نص الشريط
الدرس 116
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 22/6/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2529
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (558)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

مسألة جديدة: وهي: المسالة السادسة عشر من مسائل اشتراط صحة الصلاة بستر العورة:

حيث قال سيد العروة «قده»: الستر الواجب في نفسه من حيث حرمة النظر يحصل بكل ما يمنع من النظر، ولو كان بيده - يعني بأن ستر العورة بيده - واما الستر الصلاتي - هو يريد ان يقول فرق بين الستر الواجب في حد ذاته وبين الستر الواجب في الصلاة - فلا يكفي فيه ذلك. ولو حال الاضطرار، بل لا يجزي الستر بالطلي بالطين ايضا حال الاختيار، نعم يجزي حال الاضطرار وان كان الأحوط خلافه. واما الستر بالورق والحشيش فالأقوى جوازه حتى في حال الاختيار. وهذه المسألة وهي: انه هل يجوز بمعنى هل يصح ستر العورة في الصلاة بمثل الطين والحشيش والورق أم لا؟. تارة نتكلم فيها بحسب مقتضى القاعدة، اي مقتضى الاصل، وتارة نتكلم فيها بحسب مقتضى الدليل الخاص، فهنا مقامان:

المقام الاول: ما هو مقتضى القاعدة اي مقتضى الاصل العملي عند الشك في انه هل تصح الصلاة بستر العورة بمثل الطين والورق والحشيش أم لا تصح؟.

وقد افاد سيد المستمسك «قده»: انه لابد من التفصيل بين صورتين:

الصورة الاولى: ان نحرز قابلية اللبس، ونشك في اعتبار الصفة، فمثلا: التستر بورق الشجر أو التستر بحشيش الأرض هذا مما احرز فيه قابلية اللبس إذ يمكن تشكيل ساتر من ورق الشجر أو من حشيش الارض، فحيث احرزنا ان هذا النوع من الساتر قابل للبس وانما نشك في اعتبار الصفة، اي: هل يعتبر في صحة الصلاة ان يكون الورق منسوجا مخيطا؟ أم لا يعتبر، فالشك في اعتبار صفة والا فالقابلية للبس موجودة وبالتالي اصل جوازا التستر به محرز، فليس البحث في اصل جواز التستر به فإن اصل جواز التستر به محرز انما الشك في امر زائد الا وهو هل يعتبر في صحة الصلاة هيئة خاصة صفة خاصة بأن يعد ثوبا بأن يعد قميصا بأن يعد سروالا أم لا يعتبر صفة خاصة للبس. ففي ما إذا وقع الشك في شرطية امر زائد وهو اعتبار الهيئة اعتبار الصفة تجري اصالة البراءة فإن هذا كسائر الموارد في دوران الأمر بين الاقل والاكثر الارتباطيين، فانه إذا شككنا انه هل يعتبر الاطمئنان حال الذكر المستحب أم لا يعتبر؟ فلا شك ان هذا شك في شرط زائد وهو مجرى للبراءة. فكذلك المقام إذ بعد احراز جوازا لتستر بمثل هذه الأمور لا محالة يتمحض الشك في اعتبار هذا الشرط فننفي اعتبار هذا الشرط بأصالة البراءة.

الصورة الثانية: ان يقع الشك في اصل الساترية لعدم القابلية للبس الطلي بالطين؟ بأن يستر عورته بتراب أو بطين؟ أم لا؟ فإنه في المقام قابلية اللبس غير موجودة إذ هذا ليس من الساتر العرفي أو ليس من اللباس عرفا فقابلية اللبس غير موجودة اذن فالشك في اصل الساترة ان هذا ساتر أم لا؟ وحينئذ: يرجع الشك في تعين غيره للساترية وعدم التعين، اي إذا شككنا في ان الطلي بالطين هل يكفي في صحة الصلاة أم لا فمرجع هذا الشك الى الشك في انه هل يتعين ان يستر عورته بالقميص أو الثوب أم انه مخير بين الطلي والطين. فالصورة الثانية ترجع لدوران الأمر بين التعيين والتخيير، بينما الصورة الاولى ترجع للشك في اصل الشرطية. فحيث ان الصورة الاولى وهي الشك في اعتبار الهيئة شك في اصل الشرطية فهي مجرى للبراءة بينما الشك في الصورة الثانية ليس شكا في الصورة الثانية بل هو شك في التعين اي هل يتعين ما سواه اي هل يتعين ما هو قابل للبس كالقميص والثوب والورق والحشيش وما اشبه ذلك هل يتعين ما هو قابل للبس في صحة الصلاة أم ان المكلف مخير ما هو قابل للبس وما ليس قابلا؟!، فيدور الأمر بين التعيين والتخيير، ومقتضى قاعدة الاشتغال هو التعيين، اذن فمقتضى قاعدة الاشتغال الاقتصار على ما هو قابل للبس. هذا ما افاده سيد المستمسك «قده». وفي مقام الملاحظة نتعرض لأمرين: الكبرى والصغرى.

فنتعرض اولا: هل ان دوران الأمر بين التعيين والتخيير مجرى للاشتغال أم للبراءة.

وثانيا: على فرض تمامية الكبرى فهل محل الكلام في الصورة الثانية من قبيل دوران الأمر بين التعيين والتخيير أم لا فرق بين الصورتين؟.

اما من جهة الأمر الاول: وهو بجث اصولي: وهو انه: في دوران الأمر بين التعيين والتخيير هل المرجع قاعدة الاشتغال أم البراءة؟ وقد افاد المحقق العراقي «قده» بأن هناك فرقا جوهريا بين دوران الأمر بين الاقل والاكثر الارتباطيين وبين دوران الأمر بين التعيين والتخيير فلا موجب للخلط بينهما، ففي دوران الأمر بين الأقل والاكثر الارتباطيين يكون الأقل متحققا بعنوانه ضمن الاكثر، فكلما كان الاقل متحقق بنفسه وبعنوانه ضمن الاكثر يأتي بحث دوران الأمر بين الاقل والاكثر الارتباطيين إذ يقال: ان وجوب الاقل الذي هو متحقق على كل حال ان وجوب الاقل متيقن ووجوب الاكثر مشكوك فهو مجرى للبراءة، واما في دوران الأمر بين التعيين والتخيير فليس كذلك. وبيانه: مثلا: إذا دار الأمر بين اكرام خصوص الفقيه أو مطلق العالم وقد عبروا عن هذا الصورة بدوران الأمر بين التعيين والتخيير، هل يتعين أكرام الفقيه انك مخير بين أفراد العالم والموضوع هو العالم سواء كان فقيها او فيزيائيا أو رياضيا؟. فحينئذ: يقول المحقق العراقي: قد يتوهم في المقام ان هذا من باب الاقل والاكثر الارتباطيين، بأن يقال: لدينا يقين بوجوب الجامع بينهما ونشك في اعتبار الخصوصية وهي خصوصية الفقاهة فنجري البراءة عن اعتبار الخصوصية فيكون المقام من صغريات دوران الأمر بين الاقل والاكثر الارتباطيين، كما إذا دار الأمر هل أن المأمور به طبيعي الصلاة أو ان المأمور به الصلاة مع الاطمئنان؟ فهناك قلنا: بأن طبيعي الصلاة متيقن والاطمئنان مشكوك فنجري البراءة عنه. هنا ايضا قد يقال: إن وجوب الجامع متيقن والخصوصية وهي خصوصية الفقاهة مشكوكة فتجري البراءة عنها فلا فرق بين الموردين من حيث النكتة.

ولكن الصحيح: ان علقة أو نسبة اي جامع للأفراد على نحو التحصص، بمعنى: ان الحصة من العلم الموجودة في الفقيه غير الحصة من العلم الموجودة في الفيزيائي وغير الحصة من العلم الموجودة في الرياضي وامثال ذلك فمجرد ان الجميع عالم لا يعني ان النسبة بينهما نسبة الاقل والاكثر بل ما دام بينهما مغايرة في التحصص، إذن لا محالة إذا تحقق الاكثر بمعنى تحقق الفقيه لا يعني ان الطبيعي بعنوانه متحقق ضمنه بل المتحقق ضمنه حصة من الطبيعي وهي مغايرة في حصة اخرى في فرد اخر. بينما في الصلاة مع الاطمئنان يقال: متى ما تحققت الصلاة مع الاطمئنان تحقق الصلاة بعنوانه وبحقيقتها، فالنسبة بين الصلاة والصلاة مع الاطمئنان نسبة الأقل والاكثر، لأنّه متى تحقق الاكثر تحقق الاقل ضمنه بعنوانه وبحقيقته، فلذلك يقال: الاقل متيقن والاكثر مشكوك وهو مجرى للبراءة، بينما بين العالم والفقيه، ليس الأمر كذلك ليس كلما تحقق الفقيه تحقق العالم بعنوانه وحقيقته ضمنه بل المتحقق ضمن الفقيه هي حصة من العلم في فرد آخر وطرف آخر فكيف يقال ان المقام من قبيل الاقل والاكثر. بل المقام من دوران الأمر بين المتباينين لا من قبيل دوران الأمر بين الاقل والاكثر فنحن لا ندري هل الذي دخل في العهدة وانيط به التكليف هل هو الحصة من العلم في خصوص الفقيه؟ أم لأحدى الحصتين من العلم، يعني الحصة من العلم في الفقيه أو الحصة من العلم في الفزيائي فيدور الأمر بين المتباينين، وبما ان العلم الاجمالي دائر بين المتباينين لا بين الاقل والاكثر فمقتضى ذلك هو منجزية العلم الاجمالي، فاذا دار الأمر بين التعيين والتخيير مقتضى منجزية العلم الاجمالي هو التعيين، اي انه لابد ان يكرم الفقيه. هذا ما افاده المحقق العراقي.

وقد تخلص من اشكال المحقق العراقي بأحد وجهين:

الوجه الاول: ما ذكره سيدنا «قده» في مصباح الأصول حيث افاد في «مصباح الأصول»: بأن لا فرق جوهري بين باب الاقل والاكثر وباب التعيين والتخيير فإن الفرق مجرد صياغي ليس الا والا فلا فارق جوهري بين الموردين، والسر في ذلك: انه إذا دار الأمر بين وجودب اكرام الفقيه أو التخيير بين افراد العالم فهناك يقين بعنوان احدهما، اي ينحل هذا العلم الاجمالي وهو انه اما ان يجب اكرام الفقيه أو الواجب اكرام مطلق العالم ينحل هذا العلم الاجمالي الى اليقين بوجوب عنوان أحدهما لأنه ان كان الواجب في الواقع هو الجامع فالجامع مصداق لعنوان احدهما، وإن كان الواجب في الواقع خصوص اكرام الفقيهة فهو مصداق لعنوان أحدهما، اذن الجامع الانتزاعي وهو عنوان الاحد متيقن، فنعلم بتعلق الأمر بالجامع الانتزاعي وهو عنوان أحدهما ونشك في اعتبار خصوصية زائدة وهي انه هل مضافا لوجوب اكرام أحدهما يجب اعتبار الفقاهة أم لا؟ فهي مجرى للبراءة. فلا يبقى ثمة فرق بين دوران الأمر بين الاقل والاكثر ودوران الاقل والاكثر ودوران الأمر بين التعيين والتخيير الا ان المتيقن بين دوران الأمر بين الاقل والاكثر الجامع الحقيقي بينما المتيقن بين التعيين والتخيير الجامع الانتزاعي ولا فرق بينهما من هذه الجهة. ففي دوران الأمر بين الاقل والاكثر يعني إذا دار الأمر بين وجوب طبيعي الصلاة أو الصلاة مع الاطمئنان، فطبيعي الصلاة جامع حقيق وليس جامع انتزاعي، فنقول لدينا يقين بوجوب طبيعي الصلاة وشك في اعتبار الخصوصية فهو مجرى للبراءة. وفي دوران الأمر بين التعيين والتخيير اي لا ندري هل يجب اكرام الفقيه أو يجب اكرام مطلق العالم فهما هو المتيقن الجامع الانتزاعي وهو عنوان أحدهما ونشك في اعتبار خصوصية الفقاهة فهي مجرى للبراءة، فأي فرق بين الموردين من حيث النكتة. المصدر لكلام العراقي: «الجزء الثالث، نهاية الأفكار، صفحة ثلاثمائة وسبعة وتسعون».

ولكن سيد المنتقى في «الجزء الخامس صفحة 245» أفاد: بأنه لا يقين بعنوان أحدهما وهذا غريب بل عبر عنه: ان من له أدنى قليل من الفضل يمتثل الى انه لا يقين هنا بعنوان احدهما، والسر في ذلك: انه إذا دار الأمر بين اكرام خصوص الفقيه أو اكرام العالم فنقول: إن كان الأمر تعيينيا في الواقع، فمتعلق الأمر هو الخصوصية يعني العالم الفقيه وليس متعلق الأمر الجامع الانتزاعي، وان كان الأمر في الواقع تخييريا لا تعيينيا فمتعلق الأمر حينئذ العنوان الانتزاعي وهو عنوان احدهما، فعنوان أحدهما إما يكون متعلق الأمر لو كان الحكم في الواقع تخييريا، اما لو كان الأمر في الواقع تعيينيا فليس عنوان الأمر ليس عنوان أحدهما بل المتصف بالصفة الخاصة الا وهو العالم الفقيه، فكيف يقال ان عنوان أحدهما متيقنا على كل حال والحال بأن عنوان أحدهما إنما يكون متعلقا للأمر لو كان الحكم في الواقع تخييريا، فاذا شككنا ولا ندري ان الحكم في الواقع تخيري أم تعيني فكيف يقال بأن عنوان أحدهما متيقن على كل حال.

ولكن ما ذكره غير وارد على شيخه الخوئي: والسر في ذلك: ان ملحوظ كلام سيدنا الجامع الانتزاعي المقسمي لا الجامع الانتزاعي القسمي، فهناك فرق بين عنوان أحدهما بين أن نلاحظه على نحو اللا بشرط المقمسي، اي بأنه هو المقسم لسائر الاعتبارات وبين ان نلاحظ عنوان أحدهما على نحو اللا بشرط القسمي، اي انه احد الاعتبارات المقابلة لغيره، وحينئذ إذا كان الحكم في الواقع تخييريا فمتعلقه عنوان أحدهما على نحو اللا بشرط القسمي، اي عنوان أحدهما المقابل للاحد المعين. ولذلك يكون متعلق الحكم التخيير عنوان أحدهما الصادق على كل منهما على سبيل البدل فعنوان أحدهما الصادق على أحدهما على سبيل البدل هو المسمى بالجامع الانتزاعي على نحو اللا بشرط القسمي، كما لو قال تزوج هندا أو أختها، فإن متعلق الأمر بالزاوج الجامع الانتزاعي بينهما لكن الجامع الانتزاعي الصادق بالفعل على كل منهما على سبيل البدل. بينما إذا كان الحكم في الواقعي تعيينيا: فكما ان متعلق الأمر هوا لمتعين وهو العالم الفقيه فأيضاً متعلق الأمر عنوان أحدهما لكن لا عنوان أحدهما المقابل للمتعين بل عنوان أحدهما الجامع بين المتعين وغير المتعين، يعني عنوان أحدهما على نحو اللا بشرط المقسمي.

وبعبارة أخرى: عنوان أحدهما المردد لا الصادق على كل منهما على سبيل البدل. فاذا دار الأمر بين وجوب اكرام خصوص الفقيه أو وجوب أكرام مطلق العالم فقد تيقنا بوجوب اكرام أحدهما - لا أحدهما الذي يصدق على كل منهما فإن هذا فرع التخيير - بل تيقنا بوجوب أكرام أحدهما المردد في مقام الصدق هل ان مصداقه هذا أو ان مصداقه هذا. فما ذكره سيدنا «قده» على ان هناك يقينا على كل حال بوجوب عنوان أحدهما المقصود به عنوان الاحد اللا بشرط المقسمي يعني الاحد المردد مصداقا، واما ما هو مردد للحكم التخيير واقعا فليس الأحد المردد مصداقا بل الاحد الصادق على كل منهما الصادق على سبيل البدل فأين هذا من هذا حتى يقال بانه لا يقين بعنوان أحدهما على كل حال. نعم، ما ذكره سيدنا «قده» هو تحليل عقلي وليس عرفياً اي ليس عنوان أحدهما المتيقن على كل حال جامعا عرفيا وان كان جامعاً عقلياً. وهذا ما يأتي النظر فيه إن شاء الله.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

الدرس 115
الدرس 117