نص الشريط
الدرس 110
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 14/6/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2596
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (377)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

كان الكلام في دليل شرطية ستر العورة في الصلاة وذكرنا وجود طائفتين متعارضتين احدهما ما دل على تعين الصلاة في الثوب المتنجس إذا لم يجد غيره ولم يكن قادرا على تطهيره.

ولكن، قد اشكل على الطائفة الثانية بقصورها: اما سنداً أو مضمونا نتيجة المعارضة، فهنا اشكالان على الاستدلال بالطائفة على ان الوظيفة هي الصلاة عرياناً:

الإشكال الاول: الاشكال السندي، وهو تارة: في رواية سماعة التي اشرنا اليها؛ وتارة أخرى: في رواية محمد بن علي الحلبي.

اما بالنسبة إلى رواية سماعة فقد اشكل سيدنا بأنّها مضمرة قال: «والذي يوهن الطائفة الثانية أن روايتي سماعة مضمرتان، وليس سماعة في الجلالة والاعتبار كمحمد بن مسلم وزرارة وأضرابهما حتى لا يحتمل سؤاله عن غير الإمام، ولعلّه سأل غيره ولو ممن رآه أهلًا للسؤال، ومن المحتمل أن يكون قد سأل شخصين آخرين غير الإمام .».

بل نقل الشيخ في «تهذيب الأحكام»، «ج‌1، ص16» ‌ رواية:

«فَأَمَّا مَا رَوَاهُ - الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَخِيهِ الْحَسَنِ عَنْ زُرْعَةَ عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ نَشِيدِ الشِّعْرِ هَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أو ظُلْمِ الرَّجُلِ صَاحِبَهُ أو الْكَذِبِ فَقَالَ نَعَمْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ شِعْراً يَصْدُقُ فِيهِ أو يَكُونَ يَسِيراً مِنَ الشِّعْرِ الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَةَ والْأَرْبَعَةَ فَأَمَّا أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الشِّعْرِ الْبَاطِلِ فَهُوَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ».

قال: تعليقا على هذه الرواية: «فَأَوَّلُ مَا فِيهِ أَنَّ سَمَاعَةَ قَالَ سَأَلْتُهُ ولَمْ يَذْكُرِ الْمَسْئُولَ بِعَيْنِهِ ويَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَأَلَ غَيْرَ الْإِمَامِ فَأَجَابَهُ بِذَلِكَ وإذا احْتَمَلَ مَا قُلْنَاهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَيْنَا».

الرواية الأخرى: التي استند اليها في تعين الصلاة عريانا: رواية محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّٰه : «في رجل أصابته جنابة وهو بالفلاة وليس عليه إلّا ثوب واحد وأصاب ثوبه مني؟ قال: يتيمم ويطرح ثوبه ويجلس مجتمعاً فيصلي ويومي إيماء».

وقد اشكل سيدنا عليها، قال: «وأما رواية الحلبي ففي سندها محمد بن عبد الحميد، وأبوه عبد الحميد وإن كان موثقاً وقد ورد في صحيحة إسماعيل بن بزيع: «إذا كان القيّم به مثلك أو مثل عبد الحميد فلا بأس».

إلّا أن ابنه الواقع في سلسلة الحديث وهو محمد لم تثبت وثاقته، فإنّ كل من وثقه من علماء الرجال قد تبع النجاشي في توثيقه. ولكن، العبارة المحكية عنه غير وافية في توثيق الرجل، حيث قال في محكي كلامه: «906 محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار أبو جعفر، روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى []، وكان ثقة من أصحابنا الكوفيين. له كتاب النوادر. أخبرنا أبو عبد الله بن شاذان قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى، عن عبد الله بن جعفر، عنه بالكتاب.».

وهذه العبارة وإن صدرت منه عند ترجمة محمد بن عبد الحميد إلّا أن ظاهر الضمير في قوله «كان ثقة» أنه راجع إلى أبيه وهو عبد الحميد لا إلى ابنه، ولو لم يكن الضمير ظاهراً في ذلك فلا أقل من إجماله فلا يثبت بذلك وثاقة الرجل. وبهذا تسقط الرواية عن الاعتبار وتبقى الصحاح المتقدمة الدالة على وجوب الصلاة في الثوب المتنجس من غير معارض».

فقد يقال: لو عبر ب «الواو» بأن قال: روى عبد الحميد... وهو ثقة. فقد يقال: أنّها راجعة للمترجم له، ولكنه قال: كان وعود الضمير في ”كان“ إلى محمد بعيد. وبالتالي: فالمستند لتعين الصلاة عارياً ضعيف اما رواية سماعة فبإضمارها ورواية محمد بن عبد الحميد فلعدم توثيق له.

ولكن شيخنا الاستاذ في «تنقيح مباني العروة، ج3، ص49»: تعرض لهذين الاشكالين: اما الاشكال على موثقة سماعة فأجاب عن ذلك بأحد وجهين:

الوجه الأول: «أن مضمرات روايات سماعة التي وصلت إلينا كثيرة جداً وغير مضمراته أيضاً كثيرة مروية عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن عليهما السلام وليس فيها مورد سأل الحكم فيه عن غيرهما عليهما السلام، لنحتمل أن مضمراته أو بعضها من ذلك المورد».

فكأنه يقول: ان مراجعة مسنداته الشاهدة على انه لم يرو إلّا عن الصادق والكاظم تضعف ان المقود من مضمراته هو عن غير الإمام ، ولكن الكلام في ان ذلك يجعل احتمال روايته عن غير الإمام موهما أم لازال هذا الاحتمال قائم عرفا.

الوجه الثاني: «بل ثبت أن الإضمار ولو في بعضها كان من غير سماعة ممن يروون الحديث عنه بشهادة أن بعض رواياته مروية في الفقيه عن أبي عبد اللّه ، ونفس تلك الرواية رواها الشيخ بسند عنه مضمراً في التهذيب، ويحصل ذلك عادة في راوٍ يروي في كتابه حديثين أو أحاديث عن سماعة متتالية، ويتبدل اسم الظاهر للإمام في الثاني أو الثالث بالضمير لسبق ذكره، ثمّ إذا روى شخص آخر تلك الأحاديث في كتابه مع التفريق يحصل الإضمار المزبور.

ويظهر ذلك بوضوح في ما صنعه الصدوق في الفقيه من ذكر رواية عن راو يروي الحكم عن الإمام ثمّ يذكر بعد ذلك رواية أُخرى عن ذلك الراوي ويقول وسأله أو وسأله ثمّ إذا أراد شخص رواية هاتين الروايتين في كتاب بلا تصرف في‌ النقل في موضعين منه يحصل الإضمار لا محالة.

وعلى الجملة فأمر مضمرات سماعة ظاهر لم أجد من يناقش فيها غير ما ذكر الشيخ في التهذيب في موضع فراراً عن التعارض بين الروايتين، والأمر فيما ذكر «قده» في وجوه الجمع بين الأحاديث والفرار عن الالتزام بتعارضها أوضح للمتبع، وأنه «قده» قد يكتفي أو يذكر في وجه الجمع ما يكون الاطمئنان بخلافه. والحاصل: أنه ثبت في المسألة روايتين لسماعة في إحداهما يصلي قاعداً وفي الأُخرى يصلى قائماً. وظاهر النقل أنه سمعهما عن الإمام ولو بتعدد الواقعة وتكرار السؤال هذا بالإضافة إلى مضمرتي سماعة».

ولكن، يقال: بأنه لم يحرز ان هذه الرواية التي هي محل البحث من كتاب سماعة الذي اضمر فيه اعتمادا على ما ذكره في اول الكتاب، أو ان هذه الرواية التي هي محل كلامنا من ذلك القسم الذي اضمر فيه الراوي اتكاءً على تصريحه في اول حديث من احاديث سماعة التي يرويها، وعليه يبقى اشكال سيدنا قائما.

وقد يقال: بأنّ مقتضى الامانة من سماعة أو من الراوي عنه ان لا يضمر في مقام الجواب على نحو القضية الحقيقية لعموم المكلفين، بمعنى ان سماعة إذا نقل جوابا عاما لسائر المكلفين والمترقب من المتلقين ان يكون هذا الجواب عن المعصوم لأنّ عملهم بجواب المعصوم فمقتضى امانته ان لا يضمر إذا كان يريد غير المعصوم حيث إنَّ ذلك تغرير مناف للأمانة فإذا اضمر وهو في مقام نقل جواب عام لعموم المكلفين مع كون المترقب منه هو جواب المعصوم فمعناه ان من اضمر عنه هو المعصوم فإنّ هذا مقتضى وثاقته وامانته.

إلّا أن يقال: ان احتمال المعهودية دافع للإشكال فلعل سماعة عندما نقل الجواب مضمرا لمن روى عنه كان بينه وبين من روى عنه معهودية وهو ان المنقول عنه احد الاصحاب فإذا اعتمد على هذه العهدة فإنّ ذلك لا ينافي امانته ووثاقته.

وقد يقال في دفع مشكلة الاضمار: أننا لو احرزنا ان هذه المضمرة رواها أرباب الاصول في اصولهم في سياق الرواية عن المعصوم فإنّ مقتضى قرينة السياق ان المضمر عن الإمام . ودعوى احتمال الحدس - أي جعلها رواية عن المعصوم لقرينة حدسية - وصلوا إليها مدفوعة بأصالة الحس، فإنّ مقتضى اصالة الحس ان يكون ايرادهم الرواية ضمن الروايات المنقولة عن المعصوم لقرائن حسية لا حدسية. والامر مشكل. هذا بالنسبة إلى رواية سماعة.

قال شيخنا الاستاذ: «وأمّا بالإضافة إلى رواية محمد بن علي الحلبي التي في سندها محمد بن عبد الحميد فالظاهر أنّها أيضاً معتبرة محمد بن عبد الحميد لا بأس بها لا لما ذكره النجاشي، فإنّ الظاهر في عبارته رجوع الضمير إلى عبد الحميد؛ لأنّه أقرب وأنه لم يسبق لمحمد بن عبد الحميد في العبارة خبر ليكون: «وكأنه ثقة» معطوفاً، على ذلك الخبر وجعل أبي جعفر خبراً بأن كان مفادها محمد بن عبد الحميد يكنى بأبي جعفر وكان ثقة يحتاج إلى التقدير، وقد فحصنا رجال النجاشي من بدوه إلى ختامه ولم نظفر بمورد يكون على خلاف ما نذكره وهو أن ذكر الكنية مجرداً وبلا ذكر يكنى ظاهره بيان عنوان المترجم، ووجدنا مورداً فيه مثل التعبير في محمد بن عبد الحميد وهو ما ذكره في ترجمة الفضل بن شاذان: «ذكر الفضل بن شاذان بن الخليل أبو محمد الأزدي النيشابوري «النيسابوري» كان أبوه من أصحاب يونس، وروى عن أبي جعفر الثاني، وقيل [عن] الرضا أيضا عليهما السلام وكان ثقة، أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلمين. وله جلالة في هذه الطائفة، وهو في قدره أشهر من أن نصفه. وذكر الكنجي أنه صنف مائة وثمانين كتابا».

وفيه: أيضاً ظاهر الضمير في «وكان ثقة» إلى أبيه شاذان فراجع».

ولكن يلاحظ على ما افاده شيخنا الاستاذ وقد تعرض لذلك سيدنا انه في قوله «له كتاب»، والكتاب انما هو للولد محمد وليس لأبيه فهذه قرينة على ان مرجع الضمير هو الولد لا اباه، خصوصا إلى ان مقتضى السياق ان تعود الاوصاف إلى المقصود بالترجمة.

اما بالنسبة إلى الرواية الوردة في الفضل بن شاذان فلا يبعد عودها إلى الفضل، حيث قال وروى عن أبي جعفر الثاني، وقيل [عن] الرضا أيضا «عليهما السلام» وكان ثقة، أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلمين. وله جلالة في هذه الطائفة، وهو في قدره أشهر من أن نصفه.

كل هذه الاوصاف راجعة إلى الفضل لأنّه هو المشهور في الطائفة بالفضل والكلام، ثم قال: «وذكر الكنجي أنه صنف مائة وثمانين كتابا» وهذا كله للفضل.

ثم ان شيخنا الاستاذ على منهجه قال: «بل الوجه في وثاقته ما ذكرنا ولعله مراراً أن مع رواية الأجلاء عن شخص كثيراً، وكثرة روايته عن الرجال يوجب كون الشخص من المعاريف، وبما أنه لم ينقل في حقه ضعف يكون ذلك كاشفاً عن حسن ظاهره المحكوم معه بالعدالة والثقة لجريان العادة أنه لو كان في المعروف عيب يذكر في لسان البعض، وعدم ذكر التوثيق الخاص في كلمات مثل النجاشي فلأنهم تعرضوا لذكر التوثيق فيمن وصل فيه التوثيق الخاص من سلفهم». فعدم ذكر التوثيق لشخص لا يعني عدم وثاقته.

فتحصل من ذلك: تمامية مستند ما دلّ على تعين الصلاة عاريا عند عدم وجود الا الثوب المتنجس.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

الدرس 109
الدرس 111