نص الشريط
الدرس 115
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 21/6/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2642
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (398)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

كان الكلام: فيما إذا ارتفع الساتر في اضطرارا. كما إذا ظهر شعر المرأة اثناء الصلاة فالتلفت لذلك وبادرت الى ستره فورا فإن الآن إذا بادرت فيه الى الستر هذا الآن قد ارتفع فيه الساتر اضطراراً، فهل يوجد دليل عام يمكن من خلاله تصحيح الصلاة أم لا؟

والأدلة العامة في المقام ثلاثة:

الدليل الاول: قاعدة لا تعاد. بأن يقال: كما ذكر السيد الأستاذ «دام ظله»: ان الكبرى لقاعدة لا تعاد هي المذكورة في الذيل لا المذكورة في الصدر، فإن ما ذكر في الصدر وهو قوله «لا تعاد الصلاة الا من خمسة» مجرد تطبيق للكبرى، واما الكبرى فهي ما ذكر في ذيل الحديث وهي قوله : «لا تنقض السنة الفريضة». ولو كنا نحن واطلاق هذا الذيل لقلنا بأن الاخلال بالسنة مطلقا لا يوجب بطلان الصلاة لقوله: لا تنقض السنة الفريضة، ولكن حيث ان هذا الاطلاق محفوف بارتكاز عقلائي أو متشرعي وهو انه لا يحتمل ترخيص الشارع في الاخلال العمدي بحيث لا يراه الشارع مبطلا للصلاة فلا محالة تكون الكبرى المذكورة في الذيل متقيدة ارتكازا في فرض العذر فكأنه قال: لا يكون الاخلال بالسنة بحال العذر موجبا لنقض الفريضة. فهذه هي الكبرى المستفادة من ذيل القاعدة: وهي ان الاخلال بالسنة عن عذر لا يوجب نقض الفريضة.

وفي محل الكلام: ما إذا انكشف شعر المرأة اثناء الصلاة غفلة وحينما التلفت لذلك بادرت لستره فورا فالإخلال قبل الالتفات كان عن غفلة والاخلال بعد الالتفات كان عن اضطرار إذا لا يمكنه الستر دفعة واحدة بل لابد ان تبادر اليه، فالإخلال بالساتر عن عذر وبما ان الاخلال عن عذر فلا يوجب نقض الفريضة ومقتضى ذلك صحة الصلاة.

ولكن يلاحظ على السيد الاستاذ: أو على هذا البيان: ان يقال: بأن الاضطرار الى عدم الساتر اما اضطرار غير مستوعب أو اضطرار مستوعب، فإما ان نفرض ان انكشاف شعر المرأة في الصلاة خاص بهذا الفرد من الصلاة لا انه مستوعب لجميع آنات الوقت، أو انه مستوعب، فإذا نظرتم الى الاضطرار غير المستوعب اي ان المرأة انكشف شعرها في هذا الفرد من الصلاة اما لو اعادة الصلاة فيكمن لها التحفظ على الساتر في جميع الآنات فأول الكلام ان هذا عذر. فإن المفروض ان الكبرى المذكورة في الذيل ليس على اطلاقها وموضوعها الاخلال عن عذر فلابد من احراز العذر حتى تنطبق الكبرى على المقام، ولا نحرز العذر في مثل المورد فيكون المقام شبهة مصداقية لدليل لا تنقض السنة الفريضة، والسر في ذلك:

هل ان اضطرار المرأة لانكشاف شعرها في هذه الصلاة عذر؟ بحيث يكون مشمولا لقوله: الاخلال بالسنة عن عذر لا يوجب نقض الفريضة؟ أم لا؟.

فنقول هناك منبهات على عدم العذرية:

منها: انه لو كان الاخلال عن عذر في المقام لجاز لمن يضطر في اول الوقت لأنّ يخل بشرط من شروط الصلاة مع علمه بارتفاع هذا الاضطرار لبقية الوقت ان يبادر الى الصلاة، فمثلا: من هو مضطر في اول الوقت للصلاة جالسا لكنه يتجدد له القدرة على القيام بعد ذلك أو من اضطر في اول الوقت في الصلاة في الثوب المغصوب أو من اضطر من اول الوقت في الصلاة مع التيمم وهكذا. فلو كان الاضطرار في فرد من افراد الصلاة عذرا لساغ لكل من كان مضطرا في اول الوقت ان يبادر الى الصلاة مع الفرد الاضطرار وتصح صلاته بقاعدة «لا تنقض السنة الفريضة».

المنبه الآخر: لو فرضنا ان المرأة دخلت الصلاة بساتر وانكشف الساتر اثناء الصلاة لكن لم يمكنها اعادته الى نهاية الصلاة، فماذا يقال في هذا المثال؟ أليست مضطرة لهذا الفرد من الصلاة لعدم الساتر فهل يحتمل تصحيح صلاتها بمثل «لا تنقص السنة الفريضة» مع امكانها ان تأتي بصلاة واجدة للشرط باستئناف الصلاة.

إذاً: دعوى من انكشف ستره غفلة فالتلف فبادر الى الستر فوراً انه مشمول للكبرى المذكورة في الذيل وهي: «لا تنقض السنة الفريضة» لأنّ موضوع هذه الكبرى لا يكون الاخلال بالسنة ناقضا وهذا اخلال بعذر هذا محل تأمل لعدم احراز صدق العذر لهذا الامر.

وان كان الاضطرار مستوعبا: كما إذا اضطر للصلاة جالسا في تماما الوقت أو اضطرت المرأة للصلاة مع عدم الساتر لشعرها في تمام الوقت فالأمر بالمشروط سقط في حقها من الاول اي ان هذه المرأة لم تخاطب بالصلاة مع الساتر، لعجزها عن امتثال هذا الخطاب في تمام هذا الوقت ومع العجز لا حاجة لتصحيح صلاتها بقاعدة لا تنقض السنة الفريضة فإن ما يصح لنا التشبث بدليل لا تنقض السنة الفريضة لتصحيح الصلاة إذا كان المقتضي موجودا وهو شمول الأمر بالمشروط لهذا المكلف، فنقول: ان مقتضى شمول الأمر بالمشروط لهذا المكلف فساد صلاته، لكن خرجنا عن هذا الشمول بدليل لا تنقض السنة الفريضة، واما إذا كان الأمر بالمشروط لا يشمله بالأساس لعجز هذه المرأة بالساتر في تمام الوقت أو عجز هذا المكلف عن الصلاة قائما في تمام الوقت فلا يشمله دليل لا تعاد.

والمتحصل: ان التشبت بدليل «لا تنقض السنة الفريضة» لمن اضطر بشرط من شرائط صحة الصلاة لا يتم لا في فرض الاضطرار المستوعب ولا في فرض الاضطرار غير المستوعب، اما في فرض الاضطرار المستوعب فلسقوط اصل الأمر فلا نحتاج الى حديث لا تعاد. واما في فرض الاضطرار غير المستوعب فلعدم احراز صدق عنوان العذر.

ولكن، لو تم ما افاده السيد الاستاذ: منبه ان مقتضى اطلاق الذيل وهو: «لا تنقض السنة الفريضة» شموله لموارد الاخلال عن اضطرار، فهل هناك مانع من الشمول بعد احراز الإطلاق أم لا؟.

فهنا في كلمات سيدنا الخوئي وجهان لمنع شمول حديث لا تعاد:

الوجه الاول: دعوى انصراف هذا اللسان وهو قوله: «لا تعاد الصلاة الا من خمسة»، عن من التلف للخل واتى به لكن مضطراً، فإن هذا اللسان منصرف لمن وقع منه الخلل ثم التلفت اليه، فيقال في حقه: _لا تعاد الصلاة الا من خمسه»؛ ولكن هذا المقدار من الاستدلال ليس عكازا معتدا به لإمكان منعه بإطلاق الذيل، فلنفترض ان صدر الرواية منصرف إلا أن اطلاق الذيل هو المحكم ما دامت الكبرى هي ما ذكر في الذيل وهو لا تنقض السنة الفريضة.

الوجه الثاني: ان يقال: ان كلمة «لا تعاد» لا تشمل الاخلال عن التفات، والسر في ذلك: ان من وقع منه الخلل ثم التلفت اليه فالخطاب المترقب في حقه هو أعد الصلاة، لأنه لم يتلف يتلفت الى الخلل الا بعد وقوعه فاذا كان هناك خطاب في حقه لكان أعد الصلاة، فينفى هذا الخطاب المترقب بقوله: لا تعاد الصلاة؛ اما من اوقع الخلل وهو متلفت اليه فالخطاب المترقب في حقه ليس أعد، بل الخطاب المترقب هو صل، فمن كان يقع منه الخلل عن علم والتفاف فالخطاب المترقب في حقه اقم الصلاة لا ان الخطاب المترقب في حقه اعد، لأنه في صراط العمل عن التفات وعلم، فحيث ان الخطاب المترقب في حقه ليس اعد، إذا فلا يشمله عنوان لا تعاد، لأنّ عنوان لا تعاد نفي في لخطاب اعد، وخطاب اعد لا يتصور إلا في حق من يلتفت الى الخلل الا بعد وقوعه فلا محالة خطاب لا تعاد منصرف موضوعاً عن من وقع منه الخلل عن التفات.

ولكن قد يقال: بأن عنوان «لا تعاد» ما هو الا ارشاد للصحة ولا خصوصية لهذا اللسان، نعم لو كان خطابا مولويا بأن يقال: من التفت بالخلل بعد وقوع خوطب خطابا مولويا ب «أعد»، فيصح ان ينفى عنه هذا الخطاب بلا تعاد. لربما تم كلامه، ولكن المفروض ان من التلفت بالخلل بعد وقوعه لا يخاطب بخطاب مولوي جديد اسمه اعد وانما من التلف للخل بعد وقوعه ما زال مخاطبا بالخطاب الاول وهو اقم الصلاة لأنّه لم يتمثل هذا الأمر لا انه هو يخاطب بخطاب مولوي هو اعد، وانما نفس الأمر الاول ما زال فعليا في حقه لعدم امتثاله فعنوان اعاد أو لا تعاد ما هو الا ارشاد لبقاء الأمر الاول أو عدم بقائه، فإن كان الاخلال غير ضائر فمقصوده الارشاد الى سقوط الامر. وان كان الاخلال ضائرا قال المولى اعد ومقصوده ارشاد الى بقاء الأمر والا فليس خطبان مولوليان كي يقال بأن عنوان «لا تعاد» منصرف عن المقام لأنّ المقام مما لا يخاطب به المكلف ب «أعد» كي يخاطب بلا تعاد.

فتحصل: ان الصحيح أن عدم التمسك بلا تعاد في المقام هو ما ذكرناه.

الدليل الثاني: ان يتمسك بصحيحة زرارة عن ابي عبد الله: «ان الله فرض من الصلاة الركوع والسجود الا ترى لو ان رجلاً دخل الاسلام وهو لا يحسن ان يقرأ اجزأه ان يكبر ويسبح ويصلي». بتقريب: ان مفاد هذه الرواية من اضطر للإخلال بالقراءة لعدم قدرته على التعلم لكونه حديث عهد بالإسلام، فإنه يجزيه ان يصلي بتكبير وتسبيح وصلاته صحيحة. وحيث لا خصوصية للإخلال بالقراءة، إذ ظاهر السياق ان المصحح لصلاته انه لم يخل بركن لا ان ظاهر السياق ان المصحح بصلاته انه اخل بالقراءة، بل المصحح انه لم يخل بركن لأنه قال: ان الله فرض من الصلاة الركوع والسجود، اي ما دام الاخلال ليس بما فرضه الله وإنما بغيره فالإخلال لا يضر وان كان الاخلال ملتفا اليه لأنه صدر عن اضطرار وعجز، الا انه لا يصح التمسك بالرواية في محل كلامنا لأنّ مورد الرواية الاضطرار المستوعب حيث انه عاجز عن القراءة في تمام الوقت ومحل كلامنا الاضطرار غير المستوعب وهو ما إذا اضطر لساتر العروة لفرد من افراد الصلاة.

الدليل الثالث: التمسك بصحيحة الفضلاء: «وما من شيء حرمه الله إلا وقد احله لمن اضطر اليه».

بدعوى: ان هذا مضطر لعدم ستر العورة والمراد بالحلية هي الأعم من الحلية التكليفية والوضعية، فمقتضى هذه الرواية صحة صلاته لأنّ صلاته حلال. لاضطراره للإخلال بالشرط. والشاهد على صدق الاضطرار في المقام: وشمول عنوان الحلية للحلية الوضعية وهي صحة الصلاة تطبيق الامام هذه الكبرى في عدة موارد في الروايات: منها: من تلك الموارد: حديث ستة، باب واحد، من ابواب القيام: معتبرة سماعة: قال: «سألته عن الرجل يكون في عينيه الماء - عنده ماء ازرق ماء ابيض - فينتزع الماء منها فيستلقي على ظهره الايام الكثيرة اربعين يوم أو اقل أو اكثر فيمتنع من الصلاة الايام وهو على حاله؟ فقال: لا بأس بذلك - يعني لا بأس بترك الصلاة عن قيام وجلوس - وليس شيء مما حرم الله الا وقد أحله لمن اضطر اليه».

فطبّق الإمام كبرى «ما من شيء حرمه الله الا أحله لمن اضطر اليه» على محل الكلام وهو من اضطر للصلاة عن استلقاء فصلاته صحيحة مع هذه الكبرى، وهذا معناه ان هذه الكبرى تشمل الحلية الوضعية كما تشمل الحلية التكليفية.

الصحيحة الأخرى: حديث سبعة، وهي معتبرة ابي بصير، قال: «سألت أبا عبد الله عن المريض هل تمسك المرأة له شيئا فيسجد عليه؟ قال: لا، الا ان يكون مضطرا ليس عنده غيرها - يعني ليس عنده غير هذه الحيلة - وليس شيء مما حرم الله الا وقد احله لمن اضطر اليه». فطبّق الامام الكبرى على من اضطر للصلاة من دون السجود الاختياري. ولكن الجواب عن ذلك: ان مورد الروايتين الاضطرار المستوعب ومحل البحث في الاضطرار غير المستوعب. فتأمل.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

الدرس 114
الدرس 116