نص الشريط
الدرس 122
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 1/7/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2757
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (355)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق: ان الوجه الخامس: من وجوه المنع عن شمول حديث لا تعاد للجاهل، هو: صحيحة زرارة التي عرضت مقابلة بين عنوان العمد وعنوان النسيان، حيث قال في صحيحة زرارة: «فمن ترك القراءة متعمدا اعاد الصلاة ومن نسي فلا شيء عليه».

وقد اجاب السيد الامام: ان عنوان العمد ظاهرا عرفا: في الاتيان بالفعل عن التفات للحكم والموضوع، لا مجرد ان الاتيان بالفعل عن قصد حتى يشمل حالة الجهل. وعلى فرض عدم التسليم بذلك: فإن عنوان العمد كما استعمل في الاتيان بالفعل عن قصد فقد استعمل في الا تيان بالفعل عن التفات للحكم والموضوع، وذكر شواهد على ذلك سبق عرضها. ولكن، حيث لم يتضح لنا ظهور عنوان العمد في المعنى الاخص وهو الاتيان بالفعل عن التفات للحكم والموضوع والشواهد التي اتى بها كلها من قبيل الاستعمال مع القرينة، فنقول: بان عنوان التعمد في صحيحة زرارة: مجمل بين المعنى الاخص وهو الاتيان بالفعل عن التفاف او المعنى الاعم وهو الإتيان بالفعل عن قصد الشامل للجهل.

فان قلت: ان مقتضى قرينة المقابلة بين العمد والنسيان، ان المراد بالعمد ما ليس نسيانا.

قلت: لعل المقابل للعمد هو الاتيان بالفعل عن عذر، اما نسيانا او غفلة او جهلا قصوريا، وان ما خص النسيان بالذكر لانه الفرد المتعارف في مثل فاتحة الكتاب فان ترك فاتحة الكتاب لجهل في الحكم فرد نادر، وحيث ان الفرد المتعارف ان الاخلال بفاتحة الكتاب لاجل النسيان او الغفلة، ذكر النسيان وخصه بالذكر لا لموضوعية فيه.

فمع احتمال ذلك: اذن فلم يظهر عنوان العمد في صحيحة زرارة في المعنى الاعم وهو من ليس ناسيا بحيث يشمل الجاهل وحينئذ فحيث لا ظهور لعنوان العمد في صحيحة زرارة في المعنى الاعم لا تكون صحيحة زرارة مقيدة لحديث لا تعاد ولا معارضة، لان الاشكال كان ان ظهور صحيحة زرارة في العمد بالمعنى الاعم يستلزم عدم الاخذ بلا تعاد، اما لان صحيحة زرارة اخص او لان النسبة عموما من وجه الا انهما متعارضان ولا حكومة لحديث لا تعاد على صحيحة زرارة، فبما ان الاشكال مرتكز على ظهور عنوان العمد في صحيحة زرارة في المعنى الاعم وهو من ليس ناسيا، لذلك نقول: بان هذا الظهور غير محرز والعنوان مجمل وبالتالي فالاستدلال بصحيحة زرارة على عدم شمول حدي لا تعاد للجاهل بالحكم غير تام.

الوجه السادس: ان يقال: ان مقتضى صحيحة منصور ابن حازم باب «29 من ابواب القراءة حديث 2»: قلت لابي عبد الله : إني صليت المكتوبة فنسيت ان اقرأ في صلاتي كلها، فقال: اليس قد اتممت الركوع والسجود؟ قلت: بلى، قال: قد تمت صلاتك اذا كان نسيانا.

فيقال: ان مقتضى مفهوم الشرط عدم تمامية الصلاة اذا لم يكن الاخلال عن نسيان. ومقتضى اطلاق المفهوم انه: لو كان الاخلال عن جهل فالصلاة فاسدة. اذن: فصحيحة منصور ابن حازم مقيد لا طلاق حديث لا تعاد.

وكذلك: رواية عبد الله ابن الحسن: «حديث 4 باب29 من ابواب القراءة» عن عبد الله ابن الحسن عن جده علي ابن جعفر عن اخيه موسى ابن جعفر قال: «سالته عن رجل افتتح الصلاة فقرأ السورة ولم يقرأ بفاتحة الكتاب معها؟ ايجزيه ان يفعل ذلك متعمدا لعجلة؟ قال: لا يتعمد ذلك فان نسي فقرأ في الثانية اجزأه. وسألته عن ترك قرائة ام القرآن؟ قال: إن كان متعمدا فلا صلاة له، وان كان ناسيا فلا باس». فيقال: ان مقتضى مفهوم الشرط «وان كان ناسيا فلا باس» انه: ان لم يكن ناسيا فصلاته فاسدة.

ويلاحظ على الاستدلال: اما بالنسبة لصحيحة منصور ابن حازم، فيجاب عنها:

اولا: بان قوله: اذا كان نسيانا، لا ظهور له في الاحترازية فلعله من باب المجاراة لسؤال السائل، لان السائل فرض النسيان، قال: «اني صليت المكتوبة فنسيت ان أقرأ في صلاتي كلها، فقال: اليس ان اتممت الركوع والسجود؟ قلت: بلى، قال: قد تمت صلاتك اذا كان نسيانا». يعني اذا كان الامر كما فرضت في سؤالك.

فبما انه لا ظهور لعنوان النسيان في الاحترازية اذ لعله من باب مجاراة السائل في سؤاله اذن فلا ينعقد للجملة الشرطية مفهوم كي يتسدل على اطلاق المفهوم على فساد الصلاة في فرض الاخلال عن جهل.

وثانيا: سلمنا ان القيد احترازي وان للشرط مفهوما فيبتني على المبنى: حيث ان مبنانا هو عدم الاطلاق في مفاهيم الشرط، وان غاية ما يستفاد منه ان طبيعي الاخلال ليس موضوعا للصحة، واما ان الصحة تدور مدار النسيان فلا يستفاد من المفهوم، فلا يتم الاستدلال حينئذ باطلاق المفهوم في صحيحة منصور ابن حازم.

واما بالنسبة لرواية عبد الله ابن جعفر: فمضافا لعدم ورود توثيق لعبد الله ابن الحسن ان قوله في الذيل: «ان كان متعمدا فلا صلاة له». اما ان يكون المراد بالعمد هنا المعنى الاعم اي من لم يكن ناسيا، فلا ينعقد مفهوم بعد ذلك لقوله: «اذا كان ناسيا» بل يكون باب تقسيم الموضوع للاقسام المستوعبة له كما اذا قلت: ان كان المكلف عالما فيتنجز عليه الحكم وان كان جاهلا فلا يتنجز، فهنا قولك: ان كان جاهلا ليس له مفهوم بل هو من باب تقسيم الموضوع لافراده المستوعبة، فلو كان المراد بالعمد في الرواية: «إن كان متعمدا فلا صلاة له» العمد بالمعنى الاعم، يعني من ليس ناسيا، فلا يستفاد من الرواية حينئذ شيء، لانه يقول: من ليس ناسيا فصلاته فاسدة، ومن كان ناسيا فصلاته صحيحة، فليس لقوله «إن كان ناسيا» مفهوم.

وأما اذا كان المراد بعنوان العمد: المعنى الاخص، يعني من أخل بالعمل عن التفات للحكم والموضوع فسوف يقع التعارض بين مفهووم الشرط في الجملة الاولى وبين مفهوم الشرط في الجملة الثانية. وهذا موجب للاجمال لانه اذا وقع التهافت الداخلي في نفس الرواية وفي نفس السياق ترتب عليه الإجمال. فهنا مفهوم الشرط في قوله: «ان كان متعمدا فلا صلا له» معناه: ان لم يكن معتمدا بان اخل عن جهل قصوري فصلاته صحيحة. ومقتضى مفهوم الشرط في الجملة الثانية: «وإن كان ناسيا فلا بأس» أنه إن لم يكن ناسيا بان أخل بالفاتحة عن جهل فصلاته فاسدة، فيقع التعارض بين مفهوم الشرط للفقرة الاولى ومفهوم الشرط في الفقرة الثانية. ومقتضى التعارض الداخلي: اجمال الرواية، فلا يصح الاستدلال بها.

اذن اما ان المراد بالعمد في الفقرة الاولى: اما الاعم، فلا يصح الاستدلال بمفهوم الشرط في الفقرة الثانية، لانه لم ينعقد لها مفهوم، بل هي من باب تقسيم الموضوع. وان كان عنوان العمد في الفقرة الاولى: يراد به المعنى الاخص، فسوف يقع التعارض بين مفهوم الشرطية الاولى والثانية، ومقتضاه الاجمال الداخلي وعدم صحة الاستدلال بالرواية على كل حال.

فتم الكلام بناء على ذلك، في ان: سائر الوجوه العامة التي استدل بها لمنع شمول حديث لا تعاد للاخلال بالسنة عن جهل غير تامة اذن مقتضى اطلاق حديث لا تعاد شموله لفرض الاخلال عن جهل.

ولكن سيدنا الخوئي «قده» قال: قد يذكر وجه يمنع شمول حديث لا تعاد في لفرض الجهل في باب النجاسة، - لا انه يمنع شمول حديث لا تعاد لفرض الجهل في مطلق فروع الخلل -. بيان ذلك: ان الطهور في صحيحة لا تعاد قد ذكر ضمن المستثنى: حيث قال: «لا تعاد الصلاة الا من خمسة.... الطهور». فالطهور من جملة المستثنى لا المستثنى منه. وحينئذ: فاما ان يكون عنوان الطهور شاملا للطهارة الحدثية والطهارة الخبثية. فمقتضى ذلك: أن من اخل بالطهارة الخبثية بان صلى في النجس جاهلا بالحكم فصلاته فاسدة.

واما ان يكون عنوان الطهور مجملا: لا ندري هل هو خاص بالطهارة الحدثية او عام للطهارة الخبثية، فاذا كان عنوان الطهور مجمل صار المستثنى مجمل واجمال المستثنى يوجب اجمال المستثنى منه، لان المقيد متصل، وإجمال المقيد المتصل يوجب اجمال العام، اذن فلا تعاد الصلاة مجملة من حيث شمولها للاخلال بالطهارة الخبثية عن جهل. من هذه الناحية تكون مجملة. فاذا كانت الرواية مجملة سقط الاستدلال بها لاثبات صحة الصلاة عند الاخلال بالنجاسة عن جهل، فيرجع الى الاطلاقات الدالة على مانعية النجاسة ومقتضاها فساد الصلاة.

واجاب سيدنا «قده»: بهذا الوجه بقوله: «ص321»: وهذا الوجه وإن كان امتن الوجوه، الا انه كما ذكرنا في اول الكتاب «كتاب الطهارة»: ان الطهور من اسماء الآلة يعني ما يتطهر به، كالوقود والفطور والسحور، فالطهور ما يتطهر به. فقد يقال: ان المراد بالطهور ما يتطهر به انه اعم من الطهارة الخبثية والحدثية، الا انه في الحديث نفسه وهو - حديث لا تعاد - قرينة داخلية على ان المراد بالطهور: خصوص الطهارة الحدثية. والسر في ذلك: ان حديث لا تعاد ذكر في ذيله قوله «ولا تنقض السنة الفريضة» فظاهره: ان استثناء الخمسة في صدر الرواية: وهي الطهور والقبلة والوقت والركوع والسجود، لا لموضوعية فيها بل لانها فريضة، فلذلك استثني، فمقتضى هذا الذيل ان المستثنى ليس كل الطهور بل الطهور الفريضة، وبما ان الفريضة هو ما فرض في الكتاب فلابد ان نرجع للكتاب، واذا رجعنا للكتاب وجدنا: ان الركوع دل عليه الكتاب ﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ، والسجود دل عليه الكتاب: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، والقبلة دل عليها الكتاب: ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا، والوقت دل عليه الكتاب: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ. وأما بالنسبة للطهارة: فلم يرد دليل في الكتاب الا على الطهارة الحدثية، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ.....

فتبين: ان مقتضى ذيل الحديث وهو: «لا تنقض السنة الفريضة» ان المراد بالمستثنى: خصوص الطهارة الحدثية ولا يشمل الطهارة الخبثية. وبناء على ذلك: فسوف يكون عنون لاتعاد للمستثنى منه: شاملا لمن اخل بالطهارة الخبثية عن جهل. ومما يؤكد ان المراد بالطهور في المستثنى خصوص الطهارة الخبثية المتسالم عليه ان من صلى في النجاسة في بعض الموارد فصلاته صحيحة، اما للاضطرار وعدم وجدان ثوب يستر به عورته مع وجود ناظر الا بالثوب النجس على بعض المباني، واما لانه صلى في الثوب النجس عن جهل بالشبهة الموضوعية، يعني عن جهل بثوبه نجسا. فيقول: فلو كان عنوان الطهور في المستثنى شاملا للطهارة الخبثية لما صحت الصلاة في هذه الموارد، فصحتها كاشف عن ان عنوان الطهور لا يشمل الطهارة الخبثية.

ولكن ما افاده «قده»: اما بالنسبة الامثلة التي ذكرها فهي لورود النص الخاص على عدم ضائرية الصلاة في الثوب النجس في بعض الموارد، ومقتضى النص الخاص تخصيص المستثنى بحديث لا تعاد، بمعنى اننا لو خلينا ونفسنا وحديث لا تعاد لقلنا بالفساد. وإنما خرجنا عنه ببركة النصوص الخاصة.

واما بالنسبة للاستدلال بالذيل وهو قوله «لا تنقض السنة الفريضة»: على ان المراد بالطهور في المستثنى هو خصوص الطهارة الحدثية، فيبتني على ان المراد بالفريضة: ما فرض بالكتاب. وهذا هو اول الكلام. فعند بحثنا عن هذه القاعدة وهي: لا تنقض السنة الفريضة. ذكرنا ان للفريضة معاني ثلاثة:

المعنى الاول: ما فرض في الكتاب. وهو ما اختاره سيدنا الخوئي «قده».

المعنى الثاني: ما فرض في الكتاب او ورد في السنة تفسيرا او تفصيلا للكتاب. وهو ما اختاره السيد الاستاذ «دام ظله» فعمم الفريضة لما يرد في السنة تفصيلا للكتاب نفسه.

والمعنى الثالث: ان المراد بالفريضة: ما فرضه الله في مقابل ما سنه النبي وان لم يكن في الكتاب ولم يرد في رواية تفصيلا في الكتاب. فيتصور هناك شق ثالث وهو ما فرضه الله وفوض بيانه للنبي او المعصوم . وهذا الشق الثالث إن الحقناه بالفريضة ترتب اثر، ان الحقناه بالسنة ترتب اثر، فلذلك نقول: حيث لم يحرز ان عنوان الفريضة في صحيحة «لا تعاد» ما فرض في الكتاب فلا يصلح ان يكون قرينة على ان المراد بالطهور الطهارة الحدثية. كيف؟ وفي معتبرة الفضيل ابن يسار اطلق عنوان الفريضة على ركعتين، مع عدم ورودهما في الكتاب؟!. فقال: «ان الله فرض الصلاة ركعتين ركعتين فاضاف رسول الله ركعتين واضاف للمغرب ركعة فصارت عديل الفريضة». يعني: ان صلاة الركعتين فريضة مع انها لم تذكر في الكتاب وما وردت في رواية تفصيلا للكتاب. اذن: فمجرد التعبير بالفريضة لا يعني الانصراف فيما ورد في الكتاب او ما ورد تفصيلا في الكتاب.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

الدرس 121
الدرس 123