشك في الشرط تارة يكون بعد العمل وتارة اثنائه، فإن كان الشك في الشرط بعد الفراغ من العمل اي بعدما فرغ من الصلاة شك في واجديتها لشرطها، هل انها كانت عن طهارة أو استقبال، أو قصد قربة أو غير ذلك فاذا شك في الشرط بعد الفراغ جرت قاعدة الفراغ في جميع اقسام الشروط اي سواء كان المحل الشرعي للشرط متقدما على العمل أو مقارنا فإن مقتضى قاعدة الفراغ تصحيح المشروط.

وتارة يكون الشك اثناء العمل، كما لو شك اثناء الصلاة فهنا لابد ان نفصل بين الشرط المتقدم والمقارن، فإن كان المحل الشرعي للشرط من قبيل الشرط المتقدم كاشتراط سبق الظهر على العصر واشتراط الاقامة في صحة الصلاة فحينئذٍ تجري قاعدة التجاوز لصدق موضوعها حيث إنَّ موضوعها إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فليس شكك بشيء فاذا شك في الطهارة وقد دخل في الصلاة فليس شكه بشيء لأنّه خرج عن محل الطهارة وهو ما قبل الصلاة إلى غيره، وبهذا التقريب يمكن تطبيق هذه الكبرى على محل كلامنا وهو من شك في الوقت وقد تلبس بالصلاة فيقال بما ان المحل الشرعي لتحصيل شرطية الوقت هو ما قبل الصلاة فالشك فيه في الصلاة شك بعد تجاوز المحل فيصدق عليه انه قد دخل في غيره فليس الشك بشيء واما إذا كان الشرط مقارنا ففيه تفصيل تعرض له في مصباح الاصول.

ويلاحظ على ما افاده بذكر امرين:

الأمر الاول: إنّ سيدنا بنفسه ذكر في «مصباح الاصول، ص326 - 327»: ذكر شبهة واجاب عنها، ومحصل هذه الشبهة:

انه على مبنى المحقق النائيني ان القاعدتين واحدة، فمرجع قاعدة الفراغ إلى التجاوز بمعنى ان موضوع القاعدتين الشك في الوجود وهذا جامع بين القاعدتين ومفادهما التعبد بالوجود، هذا كلام المحقق النائيني.

فأورد شبهة بناءً على مبنى النائيني انه إذا ارجعنا قاعدة الفراغ إلى التجاوز وقلنا بأن موضوعهما الشك في الوجود ومفادهما التعبد بالوجود فمقتضى ذلك ان من شك في الطهارة بعد فراغه من الصلاة فمقتضى قاعدة الفراغ التعبد بوجود الطهارة ومقتضى التعبد بوجود الطهارة انه يجوز له ان يصلي العصر بلا تجديد للطهارة وهذا مما لم يقل به احد فلو كان مفاد قاعدة الفراغ التعبد بالوجود فاذا شك في صحّة الصلاة للشك بوجود الطهارة فيصح اقتحام اي عمل مشروط بالطهارة ولم يقل به احد.

فأجاب عن هذه الشبهة: بأن هناك فرقاً بين الجزء والشرط فالجزء بنفسه متعلق للأمر الضمني حيث إنَّ الامر إذا تعلق بالمركب كالأمر بالصلاة انحل لأوامر ضمنية عديدة بعدد الاجزاء فكل جزء جزء مأمور به في نفسه اما في الشرط فليس العمل الخارجي متعلقا للأمر مثلاً يشترط في الصلاة الطهارة، ولكن ليس متعلق الامر الضمني هو الوضوء، ويشترط في الصلاة الاستقرار ولكن ليس متعلق الامر الضمني هو الاستقرار والا لم يبق فرق بين الجزء والشرط خصوصاً ان بعض الشروط غير اختيارية كالوقت والقبلة فكيف يتعلق بها امر ضمني؟!.

فلا يعقل انحلال امر صمني على ذات الشرط كالوقت والقبلة لانهما غير اختياريين فلا محال متعلق الامر الضمني اقتران الصلاة بالطهارة واقتران الصلاة بالقبلة واقتران الصلاة بالوقت وليس متعلقه نفس القبلة، الوقت والطهور وأشباه.

والنتيجة: ان ما هو الدخيل في صحة الصلاة لبا هو التقيد اي اقتران العمل بالشرط وليس متعلق الامر الضمني الشرعي هو ذات الشرط. ويكون بذلك اجاب عن الشبهة فانه إذا شك المكلف بعد فراغه من الصلاة في ان الصلاة واجدة للطهارة أم لا، فليس مقتضى قاعدة الفراغ التعبد بوجد الطهارة بل مقتضى قاعدة الراغ التعبد باقتران الصلاة السابقة بالطهارة وليس بوجودها، وان كان لازمه عقلاً فإن لازم اقتران الصلاة بالطهارة وجود الطهارة الا ان اثبات وجود الطهارة بقاعدة الفراغ التي تثبت اقتران الصلاة بالطهارة من قبيل الاصل المثبت فاذا لم يثبت بقاعدة الفراغ الا الاقتران فلا يصح الدخول في الاعمال الاتية من دون تحصيل للطهارة اعتمادا على قاعدة الفراغ.

الامر الثاني: بناءً على ما ذكره يقال له ما هو المحل المتقدم حيث أفاد بأن في الشرط المتقدم على العمل تجري قاعدة التجاوز في الشرط إذا شرع في العمل كما لو شرع في الصلاة فشك في الطهارة أو الاقامة، فيقال هل المحل المتقدم محل للقيد أم للتقيد، فإن كان المحل المتقدم محلا للقيد فليس مجرى لقاعدة التجاوز لان مجرى قاعدة التجاوز احراز المأمور به شرعا والمفروض ان المتقدم ليس مأمورا به شرعا لان الامر الضمني لم ينصب عليه بل على الاقتران وا تقيد فنفس الطهارة وتحصيل الوقت والقبلة كل ذلك ليس مأمورا به شرعا وانما موارد به عقلاً حيث انه إذا وجب التقيد شرعا وجبت مقدمته فالمحل المتقدم ليس محلا شرعيا لما هو الشرط لبا كي يكون مجرى لقاعدة التجاوز.

وإن ادعى ان المحل المتقدم محل للتقيد فهو مخالف لما هو المسلم عنده وهو ان محل التقيد هو ذات العمل، فدائما يرجع الشرط إلى الشرط المقارن فلا يوجد متقدم ولا متأخر إذ ما دام متعلق الامر الضمني نفس التقيد والتقيد مقارن للمقيد إذ لا يعقل تحقق المعنى الإضافي من دون طرفيه اي التقيد من دون مقيد وقيد فلا محالة بما ان متعلق الامر الضمني الشرعي وهو التقيد والتقيد دائما مقارنا إذا فليس هناك محل متقدم شرعيا للشرط يتصور فيه تجاوز المحل وجريان قاعدة التجاوز.

الجواب الثاني: ما ينتزع من كلامه في «المصباح» وهو ما ذكره «ص335»، ومحصله أمران:

الأمر الاول: ان الشرط المقارن قسمان شرط للأجزاء وشرط للمجموع، فهناك شرط دخيل في الاجزاء فقط من دون ان يكون داخلا في الاكوان كما في شرطية الاستقرار وقصد القربة فانه يعتبر الاستقرار وقصد القربة في نفس اجزاء الصلاة جون الاكوان المتخللة فحتّى لو لم يكن مطمئنا ما بين الركوع والسجود فإن صلاته صحيحة لان المدار في الاستقرار نفس اجزاء الصلاة لا اكوانها.

وتارة يكون الشرط دخيلا في الصلاة بأجزائها واكوانها المتخللة نظير شرطية الاستقبال والطهارة فإن شرطية الاستقبال والطهارة والوقت معتبرة في اكوان الصلاة فضلا عن اجزائها.

الامر الثاني: إذا شك المكلف في الشرط؛ فتارة يحرز الشرط فعلا ويشك فيما مضى كما إذا شك وهو في الركعة الثانية، انه في الركعة الاولى هل كان على استقرار أم لا، هل كان على استقبال أم لا، الا انه في الركعة الثانية محرز للشرط من كونه مستقرا مستقبلا قاصدا للقربة وانما الشك فيما تقدم من الاجزاء وهو انه وقع مع الشرط أم لا، فقال هنا بجريان قاعدة الفراغ فيما مضى من الاجزاء سواء كان الشرط شرطا لخصوص الاجزاء أم للأكوان أيضاً إذ لا فرق بينهما من حيث الثمرة لان موضوع صحّة الصلاة منقح، اما بالنسبة لما هو فيه فقد احرز الشرط وجدانا واما بالنسبة لما مضى فقد احرز الشرط تعبدا بواسطة قاعدة الفراغ فبضم التعبد للوجدان يلتئم موضوع صحّة الصلاة وهو انه اتى بما هو المأمور به شرعا.

واما إذا لم يحرز وجدانه للشرط فعلا كما لو شك في الاستقبال وهو في الركعة الثانية، بحيث يسري الشك للفعل الذي هو متلبس به فتارة يكون الشك وهو متلبس بجزء وتارة يكون الشك في الاكوان المتخللة بين الاجزاء. فهنا صورتان:

الصورة الاولى: ان يحصل منه الشك وهو متلبس بجزء من الاجزاء كما إذا تلبس بالقراءة في الركعة الثانية فشك شكا ساريا في ان تمام ما فعله ما هو بيده هل هو واجد لشرطية الوقت أم لا، وهل هو واجد لشرطية الاستقبال أم لا، فهنا لا مجال لجريان لا قاعدة الفراغ ولا التجاوز إذ المفروض انه شاك فيما بيده بالفعل انه واجد للشرط أم لا، فكيف ينفعه إجراء قاعدة الفراغ أو التجاوز فيما مضى وجريانها فيما مضى لا يثبت صحّة ما هو متلبس فيه بالفعل مع كونه شاكا فيه.

الصورة الثانية: ان يحصل الشك في الاكوان كما لو فرغ من السجدة الثانية وقام للركعة التي بعدها وفي اثناء القيام حصل الشك فيما مضى، فهنا تظهر الثمرة بين شرط الاجزاء والاكوان فاذا شك في اثناء قيامه له ان الركعة الماضية واجدة للشرط فإن كان الشرط المشكوك من قبيل الشرط في الأجزاء فقط كشرطية الاستقرار وقصد القربة اجرى قاعدة الفراغ لان الشرط معتبر في خصوص الاجزاء وليس معتبرا في الاكوان وهو الان غير متلبس بجزء وانما هو في الكون المتخلل بينهما فلذلك يحرز ما مضى من صلاته بقاعدة الفراغ أو التجاوز ويرز ما يأتي بنفسه.

اما إذا كان الشرط المشكوك من قبيل الشرط الدخيل حتّى في الاكوان فلا يفيده اجراء قاعدة التجاوز أو الفراغ فيما مضى كما لو شك في انه مستقبل القبلة أم لا، فإن هذه الشرائط دخيلة حتّى في الاكوان لذلك اجراء قاعدة الفراغ أو التجاوز فيما مضى لا يفيد لان المفروض ان الكون الذي بيده مشكوك أيضاً واجراؤها فيما مضى لا يحرز ثبوت الشرط افي الكون الذي هو فيه فلا تجري قاعدة التجاوز.

فبناء على كلامه هنا يقال: لابد من التفصيل فيصح اجراء قاعدة الفراغ والتجاوز في الاجزاء الماضية إذا كان قد احرز الشرط في الجزء الذي بيده سواء كان شرط للأجراء أو الاكوان أو تجري قاعدة التجاوز أو الفراغ فيما مضى إذا شكه في شرط ليس دخيلا في الاكوان وكان موضوع الشك هو في الكون المتخلل بين الأجزاء وما عدى هاتين الصورتين لا تجري فيه قاعدة التجاوز أو الفراغ.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 101
الدرس 103