نص الشريط
الدرس 121
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 29/6/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2658
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (342)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام في ان حديث لا تعاد هل يشمل الجاهل القاصر ام يشمل الجاهل بالحكم عن قصور ام لا؟ وذكرنا ان في كلمات الاعلام عدة وجوه لمنع شمول حديث لا تعاد للجاهل بالحكم. ووصل الكلام الى الوجه الرابع: ومحصله:

لو سلمنا بحكومة حديث لا تعاد على الادلة الاولية فلا نسلم بحكومته على حسنة عبد الله ابن سنان، حيث إن في الحسنة التعبير ب «ان كان قد علم انه اصاب ثوبه جنابة او دم قبل ان يصلي ثم صلى فيه لو يغسله فعليه ان يعيد ما صلاه» فان قوله: «عليه أن يعيد ما صلاه» لا يجتمع مع قوله في حديث لا تعاد: «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة»

وقد اجاب سيدنا ق بجواب مؤلف من امرين:

الامر الاول: ان التعبير ب «أعاد» «ولا يعاد»، ليس امرا مولويا وانما هو مجرد ارشاد الى الصحة والفساد، فاذا قال «اعد» كان في مقام الامر، ومقتضاه: فساد الصلاة التي أتى بها، واذا قال: لا تعاد، كان ظاهرا في الارشاد الى سقوط الامر ومقتضاه صحة الصلاة التي اتى بها، فبما ان التعبيرين مجرد ارشاد الى الصحة او الفساد، ففي مقام استكشاف انهما متصادمان او غير متصادمين لا يكفي الى اللسان بل لابد ان بحث المورد فهل هما متواردان على مورد واحد ام لا؟ وإلا فبمجرد ان اخدهما عبر عن السلب، وهو لا تعاد، والآخر عبر بالإيجاب وهو: اعد، لا يعني ان بينهما مصادمة اذ ما دام كل منهما ارشادا، فهذا يرشد الى سقوط الامر وذاك يرشد الى بقاء الامر، فلابد من تحديد المورد، هل ان موردهما واحد ليكونا متصادمين؟ أم أن بينهما اختلافا في المورد فلا مصادمة بينهما. اذن فالذي نريد قوله في هذا الامر: ان مجرد تقابل اللسانين لا يعني المصادمة.

الامر الثاني: سلمنا مع القائلين بهذا الإشكال ان المناط في الحكومة المسالمة. ولا يتصور حكومة بين دليلين متصادمين، فالمعتبر في الحكومة ان يكون بين الحاكم المحكوم مساملة، ولا شمول فيها لما اذا كان بينهما مصادمة، الا ان تحقيق المسالمة والمصادمة عرفا لا يدور مدار الخصوصية اللسانية، بحيث اذا كان احدهما سلبا والىخر ايجاب كانا متصادمين فلا يتصور حكومة احدهما على الاخر، بل تحقيق ان بينهما مسالمة او مصادمة يبتني على لحاظ مضمون اللسانين، فلا ينفصل ولا ينفك لحاظ اللسان عن لحاظ المضمون، والمرتكز العرفي لا يرى المصادمة بمجرد اختلاف اللسان ما لم يحلظ المضمون، فاذا رجعنا الى المضمون ووجدنا ان احد الدليلين ناظر للاخر اي ان احد الدليل فارغ عن ثبوت الاخر، إذن فمجرد ان بينهما اختلافا في اللسان لا يجعلهما بنظر العرف متصادمين، ما دام احدهما مقرا ومتعرفا بالاخر، والمقام من هذا القبيل، فان حديث لا تعاد بالنظر الى ذيله وصدره ظاهر في المفروغية عن وجود الحديث الآخر، حيث اذا نظرنا الى ذيله فانه يقول: «لا تنقض السنة الفريضة» وظاهره: ان هناك مركب من سنن وفرائض وان الاخلال بسننه لا يوجب نقض فريضته فهو متضمن للاقرار بكل دليل يدل على ثبوت سنة او فريضة، كما اننا اذا نظرنا الى صدره حيث قال: «لا تعاد الصلاة الا من خمسة الوقت والقبلة والطهور والركوع والسجود». فإن نفس التفصيل هذا بين الخمسة وبين غيرها شاهد على المفروغية عن وجود الاجزاء والشرائط، إلا ان بعضها من الخمسة فالاخلال بها مضر وبعضها من غيرها فالاخلال بها غير ضائر، اذن فالحديث بلحاظ ذيله وصدره واضح للنظر للادلة الاخرى، ومنها حسنة ابن سنان، فإن غاية مفاد حسنة ابن سنان: ان النجاسة الخبثية مانع من صحة الصلاة، فمفاده: تشريع سنة من سنن الصلاة، لا ان مفاد حديث ابن سنان النظر لمقام الامتثال، بل مفاد حديث ابن سنان النظر لمقام الجعل وهو تشريع سنة من سنن الصلاة وهي: ان النجاسة الخبثية المعلومة مانع من صحة الصلاة، فبما ان منظور حديث ابن سنان عالم الجعل وهو تشريع السنة، ومنظور حديث لا تعاد مرحلة مرتبة على مرحلة الجعل وهي بعد المفروغية عن وجود سنن وفرائض فان اخل بسنة لم يكن اخلاله موجبا لنقض فريضة، فيتبين بذلك:

ان مجرد اختلاف التعبير لا يجعلهما بنظر العرف متصادمين ما دام العرف ناظر الى ان هذا ناظر لمرحلة متأخرة عن المرحلة التي ينظر اليها الدليل الأول، فإن العرف يرى اللسانين متلائمين ولا ينظر الى انهما متصادمين.

اذن الصحيح: حكومة حديث لا تعاد على سائر الادلة الاولية، سواء ورد التعبير فيها بصيغة الامر او ورد التعبير فيها بأعد. فانه لا فرق بين التعبير من حيث هذه الجهة.

الوجه الخامس: لمنع شمول حديث لا تعاد للجاهل القاصر: ما تعرض له السيد الأمام في كتاب «الخلل، ص34»، وهذا الوجه ذكره المحقق العراقي في نهاية الأفكار: «ج3، ص434»، غاية ما في الباب ان السيد تعرض له من باب المناقشة له. ونحن نقوم بصياغته بنحو آخر غير صياغة العلمين قدس سرهما: فنقول:

بيان هذا الوجه بمقدمتين:

المقدمة الاولى: اننا حينما ننظر الى صحيحة زرارة: «أن الله تبارك وتعالى فرض الركوع والسجود، والقراءة سنة، فمن ترك القراءة متعمد اعاد الصلاة، ومن نسي فلا شيء عليه».

فنتسائل: ما هو ظاهر عنوان التعمد في الرواية؟ حيث قال: «فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة»؟ فهل عنوان التعمد يشمل حالة الجهل قصورا او تقصيرا او لا يشمل؟

فيقال: ان عنوان العمد يشمله، لان عنوان العمد: عبارة عن من اتى بفعل ملتفتا الى عنوانه عن قصد وإن لم يكن ملتفتا الى حكمه، فمن ترك القراءة وهو يعلم انه قراءة وان لم يكن ملتفتا الى انها جزء من الصلاة او لم يكن ملتفتا الى ان الماموم عليه ان يقرا فترك القراءة جاهلا بان وظيفة المأموم في الركعة الثالثة للامام والركعة الاولى مثلا له او الركعة له جاهل بهذا الحكم على أية حال، عنوان العمد، يقال: ان عنوان العمد ظاهر في ان من اتى بفعل عن قصد مع الالتفات الى عنوانه وان لم يكن ملتفتا الى حكمه، وهذا يشمل الجاهل.

ويؤكد ذلك: موثقة سماعة: «من افطر وهو يرى دخول الليل قضى صومه، لانه اكل متعمدا». مع انه كان يرى طول الليل، وهو يرى ان الليل قد دخل اي له عذر مع ذلك يقضي صومه. فاطلق عنوان العمد على: من اتى بالموضوع ملتفتا لعنوانه وان لم يكن ملتفتا لحكمه.

او يقال: فلنسلم ان عنوان التعمد ليس ظاهرا في نفسه في الشمول للجاهل لكن بقرينة المقابلة نستفيد الشمول، حيث قال: «فمن ترك القراءة متعمدا اعاد الصلاة ومن نسي فلا شيء عليه» فإن مقتضى المقابلة ان المراد بالتعمد من ليس ناسيا، فإذا كان المراد بالتعمد من ليس ناسيا شمل الجاهل، فمن ترك القراءة جاهلا بجزئيتها وإن كان الجهل جهلا قصوريا، فإن مقتضى إطلاق هذه الرواية ان يعيد صلاته.

فإن قلت: لعل للقراءة خصوصية، لعل هذه حكم خاص بالقراءة فلا يشمل من ترك التشهد عن جهل او ترك السجدتين عن جهل وما شابه من السنن، فقال: إن قوله: «والقراءة سنة، حيث قال: إن الله تبارك وتعالى فرض الركوع والسنة، والقراءة سنة، فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة»، فان ظاهر التفريع ان كون القراءة سنة ان لا خصوصية للقراءة وان الملاك في كون العلم سنة وان السنة ان اخل بها عمدا اعاد وان اخل بها نسيانا فلا شيء عليه. فمقضتى هذه المقدمة الأولى: ان الاخلال بالسنة عن جهل موجب للاعادة.

المقدمة الثانية: ان حديث لا تعاد الصلاة الا من خمسة، اما شامل حتى للعالم العامد واما منصرف عن العالم العامد، فإن قلنا بان حديث لا تعاد شامل للعالم العامد صارت النسبة بينه وبين صحيحة زرارة العموم والخصوص المطلق اي ان صحيحة زرارة اخص منه، لان حديث لا تعاد يقول: «الاخلال بأي سنة عن عمد او جهل او نسيان لا يضر».

بينما صحيحة زرارة تقول: ان اخل عن عمد كان مضرا وان الذي لا يضر فهو الاخلال عن نسيان فمفادها اخص من حيث لا تعاد. ومقتضى ذلك ان يخصص حديث لا تعاد بها لا ان يقدم حديث لا تعاد عليه.

وان قلنا بالنسبة بينهما عموم من وجه: اي ان حديث لا تعاد منصرف عن العلم العامد، إذن فحديث لا تعاد لا يشمل العالم العامد، بينما صحيحة زرارة تشمله، وحديث لا تعاد يشمل غير هذه السنن، لانه ذكر فرئض وسنن، بينما صحيحة زرارة ناظرة الى هذه السنن. فبما أن بينهما عموما من وجه يتعارضان فيتدافعان ويتهافتان في من أخل بالسنة عن جهل حيث إن مفاد حديث لا تعاد صحة صلاته ومقتضى صحيحة زرارة بطلان صلاته.

فإن قلت: بان النسبة وان كانت عموما من وجه بينهما الا ان حديث لا تعاد حاكم على صحيحة زرارة؟

قلت: لا يمكن، لان كليهما وارد في مقام الامتثال فكلاهما ناظر لمورد واحد، فحديث لا تعاد يقول: «لا تعاد الصلاة الا من خمسة، والقراءة سنة والتشهد سنة ولا تنقض السنة الفريضة».

وصحيحة زرارة: نفس السياق: «إن الله فرض الركوع والسجود والقراءة سنة، فمن ترك القراءة متعمد اعاد الصلاة ومن نسي فلا شيء عليه». فسياق الحديثين واحد، فكلاهما اما ناظر لمرحلة الجهل او كلاهما ناظر لمرحلة الامتثال. ومع نظرهما لمرحلة واحدة ولمورد واحد، فلا وجه لحكومة أحدهما على الآخر، اذ لا حكومة لأحدهما على الآخر فكلاهما في عرض واحد.

إذن فمقتضى ذلك: تعارضهما وتساقطهما والرجوع الى الأدلة الأولية ومقتضى الأدلة الأولية: اعادة الصلاة حيث إن المكلف لم يمتثل الامر بالمركب.

وأجاب السيد الإمام «قده» عن هذا الإشكال بمنع المقدمة الأولى. فقال:

لا نسلم ان عنوان العمد في الرواية يراد به من ليس ناسيا بحيث يشمل الجاهل، فافاد في «ص35»: ان معنى التعمد عرفا المستفاد من الكتاب والسنة ايضا: اتيان الشيء او تركه مع قصد ناشئ عن العلم بالعنوان والحكم، فمن قتل مؤمنا زاعما انه كافر فانه لا يصدق عليه الآية المباركة: «ومن يقتل مؤمنا متعمد فجزاءه جهنم». وذلك ممنوع عرفا، وعلى فرض ان عنوان العمد يشمل الجاهل الا انه كثر استعمال العمد فيمن يأتي مع الالتفات للحكم، وكثرة الاستعمال تمنع ظهور عنوان العمد فيما يشمل الجاهل، فلاحظ مثلا قوله تعالى: «فمن يقتل مؤمنا متعمدا فجزائه جهنم»، وما ورد في الاخبار: «من ترك الصلاة متعمدا فقد برأت منه ملة الإسلام» وفي قوله: «ومن افطر في شهر رمضان متعمدا فعليه كفارة». وفي هذه الرواية ايضا: «من جهر في موضع الاخفات او اخفت في موضع الجهر، قال: اي فعل ذلك متعمدا فعليه الإعادة وان فعل ذلك ناسيا او ساهيا او لا يدري فلا شيء عليه». فبملاحظة هذه الموارد التي نرى كثرة استعمال العمد في العمد بالمعنى الاخص وهو: من كان ملتفتا للحكم، فإن كثرة الاستعمال تمنع من ظهور العمد فيما يشمل الجاهل.

وإن أبيت فان مجرد المقابلة بين العمد والنسيان لا تعني ظهور العمد فيمن ليس ناسيا، اذ كما نحتمل ان السر في المقابلة هو ذلك. نحتمل ان السر في المقابلة هو ان عنوان العمد ظاهرا في العمد بالمعنى الأخص.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

الدرس 120
الدرس 122