نص الشريط
الدرس 120
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 28/6/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2736
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (326)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

كان الكلام في ان حديث «لا تعاد» هل يشمل الجاهل القاصر أم يختص بالناسي؟

فذكرنا: ان هناك وجوها لمنع حديث «لا تعاد» للجاهل القاصر. ووصل الكلام الى الوجه الثاني: وهو ما ذكر المحقق الحائري، في كتاب «الصلاة»: وهو أن لازم شمول حديث «لا تعاد» للجاهل القاصر أم اختصاص الحكم بالعالم به وهو محال، أو المنافاة بين الحكم بصحة الصلاة وظاهر ذيل حديث «لا تعاد» حيث أنه ظاهر في التمامية لا مجرد المسقطية.

والجواب عن ما افاده المحقق الحائري بالنقض والحل:

أما النقض: فبصحيحة زرارة عن أبي جعفر : «في رجل جهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه واخفى فيما لا ينبغي الاخفات فيه؟ فقال : أي فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمت صلاته».

فهنا يرد نفس الاشكال الذي ذكره المحقق الحائري، وهو: ان من جهر في موقف الاختفات وقلتم بصحة صلاته: فاما ان يكون مقصودكم ان شرطية الاخفات منوطة بالعلم بحيث لا شرطية حال الجهل، ولازم ذلك اختصاص الحكم بالعالم به. وان قلتم بأن شرطية الاخفات عامة بالجاهل والعالم، ولكن ان اخل بها الجاهل عن قصور فالأمر بالصلاة عن اخفات يسقط وهذا مخالف لقوله «وقد تمت صلاته» فإن ظاهر قوله: «وقد تمت صلاته» انه ما اخل بشيء، لا أنه أخل ومع ذلك سقط الأمر. فما ذكرته من اشكال على حديث «لا تعاد» في مورد الاخلال عن جهل يرد في مثل هذه الرواية.

اما الحل: فقد ذكرنا: انه: يتصور الحل بتعدد الامر: بأن نقول: هناك امران: 1 - امر بالجامع بين الصلاة الناقصة حال الجهر القصور والصلاة التامة؛ فقد أمر المكلف بطبيعي الصلاة اما التامة أو الناقصة في حال الجهل القصوري. 2 - وهناك امر اخر وراء الامر بالجامع، وهو: الامر بالصلاة التامة في فرض عدم اتيانه بالصلاة الناقصة عن جهل قصوري، فمع وجود هذين الامرين أن اتى المكلف بالصلاة التامة فقد امتثل كلا الامرين الامر بالطبيعي، فإن الصلاة التامة مصداقه، والأمر بالتامة، فإنه قد أتى بها.

واما إذا اتى بالصلاة الناقصة عن جهل قصوري: فهو من جهة قد أخل بالسنة المعتبرة في الامر الثاني وهو الامر بالصلاة التامة، ومن جهة اخرى لانه امتثل الامر بالجامع، فهو من جهة اخل بما هو سنة إذا نظرنا الى الامر الثاني وهو الامر بالصلاة التامة ومن جهة اخرى امتثل امرا شرعيا بتمامه، وهو الامر بالجامع.

فبذلك نقول: ان السنة كشرطية الاخفات في صلاة الظهر، أو شرطية الطهارة الخبثية في ساتر العورة، هذا السنة وهي الشرطية، عامة للجاهل والعالم لا نقول بالاختصاص، ولكن إذا اخل بها صدق عليه انه صلى صلاة تامة بلحاظ امتثاله الامر بالجامع، وبناء على ذلك: فإشكال المحقق الحائري «قده» لمنع شمول حديث «لا تعاد» للجاهل القاصر غير تام.

«لماذا قلنا قيد في الواجب لا قيد في الوجوب؟»، ماذا يترتب عليه محذور في المقام؟.

ج: لو كان الامر بالصلاة التامة مقيد بعدم الاتيان بالصلاة الناقصة عن جهل بحيث يكون هذا القيد قيدا في الوجوب معنان: انه لو أتى بالصلاة الناقصة اصلا ما امر بالصلاة التامة، فاذا لم يأمر بالصلاة التامة فالسنة غير فعلية في حقه، لانه اصلا ما امر بالصلاة التامة، من اتى بالصلاة الناقصة وكان الاتيان بالصلاة الناقصة دخيلا في الوجوب، اذن بمجرد ان يأتي بالصلاة الناقصة عن جهل، لم يكن امر بالصلاة التامة واذا لم يوجد امر بالصلاة التامة فكيف تكون السنة كشرطية الامر وشرطية الطهارة الخبثية فعلية في حقه؟ والحال انه الامر غير واجب. فلابد ان يقال: بأن هذا الفرض مأمور بالصلاة التامة في فرض عدم الاتيان بالصلاة الناقصة ان هذا الامر قيد في الواجب وليس قيدا في الوجوب. يعني هو مأمور بالصلاة التامة فعلا، غاية ما في الامر لا تصح منه الا في هذا الفرض لا انه غير مأمور به».

الوجه الثالث: ما تعرض له السيد الشهيد «قده»: من ان ادلة الاجزاء والشرائط الصلاتية على قسمين:

قسم: ورد بصيغة الأمر - يعني ورد على سبيل الامر -: مثلا: «لا صلاة الا بطهور. لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»، وقسم: ورد بلسان الاعادة: مثلا: «من رأى في ثوبته دم أعاد الصلاة. من تكلم في صلاته أعاد.».

ويوجد فرق بين القسمين: اما بالنسبة للقسم الاول: وهو قوله: «لا صلاة الا بفاتحة الكتاب أو صلا صلاة الا بطهور» فلا يتنافى مع حديث «لا تعاد»، فلو أن انسانا اخل فاتحة الكتاب لم يكن منافاة بين قوله «لا تعاد الصلاة» وبين قوله «لا صلاة الا بفاتحة الكتاب»، لإمكان الجمع بينهما بحمل «لا صلاة الا بفاتحة الكتاب» على واجب في واجب، لا على الجزئية. فنقول: قوله «لا صلاة الا بفاتحة الكتاب» واجب في واجب، لا انه جزء، وحديث لا تعاد يقول: من ترك فاتحة الكتاب نسيانا أو جهلا قصوريا حتى ركع صحت صلاته؛ ولا منافاة بين المفادين اطلاقا.

بينما القسم الثاني: وهو ما صيغ بلسان الامر بالإعادة، كما إذا قال: «من تكلم في صلاته اعاد. من رأى في ثوبه دما اعاد» فانه لا يمكن الجمع بينه وبين «لا تعاد» لتنافيهما لسانا، فلو لم يكن بينهما تناف لساني كما في مثل: «لا صلاة الا بفاتحة الكتاب، ولا صلاة الا من خمسة» لجمعنا بينهما بأن حملنا «لا صلاة الا بفاتحة الكتاب» على الواجب في الواجب.

واما إذا كان بينهما تناف لساني: بأن قال هذا الحديث: «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة» وقال ذلك الحديث «من رأى في ثوبه دما أعاد الصلاة».

فحينئذ: نحن بين امرين بعد التنافي اللساني: اما ان نقول: بأن حديث «لا تعاد» يشمل العالم العامد، اذن فالنسبة بين حديث «لا تعاد» و«من رأى في ثوبه دما اعاد» تكون النسبة بينهما التباين. فاذا كان حديث «لا تعاد» شاملا للعالم العامد، وأدلة الاجزاء والشرائط تشمل حتى العالم العامد، اذن بينهما تباين، ومع تباينهما يتساقطان، فاذا تساقطا كان المرجع القسم الاول من ادلة الاجزاء والشرائط، ومقتضى القسم الاول من أدلة الاجزاء والشرائط: اعادة الصلاة.

واما إذا قلنا: من ان حديث «لا تعاد» منصرف عن العالم العامد، كما يراه السيد الخوئي: وظاهر سياقه: من التفت للخل بعد وقوعه. فبما ان «لا تعاد» منصرف سياقا عن العالم العامد وناظر لمن التفت للخل بعد وقوعه فهل يقدم على الادلة - أدلة الأجزاء والشرائط - من قبيل تقديم الخاص على العام؟ فالجواب: لا، لأننا لو قدمنا حديث «لا تعاد» على ادلة الاجزاء والشرائط لم يبق تحتها إلا فرض العالم العامد، لان المفروض ان الجاهل والناسي خرج من حديث «لا تعاد»، فلم يبق تحتها الا العالم العامد وهو موجب لحملها على الفرض النادر. وبما ان حملها على الفرض النادر مستهجن اذن فلها ظهور قوي للشمول في الجاهل، فاذا صار لها ظهور قوي في الشمول للجاهل وقع التعارض بينها وبين حديث «لا تعاد» في الجاهل.

فخلاصة المطلب: أنه عندنا من جهة: حديث «لا تعاد»، وعندنا من جهة: أدلة الجزاء والشرائط. فاذا قلنا بأن حديث «لا تعاد» يشمل العالم العامد صارت النسبة بينهما تباين، وان قلنا بأن حديث «لا تعاد» منصرف عن العالم العامد فمع ذلك التعارض باق في الجاهل، لأننا لو اخرجنا الجاهل من الأدلة الأولية وادخلناه تحت «لا تعاد» للزم اختصاص الادلة الاولية بالعالم العامد واخلال المصلي عمدا بالاجزاء والشرائط فرض نادر، فلا محالة يبقى التعارض بينهما في الجاهل. اذن فبالنتيجة: فلا يشمل حديث لا تعاد الجاهل. فما هو الجواب عن ذلك؟. وهنا ذكر جوابان:

الجواب الأول: أننا نلاحظ النسبة بين حديث «لا تعاد» ومجموع ادلة الاجزاء والشرائط، فاذا لاحظنا النسبة حديث «لا تعاد» ومجموع أدلة الاجزاء والشرائط، كان حديث «لا تعاد» اخص منها فيقدم عليها من باب تقديم الخاص على العام.

ولكن هذا الوجه لا يحرز كونه عرفي؛ فإن ملاحظة مجموع الأدلة دليلا واحدا والمقارنة بينه وبين حديث «لا تعاد» مما لا يحرز بناء العرف عليه. اذن لابد من وجه اخر للجمع.

الوجه الثاني: انه لا مانع من تقديم حديث «لا تعاد» على نحو الحكومة، فنقول: حديث «لا تعاد» حاكم على أدلة الاجزاء والشرائط، والسر في ان حديث «لا تعاد» حاكم على ادلة الاجزاء والشرائط: ان الحكومة ملاكها النظر، ومن الواضح ان حديث «لا تعاد» ناظر لأدلة الاجزاء والشرائط، لأن معنى حديث «لا تعاد» المفروغية عن وجود سنن وفرائض، فإن قوله «لا تنقض السنة الفريضة» ظاهر في ان هناك سنن وفرائض في رتبة سابقة لكن الاخلال في السنة منها لا يوجد نقض الفريضة، فهو ناظر لأدلة الاجزاء والشرائط، ومقتضى نظره اليها: حكومته عليها.

فإن قلت: فلازم الحكومة اختصاص الادلة بالعالم العامد وهو امر مستهجن، فسواء اخرجنا الجاهل عن الادلة الاولية بالتخصيص أو اخرجنا الجاهل عن الادلة الاولية بالحكومة فالمحذور واحد، على اية حال لازم خروج الجاهل عن الأدلة الاولية تخصيصا أو حكومة بالعالم العامد وهو حمل على فرد نادر والحمل على الفرد النادر مستجهن.

قلنا: ان الندرة في طول الادلة لا في عرضها. - اي ان الندرة صارت بعد وجود هذه الأدلة -، اي بعد ان شرع الشارع صلاة وشرع لها اجزاء وشرائط، في طول ذلك اصبح المكلف ممن لا يخل بهذا الاجزاء والشرائط عن عمد الا نادرا، فإذن النتيجة: ندرة الاخلال بالاجزاء والشرائط في طول الادلة وليس في عرضها، اي بعد الفراغ عن وجود هذه الادلة _ادلة الاجزاء والشرائط_ أصبح الاخلال عن عمد امرا نادرا لا أن الاخلال النادر هو في رتبة سابقة على الأدلة كي يكون حملها على العالم العامد حملا على الفرد النادر.

فتحصل: ان لا مانع من حكومة حديث «لا تعاد» على ادلة الاجزاء والشرائط.

الوجه الرابع: لمنع شمول حديث «لا تعاد» للجاهل القاصر ان يقال: كما ذكر سيدنا «قده» في موسوعته: «ج3، ص319»: إنا وإن كنا نلتزم بالحكومة - اي حكومة الحديث على أدلة الأجزاء والشرائط - لانه ناظر اليها مبين لمقدار دلالتها، الا انه لم يكن حاكما على حسنة عبد الله بن سنان. وهي: «سألت أبا عبد الله عن رجل اصاب ثوبه جنابة أو دم، قال : ان كان قد علم أنه اصاب ثوبه جنابة أو دم قبل ان يصلي ثم صلى فيه ولم يغسله فعليه أن يعيد ما صلاه».

فظاهر هذه الرواية: ان من علم بالموضوع - اي من علم أن في ثوبه جنابة أو دم - صلاته فاسدة سواء كان عالما بالحكم أو جاهلا. وذلك: لوحدة لسانهما لان لسان الحسنة اثبات الاعادة بقوله: «فعليه ان يعيد» ولسان حديث «لا تعاد» نفي الاعادة، بقوله: «لا تعاد الصلاة». فمورد النفي والاثبات واحد، وهما متنافيان ومع التنافي اللساني فلا تصح الحكومة، فانه يعتبر في الحكومة ان يكون اللسان لسان المسالمة والملائمة، واما إذا كان لسان احد اللسانين «اعد»، واللسان الآخر: «لا تعاد» فبينهما مصادمة لا مسالمة، فلا تكون الحكومة حكومة عرفية. وهذا ما اشار اليه سيد المستمسك «قده» في «ج1، ص529»، وايضا ذكره السيد الامام في كتاب «الخلل، ص48»، وان كان صاحب المستمسك عدل عنه في «ج7، ص385». فإذن: بناء على هذا فهما متعارضان: تعاد أو لا تعاد. فإما ان نقول: بأن النسبة بينهما عموم وخصوص مطلق اي ان الحسنة اخص، لان حديث «لا تعاد» عام لكل الاجزاء والشرائط والحسنة واردة لخصوص مانعية النجاسة فمقتضى تقديم الخاص على العام: تقديم الحسنة وليس حكومة «لا تعاد».

وان قلنا بالنسبة بينهما عموم وخصوص من وجه: لأن حديث «لا تعاد» لا يشمل العالم العامد، بينما الحسنة تشمله، وحديث «لاتعاد» يشمل غير النجاسة من غير الاجزاء والشرائط الأخرى، والحسنة تختص بذلك، فبينهما عموم من وجه، فيتعارضا فيمن علم بالموضوع - انه وجود نجاسة في ثوبه وكان جاهلا قاصرا بالحكم - فإن مفاد «لا تعاد» صحت صلاته بينما مفاد الحسنة إعادة صلاته. فلا موجب لتقديم «لا تعاد» على كل حال. فسواء قلنا: ان النسبة عموم مطلق، الحسنة مقدمة لكونها أخص؛ أو قلنا ان النسبة عموم من وجه، فيتعارضان في الجاهل بالحكم عن قصور. فما هو الجواب يأتي الجواب عنه غدا.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

الدرس 119
الدرس 121